الفرقان

سورة الفرقان

مكية آياتها سبع وسبعون (بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ثم مدح عز وجل نفسه فقال: (الذي له ملك السماوات والأرض - إلى قوله - تقديرا) ثم احتج عز وجل على قريش في عبادة الأصنام فقال (واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون - إلى قوله - ولا نشورا) ثم حكى عز وجل أيضا فقال (وقال الذين كفروا ان هذا) يعني القرآن (إلا افك افتراه واعانه عليه قوم آخرون) قالوا إن هذا الذي يقرأه محمد ويخبرنا به إنما يتعلمه من اليهود ويكتبه من علماء النصارى ويكتب عن رجل يقال له ابن قبيطة وينقله عنه بالغداة والعشي فحكى الله قولهم ورد عليهم فقال (وقال الذين كفروا ان هذا إلا افك افتراه - إلى قوله - بكرة وأصيلا) فرد الله عليهم (وقال قل لهم - يا محمد (أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " افك افتراه " قال الافك الكذب " وأعانه عليه قوم آخرون " يعنون أبا فكيهة وحبرا وعداسا وعابسا مولى حويطب وقوله (أساطير الأولين اكتتبها) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة قال أساطير الأولين اكتتبها محمد (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).

قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله قولهم أيضا فقال (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها) فرد الله عز وجل عليهم فقال (وما أرسلنا قبلك من المرسلين - إلى قوله - وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) اي اختبارا فعير رسول الله صلى الله عليه وآله بالفقر فقال الله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) حدثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل بن جميل البرقي (الرقى ط×عن جابر بن يزيد الجعفي قال قال أبو جعفر عليه السلام: نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا " وقال الظالمون لآل محمد حقهم ان تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " قال إلى ولاية علي وعلي عليه السلام هو السبيل، حدثنا محمد بن همام عن جعفر ابن محمد بن مالك قال حدثني محمد بن المستنير (المثنى ط×عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر ابن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام مثله.

حدثنا أحمد بن علي قال حدثني الحسين بن أحمد عن أحمد بن هلال عن عمر الكلبي عن أبي الصامت قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ان الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة وان علي بن أبي طالب عليه السلام اشرف ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهو قول الله تعالى (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا).

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر الدهرية وما أعده لهم فقال (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد) قال من مسيرة سنة (سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها) اي فيها (مكانا ضيقا مقرنين) قال مقيدين بعضهم مع بعض (دعوا هنالك ثبورا) ثم ذكر عز وجل احتجاجه على الملحدين وعبدة الأصنام والنيران يوم القيامة وعبدة الشمس والقمر والكواكب وغيرهم فقال (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول) الله لمن عبدوهم (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من أولياء - إلى قوله - قوما بورا) اي قوم سوء، ثم يقول عز وجل للناس الذين عبدوهم (فقد كذبوكم الجزء (19) بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا - وقوله - ويقولون حجرا محجورا) اي قدرا مقدورا.

واما قوله (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطي (1) ثم يقال له كن هباءا منثورا ثم قال: أما والله يا أبا حمزة انهم كانوا ليصومون ويصلون ولكن كانوا إذا عرض لهم شئ من الحرام اخذوه وإذا عرض لهم شئ من فضل أمير المؤمنين عليه السلام أنكروه قال والهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوة من شعاع الشمس وقوله (ويوم يعض الظالم على يديه) قال الأول يقول (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) قال أبو جعفر عليه السلام يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول عليا وليا (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) يعني الثاني (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني) يعني الولاية (وكان الشيطان) وهو الثاني (للانسان خذولا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) فبلغنا والله أعلم انه إذا استوى أهل النار إلى النار لينطلق بهم قبل ان يدخلوا النار فيقال لهم: ادخلوا إلى ظل ذي ثلاث شعب من دخان النار فيحسبون انها الجنة ثم يدخلون النار أفواجا أفواجا وذلك نصف النهار، وأقبل أهل الجنة فيما اشتهوا من التحف حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار فذلك قول الله عز وجل: " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن محمد ابن حمدان عن محمد بن سنان عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله " ويوم تشقق السماء بالغمام " قال: الغمام أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (وعادا وثمود وأصحاب الرس) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله & قال دخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد الله & فقالت ما تقول في اللواتي مع اللواتي؟

قال: هن في النار إذا كان يوم القيامة يؤتى بهن فألبسن جلبابا من نار وخفين من نار وقناعا من نار وادخل في أجوافهن وفروجهن أعمدة من النار وقذف بهن في النار، فقالت أليس هذا في كتاب الله؟

قال: بلى، قالت أين هو؟

قال: قوله " وعادا وثمود وأصحاب الرس " فهن الرسيات وقوله (وكلا تبرنا تتبيرا) أخبرنا احمد ابن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن جعفر بن غياث عن أبي عبد الله & في قوله " وكلانا تبرنا تتبيرا " يعني كسرنا تكسيرا، قال هي لفظة بالنبطية (بالقبطية ط)، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & قال: واما القرية (التي أمطرت مطر السوء) فهي سدوم قرية قوم لوط أمطر الله عليهم حجارة من سجيل يقول من طين.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال نزلت في قريش، وذلك أنه ضاق عليهم المعاش فخرجوا من مكة وتفرقوا فكان الرجل إذا رأى شجرة (صخرة ط×حسنة أو حجرا حسنا هواه فعبده وكانوا ينحرون لها النعم ويلطخونها بالدم ويسمونها سعد صخرة وكان إذا أصابهم داء في إبلهم وأغنامهم جاؤوا إلى الصخرة فيتمسحون بها الغنم والإبل، فجاء رجل من العرب بابل له يريد ان يتمسح بالصخرة لابله ويبارك عليها فنفرت إبله وتفرقت فقال الرجل شعرا: أتيت إلى سعد ليجمع شملنا * فشتتنا سعد فما نحن من سعد وما سعد إلا صخرة مستوية * من الأرض لا تهدي لغي ولا رشد ومر به رجل من العرب والثعلب يبول عليه، فقال شعرا: ورب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب واما قوله (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن بريد العجلي عن أبي عبد الله & قال سألته عن قول الله " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا " قال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه (2) فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها إياه فجرى بينهما بسبب ذلك صهر فذلك قوله (نسبا وصهرا) فالنسب يا أخا بنى عجل ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) فقال الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقوله (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) فالأجاج المر (وجعل بينهما برزخا) يقول حاجزا وهو المنتهى (وحجرا محجورا) يقول حراما محرما بأن يغير طعم واحد منهما طعم الآخر واما قوله (وكان الكافر على ربه ظهيرا).

فقال علي بن إبراهيم: قد يسمى الانسان ربا لغة لقوله " اذكرني عند ربك " وكل مالك لشئ يسمى ربه فقوله " وكان الكافر على ربه ظهيرا " قال الكافر الثاني كان على أمير المؤمنين & ظهيرا (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) قال جوابه (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر & في قوله تبارك وتعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) فالبروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي اثنا عشر برجا.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد ان يذكر أو أراد شكورا) فإنه حدثني أبي عن صالح بن عقبة عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له رجل: جعلت فداك يا بن رسول الله ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟

قال قرة عين لك والله قرة عين لك ثلاثا ان الله يقول " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " الآية فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون وفي قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) قال نزلت في الأئمة عليهم السلام، أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي نجران عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) قال الأئمة (يمشون على الأرض هونا) خوفا من عدوهم، وعنه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليمان ابن جعفر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) قال هم الأئمة عليهم السلام يتقون في مشيهم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (إن عذابها كان غراما) يقول ملازما لا يفارق قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) وأثام واد من أودية جهنم من صفر مذاب قدامها خدة (حدة ط جرة ك× في جهنم يكون فيه من عبد غير الله ومن قتل النفس التي حرم الله ويكون فيه الزناة (ويضاعف له العذاب - إلى قوله - فإنه يتوب إلى الله متابا) يقول لا يعود إلى شئ من ذلك، بالاخلاص ونية صادقة (والذين لا يشهدون الزور) قال الغناء ومجالس اللهو (إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) والاسراف الانفاق في المعصية في غير حق ولم يقتروا لم يبخلوا عن حق الله (وكان بين ذلك قواما) والقوام العدل والانفاق فيما أمر الله به.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - إلى قوله - يلق أثاما) قال واديا في جهنم يقال له أثام ثم استثنى عز وجل فقال: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وحدثني أبي عن جعفر وإبراهيم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة أوقف الله المؤمن بين يديه وعرض عليه عمله فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعد فرائصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول الله عز وجل بدلوا سيئاتهم حسنات وأظهروها للناس فيبدل الله لهم فيقول الناس أما كان لهؤلاء سيئة واحدة وهو قوله " يبدل الله سيئاتهم حسنات ".

قال: وقرئ عند أبي عبد الله عليه السلام (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) فقال قد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين أئمة!

فقيل له كيف هذا يا بن رسول الله؟

قال إنما انزل الله " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما " حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا الحسن بن محمد عن حماد عن ابان ابن تغلب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " قال نحن هم أهل البيت وروى غيره ان " أزواجنا " خديجة " وذرياتنا " فاطمة " وقرة أعين " الحسن والحسين " واجعلنا للمتقين إماما " علي بن أبي طالب عليه السلام وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم) يقول ما يفعل ربي بكم (فقد كذبتم فسوف يكون لزاما).


1- لا يخفى أن هذه الرواية وردت موافقة للعامة وقد ورد في العلل والفقيه ما يدل على ردها من عدم خلقة حواء من ضلع آدم، فعن زرارة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، قال سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا أيقول من يقول هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته من غير ضلعه وجعل لمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام يقول إن آدم كان ينكح بعضه بعضا (علل الشرائع ص 18)، فعليه يحمل ما في هذا التفسير اما على التقية أو يجمع بين الخبرين يكون خلق حواء من بقية طين خلق منه ضلع آدم. ج. ز.

2- لعل " خادع " ههنا بمعنى قاطع كما في الدعاء للمؤمنين الذين حبسهم المنصور " اللهم اخدع عنهم سلطانه " اي اقطع، فالمراد هنا انك قاطع نفسك عن الحباة حسرة على أن الكفار لم لا يكونون مؤمنين. ج. ز.