المؤمنون والنور

سورة المؤمنون

مكية آياتها مأة وثمان عشرة (بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال الصادق عليه السلام: لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت.

" قد أفلح المؤمنون " وقوله: (والذين هم في صلاتهم خاشعون) قال غضك بصرك في صلواتك وإقبالك عليها (والذين هم عن اللغو معرضون) يعنى الغناء والملاهي (والذين هم للزكاة فاعلون) قال الصادق &: من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة له (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) يعني الإماء (فإنهم غير ملومين) والمنعة حدها حد الإماء (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) قال من جاوز ذلك فأولئك هم العادون وقوله: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) قال على أوقاتها وحدودها وقوله: (أولئك هم الوارثون) فإنه حدثني أبي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا وفي النار منزلا فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أشرفوا فيشرفون على أهل النار وترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها يعنى النار قال فلو ان أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة في ذلك ليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب، ثم ينادي مناد يا أهل النار ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فينظرون منازلهم في الجنة وما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم لدخلتموها قال فلو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء وذلك قول الله (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).

وقوله: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) قال السلالة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير نطفة والنطفة أصلها من السلالة والسلالة هي من صفوة الطعام والشراب والطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله: (من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) يعنى في الرحم (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعون يوما ثم تصير علقة.

وزعمت المعتزلة إنا نخلق أفعالنا واحتجوا بقول الله أحسن الخالقين وزعموا أن ههنا خالقين غير الله عز وجل ومعنى الخلق ههنا التقدير مثل أقول الله لعيسى بن مريم وليس ذلك كما ذهبت المعتزلة انهم خالقون لأفعالهم وقوله: خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين - إلى قوله - ثم أنشأناه خلقا آخر فهم ستة أجزاء وست استحالات وفي كل جزء واستحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا وفي العظم ثمانون دينارا، وإذا كسي لحما فمائة دينار، حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة فحدثني بذلك أبي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت فان خرج في النطفة قطرة دم قال في القطرة عشر النطفة ففيها اثنان وعشرون دينارا (1) قلت قطرتان قال أربعة وعشرون دينارا قلت فثلاث قال ستة وعشرون دينارا قلت فأربع قال ثمانية وعشرون دينارا قلت فخمس قال ثلاثون دينارا وما زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتى تصير علقة فيكون فيها أربعون دينارا، قلت فان خرجت النطفة متخضخضة بالدم؟

قال: قد علقت إن كان دما صافيا أربعون دينارا وإن كان دما اسود فذلك من الجوف فلا شئ عليه إلا التعزير لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد وما كان من دم اسود فهو من الجوف، قال فقال أبو شبل فان العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم؟

قال اثنان وأربعون دينارا العشر قال قلت فان عشر الأربعين أربعة، قال لا إنما عشر المضغة إنما ذهب عشرها فكلما ازدادت زيد حتى تبلغ الستين قلت فان رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟

قال: إن ذلك عظم أول ما يبتدئ ففيه أربعة دنانير (2) فان زاد فزاد أربعة دنانير حتى تبلغ مائة قلت فان كسي العظم لحما قال كذلك إلى مائة قلت فان ركزها فسقط الصبي لا يدري أحيا كان أو ميتا، قال: هيهات يا أبا شبل إذا بلغ أربعة اشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (ثم أنشأناه خلقا آخر) فهو نفخ الروح فيه.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) قال السماوات وقوله: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) قال شجرة الزيتون وهو مثل لرسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وأنزلنا من السماء ماءا بقدر فأسكناه في الأرض) فهي الأنهار والعيون والآبار وقوله: " وشجرة تخرج من طور سيناء " فالطور الجبل والسيناء الشجرة واما الشجرة التي تنبت بالدهن فهي الزيتون وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) يعني السفن وفي رواية أبي الجارود في قوله (فجعلناهم غثاءا) والغثاء اليابس الهامد من نبات الأرض وقوله: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يقول بعضهم في أثر بعض وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية - إلى قوله - ومعين) قال الربوة: الحيرة وذات قرار ومعين اي الكوفة ثم خاطب الله الرسل فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا - إلى قوله - أمة واحدة) قال على مذهب واحد وقوله: (كل حزب بما لديهم فرحون) قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به، ثم خاطب الله نبيه صلى الله عليه وآله فقال (فذرهم) يا محمد (في غمرتهم) اي في سكرتهم وشكهم (حتى حين) ثم قال عز وجل: (أيحسبون) يا محمد (إنما نمدهم به من مال وبنين) هو خير نريده بهم بل لا يشعرون ان ذلك شر لهم ثم ذكر عز وجل من يريد بهم الخير فقال (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون - إلى قوله - يؤتون ما آتوا) قال من العبادة والطاعة (وقلوبهم وجلة) اي خائفة (انهم إلى ربهم راجعون) ثم قال (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وهو معطوف على قوله (أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) هو علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسبقه أحد وقوله: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) يعني من القرآن ولهم اعمال من دون ذلك (هم لها عاملون) يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل ان يخلقوا هم لذلك الاعمال المكتوبة عاملون وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولدينا كتاب ينطق بالحق) اي عليكم ثم قال: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) اي في شك مما يقولون وقوله: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) يعني كبراءهم بالعذاب (إذا هم يجئرون) اي يضجون فرد الله عليهم (لا تجئروا اليوم انكم منا لا تنصرون - إلى قوله - مستكبرين به سامرا تهجرون) اي جعلتموه سمرا وهجرتموه وقوله: (أم يقولون به جنة) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله فرد الله عليهم (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) وقوله: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) قال: الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والدليل على ذلك قوله: " قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم " يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: " ويستنبؤنك " اي يا محمد أهل مكة في علي " أحق هو " إمام هو " قل اي وربي انه لحق " اي لامام، ومثله كثير والدليل على أن الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قول الله عز وجل: ولو اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام قريشا لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، ففساد السماء إذا لم تمطر وفساد الأرض إذا لم تنبت وفساد الناس في ذلك وقوله (وانك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) قال إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قال: (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) قال عن الامام لحائدون.

ثم حكى الله عز وجل قول الدهرية: (قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون - إلى قوله - أساطير الأولين) يعني أكاذيب الأولين فرد الله عليهم فقال: (بل آتيناهم بالحق وانهم لكاذبون) ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بآلهين فقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا ولا يخلق هذا ويريد هذا ولا يريد هذا ويطلب كل واحد منهما الغلبة وإذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا وبهيمة في حالة واحدة وهذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير والصنع لواحد ودل أيضا التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد وذلك قوله: (ما اتخذ الله من ولد - إلى قوله - لعلى بعضهم على بعض) ثم قال آنفا (سبحان الله عما يصفون) وقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين وقوله: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها) فإنها نزلت في مانع الزكاة والخمس وحدثني أبي عن خالد عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله & قال ما من ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله أو خمسه إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر وسلط عليه سباعا تريده وتحيد عنه (فيه خ ل× فإذا علم أنه لا محيص له أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حسبه الله يوم القيامة بقاع قفر ينطحه كل ذات قرن بقرنها ولك ذي ظلف بظلفها وما من ذي مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله إلى يوم القيامة ورفع أرضه إلى سبع أرضين يقلده (يقلبه ك× إياه وقوله: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) قال البرزخ هو أمر بين أمرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل القيامة وهو قول الصادق &: والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فاما إذا صار الامر الينا فنحن أولى بكم، وقال علي بن الحسين عليهما السلام: ان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & في قوله: (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير)، يقول أم تسألهم اجرا فأجر ربك خير (وهو خير الرازقين) وقوله: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فهو الجوع والخوف والقتل وقوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون) يقول آيسون واما قوله: (غلبت علينا شقوتنا) فإنهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة ان الشقي كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون (قال اخسؤا فيها ولا تكلمون) فبلغني والله أعلم انهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون) فإنه رد على من يفتخر بالأنساب قال الصادق عليه السلام: لا يتقدم يوم القيامة أحد إلا بالاعمال والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله (يا أيها الناس ان العربية ليست بأب وجد وإنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا انكم ولد آدم وآدم من تراب والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي عصى الله وان أكرمكم عند الله أتقاكم " والدليل على ذلك قوله عز وجل: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه) يعني بالاعمال الحسنة (فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه) قال من الاعمال الحسنة (فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) وقوله: (تلفح وجوههم النار) قال اي تلهب عليهم (فتحرقهم وهم فيها كالحون) اي مفتوحي الفم متربدي الوجوه وقوله: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين) قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الأيام ويكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها على الأنام فرد الله عليهم فقال (قل) لهم يا محمد (ان لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) وقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) اي لا حجة له به (فإنما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) وقل يا محمد (رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)

سورة النور

مدنية آياتها اربع وستون (بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) يعني كي تذكروا وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهي ناسخة لقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية) وقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني والزانية في دين الله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) في إقامة الحد عليهما.

وكانت آية الرجم نزلت: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وليشهد عذابهما) يقول ضربهما (طائفة من المؤمنين) يجمع لهم الناس إذا جلدوا.

وقال علي بن إبراهيم: (ثم حرم الله عز وجل نكاح الزواني فقال (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، ونزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا سارة وحنتمة والرباب كن يغنين بهجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فحرم الله نكاحهن، وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن.

والزنا على وجوه والحد فيه على وجوه فمن ذلك أنه احضر عمر بن الخطاب ستة نفر أخذوا بالزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا عند عمر فقال يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم أنت عليهم الحد، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الثاني فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره واما السادس فأطلقه فتعجب عمر وتحير الناس، فقال عمر: يا أبا الحسن ستة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم ست عقوبات ليس منها حكم يشبه الآخر فقال نعم اما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة وخرج عن ذمته فالحكم فيه السيف، واما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه، واما الثالث فغير محصن فحددناه، واما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد، واما الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناه وأدبناه واما السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط منه التكليف.

واما قوله: (والذين يرمون المحصنات - إلى قوله - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) فإنه حدثني أبي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال القاذف يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة أو يكذب نفسه فان شهد له ثلاثة وأبى واحد يجلد الثلاثة ولا يقبل شهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة، ومن شهد على نفسه انه زنى لم تقبل شهادته حتى يعيد اربع مرات.

حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي بحران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أمير المؤمنين اني زنيت فطهرني فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أبك جنة؟

فقال: لا قال: أفتقرأ من القرآن شيئا؟

قال: نعم فقال له: ممن أنت؟

فقال: أنا من مزنية أو جهينة قال: اذهب حتى اسأل عنك فسأل عنه، قالوا: يا أمير المؤمنين هذا رجل صحيح العقل مسلم، ثم رجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين اني زنيت فطهرني، فقال: ويحك ألك زوجة؟

قال: نعم، قال: فكنت حاضرها أو غائبا عنها؟

قال: بل كنت حاضرها قال: اذهب حتى ننظر في امرك، فجاء إليه الثالثة فذكر له ذلك، فأعاد عليه أمير المؤمنين عليه السلام فذهب ثم رجع في الرابعة، فقال: إني زنيت فطهرني، فأمر أمير المؤمنين بحبسه ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس ان هذا الرجل يحتاج ان نقيم عليه حد الله فأخرجوا متنكرين لا يعرف بعضكم بعضا ومعكم أحجاركم، فلما كان من الغد اخرجه أمير المؤمنين عليه السلام بالغلس (3) وصلى ركعتين ثم حفر حفيرة ووضعه فيها ثم نادى: أيها الناس ان هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عنده لله حق مثله فمن كان لله عليه حق مثله فلينصرف فإنه لا يقيم الحد من الله من لله عليه الحد فانصرف الناس فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام حجرا فكبر أربع تكبيرات فرماه ثم اخذ الحسن عليه السلام مثله ثم فعل الحسين عليه السلام مثله فلما مات اخرجه أمير المؤمنين عليه السلام وصلى عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟

قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر إلى يوم القيامة ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس من اتى هذه القاذورة (4) فليتب إلى الله فيما بينه وبين الله فوالله لتوبة إلى الله في السر لافضل من أن يفضح نفسه ويهتك ستره.

واما قوله (والذين يرمون أزواجهم - إلى قوله - إن كان من الصادقين) فإنها نزلت في اللعان، وكان سبب ذلك أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة العجلاني وكان من الأنصار، فقال يا رسول الله ان امرأتي زنى بها شريك بن السمحا وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فأعاد عليه القول، فأعرض عنه حتى فعل ذلك اربع مرات، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله منزله فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس العصر وقال لعويمر: إئتني بأهلك فقد انزل الله فيكما قرآنا، فجاء إليها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله يدعوك وكانت في شرف من قومها، فجاء معها جماعة فلما دخلت المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعويمر تقدما إلى المنبر والتعنا، قال فكيف أصنع؟

فقال تقدم وقل: أشهد بالله اني إذا لمن الصادقين فيما رميتها به، قال فتقدم وقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أعدها فأعادها ثم قال أعدها حتى فعل ذلك اربع مرات، فقال له في الخامسة عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال (والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) فيما رماها به ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن اللعنة لموجبة إن كنت كاذبا ثم قال له تنح فتنحى عنه، ثم قال لزوجته تشهدين كما شهد وإلا أقمت عليك حد الله، فنظرت في وجوه قومها فقالت لا اسود هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدمت إلى المنبر وقالت: أشهد بالله ان عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله أعيديها فأعادتها حتى أعادتها اربع مرات فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به فقالت في (الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله ويلك ويلك انها موجبة إن كنت كاذبة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لزوجها اذهب فلا تحل لك أبدا قال يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها؟

قال إن كنت كاذبا فهو أبعد لك منه وإن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن جاءت بالولد اخمش الساقين واخفش العينين جعد قطط فهو للامر السئ وإن جاءت به أشهل أصهب (5) فهو لأبيه فيقال فيقال انها جاءت به على الامر السئ، فهذه لا تحل لزوجها وإن جاءت بولد لا يرثه أبوه وميراثه لامه وإن لم يكن له أم فلأخواله وان قذفه أحد جلد حد القاذف، واما قوله: (ان الدين جاؤوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) فان العامة رووا انها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة واما الخاصة فإنهم رووا انها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عايشة ء المنافقات.

حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبد الله (محمد خ ل× بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه حزنا شديدا فقالت عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وأمره بقتله فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط وضرب علي عليه السلام باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا عليه السلام عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب فوثب علي عليه السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي ان يرهقه صعد في نخلة وصعد علي عليه السلام في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إذا بعثتني في الامر أكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر أم أثبت؟

قال فقال لا بل أثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت (6) وقال علي بن إبراهيم في قوله: (إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت أذناه كان من الذين قال الله فيهم " ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة " ثم أدب الله تعالى خلقه فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم - إلى قوله - فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) قال معناه معلما للناس (فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى) وهي قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله (والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) يقول يعفو بعضكم عن بعض ويصفح فإذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم يقول الله: (ألا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وقوله: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) يقول غافلات عن الفواحش وقوله: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون) يقول الخبيثات من الكلام والعمل للخبيثين من الرجال والنساء يلزمونهم ويصدق عليهم من قال والطيبون من الرجال والنساء من الكلام والعمل للطيبات واما قوله: (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال الاستيناس هو الاستيذان حدثني علي بن الحسين قال حدثني أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاستيناس وقع النعل والتسليم وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) قال هو سلامك على أهل البيت وردهم عليكم فهو سلامك على نفسك ثم رخص الله تعالى فقال: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم) قال الصادق عليه السلام: هي الحمامات والخانات والأرحية تدخلها بغير إذن وقوله: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم).

فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن ان ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة ان تنظر إلى فرج أختها وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج، فاما زينة الناس فقد ذكرناه، واما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج (7) وما دونه والخلخال وما أسفل منه.

واما زينة للزوج فالجسد كله واما قوله: (أو التابعين غير اولي الإربة من الرجال) فهو الشيخ الكبير الفاني الذي لا حاجة له في النساء والطفل الذي لم يظهر على عورات النساء واما قوله: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) يقول ولا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال واما قوله: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر الله المسلمين ان ينكحوا الأيامى، وقال علي بن إبراهيم: الأيم التي ليس لها زوج واما قوله: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) فان العبيد والإماء كانوا يقولون لأصحابهم كاتبونا ومعنى ذلك انهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدون ثمنهم في نجمين (8) أو ثلاث أنجم فيمتنعون عليهم فقال: (كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) ومعنى قوله: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: إذا كاتبتموهم تجعلوا لهم من ذلك شيئا وقوله: (ولا تكرهوا فتياكم على البغاء ان أردن تحصنا) قال كانت العرب وقريش يشترون الإماء ويجعلون عليهن الضريبة الثقيلة ويقولون اذهبن وازنين واكتسبن فنهاهم الله عز وجل عن ذلك فقال: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء - إلى قوله - غفور رحيم) اي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: هذه الآية منسوخة نسختها " فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ".

حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسن الصايغ قال حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة) المشكاة فاطمة عليها السلام (فيها مصباح المصباح) الحسن والحسين (9) (في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري) كأن فاطمة عليها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض (يوقد من شجرة مباركة) يوقد من إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام (لا شرقية ولا غربية) يعني لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضئ) يكاد العلم يتفجر منها (ولو لم تمسسه نار نور على نور) إمام منها بعد إمام (يهدي الله لنوره من يشاء) يهدي الله للأئمة من يشاء ان يدخله في نور ولايتهم مخلصا (ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم) حدثنا حميد بن زياد عن محمد ابن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام في هذه الآية " الله نور السماوات والأرض " قال بدأ بنور نفسه تعالى " مثل نوره " مثل هداه في قلب المؤمن " كمشكاة فيها مصباح المصباح " والمشكاة جوف المؤمن والقنديل قلبه والمصباح النور الذي جعله الله في قلبه " يوقد من شجرة مباركة " قال الشجرة المؤمن " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال على سواء الجبل لا غربية اي لا شرق لها ولا شرقية اي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإذا غربت الشمس غربت عليها " يكاد زيتها يضئ " يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضئ وإن لم يتكلم " نور على نور " فريضة على فريضة وسنة على سنة " يهدي الله لنوره من يشاء " يهدي الله لفرايضه وسننه من يشاء " ويضرب الله الأمثال للناس " فهذا مثل ضربه الله للمؤمن، قال فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور، مدخله ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور، قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام جعلت فداك يا سيدي انهم يقولون مثل نور الرب؟

قال سبحان الله ليس لله مثل قال الله لا تضربوا لله الأمثال.

حدثنا محمد بن همام قال حدثنا جعفر بن (10) محمد بن مالك قال حدثنا القاسم ابن الربيع عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن منخل عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه) قال هي بيوت الأنبياء وبيت علي عليه السلام منها قال علي بن إبراهيم في قوله: " الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - والله بكل شئ عليم " فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن جندب قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام اسأل عن تفسير هذه الآية فكتب إلي الجواب: اما بعد فان محمدا كان امين الله في خلقه فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثنه فنحن أمناء الله في ارضه عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الاسلام وما من فئة تضل مأة به وتهدي مأة به إلا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق وان شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم اخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة، نحن آخذون بحجزة نبينا (11) ونبينا آخذ بحجزة ربنا والحجزة النور وشيعتنا آخذون بحجزتنا، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا وتابع أوليائنا مؤمن، لا يحبنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ومن مات وهو يحبنا كان حقا على الله ان يبعثه معنا، نحن نور لمن تبعنا، وهدى لمن اهتدى بنا ومن لم يكن منا فليس من الاسلام في شئ وبنا فتح الله الدين وبنا يختمه، وبنا أطعمكم الله عشب الأرض، وبنا انزل الله قطر السماء، وبنا آمنكم الله من الغرق في بحركم ومن الخسف في بركم وبنا نفعكم الله في حياتكم وفي قبوركم وفي محشركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخولكم الجنان، مثلنا في كتاب الله كمثل مشكاة والمشكاة في القنديل فنحن المشكاة فيها مصباح، المصباح محمد رسول الله صلى الله عليه وآله " المصباح في زجاجة " من عنصرة طاهرة " الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية " لا دعية ولا منكرة " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " القرآن " نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم " فالنور علي عليه السلام يهدي الله لولايتنا من أحب، وحق على الله ان يبعث ولينا مشرقا وجهه منيرا برهانه ظاهرة عند الله حجته حق على الله ان يجعل أولياءنا المتقين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فشهداؤنا لهم فضل على الشهداء بعشر درجات ولشهيد شيعتنا فضل على كل شهيد غيرنا بتسع درجات نحن النجباء ونحن افراط الأنبياء ونحن أولاد الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ونحن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك - يا محمد.

وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، قد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ونحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة اولي العلم وأولي العزم من الرسل ان أقيموا الدين (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ك× كما قال الله " ولا تتفرقوا فيه وان كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " من الشرك من اشرك بولاية علي عليه السلام " ما تدعوهم إليه " من ولاية علي عليه السلام يا محمد " فيه هدى ويهدي إليه من ينيب " من يجيبك إلي بولاية علي عليه السلام وقد بعثت إليك بكتاب فتدبره وافهمه فإنه شفاء لما في الصدور ونور، والدليل على أن هذا مثل لهم.

قوله (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - إلى قوله - بغير حساب) ثم ضرب الله مثلا لاعمال من نازعهم فقال (والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة) والسراب هو الآل تراه بالمفازة يلمع من بعيد كأنه الماء وليس في الحقيقة بشئ فإذا جاء العطشان لم يجده شيئا والبقيعة المفازة المستوية، حدثنا محمد بن همام (جعفر بن ط×عن محمد بن مالك عن محمد بن الحسين الصايغ عن الحسن بن علي عن صالح بن سهل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله (أو كظلمات) فلان وفلان (في بحر لجي يغشاه موج) يعنى نعثل (من فوقه موج) طلحة وزبير (ظلما بعضها فوق بعض) معاوية ويزيد وفتن بنى أمية (إذا اخرج يده) في ظلمة فتنتهم (لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) يعني إماما من ولد فاطمة &، فماله من نور فماله من إمام يوم القيامة يمشي بنوره يعني كما في قوله: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم قال: إنما المؤمنون يوم القيامة نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوا منازلهم من الجنان.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر ان الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) فإنه حدثني أبي عن بعض أصحابه يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين &: إن لله ملكا في صورة الديك الأملح الأشهب براثينه (12) في الأرض السابعة وعرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق وجناح بالمغرب فاما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج واما الجناح الذي بالمغرب فمن نار فكلما حضر وقت الصلاة قام الديك على براثينه ورفع عرفه من تحت العرش ثم أمال أحد جناحيه على الأرض يصفق بهما كما يصفق الديكة في منازلكم فلا الذي من الثلج يطفي النار ولا الذي من النار يذيب الثلج ثم ينادي بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وان وصيه خير الوصيين سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فلا يبقى في الأرض ديك إلا اجابه وذلك قوله: " والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسن بن علي الوشا عن صديق بن عبد الله عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من طير يصاد في البر ولا في البحر ولا يصاد شئ من الوحش إلا بتضييعه التسبيح.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ألم تر ان الله يزجي سحابا) اي يثيره من الأرض ثم يؤلف بينه فإذا غلظ (علا خ ل× بعث الله ملكا من الرياح وهو قوله: (فترى الودق يخرج من خلاله) اي المطر وقوله: (والله خلق كل دابة من ماء) اي من مياه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شئ قدير) قال على رجلين الناس وعلى بطنه الحيات وعلى اربع البهائم وقال أبو عبد الله & ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك وقوله: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا - إلى قوله - وما أولئك بالمؤمنين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله & قال: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين & والثالث وذلك أنه كان بينهما منازعة في حديقة فقال أمير المؤمنين & نرضى برسول الله صلى الله عليه وآله فقال عبد الرحمن بن عوف له لا تحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه يحكم له عليك ولكن حاكمه إلى ابن أبي شيبة اليهودي فقال لأمير المؤمنين & لا ارضى إلا بابن شيبة اليهودي فقال ابن شيبة له تأتمنون محمدا (رسول الله خ ل× على وحي السماء وتتهمونه في الاحكام!

فأنزل الله على رسوله (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم - إلى قوله - أولئك هم الظالمون) ثم ذكر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا - إلى قوله - أولئك هم الفائزون) وقوله: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فان تولوا فإنما عليه ما حمل) قال ما حمل النبي صلى الله عليه وآله من النبوة (وعليكم ما حملتم) من الطاعة ثم خاطب الله الأئمة ووعدهم ان يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم وغصبهم فقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم - إلى قوله - لا يشركون بي شيئا) وهذا مما ذكرنا ان تأويله بعد تنزيله وهو معطوف على قوله: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ".

واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم - إلى قوله - ثلاث عورات لكم) قال: إن الله تبارك وتعالى نهى ان يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب ولا أخت ولا أم ولا خادم إلا باذن هذه والأوقات بعد طلوع الفجر ونصف النهار وبعد العشاء الآخرة، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات وقوله: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) قال نزلت في العجايز اللاتي قد يئسن من المحيض والتزويج ان يضعن الثياب ثم قال (وان يستعففن خير لهن) اي لا يظهرن للرجال، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & في قوله: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) وذلك أن أهل المدينة قبل ان يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض وكانوا لا يأكلون معهم وكانت الأنصار فيهم تيه وتكرم فقالوا: ان الأعمى لا يبصر الطعام والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية وكانوا يرون عليهم في مواكلتهم جناحا وكان الأعمى والمريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا اكلنا معهم فاعتزلوا مواكلتهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن ذلك فأنزل الله (ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو اشتاتا).

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ان تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت اخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو أشتاتا) فإنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار وآخى بين أبي بكر وعمر وبين عثمان وعبد الرحمان بن عوف وبين طلحة والزبير وبين سلمان وأبي ذر وبين المقداد وعمار وترك أمير المؤمنين عليه السلام فاغتم من ذلك غما شديدا، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي لم لا تواخي بيني وبين أحد؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله والله يا علي ما حبستك إلا لنفسي أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك وأنت أخي في الدنيا والآخرة وأنت وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي تقضي ديني وتنجز عداتي وتتولى على غسلي ولا يليه غيرك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فاستبشر أمير المؤمنين بذلك فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول له خذ ما شئت وكل ما شئت فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله " ليس عليكم جناح ان تأكلوا جميعا أو اشتاتا " يعني ان حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه وقوله: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله قال يقول إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم وإن لم يكن فيه أحد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة وقيل إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه يقول السلام عليكم ورحمة الله يقصد به الملكين الذين عليه شهودا.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله - إلى قوله - حتى يستأذنوه) فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله لامر من الأمور في بعث يبعثه أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وقوله (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) قال نزلت في حنظلة بن أبي عياش وذلك أنه تزوج في الليلة التي في صبيحتها حرب أحد، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عند أهله فأنزل الله هذه الآية (فاذن لمن شئت منهم) فأقام عند أهله ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحايف فضة بين السماء والأرض فكان يسمى " غسيل الملائكة " وقوله: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعض) قال لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ثم قال: (فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة) يعني بلية (أو يصيبهم عذاب اليم) قال القتل، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) يقول لا تقولوا يا محمد ولا يا أبا القاسم لكن قولوا يا نبي الله ويا رسول الله قال الله: " فليحذر الذين يخالفون عن امره " اي يعصون امره " ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم.


1- يعني علاوة من دية المضغة فيكون المجموع أربعة وستين دينارا ج. ز.

2- الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل.

3- الفاحشة الزنا ومنه قوله عليه السلام: " أيها الناس اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها ". مجمع.

4- قطط كصنم: قصير الشعر جعده ج قطون وقطاط، أشهل: يخالط سواد العين بزرقة، أصهب: تكون في الشعر حمرة أو شقرة. ج. ز.

5- لا يتوهم متوهم ان هذا الخبر دال على منقصة في رسول الله صلى الله عليه وآله حيث امر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه وبدون التثبت فيه، وجوابه ان امر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله هاهنا مشتمل على مصلحة، فإنه في عاقبة هذا الامر ظهر كون القبطي عنينا ولو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براءة مارية القبطية خرط القتاد. ج. ز.

6- دملج كقنفذ ج دمالج: حلي يلبس في المعصم. ج. ز.

7- نجم: ما يؤدى من الدين في وقت معين يقال " جعلت مالي عليه نجوما " ج. ز.

8- وفى ط (مصباح) الحسن و (المصباح) الحسين.

9- وفى ط محمد بن جعفر.

10- حجزة كحجزة: موضع التكة من السراويل يقال " هذا كلام آخذ بعضه بحجزة بعض " اي متناظم متناسق. ج. ز.

11- جمع برثن كقنفذ وهو ما في الطير بمنزلة الظفر في الانسان. مجمع.

12- قباطي جمع قبطي بضم القاف ثياب بيض نسبة إلى القبط بكسر القاف ومنه حديث اسامة " كساني رسول الله قبطية " مجمع ج. ز.