الأنبياء

سورة الأنبياء

مكية الجزء (17) وآياتها مأة واثنتا عشر (بسم الله الرحمن الرحيم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) قال قربت القيامة والساعة والحساب ثم كنى عن قريش فقال (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم) قال من التلهي وقوله: (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) اي تأتون محمدا وهو ساحر ثم قال قل لهم يا محمد (ربي يعلم القول في السماء والأرض) يعني ما يقال في السماء والأرض ثم حكى الله قول قريش فقال: (بل قالوا أضغاث أحلام بل أفتريه) اي هذا الذي يخبرنا به محمد صلى الله عليه وآله يراه في النوم وقال بعضهم بل أفتريه اي يكذب وقال بعضهم (بل هو شاعر فليأتنا بآية كما ارسل الأولون) فرد الله عليهم فقال: (ما آمنت قبلهم من قربة أهلكناها أفهم يؤمنون) قال كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا.

وقوله: (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) قال آل محمد هم أهل الذكر حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن محمد عن أبي داود (عن ط×سليمان بن سفيان عن ثعلبه (تغلبة ط×عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: فسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون من المعنون بذلك؟

فقال: نحن والله، فقلت فأنتم المسؤولون قال نعم قلت ونحن السائلون قال نعم قلت فعلينا ان نسألكم قال نعم قلت وعليكم ان تجيبونا قال لا ذلك الينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا ثم قال: هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب وقال علي بن إبراهيم في قوله (وكم قصمنا من قرية) يعني أهل قرية (كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا) يعني بني أمية إذا أحسوا بالقائم من آل محمد (إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) يعني الكنوز التي كنزوها قال فيدخل بنو أمية إلى الروم إذا طلبهم القائم عليه السلام ثم يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز التي كنزوها فيقولوا كما حكى الله (يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) قال بالسيف وتحت ظلال السيوف وهذا كله مما لفظه ماض ومعناه مستقبل وهو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وقوله: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده) يعني من الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) اي لا يضعفون وقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فإنه رد على الثنوية ثم قطع عز وجل حجة الخلق فقال: (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) وقوله (هاتوا برهانكم) أي حجتكم (هذا ذكر من معي) اي خبري (وذكر من قبلي) اي خبرهم وقوله (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) قال هو ما قالت النصارى ان المسيح ابن الله وما قالت اليهود عزير ابن الله، وقالوا في الأئمة ما قالوا فقال الله عز وجل إبطالا له بل عباد مكرمون يعني هؤلاء الذين زعموا انهم ولد الله وجواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزمر في قوله: لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه قوله: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم) قال من زعم أنه إمام وليس هو بامام واما قوله: (أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) فإنه حدثني أبي عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله & قال خرج هشام بن عبد الملك حاجا ومعه الأبرش الكلبي فلقيا أبا عبد الله & في المسجد الحرام فقال هشام للأبرش تعرف هذا؟

قال: لا، قال: هذا الذي تزعم الشيعة انه نبي من كثرة علمه فقال الأبرش لأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي فقال هشام وددت انك فعلت ذلك، فلقي الأبرش أبا عبد الله & فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن قول الله " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " فبما كان رتقهما وبما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد الله &: يا أبرش هو كما وصف نفسه وكان عرشه على الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد ان يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من ربد ثم دحا الأرض من تحته فقال الله تبارك وتعالى " ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد ان يخلق السماء امر الرياح فضربت البحور حتى أزبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهي النبت ولم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله: " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " فقال الأبرش والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال: أنا اشهد انك ابن نبي ثلاث مرات.

وقوله: (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) قال نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره وقوله: (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) يعني من الشياطين اي لا يسترقون السمع واما قوله: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) فإنه لما اخبر الله نبيه بما يصيب أهل بيته بعده وادعاء من ادعى الخلافة دونهم، اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) اي نختبرهم (والينا ترجعون) فاعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ان لابد ان تموت كل نفس، وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل الينا راجعون ننزلهم أجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة ورمينا بكل حايجة أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وتواضع من غير منقصة وجالس أهل الفقه والرحمة وخالط أهل الذل والمسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية، أيها الناس طوبى لمن ذلت نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من كلامه وعدل عن الناس شره ووسعته السنة ولم يتعد إلى البدعة، أيها الناس طوبى لمن لزم بيته واكل كسرته وبكى على خطيئته وكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة.

وقوله: (خلق الانسان من عجل) قال لما اجرى الله في آدم روحه من قدميه فبلغت الروح إلى ركبتيه أراد ان يقوم فلم يقدر فقال عز وجل خلق الانسان ومن عجل وقوله (ونضع الموازين القسط×ليوم القيامة قال المجازات (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها) اي جازينا بها وهي ممدودة آتينا بها.

ثم حكى عز وجل قول إبراهيم لقومه وأبيه فقال: (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل - إلى قوله - بعد ان تولوا مدبرين) قال فلما نهاهم إبراهيم عليه السلام واحتج عليهم في عبادتهم الأصنام فلم ينتهوا فحضر عيد لهم فخرج نمرود وجميع أهل مملكته إلى عيد لهم وكره ان يخرج إبراهيم معه فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم ويقول له كل وتكلم فإذا لم يجبه أخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسرة فقالوا: (من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) وهو ابن آزر (1) فجاؤوا به إلى نمرود فقال نمرود لآزر خنتني وكتمت هذا الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل أمه وذكرت انى أتقوم بحجته، فدعا نمرود أم إبراهيم فقال ما حملك على أن كتمتني امر هذا الغلام حتى فعل بآلهتنا ما فعل؟

فقالت أيها الملك نظرا مني لرعيتك قال وكيف ذلك؟

قالت رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت: إن كان هذا الذي تطلبه دفعته إليك لتقتله وتكف عن قتل أولاد الناس وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس فصوب رأيها ثم قال لإبراهيم عليه السلام: من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟

قال إبراهيم (فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون) فقال الصادق عليه السلام والله ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم فقيل وكيف ذلك؟

قال إنما قال فعله كبيرهم هذا ان نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم (فقالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) فقال الصادق & كان فرعون إبراهيم لغير رشد وأصحابه لغير رشد (فرعون إبراهيم لغير رشده وأصحابه لغير رشدهم - ك -) فإنهم قالوا لنمرود: حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين وكان موسى وأصحابه رشده فإنه لما استشار أصحابه في موسى قالوا: ارجه وأخاه وارسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم، فحبس إبراهيم وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم في النار برز نمرود وجنوده وقد كان بني لنمرود بناء لينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النار، فجاء؟

بليس واتخذ لهم المنجنيق لأنه لم يقدر واحد ان يقرب من تلك النار عن غلوه سهم وكان الطائر من مسيرة فرسخ يرجع عنها ان يتقارب من النار وكان الطائر إذا مر في الهواء يحترق فوضع إبراهيم & في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال له ارجع عما أنت عليه.

وأنزل الرب ملائكته إلى السماء الدنيا ولم يبق شئ إلا طلب إلى ربه وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة يا رب خليلك إبراهيم يحرق، فقال الله عز وجل: اما انه إن دعاني كفته؟

وقال جبرئيل: يا رب خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار فقال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فان دعاني أجبته فدعا إبراهيم & ربه بسورة الاخلاص " يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك " فالتقى معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة؟

فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى رب العالمين فنعم فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله أسندت أمري إلى (قوه خ ل× الله وفوضت أمري إلى الله، فأوحى الله إلى النار كوني بردا فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال وسلاما على إبراهيم وانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار ونظر إليه نمرود، فقال من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم، فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود اني عزمت على النار أن لا تحرقه.

فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقته فآمن له لوط وخرج مهاجرا إلى الشام ونظر نمرود إلى إبراهيم في روضة خضراء في الناء ومعه شيخ يحدثه فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم وكل الضفدع يذهب بالماء ليطفئ به النار قال ولما قال الله للنار كوني بردا وسلاما لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ثم قال الله عز وجل: (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) فقال الله (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) يعني إلى الشام وسواد الكوفة وكوثى رباط وقوله: (ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة) قال ولد الولد وهو يعقوب وقوله (ونجيناه) يعني لوطا (من القرية التي كانت تعمل الخبائث) قال كانوا ينكحون الرجال.

واما قوله: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين) فإنه حدثني أبي عن عبد الله بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان في بني إسرائيل رجل له كرم ونفشت فيه غنم رجل آخر بالليل وقضمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود فاستعدى (2) على صاحب الغنم، فقال داود عليه السلام: اذهبا إلى سليمان عليه السلام ليحكم بينكما فذهبا إليه فقال سليمان عليه السلام ان كانت الغنم اكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم ان يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها وان كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم، وكان هذا حكم داود وإنما أراد ان بعرف بني إسرائيل ان سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ولو اختلف حكمهما لقال (3) كنا لحكمهما شاهدين وقوله: (وعلمناه صنعة لبوس لكم) يعني الدرع (لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) وقوله: (ولسليمان الريح عاصفة) قال تجري من كل جانب (إلى الأرض التي باركنا فيها) قال إلى بيت المقدس والشام حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى بن زياد عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) قال أحيى الله له (4) أهله الذين كانوا قبل البلية وأحيى له أهله الذين ماتوا وهو في البلية.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) قال هو يونس ومعنى ذا النون ذا الحوت وقوله: (فظن أن لن نقدر عليه) قال أنزله على أشد الامرين وظن به أشد الظن، وقال إن جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه يونس، قلت ما كان حال يونس لما ظن أن الله لن يقدر عليه؟

قال كان من أمر شديد، قلت وما كان سببه حتى ظن أن الله لن يقدر عليه؟

قال وكله الله إلى نفسه طرفة عين، قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة في ليلتها ففقدته من الفراش فدخلها من ذلك ما يدخل النساء فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت إليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي وهو يقول " اللهم لا تنزع مني صالح ما أعطيتني أبدا اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا اللهم لا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه أبدا " قال فانصرفت أم سلمة تبكي حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها فقال لها ما يبكيك يا أم سلمة؟

فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ولم لا أبكي وأنت بالمكان الذي أنت به من الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر تسأله ان لا يشمت بك عدوا ابدا ولا حاسدا وان لا يردك في سوء استنقذك منه ابدا وان لا ينزع عنك صالح ما أعطاك ابدا وان لا يكلك إلى نفسك طرفة عين ابدا، فقال يا أم سلمة وما يؤمنني وإنما وكل الله ونس بن متى إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) يول من أعمال قومه (فظن أن لن نقدر عليه) يقول ظن أن لن يعاقب بما صنع، وفي رواية علي بن إبراهيم في قوله: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) قال كانت لا تحيض فحاضت وقوله (ويدعوننا رغبا ورهبا) قال راغبين راهبين وقوله (والتي أحصنت فرجها) قال مريم لم ينظر إليها شئ وقوله: (فنفخنا فيها من روحنا) قال روح مخلوقة بأمر الله يعني من أمرنا وقوله: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) اي لا يبطل سعيه وقوله: (وحرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي بصير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) قالا كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لان أحدا من أهل الاسلام لا ينكر ان الناس كلهم يرجعون إلى القيامة من هلك ومن لم يهلك قوله (ولا يرجعون) أيضا عنى في الرجعة فاما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار وقوله (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) قال إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس ثم احتج عز وجل على عبدة الأوثان فقال (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - إلى قوله - وهم فيها لا يسمعون) في رواية أبى الجارود عن أبي جعفر & قال: لما نزلت هذه الآية وجد منها أهل مكة وجدا شديدا فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى (5) وكفار قريش يخوضون في هذه الآية، فقال ابن الزبعرى: أمحمد تكلم بهذه الآية؟

قالوا: نعم، قال ابن الزبعرى ان اعترف بها لأخصمنه، فجمع بينهما فقال: يا محمد أرأيت الآية التي قرأت آنفا أفينا وفي آلهتنا أم في الأمم الماضية وآلهتهم قال صلى الله عليه وآله: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم الماضية إلا من استثنى الله، فقال ابن الزبعرى خاصمتك والله ألست تثنى على عيسى خيرا وقد عرفت ان النصارى يعبدون عيسى وأمه وان طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع الآلهة في النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، فضحكت قريش وضحك وقالت قريش خصمك ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قلتم الباطل أما قلت إلا من استثنى الله وقوله: (ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون) وقوله (حصب جهنم) يقول يقذفون فيها قذفا وقوله (أولئك عنها مبعدون) يعنى الملائكة وعيسى ابن مريم &.

وقال علي بن إبراهيم " ان الذين سبقت لهم منا الحسنى " ناسخة لقوله " وان منكم إلا واردها " وقوله (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون - إلى قوله - إنا كنا فاعلين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمرو بن أبي شيبة عن أبي جعفر & قال سمعته يقول ابتداءا منه: ان الله إذا بدا له ان يبين خلقه ويجمعهم لما لابد منه امر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة العين ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل فكان من وراء الناس وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها فإذا رآها أهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعنى امره حتى تنزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر وإلى ربك ترجع الأمور ثم يأمر الله مناديا ينادي " يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " قال وبكى & حتى إذا سكت قال قلت جعلني الله فداك يا أبا جعفر وأين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وشيعته؟

فقال أبو جعفر & رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي & وشيعته على كثبان من المسك الأذفر على منابر من نور يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع الناس ولا يفزعون ثم تلا هذه الآية " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون " فالحسنة والله ولاية علي & ثم قال: " لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون " واما قوله: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) قال السجل اسم الملك الذي يطوي الكتب ومعنى يطويها اي يفنيها فتتحول دخانا والأرض نيرانا وقوله: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) قال الكتب كلها ذكر (وان الأرض يرثها عبادي الصالحون) قال: القائم & وأصحابه قال والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء وقوله (قال رب احكم بالحق) قال معناه لا تدعو (تدع ط×للكفار، والحق الانتقام من الظالمين ومثله في سورة آل عمران " ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".


1- استعداه استغاثه ق م.

2- لعل الصواب " لما قال " مكان " لقال ".

3- أي لأيوب عليه السلام ج. ز.

4- وفي النسختين " ك ط " " الزبعرا " بالألف ج. ز.

5- قال في مجمع البيان: الخصم يستوى فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى يقال رجل خصم ورجلان خصم ورجال خصم ونساء خصم وقد يجوز في الكلام هذان خصمان اختصموا وقال الله تعالى: هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب وهكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو اخبر بها نحو عدل ورضى وإنما قال في الآية خصمان لأنهما جمعان ومثله: وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ج ز.