الحج

سورة الحج

مدنية وآياتها ثمان وسبعون (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم) قال مخاطبة للناس عامة (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) اي تبقى وتتحير وتتغافل (وتضع كل ذات حمل حملها) قال كل امرأة تموت حاملة عند زلزلة الساعة تضع حملها يوم القيامة وقوله (وترى الناس سكارى) قال يعني ذاهلة عقولهم من الخوف والفزع متحيرين وقال (وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم) اي يخاصم (ويتبع كل شيطان مريد) قال المريد الخبيث ثم خاطب الله عز وجل الدهرية واحتج عليهم فقال: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث) اي في شك (فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة) قال المخلقة إذا صارت دما وغير المخلقة قال السقط (لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام وليبين لكم كذلك كنتم في الأرحام (ونقر في الأرحام ما نشاء) فلا يخرج سقطا.

وقوله: (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد عن العياش عن ابن أبي نجران عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر وقال علي بن إبراهيم ثم ضرب الله للبعث والنشور مثلا فقال: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) اي حسن (ذلك بأن الله هو الحق وانه يحيي الموتى - إلى قوله - من في القبور) وقوله: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) قال: نزلت هذه الآية في أبي جهل (ثاني عطفه) قال: تولى عن الحق (ليضل عن سبيل الله) قال: عن طريق الله والايمان وقوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال على شك (فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن حماد عن ابن الظبيان (ابن الطيار ط×عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية في قوم وحدوا الله وجعلوا عباده (وخلعوا عبادة ط×من دون الله وخرجوا من الشرك ولم يعرفوا ان محمدا رسول الله فهم يعبدون الله على شك في محمد وما جاء به فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: ننظر فان كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنه صادق وانه رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كان غير ذلك نظرنا فأنزل الله " فان أصابه خير اطمأن به.

الخ " وقوله: (يدعو من دون الله ما لا يضره ولا ينفعه) انقلب مشركا يدعو غير الله ويعبد غيره فمنهم من يعرف ويدخل الايمان في قلبه فهو مؤمن ويزول عن منزلته من الشك إلى الايمان ومنهم من يلبث على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك واما قوله: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) فان الظن في كتاب الله على وجهين وطريقين ظن يقين وظن شك فهذا ظن شك قال من شك ان الله لن يثيبه في الدنيا والآخرة (فليمدد بسبب إلى السماء) اي يجعل بينه وبين الله دليلا والدليل على أن السبب هو الدليل قول الله في سورة الكهف " وآتيناه من كل شئ سببا فاتبع سببا " اي دليلا (ثم ليقطع) اي يميز والدليل على أن القطع هو التمييز قوله: " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما " اي ميزناهم فقوله: ثم ليقطع اي يميز (فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) اي حيلته والدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله: كذلك كدنا ليوسف اي حيلنا له حتى حبس أخاه وقوله يحكي قول فرعون: اجمعوا كيدكم اي حيلتكم قال فإذا وضع لنفسه سببا وميز دله على الحق، فاما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله فليلقى حبلا إلى سقف البيت ليختنق.

ثم ذكر عز وجل عظيم كبريائه وآلائه فقال: (ألم تر) يقول: ألم تعلم يا محمد (ان الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) ولفظ الشجر واحد ومعناه جمع (وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم ان الله يفعل ما يشاء) وقوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) (1) قال: نحن وبنو أمية قلنا صدق الله ورسوله وقال بنو أمية كذب الله ورسوله (فالذين كفروا) يعني بني أمية (قطعت لهم ثياب من نار - إلى قوله - حديد) قال: تغشاه (تشويه خ ل× النار فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته وتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه (ولهم مقامع من حديد) قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة وقوله (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له يا بن رسول الله خوفني فان قلبي قد قسا فقال: يا أبا محمد استعد للحياة الطويلة فان جبرائيل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قاطب (2) وقد كان قبل ذلك يجئ وهو مبتسم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا؟

فقال: يا محمد قد وضعت منافخ النار، فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟

فقال: يا محمد إن الله عز وجل امر بالنار فنفخ عليها الف عام حتى ابيضت ونفخ عليها الف عام حتى احمرت ثم نفخ عليها الف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها وهو ان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها، ولو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا فقال لهما: إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول قد آمنتكما ان تذنبا ذنبا أعذبكما عليه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل مبتسما بعد ذلك ثم قال: إن أهل النار يعظمون النار وان أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم وان أهل جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد وأعيدوا في دركها هذه حالهم وهو قول الله عز وجل: " كلما أرادوا ان يخرجوا منها.

الخ " ثم تبدل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم فقال أبو عبد الله عليه السلام حسبك يا أبا محمد؟

قلت حسبي حسبي.

ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات - إلى قوله - ولباسهم فيها حرير) حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني فقال يا أبا محمد ان من أدنى نعيم الجنة يوجد ريحها من مسيرة الف عام من مسافة الدنيا وان أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به أهل الثقلين الجن والإنس لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شئ وان أيسر أهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والأثمار ما شاء الله ما يملا عينه قرة وقلبه مسرة فإذا شكر الله وحمده قيل له ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الأخرى فيقول يا رب أعطني هذه فيقول الله تعالى ان أعطيتك إياها سألتني غيرها فيقول رب هذه هذه فإذا هو دخلها شكر الله وحمده قال فيقال افتحوا له باب الجنة ويقال له ارفع رأسك فإذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل فيقول عند تضاعف مسراته رب لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان ونجيتنى من النيران.

قال أبو بصير فبكيت قلت له جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد ان في الجنة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله مكانها أخرى قلت جعلت فداك زدني قال المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وزوجتين من الحور العين قلت جعلت فداك ثمانمائة عذراء؟

قال: نعم ما يفرش (يفترش ط يفترس ك× (3) فيهن شيئا إلا وجدها كذلك قلت جعلت فداك من اي شئ خلقن الحور العين؟

قال: من تربة الجنة النورانية ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة كبدها مرآته وكبده مرآتها، قلت جعلت فداك ألهن كلام يكلمن به أهل الجنة؟

قال نعم كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله، قلت ما هو؟

قال يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبوس ونحن المقيمات فلا نظعن ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن خلق لنا وطوبى لمن خلقنا له نحن اللواتي لو أن قرن إحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره الابصار فهاتان الآيتان وتفسيرهما رد على من انكر خلق الجنة والنار قوله: (وهدوا إلى الطيب من القول) قال التوحيد والاخلاص (وهدوا إلى صراط الحميد) قال إلى الولاية وقوله: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءا العاكف فيه والباد) قال نزلت في قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن مكة وقوله: " سواءا العاكف فيه والباد " قال أهل مكة ومن جاء إليهم من البلدان فهم سواء لا يمنع النزول ودخول الحرم وقوله: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) قال نزلت في من يلحد في أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) اي عرفناه وقد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة.

واما قوله: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) يقول الإبل المهزولة وقرئ " يأتون من كل فج عميق " قال ولما فرغ إبراهيم من بناء البيت امره الله ان يؤذن في الناس بالحج فقال: يا رب وما يبلغ صوتي فقال الله أذن عليك الاذان وعلي البلاغ وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع المقام حتى كان أطول من الجبال فنادى وأدخل إصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك أو لا ترونهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله وذلك قوله: " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج.

قال: وكان أضاف ونائلة رجل وامرأة زنيا في البيت فمسخا حجرين واتخذتهما قريش صنمين يعبدونهما فلم يزالا يعبدان حتى فتح مكة فخرجت منهما امرأة عجوز شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تلك نائلة يئست ان تعبد ببلادكم هذه وقوله: (ثم ليقضوا تفثهم) اي يحلقوا رؤوسهم ويغتسلوا من الوسخ (وليطوفوا بالبيت العتيق) وإنما سمي عتيقا لأنه أعتق من الغرق وقوله: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور: الغنا وقوله: (حنفاء لله) اي طاهرين وقوله: (في مكان سحيق) اي بعيد وقوله: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) قال: تعظيم البدن وجودتها وقوله: (لكم فيها منافع إلى اجل مسمى) قال البدن يركبها المحرم من موضعه الذي يحرم فيه غير مضر بها ولا معنف عليها وإن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النحر وهو قوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقوله (فله اسلموا وبشر المخبتين) قال العابدين وقوله: (واذكروا اسم الله عليها صواف) قال تنحر قائمة (فإذا وجبت جنوبها) اي وقعت على الأرض " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) قال القانع الذي يسأل فيعطيه، والمعتر الذي يعتريك فلا يسأل وقوله (لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم) اي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله ولا نحرها إذا لم يتق الله وإنما يتقبل الله نحرها من المتقين وقوله: (لتكبروا الله على ما هداكم) قال التكبير أيام التشريق في الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة وفي الأمصار عقيب عشر صلوات وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) قال نزلت في علي وجعفر وحمزة ثم جرت، قوله: (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق) قال الحسين عليه السلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة وقتل بالطف.

حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا.

الخ " قال: إن العامة يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وإنما هي للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية ثم ذكر عبادة الأئمة عليهم السلام وسيرتهم فقال: (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) واما قوله: (وبئر معطلة وقصر مشيد) قال هو مثل لآل محمد صلى الله عليه وآله قوله: (بئر معطلة) هي التي لا يستسقى منها وهو الامام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم " والقصر المشيد " هو المرتفع وهو مثل لأمير المؤمنين عليه السلام.

والأئمة وفضائلهم لشرقة على الدنيا وهو قوله (ليظهره على الدين كله) وقال الشاعر في ذلك: بئر معطلة وقصر مشرف * مثل لآل محمد مستطرف فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى * والبئر علمهم الذي لا ينزف وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول الله ولا نبي - إلى قوله - والله عليم حكيم) فان العامة رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في مسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته فلما انتهى إلى هذه الآية " أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى " اجرى إبليس على لسانه " فإنها للغرانيق الأولى وان شفاعتهن لترتجي " ففرحت قريش وسجدوا وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى، قال فنزل جبرئيل فقال له جبرئيل قد قرأت ما لم انزل عليك وانزل عليه " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ".

واما الخاصة فإنه روي عن أبي عبد الله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله اصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له: هل عندك من طعام؟

فقال: نعم يا رسول الله وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فجاء منافقان ثم جاء علي بعدهما فأنزل الله في ذلك " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته - يعنى فلانا وفلانا - فينسخ الله ما يلقى الشيطان " يعني لما جاء علي عليه السلام بعدهما (ثم يحكم الله آياته) يعني ينصر أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) يعني فلانا وفلانا (للذين في قلوبهم مرض - إلى قوله - إلى صراط مستقيم) يعني إلى الامام المستقيم ثم قال: (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) اي في شك من أمير المؤمنين عليه السلام (حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) قال العقيم الذي لا مثل له في الأيام ثم قال: (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) قال: ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام (فأولئك لهم عذاب مهين).

ثم ذكر أمير المؤمنين والمهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقال: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله - إلى قوله - لعليم حليم) وأما قوله: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) فهو رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله طلب بدمائهم فقتل الحسين وآل محمد بغيا وعدوانا وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر: ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل لست من خندف إن لم أنتقم * من بني احمد ما كان فعل قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل وقال الشاعر في مثل ذلك: وكذاك الشيخ أوصاني به * فاتبعت الشيخ فيما قد سأل وقال يزيد أيضا يقول: والرأس مطروح يقلبه يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر * حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر لكان الوزن بالقدر فقال الله تبارك وتعالى: " ومن عاقب " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " بمثل ما عوقب به " يعني حسينا أرادوا ان يقتلوه " ثم بغي عليه لينصره الله " يعني بالقائم من ولده وقوله: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) اي مذهبا يذهبون فيه ثم احتج عز وجل على قريش والملحدين الذين يعبدون غير الله فقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله) يعني الأصنام (لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) يعني الذباب وقوله: " (الله يصطفي من الملائكة رسلا) اي يختار وهو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومن الناس الأنبياء والأوصياء فمن الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله ومن هؤلاء الخمسة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن الأوصياء أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام وفيه تأويل غير هذا.

ثم خاطب الله الأئمة عليهم السلام فقال: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا - إلى قوله - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم) يا معشر الأئمة (وتكونوا) أنتم (شهداء على) المؤمنين و (الناس) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة " وهذه الآية لآل محمد عليهم السلام إلى آخر الآية والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع الباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى اثر للظلم واما قوله: (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها) والعروش سقف البيت وقوله: (يستعجلونك بالعذاب) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرهم ان العذاب قد اتاهم قالوا فأين العذاب واستعجلوه فقال الله: (وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) واما قوله: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) فهذه خاصة لآل محمد عليهم السلام وقوله: (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يعني يكون على آل محمد (وتكونوا شهداء على الناس) اي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وقال عيسى بن مريم: " وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " يعني الشهيد " وأنت على كل شئ شهيد " وان الله جعل على هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله شهيدا من أهل بيته وعترته ما كان في الدنيا منهم أحد فإذا فنوا هلك أهل الأرض قال رسول الله صلى الله عليه وآله جعل الله النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض. (4)


1- في الحديث قطب أبو عبد الله عليه السلام اي قبض ما بين عينيه كما يفعل العبوس. ج ز.

2- لعله تصحيف تفرس من " تفرست فيه خيرا " ج. ز.

3- ذكر الحديث ابن حجر أيضا في الصواعق عن مسند أحمد بن حنبل: النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض. ص. 4 ط مصر ج - ز.

4- عشرون دينارا للنطفة وديناران لقطرة الدم وهكذا.