مريم

سورة مريم

مكية وآياتها ثمان وتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص) قال: حدثنا جعفر بن أحمد (محمد ط×عن عبيد الله (عبد الله ط×عن الحسن بن علي عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله & قال هذه كهيعص أسماء الله مقطعة واما قوله كهيعص قال الله هو الكافي الهادي العالم (ذو الايادي الصابر على الأعادي ك× الصادق ذو الايادي العظام وهو قوله كما وصف نفسه تبارك وتعالى، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & في قوله (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) يقول ذكر ربك زكريا فرحمه (إذ نادى ربه نداءا خفيا قال رب اني وهن العظم مني) يقول الضعف (ولم أكن بدعائك رب شقيا) يقول لم يكن دعائي خائبا عندك (واني خفت الموالي من ورائي) يقول خفت الورثة من بعدي (وكانت امرأتي عاقرا) ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم للاخبار وكان زكريا رئيس الاخبار وكانت امرأة زكريا أخت مريم بنت عمران بن ما ثان، وبنو ما ثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود فقال زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) يقول لم يسم باسم يحيى أحد قبله (قال رب انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) فهو اليؤس قال (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) صحيحا من غير مرض، وعن علي بن إبراهيم قال ثم قص الله عز وجل خبر مريم & فقال: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا) قال: خرجت إلى النخلة اليابسة (فاتخذت من دونهم حجابا) قال في محرابها (فأرسلنا إليها روحنا) يعني جبرئيل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا قالت اني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا) يعنى ان كنت من يتقى الله قال لها جبرئيل (إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا) فأنكرت ذلك لأنها لم يكن في العادة ان تحمل المرأة من غير فحل فقالت (انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا) ولم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها (كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة وكان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرئيل عليه السلام وهزي إليك بجذع النخلة اي هزي النخلة اليابسة فهزت، وكان ذلك اليوم سوق فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة؟

فاستهزؤوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم بورا وجعلكم في الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم مريم جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام فلما نظرت إليه قالت (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) ماذا أقول لخالي وماذا أقول لبني إسرائيل (فناديها) عيسى (من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) اي نهرا (وهزي إليك بجذع النخلة) اي حركي النخلة (تساقط عليك رطبا جنيا) اي طيبا وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها.

فقال لها عيسى قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا فقمطته وسوته وقال لها عيسى (كلي واشربي وقري عينا فأما ترين من البشر أحدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما) وصمتا كذا نزلت (فلن أكلم اليوم انسيا) ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها زكريا فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا (فقالوا لها يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي عظيما من المناهي يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) ومعنى قولهم: يا أخت هارون ان هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته لبني إسرائيل، فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فأنطق الله عيسى ابن مريم عليه السلام فقال: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا - إلى قوله - ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) اي يخاصمون فقال الصادق عليه السلام في قوله " وأوصاني بالصلاة والزكاة " قال زكاة الرؤوس لان كل الناس ليس لهم أموال وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير، حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله " وجعلني مباركا أين ما كنت " قال نفاعا.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قوله " وانذرهم يوم الحسرة " قال: ينادي مناد من عند الله وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور فيقولون لا فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادون جميعا أشرفوا وانظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ابدا ويا أهل النار خلود فلا موت ابدا وهو قوله " وانذرهم يوم الحسرة إذ قضي الامر وهم في غفلة " اي قضي على أهل الجنة بالخلود وعلى أهل النار بالخلود فيها وقوله (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) قال كل شئ خلقه الله يرثه الله يوم القيامة ثم قص عز وجل قصة إبراهيم عليه السلام فقال: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا - إلى قوله - عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا فلما اعتزلهم) يعنى إبراهيم عليه السلام (وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا) يعنى لإبراهيم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا، رسول الله صلى الله عليه وآله (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يعنى أمير المؤمنين عليه السلام حدثني بذلك أبى عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام ثم ذكر موسى ثم ذكر إسماعيل عليه السلام فقال: " واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد) قال: وعد وعدا فلننتظر صاحبه سنة وهو إسماعيل بن حزقيل عليه السلام.

وقوله: (واذكر في الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر فبقي ما شاء الله في ذلك البحر فلما بعث الله إدريس & جاز ذلك الملك إليه فقال: يا نبي الله ادع الله ان يرضى عنى ويرد علي جناحي، قال نعم فدعا إدريس فرد الله عليه جناحه ورضي عنه قال الملك لإدريس ألك إلي حاجة قال: نعم أحب أن ترفعني إلى السماء حتى أنظر إلى ملك الموت فإنه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتى انتهى به إلى السماء الرابعة فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبا فسلم إدريس على ملك الموت وقال له: مالك تحرك رأسك؟

قال: إن رب العزة أمرني ان اقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة فقلت: يا رب وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثالثة إلى الثانية خمسمائة عام وكل سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا ثم قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله (ورفعناه مكانا عليا) قال: وسمي إدريس لكثرة دراسته الكتب وقوله (فخلف من بعدهم خلف) وهو الدني (الردي خ ل× والدليل على ذلك قوله (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ثم استثنى عز وجل فقال: (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا - إلى قوله - لا يسمعون فيها) يعني في الجنة (لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) قال ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة والدليل على ذلك قوله: بكرة وعشيا فالبكرة والعشي لا تكون في الآخرة في جنات الخلد وإنما يكون الغدو والعشي في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.

وقوله عز وجل يحكي قول الدهرية الذين أنكروا البعث فقال: (ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) اي لم يكن ثم ذكره وقوله (وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) يعنى في البحار إذا تحولت نيرانا يوم القيامة، وفي حديث آخر هي منسوخة بقوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد (أحمد بن محمد خ ل× بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله & في قوله " وان منكم إلا واردها " قال: أما تسمع الرجل يقول وردنا ماء بني فلان فهو الورد ولم يدخله وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا) قال: عني به الثياب والأكل والشرب، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر & قال الأثاث المتاع واما رئيا فالجمال والمنظر الحسن وقال علي بن إبراهيم في قوله (حتى إذا رأوا ما يوعدون اما العذاب واما الساعة) قال العذاب القتل والساعة الموت وقوله: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) رد على من زعم أن الايمان لا يزيد ولا ينقص وقوله: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا) قال: الباقيات الصالحات هو قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله & قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيتها قيعان يقق (1) ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم ما لكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟

فقالوا: حتى تجيئنا النفقة قلت لهم وما نفقتكم؟

فقالوا قول المؤمن في الدنيا: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإذا قال بنينا وإذا امسك أمسكنا وقوله (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) قال: نزلت في مانعي الخمس والزكاة والمعروف يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا فينفق ما يجب عليه من الزكاة والخمس في غير طاعة الله ويعذبه الله على ذلك وقوله (فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا) فقال لي: ما هو عندك؟

قلت: عدد الأيام، قال: لا ان الآباء والأمهات ليحصون ذلك ولكن عدد الأنفاس واما قوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن شريك العامري عن أبي عبد الله & قال: سأل علي & رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال: يا علي ان الوفد لا يكون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي اعمالهم فسماهم الله المتقين ثم قال: يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلألأ.

وفي حديث آخر قال: إن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنة عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلالها الإستبرق والسندس وخطامها جدل الأرجوان (2) وأزمتها من زبرجد فتطير بهم إلى المحشر، مع كل رجل منهم الف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم وعلى باب الجنة شجرة، الورقة منها يستظل تحتها مائة الف من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية فيسقون منها شربة فيطهر الله قلوبهم من الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر وذلك قوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا من تلك العين المطهرة ثم يرجعون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون منها وهي عين الحياة فلا يموتون ابدا ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والاسقام والحر والبرد ابدا، قال: فيقول الجبار للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنة ولا تقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي عنهم ووجبت رحمتي لهم فكيف أريد ان أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء خلقها الله وأعدها لأوليائه فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة ويقول بعضهن لبعض قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم، ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك، فقال علي &: من هؤلاء يا رسول الله؟

فقال صلى الله عليه وآله: يا علي هؤلاء شيعتك وشيعتنا المخلصون (لولايتك ط×وأنت إمامهم وهو قول الله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر & في قوله (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا) وذلك أن العاص ابن وائل بن هشام القرشي ثم السهمي وهو أحد المستهزئين وكان لخباب بن الأرت على العاص بن وائل حق فأتاه يتقاضاه، فقال له العاص: ألستم تزعمون أن في الجنة الذهب والفضة والحرير قال بلى قال فموعد ما بيني وبينك الجنة فوالله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) الضد القرين الذي يقترن به.

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله (عبد الله ط×بن موسى قال: حدثنا الحسن ابن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله & في قوله: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) يوم القيامة اي يكونون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله عليهم ضدا ويوم القيامة ويتبرؤون منهم وعن عبادتهم إلى يوم القيامة ثم قال: ليست العبادة هي السجود ولا الركوع وإنما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده وقوله " إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " قال: لما طغوا فيها وفي فتنتها وفي طاعتهم مد لهم في طغيانهم وضلالهم ارسل عليهم شياطين الإنس والجن تؤزهم أزا اي تنخسهم نخسا (3) وتحضهم على طاعتهم وعبادتهم فقال الله: " ولا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا " اي في طغيانهم وفتنهم وكفرهم.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن سليمان بن جعفر عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقص في مروته، قلت: يا رسول الله وكيف يوصي الميت عند الموت؟

قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه قال: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اني أعهد إليك في دار الدنيا اني اشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد ان محمدا عبدك ورسولك وان الجنة حق وان النار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر والميزان حق وان الدين كما وصفت وان الاسلام كما شرعت وان القول كما حدثت وان القرآن كما أنزلت وانك أنت الله الملك الحق المبين جزى الله محمدا خير الجزاء وحي الله محمدا وآله بالسلام اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي ويا وليي في نعمتي يا إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فإنك ان تكلني إلى نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد من الخير وأسري في الفتن وحدي فآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا ثم يوصي بحاجته وتصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم ان يحفظ هذه الوصية ويتعلمها وقال علي &: علمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: علمنيها جبرئيل &.

وقوله: (لقد جئتم شيئا إدا) اي ظلما واما قوله: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) فإنه قال الصادق &: كان سبب نزول هذه الآية ان أمير المؤمنين & كان جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له قل يا علي " اللهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودا فأنزل الله: ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ثم خاطب الله عز وجل نبيه فقال: (إنما يسرناه بلسانك) يعني القرآن (لنبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال أصحاب الكلام والخصومة ثم ذكر الفرق الهالكة فقال: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) اي حسا.

حدثنا جعفر بن أحمد عن عبيد الله (عبد الله ط×بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " قال لا يشفع ولا يشفع لهم ولا يشفعون إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام من بعده فهو العهد عند الله قلت قوله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " قال: هذا حيث قالت قريش ان لله ولدا وان الملائكة إناث، فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم " لقد جئتم شيئا إدا " اي عظيما (تكاد السماوات يتفطرن منه) يعنى مما قالوه ومما موهوا به (رموه به خ ل× (وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) مما قالوا (ان دعوا للرحمن ولدا) فقال الله تبارك وتعالى (وما ينبغي للرحمن ان نتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض إلا اتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا) واحدا واحدا، قلت قوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قال: ولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي الود الذي ذكره الله، قلت قوله (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) قال إنما يسره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله حتى أقام أمير المؤمنين عليه السلام علما فبشر به المؤمنين وأنذر به الكافرين وهم القوم الذين ذكرهم الله قوما لدا اي كفارا، قلت قوله (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) قال أهلك الله من الأمم ما لا يحصون له فقال يا محمد (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) اي ذكرا.


1- الجدل: كصحف جمع الجديل وهو الحبل المفتول، والأرجوان: شجرة طيبة الرائحة زهرها وردي تظهر في مطلع الربيع. ج. ز.

2- نخس الدابة اي غرز جنبها بعود ونحوه فهاجت. ج. ز.

3- لا ينبغي للعاقل ان يكذب كل شئ بمجرد ان يستنكره عقله، لان عقل الانسان في قبال مصنوعات العالم قليل فكيف قبال صانعها، فان الذي يحكم لكثير من الأشياء بالاستحالة لأجل كونه بعيدا عن عقله سوف يأتي عليه زمان يرى نفسه على الخطأ ثم يتلقى ما كذبه بأحسن قبول. والشاهد على ذلك تطورات الفلاسفة وأفكارهم المتغيرة بالنسبة إلى حركة الأرض وسكونها وتقسيم الجسم إلى أجزاء لا تتجزى وعدمه وغير ذلك من أقاويل الفلاسفة التي سنحت فيها التطورات كل يوم - فالعجب ممن يعتنق بهذه الأفكار التي لا ثبات لها يوما ما كيف ينكر شيئا ورد في الحديث لأجل عدم كونه منطبقا على تلك الأفكار التي ليس لها قرار، مع أن العلم الانساني المترقي يفهم أحيانا بعض الاسرار المودعة فيه. ومن هذا القبيل هذا الحديث المظهر بكون الأرض على الحوت، فإنهم كانوا يكذبونه ويتخذونه سخرة، بأنه كيف تكون الأرض التي وزنها معادل (5981019 تنا) على حوت وكيف تدور الأرض حول الشمس على هذا الحوت؟نقول في جواب هذه الاشكالات انه من المحتمل أن يكون المراد من الحوت الكوكب المعروف ب? (الحوت) وقد تبين من إرسال أمريكا وروسيا الأقمار الصناعية في الجو حيث جعلت تدور حول الأرض بنفسها بدون محرك ظاهر، ان مركز تدويرها وتدوير الأرض الشمس وواحدة من تلك الكواكب السابحة في الفضاء، فمن الممكن أن يكون هذا المركز هو الكوكب (اي البرج الحوت) فيصدق حينئذ القول بأن الأرض قائمة عليه وهو سابح في الجو المشابه بالماء، والمراد من الثرى في الحديث ما وراء هذا الجو الفسيح، وعليه يحمل ما في الخبر الآتي من قيام الحوت على الماء والماء على الصخرة والصخرة على قرن الثور، لامكان ان يراد من الصخرة كوكب مجهول لم يستكشف بعد، ومن الثور كوكب مسمى بالثور أحد الأبراج الاثنتي عشرة. ج. ز.