الإسراء

سورة بني إسرائيل

مكية

الجزء (15)

وآياتها مأة واحدى عشر (بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) فحكى أبي عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والأرض قال فبينا انا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم ناداني مناد عن يساري يا محمد فلم أجبه ولم التفت إليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى أكلمك فلم ألتفت إليها ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت به فنزل بي جبرئيل، فقال صل فصليت فقال أتدري أين صليت؟

فقلت لا، فقال صليت بطيبة واليها مهاجرتك، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري أين صليت؟

فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري أين صليت؟

فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إلي وأقمت الصلاة ولا أشك إلا وجبرئيل استقدمنا، فلما استووا اخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدمني فأممتهم ولا فخر، ثم اتاني الخازن بثلاث أواني، اناء فيه لبن واناء فيه ماء واناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول إن اخذ الماء غرق وغرقت أمته، وان اخذ الخمر غوى وغوت أمته وان اخذ اللبن هدي وهديت أمته، فأخذت اللبن فشربت منه فقال جبرئيل هديت وهديت أمتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك؟

فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته؟

فقلت لا ولم التفت إليه، فقال ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت؟

فقلت ناداني مناد عن يساري فقال أو أجبته؟

فقلت لا ولم التفت إليه، فقال ذاك داعي النصارى لو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك ثم ثم قال ماذا استقبلك؟

فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة فقالت يا محمد انظرني حتى أكلمك، فقال لي أفكلمتها؟

فقلت لم أكلمها ولم التفت إليها، فقال تلك الدنيا ولم كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، ثم سمعت صوتا أفزعني فقال جبرئيل أتسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.

قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله عز وجل: " ألا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب " وتحته سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك، فقال يا جبرئيل من هذا معك؟

فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟

قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأخ الناصح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟

فاني قد فزعت فقال يجوز ان تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكا لاحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين، ألا تأمره ان يريني النار؟

فقال له جبرئيل يا مالك أر محمدا النار، فكشف عنها غطاءها وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها، فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.

ثم مضيت فرأيت رجلا أدما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل، فقال هذا أبوك آدم فإذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية " كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين وما ادراك ما عليون كتاب مرقوم " إلى آخرها، قال فسلمت على أبي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.

ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه وإذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل؟

فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرئيل ادنني منه حتى أكلمه، فأدناني منه فسلمت عليه، وقال له جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله إلى العباد فرحب بي وحياني بالسلام وقال ابشر يا محمد فاني أرى الخير كله في أمتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرئيل هو أشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟

قال نعم قلت تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟

فقال نعم، فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا أتصفحها كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل ان ما بعد الموت اطم واطم من الموت.

قال ثم مضيت فإذا انا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله امره عجبا نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب عبادك المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟

فقال هذا ملك وكله الله با كناف السماوات وأطراف الأرضين وهو انصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم اعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم اعط كل ممسك تلفا.

ثم مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فإذا انا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فإذا انا بأقوام تقذف النار في أفواههم وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، ثم مضيت فإذا انا بأقوام يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فإذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون ربنا متى تقوم الساعة قال ثم مضيت فإذا انا بنسوان معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم واكل خزائنهم.

قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوهم كيف شاء ليس شئ من اطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا ان الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من الله خشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماءا برؤوسهم لا ينظرون إلي من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟

قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي بالسلام واكرموني وبشروني بالخير لي ولامتي.

قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل؟

فقال لي أبناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده بأصوات مختلفة.

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل؟

فقال هذا أخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في أمري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرئيل؟

قال هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي، ثم رأيت ملكا جالسا علي سرير تحت يديه سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو، فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا أعظم منه حوله ثلة من أمته فأعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل؟

قال هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا فيها رجل ادم طويل عليه سمرة ولولا أن عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو إسرائيل انى أكرم ولد آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟

قال هذا أخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر أمتك بالحجامة، وإذا فيها رجل اشمط الرأس (1) واللحية، جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟

فقال هذا أبوك إبراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من أمتك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " قال صلى الله عليه وآله: فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالابصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع إليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجبي، فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى؟

إنما هذا خلق من ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك، ان بين الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل× الف حجاب وأقرب الخلق إلى الله انا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب.

حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من الماء، قال ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخر به على ما اراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم اقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربى حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فإذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم، وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت بأجنحتها واخذت في الصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلها ولذلك الديك زغب اخضر وريش ابيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب اخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها.

ثم قال مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي وإذا ترابها كالمسك فإذا جارية تنغمس في انهار الجنة فقلت لمن أنت يا جارية؟

فقالت لزيد ابن حارثة فبشرته بها حين أصبحت، وإذا بطيرها كالبخت (2) وإذا رمانها مثل الدلاء العظام، وإذا شجرة لو ارسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل؟

فقال هذه شجرة طوبى، قال الله طوبى لهم وحسن مآب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها وأعاجيبها قال هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل به أمة من الأمم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: " كقاب قوسين أو أدنى " فناداني " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا رب أعطيت أنبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: " لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا إليك " قال وعلمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت: "اللهم ان ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي أصبح مستجيرا بعزك وفقري أصبح مستجيرا بغناك ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى" ثم سمعت الاذان فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي انا أكبر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي انا الله لا إله غيري، فقال: اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله فقال الله صدق عبدي ان محمدا عبدي ورسولي انا بعثته وانتجبته، فقال: حيى على الصلاة حيى على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي اني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك فقم بها أنت في أمتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فانحدرت حتى مررت على إبراهيم فلم يسألني عن شئ حتى انتهيت إلى موسى فقال ما صنعت يا محمد؟

فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك فقال موسى يا محمد ان أمتك آخر الأمم وأضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئا وان أمتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ولا أطيق ذلك ولا أمتي فخفف عني فوضع عني عشرة فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع وفى كل رجعة ارجع إليه اخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فقلت قد استحييت من ربى ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر، من هم من أمتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وان لم يعمل كتبت واحدة (3) ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها لم اكتب عليه شيئا فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الأمة خيرا وهذا تفسير قول الله: " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " الآية.

وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال بينا انا راقد بالأبطح وعلي & عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي وإذا انا بخفق أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول إلى أيهم بعثت يا جبرئيل؟

فقال إلى هذا وأشار إلي ثم قال هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في أمته وهذا عمه سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله فالملك الله والدار الدنيا والمأدبة الجنة والداعي انا، قال ثم ادركه جبرائيل بالبراق وأسري به إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى مكة فمر في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية فشرب منه وأهرق باقي ذلك وقد كانوا أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما أصبح قال لقريش ان الله قد اسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء وانى مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك وقد كانوا أضلوا بعيرا لهم، فقال أبو جهل لعنه الله قد أمكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الأساطين فيها والقناديل، فقالوا يا محمد ان ههنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟

فجاء جبرئيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما أخبرهم قالوا حتى تجيئ العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك ان العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر، فلما أصبحوا واقبل ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماءا وأصبحنا وقد أهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا.

وقوله: (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال كان نوح إذا امسى وأصبح يقول أمسيت اشهد أنه ما امسى بي من نعمة في دين أو دنيا فإنها من الله وحده لا شريك له له الحمد على بها كثيرا والشكر كثيرا فأنزل الله انه كان عبدا شكورا فهذا كان شكره.

واما قوله (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب أمة محمد صلى الله عليه وآله فقال (لتفسدن في الأرض مرتين) يعنى فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد (ولتعلن علوا كبيرا) يعنى ما ادعوه من الخلافة (فإذا جاء وعد أوليهما) يعنى يوم الجمل (بعثنا عليكم عبادا لنا أولى باس شديد) يعنى أمير المؤمنين & وأصحابه (فجاسوا خلال الديار) أي طلبوكم وقتلوكم (وكان وعدا مفعولا) يعنى يتم ويكون (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) يعنى بنى أمية على آل محمد (وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) من الحسن والحسين أبناء على وأصحابهما فقتلوا الحسين بن علي وسبوا نساء آل محمد (ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة) يعنى القائم وأصحابه (ليسوؤا وجوهكم) يعنى يسودون وجوههم (4) (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه (وليتبروا ما علوا تتبيرا) أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد عليه السلام فقال (عسى ربكم ان يرحمكم) أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بنى أمية فقال (وان عدتم عدنا) يعنى عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد & (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) أي حبسا يحصرون فيها ثم قال عز وجل (ان هذا القرآن يهدى) أي يبين (للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) يعنى آل محمد & (الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا) ثم عطف على بنى أمية فقال (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما) وقوله (ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا) قال يدعو على أعدائه بالشر كما يدعوا لنفسه بالخير ويستعجل الله بالعذاب وهو قوله وكان الانسان عجولا وقوله: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال المحو في القمر وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان (سيار خ ل× عن معروف بن خربوذ عن الحكم بن المستنير عن علي بن الحسين عليهما السلام قال إن من الأوقات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلق الله بين السماء والأرض وان الله قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك يديرون الفلك فإذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه نزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها وإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك أولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك فيطمس حرها ويغير لونها فإذا أراد الله ان يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فإذا أراد الله ان يخرجهما وبردهما إلى مجريهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس إلى مجريها فيرد الملك الفلك إلى مجراه فتخرج من الماء (5) وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين عليه السلام انه لا يفزع لهما ولا يرهب إلا من كان من شيعتنا فإذا كان ذلك فافزعوا إلى الله وارجعوا.

قال وقال أمير المؤمنين عليه السلام الأرض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة أربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام والشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا والقمر أربعون فرسخا في أربعين فرسخا بطونهما يضيئان لأهل السماء وظهورهما يضيئان لأهل الأرض والكواكب كأعظم جبل على الأرض وخلق الشمس قبل القمر، وقال سلام بن المستنير قلت لأبي جعفر عليه السلام لم صارت الشمس أحر من القمر؟

قال إن الله خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا من نار فمن هنالك صارت الشمس أحر من القمر، قلت فالقمر؟

قال إن الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة اطباق ألبسها الله لباسا من ماء فمن هناك صار القمر أبرد من الشمس.

وقوله: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قال قدره الذي قدره عليه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا - إلى قوله - حتى نبعث رسولا) فإنه محكم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه " يقول خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها) اي كثرنا جبابرتها (ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وقوله: (من كان يريد العاجلة) يعنى أموال الدنيا (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) في الدنيا (ثم جعلنا له جهنم) في الآخرة (يصلاها مذموما مدحورا) يعنى يلقى في النار ثم ذكر من عمل للآخرة فقال: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا - ثم قال - كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) يعنى من أراد الدنيا من الآخرة ومعنى نمداي نعطي (وما كان عطاء ربك محظورا) اي ممنوعا وقوله: (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) أي في النار وهو مخاطبة للنبي والمعنى للناس وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه " بإياك أعني واسمعي يا جارة " وقوله: (وقضى ربك ان لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف) قال لو علم أن شيئا أقل من أف لقاله (ولا تنهرهما) اي لا تخاصمهما وفي حديث آخر أفا بالألف اي ولا تقل لهما أفا (وقل لهما قولا كريما) اي حسنا (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فقال تذلل لهما ولا تتجبر عليهما (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين) يعني للتوابين (غفورا) وقوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وأنزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وابن السبيل من آل محمد وولد فاطمة (ولا تبذروا تبذيرا) اي لا تنفق المال في غير طاعة الله (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين) والمخاطبة للنبي والمعني للناس ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين فقال (واما تعرضن عنهم) يعني عن الوالدين إذا كان لك عيال أو كنت عليلا أو فقيرا (فقل لهما قولا ميسورا) اي حسنا إذا لم تقدر على برهم وخدمتهم فارج لهم من الله الرحمة.

وقوله: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) فإنه كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يرد أحدا يسأله شيئا عنده فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شئ فقال يكون إن شاء الله، فقال يا رسول الله أعطني قميصك وكان عليه السلام لا يرد أحدا عما عنده فأعطاه قميصه فأنزل الله " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك.

الخ " فنهاه ان يبخل أو يسرف ويقعد محسورا من الثياب، فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان وقوله: (ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق) يعني مخافة الفقر والجوع فان العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك فقال الله عز وجل (نحن نرزقهم وإياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا) وقوله: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) فإنه محكم وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة " يقول معصية ومقتا فان الله يمقته ويبغضه قوله (وساء سبيلا) وهو أشد النار عذابا والزنا من أكبر الكبائر، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) اي سلطانا على القاتل (فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) يعني ينصر ولد المقتول على القاتل وقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) يعني بالمعروف ولا يسرف وقوله: (وأوفوا بالعهد) يعني إذا عاهدت انسانا فأوف له (ان العهد كان مسؤولا) يعني يوم القيامة وقوله: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) اي بالسواء وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم) قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال أو يخرج مما قال، وقال علي بن إبراهيم في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم " اي لا تقل (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) قال يسأل السمع عما سمع والبصر عما نظر والفؤاد عما اعتقد عليه.

وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن اربع خصال عمرك فيما أفنيته وجسدك فيما أبليته ومالك من أين كسبته وأين وضعته وعن حبنا أهل البيت وقوله (ولا تمش في الأرض مرحا) اي بطرا أو فرحا (انك لن تخرق الأرض) أي لم تبلغها كلها (ولن تبلغ الجبال طولا) أي لا تقدر ان تبلغ قلل الجبال وقوله: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) يعني القرآن وما فيه من الانباء ثم قال: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) فالمخاطبة للنبي والمعنى للناس وقوله (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هن بنات الله وقوله (وما يزيدهم إلا نفورا) قال إذا سمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه ثم احتج عز وجل على الكفار الذين يعبدون الأوثان فقال قل لهم يا محمد (لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) قال لو كانت الأصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ثم قال الله لذلك (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) وقوله: (وان من شئ إلا يسبح بحمده) فحركة كل شئ تسبيح الله عز وجل وقوله: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) يعني يحجب الله عنك الشياطين (وجعلنا على قلوبهم أكنة) أي غشاوة (ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا) اي صمما وقوله: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تهجد بالقرآن تسمع له قريش بحسن صوته وكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه وقوله: (نحن اعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى) يعنى إذ هم في السر يقولون هو ساحر وهو قوله: (إذ يقول الظالمون ان تتبعون إلا رجلا مسحورا) ثم حكى لرسول الله صلى الله عليه وآله قول الدهرية فقال (وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا) ثم قال: (قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك) والنغض تحريك الرأس (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت.

وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ان الشيطان ينزغ بينهم) اي يدخل بينهم يحثهم على المعاصي وقوله: ربكم اعلم بكم ان يشأ يرحمكم - إلى قوله - زبورا) فهو محكم قوله (وان من قرية إلا نحن مهلكوها) اي أهلها (قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا) يعني بالخسف والموت والهلاك (كان ذلك في الكتاب مسطورا) أي مكتوبا وقوله: (وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) نزلت في قريش (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فعطف على قوله وما منعنا ان نرسل بالآيات.

وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وما منعنا ان نرسل بالآيات " وذلك أن محمدا صلى الله عليه وآله سأله قومه ان يأتيهم بآية فنزل جبرئيل قال إن الله يقول وما منعنا ان نرسل بالآيات إلى قومك إلا أن كذب بها الأولون وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك اخرنا عن قومك الآيات، وقال علي بن إبراهيم في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) قال نزلت لما رأى النبي في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمه غما شديدا فأنزل الله " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن " كذا نزلت وهم بنو أمية ثم حكى عز وجل خبر إبليس فقال: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس - إلى قوله لاحتنكن ذريته إلا قليلا) اي لأفسدنهم إلا قليلا فقال الله عز وجل: (اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا) وهو محكم (واستفزز) اي اخدع (من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد) قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فإذا اشترى به الإماء ونكحهن وولد له فهو شرك الشيطان كما تلد يلزمه منه ويكون مع الرجل إذا جامع فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما، وفي حديث آخر إذا جامع الرجل أهله ولم يسم شاركه الشيطان ثم قال: (ربكم الذي يزجى لكم الفلك) اي السفن (في البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) اي بطل من تدعون غير الله (فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا) ثم ارهبهم فقال: (أفأمنتم ان يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا) اي عذابا وهلاكا (ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم امنتم ان يعيدكم فيه تارة أخرى) اي مرة أخرى (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) اي تجئ من كل جانب (فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " قاصفا من الربح " قال هي العاصف وقوله " تبيعا " يقول وكيلا ويقال كفيلا ويقال ثائرا.

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر بني آدم فقال: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) حدثنا جعفر بن محمد (احمد ط×قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم قال حدثنا محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال إن الله لا يكرم روح كافر ولكن يكرم أرواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم.

أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل بن يسار (سيار ط×عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: (يوم ندعوا كل أناس بامامهم) قال يجيئ رسول الله صلى الله عليه وآله في فرقة وعلى في فرقة والحسن في فرقة والحسين في فرقة وكل من مات بين ظهراني قوم جاؤوا معه وقال علي بن إبراهيم في قوله " يوم ندعوا كل أناس بامامهم " قال ذلك يوم القيامة ينادي مناد ليقم فلان وشيعته وفلان وشيعته وفلان وشيعته وعلي وشيعته وقوله: (ولا يظلمون فتيلا) قال الجلدة التي في ظهر النواة.

واما قوله (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) فإنه حدثني أبي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل عن أبي جعفر عليه السلام قال جاء رجل إلى أبى علي بن الحسين عليهما السلام فقال إن ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفي من نزلت فقال أبى عليه السلام سله فيمن نزلت " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " وفيمن نزلت " لا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " وفيمن نزلت " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " فاتاه الرجل فسأله، فقال وددت ان الذي امرك بهذا واجهني به فاسأله عن العرش مم خلقه الله ومتى خلق؟

وكم هو وكيف هو؟

فانصرف الرجل إلى أبى فقال أبى فهل أجابك بالآيات؟

فقال لا.

قال أبى: لكن أجيبك فيها بعلم ونور غير مدع ولا منتحل اما قوله: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ففيه نزل وفي أبيه، واما قوله: ولا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم ففي أبيه نزلت واما الأخرى (6) ففي أبيه (ابنه ك× نزلت وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط، واما ما سأل عنه من العرش مم خلقه الله.

فان الله خلقه أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من ألوان أنوار مختلفة، ومن ذلك النور نور اخضر ومنه اخضرت الخضرة ونور اصفر منه اصفرت الصفرة، ونور احمر منه احمرت الحمرة، ونور ابيض وهو نور الأنوار، ومنه ضوء النهار ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كل طبق لأول (كأول ك× العرش إلى أسفل السافلين وليس من ذلك طبق إلا ويسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة والسنة غير مشتبهة لو اذن للسان واحد فاسمع شيئا مما في تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون وكشف البحار ولهلك ما دونه، له ثمانية أركان يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولو أحس حس (ولو أحسر - ك× شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين، بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة والعلم وليس وراء هذا مقال لقد طمع الحاير في غير مطمع اما ان في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم فيخرجون أقواما من دين الله وستصبغ الأرض بدماء فراخ من أفراخ محمد تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير مدرك وترابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

قال أبو عبد الله عليه السلام أيضا: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قال نزلت فيمن يسوف الحج حتى مات ولم يحج فهو أعمى فعمي عن فريضة من فرايض الله قوله (وان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره) قال يعني أمير المؤمنين عليه السلام (إذا لاتخذوك خليلا) اي صديقا لو أقمت غيره ثم قال: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) من يوم الموت إلى أن تقوم الساعة ثم قال: (وان كادوا ليستفزونك من الأرض) يعنى أهل مكة (لا يلبثون خلافك إلا قليلا) حتى قتلوا ببدر.

واما قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: دلوكها زوالها وغسق الليل انتصافه (وقرآن الفجر) صلاة الغداة (ان قرآن الفجر كان مشهودا) (قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ثم قال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) قال: صلاة الليل وقال: سبب النور في القيامة الصلاة في جوف الليل واما قوله: (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) فإنه حدثني أبي عن الحسن ابن محبوب عن زراعة (زرعة خ ل× عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق (7) فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم اشفع لنا عند ربك فيقول: إن لي ذنبا وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمد رسول الله فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله فيقول الله ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعط وذلك هو قوله: " عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا " وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن معاوية وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أبي وأمي وعمي واخ كان لي في الجاهلية (8) وقوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) اي معينا (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) فإنها نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله دخولها انزل الله قل يا محمد أدخلني مدخل صدق الآية وقوله: سلطانا نصيرا اي معينا (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.

وقوله: (قل كل يعمل على شاكلته) قال: على نيته (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) فإنه حدثني أبي عن جعفر بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الذي يتولى حسابه فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه وتسر نفسه وتفرح روحه، ثم ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه ثم يقول الله للملائكة هلموا الصحف التي فيها الاعمال التي لم يعملوها، قال: فيقرؤونها ثم يقولون وعزتك انك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم ثم يثابون عليها واما قوله: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة وفي خبر آخر هو من الملكوت واما قوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) فإنها نزلت في عبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة رحمة الله عليها وذلك انا قال هذا لرسول الله بمكة قبل الهجرة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة استقبله عبد الله بن أبي أمية فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يرد عليه السلام فأعرض عنه ولم يجبه بشئ وكانت أخته أم سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل إليها فقال: يا أختي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل إسلام الناس كلهم ورد علي إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أم سلمة قالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وآله سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت اسلام الناس كلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة ان أخاك كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) قالت أم سلمة بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألم تقل ان الاسلام يجب ما كان قبله؟

قال: نعم فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله إسلامه وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يعني عينا أو تكون لك جنة يعني بستانا من نخيل وعنب فتفجر الأرض خلالها تفجيرا من تلك العيون أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه يسقط من السماء كسفا لقوله: وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا والقبيل اي الكثير " أو يكون لك بيت من زخرف " اي المزخرف بالذهب " أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " يقول من الله إلى عبد الله بن أبي أمية ان محمدا صادق واني أنا بعثته ويجئ معه أربعة من الملائكة يشهدون ان الله هو كتبه فأنزل الله عز وجل قل " سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ".

وقوله: (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) فإنه حدثني أبي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل عليه السلام نظرة قبل السماء فامتقع لونه حتى صار كأنه كركمة (9) ثم لاذ برسول الله صلى الله عليه وآله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شئ قد ملا ما بين الخافقين مقبلا حتى كان كقاب من الأرض (10) ثم قال: يا محمد إني رسول الله إليك أخبرك أن تكون ملكا رسولا أحب إليك أو تكون عبدا رسولا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل وقد رجع إليه لونه، فقال جبرئيل: بل كن عبدا رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل أكون عبدا رسولا فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السماء الدنيا ثم رفع الأخرى فوضعها في الثانية ثم رفع اليمنى فوضعها في الثالثة ثم هكذا حتى انتهى إلى السماء السابعة كل سماء خطوة وكلما ارتفع صغر حتى صار آخر ذلك مثل الذر - الصر (ك) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا وما رأيت شيئا كان أذعر لي من تغير لونك، فقال: يا نبي الله لا تلمني أتدري من هذا؟

قال: لا، قال: هذا إسرافيل حاجب الرب ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض، فلما رأيته منحطا ظننت انه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيت من تغير لوني لذلك، فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع إلي لوني ونفسي أما رأيته كلما ارتفع صغر انه ليس شئ يدنو من الرب إلا صغر لعظمته ان هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم يلقيه الينا فنسعى به في السماوات والأرض انه لأدنى خلق الرحمن منه وبينه وبينه سبعون حجابا من نور تقطع دونها الابصار ما لا يعد ولا يوصف واني لأقرب الخلق منه وبيني وبينه مسيرة الف عام وقوله: (وما منع الناس ان يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا) قال قال الكفار: لم لم يبعث الله الينا الملائكة؟

فقال الله عز وجل: (ولو بعثنا إليهم ملكا لما آمنوا ولهلكوا ولو كانت الملائكة في الأرض يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) وقوله: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) قال: على جباههم (مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) اي كلما انطفت فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة يرفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن في جهنم واديا يقال له سعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها وهو قوله: كلما خبت زدناهم سعيرا اي كلما انطفت وقوله: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الانفاق وكان الانسان قتورا) قال: لو كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة النفاد (وكان الانسان قتورا) اي بخيلا واما قوله: (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) فقال: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والعصا ويده والبحر وقوله يحكى قول موسى (واني لأظنك يا فرعون مثبورا) اي هالكا تدعو بالثبور وفي رواية أبي الجارود في قوله: (فأراد ان يستفزهم من الأرض) اي أراد ان يخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلا الله واما قوله: (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) يقول جميعا وفي رواية علي بن إبراهيم (فأراد) يعني فرعون (ان يستفزهم من الأرض) أي يخرجهم من مصر (فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) أي من كل ناحية وقوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) اي على مهل (ونزلناه تنزيلا) ثم قال: يا محمد (قل آمنوا به أولا تؤمنوا ان الذين أوتوا العلم من قبله) يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله (إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) قال: الوجه (ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وهم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله، وحدثني أبي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع باذنك واقرأ ما بين ذلك وحدثني أبي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: رفع الصوت عاليا ومخافته ما لم تسمع نفسك، قال قلت له: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها قال: يسجد ما بين طرف شعره فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فإن لم يقدر فعلى ذقنه قلت: على ذقنه قال: نعم أما تقرأ كتاب الله عز وجل " يخرون للأذقان سجدا " وروي أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: الاجهار ان ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك والاخفات ان لا تسمع من معك إلا يسيرا ثم قال: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) قال: لم يذل فيحتاج إلى ولي فينصره.


1- خالط بياض رأسه سواد فهو اشمط. ج. ز.

2- البخت بالضم الإبل الخراسانية والجمع بخاتى ق.

3- اي لم يقدر على فعلها وهذا كما قال صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله. ج ز.

4- لا يخفى ان مفاد هذه الرواية وإن كان غير مطابق ظاهرا للتحقيقات العصرية لان كسوف الشمس على ما حققوه عبارة عن حيلولة القمر بين الشمس والأرض وخسوف القمر عبارة عن حيلولة الأرض بينها وبين القمر، مع أنه لا وجود للماء في الفضاء فلا معنى لطمس الشمس فيه، إلا أنه يمكن ان يقال في مقام التوفيق انه للكسوفين سببان الأول: الحيلولة والثاني: طمسها في الماء على النحو الذي ذكر في الرواية، ووجود الماء في الفضاء غير محال كما دلت عليه الآية الشريفة " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " ويمكن توجيهه بطريق آخر وهو: ان الأرض ثلاثة أرباع منها أو أزيد مغطاة بالماء فلما تكون حائلة بين الشمس والقمر يصير ظل الماء واقعا على القمر لان نحن الماء الملتف عليها زائد حدا، فإذا فرضنا الشمس إلى جانب والقمر إلى جانب آخر وفي وسطهما من الأرض قسمة منها عليها الماء وسطحه محدب لأجل كروية الأرض فيكون الحدب المائي مانعا عن وصول ضوء الشمس إلى القمر لكونه حائلا بينهما فيقع ظل نحن الماء على القمر فينخسف تماما أو ناقصا حسب مقدار حيلولة الماء فيصدق على القمر انه انطمس في الماء ولو مجازا (اي في ظل الماء). وكذا نقول في انكساف الشمس من أنه ليس الحائل بينها وبين الأرض نفس السيارة بل قسمة من الماء الموجود فيه ولو في الزمان السابق لامكان الماء فيه سابقا كما ذهب إليه بعض محققي عصرنا، ويؤيده ما عثرنا عليه أخيرا في كتاب " ماه " تأليف فارسي للفاضل المحقق السيد جلال امام جمعة الجزايري ما ما خلاصته مترجما بالعربية: " ان التصاوير التي اخذت أخيرا بواسطة سبوتنك الأمريكي اوربيتر الرقم 4 - 5 من كرة القمر انعكست فيها اشكال لها شباهة تامة بالأنهار الأرضية وهذا صار سببا لاعتقاد بعض محققي العصر بان القمر كان فيه سابقا كمية وافره من الماء - وان الفلكي الأمريكي بروفيسور يورى (UREY. c. H) قال في مجلة الطبيعة الرقم 216، ان حاصل الرسوم الجديدة (اوربيتر 4 - 5) برهان ساطع على أن الماء كان موجودا في القمر بكمية كثيرة واعلام جريانه واضحة في هذه التصاوير، لكنه بمرور الزمان وحرارة الشمس تبدل بشكل البخار ولكون قلة جاذبية القمر لم يرجع وانتشر في الفضاء - إلى أن قال - بل إنه موجود الان أيضا في طبقات القمر منجمدا بشكل الثلج " فمفاد هذا الكشف ان كرة القمر متركب من اجزاء مائية ويؤيده ما في الحديث الآتي الذي قال فيه الإمام الباقر عليه السلام ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا الحديث، فتبين من ذلك كله ان هذه الرواية مما دل على العلم الحيوي لأهل بيت العصمة عليهم السلام ورسوخهم في العلوم بأرجائها زمان لم يكن لتلك التحقيقات الجديدة اثر ولا خبر نعم هنا شئ ذكره الإمام عليه السلام في هذه الرواية " بطونهما يضيئان لأهل السماء وظهورهما يضيئان لأهل الأرض " ومعناه ان الشمسين لا تديران وجهيهما إلى الأرض بل الينا طرف واحد منهما وهذا مما بلغه اليوم العلماء العصريون مع أن الفضل للمخبر به قبل الف عام. وفي الكافي والبحار أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل له: ان الشمس لو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدة حرها (الهيئة والاسلام ص 3 2). ج. ز.

5- أي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا الخ.

6- اي يبلغ عرقهم إلى أفواههم من شدة الحر أو التعب.

7- قاله لسد ألسنة المعترضين وإلا المستفاد من الأدلة هو إيمان أبيه وأمه وعمه وهو أبو طالب كأنه جواب تنزيلي يعني إذا بلغت مقاما محمودا وشفعت عدد الرمل والحصى كيف لا أشفع في أبي وأمي وعمي الذين أحسنوا إلي. ج ز.

8- كركم: العلك ق م.

9- أي مقدار نصف القوس. ج. ز.

10- اي لم يقل لفظة إن شاء الله. ج. ز.