النحل

سورة النحل

مكية

آياتها مأة وثمانية وعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) قال نزلت لما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينزل عليهم العذاب فأنزل الله تبارك وتعالى " اتى امر الله فلا تستعجلوه " وقوله (ينزل الملائكة بالروح من امره) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا إله إلا انا فاتقون) يقول بالكتاب والنبوة وقال علي بن إبراهيم في قوله (خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) قال خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا وقال أبو الجارود في قوله (والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع) والدف ء حواشي الإبل ويقال بل هي الادفأ من البيوت والثياب وقال علي بن إبراهيم في قوله " دف ء " اي ما تستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها وقوله (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) قال حين ترجع من المرعى وحين تسرحون حين تخرج إلى المرعى (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) قال إلى مكة والمدينة وجميع البلدان ثم قال (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يقل عز وجل لتركبوها وتأكلوا منها كما قال في الانعام (ويخلق ما لا تعلمون) قال العجائب التي خلقها الله في البحر والبر (وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر) يعني الطريق (ولو شاء لهديكم أجمعين) يعني الطريق وقوله عز وجل (هو الذي انزل من السماء ماءا لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) اي تزرعون ثم قال (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات) يعني بالمطر (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) وقوله (وهو ذرأ لكم في الأرض) اي خلق واخرج (مختلفا ألوانه ان في ذلك لآية لقوم يذكرون) وقوله عز وجل (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) يعني ما يخرج من البحر من أنواع الجواهر (وترى الفلك مواخر فيه) يعني السفن (والقى في الأرض رواسي ان تميد بكم) يعنى الجبال وأنهارا وسبلا اي طرقا (لعلكم تهتدون) يعني كي تهتدوا وقوله عز وجل (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال النجم رسول الله صلى الله عليه وآله والعلامات الأئمة عليه السلام وقوله (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) فإنه رد على عبدة الأصنام وقوله (وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا أساطير الأولين) يعني أكاذيب الأولين حدثني جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني انهم لا يؤمنون بالرجعة انها حق (قلوبهم منكرة) يعني انها كافرة (وهم مستكبرون) يعني انهم عن ولاية علي مستكبرون (لا جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون انه لا يحب المستكبرين) عن ولاية علي وقال نزلت هذه الآية هكذا " وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين " وقال علي ابن إبراهيم فقال الله عز وجل (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) قال يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام وآثام كل من اقتدى بهم وهو قول الصادق عليه السلام والله ما أهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا اخذ مال من غير حله إلا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين بشئ.

قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما بويع له بخمسة أيام خطبة فقال فيها: " واعلموا ان لكل حق طالبا ولكل دم ثائرا والطالب (بحقنا ط) كقيام الثائر بدمائنا والحاكم في حق نفسه هو العادل الذي لا يحيف والحاكم الذي لا يجور وهو الله الواحد القهار، واعلموا ان على كل شارع بدعة وزره ووزر كل مقتد به من بعده من غير أن ينقص من أوزار العاملين شئ وسينتقم الله من الظلمة مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب من لقم العلقم ومشارب الصبر الأدهم فيشربوا بالصب من الراح السم المذاق وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا ولهم بكل ما اتوا وعملوا من افاويق الصبر الأدهم فوق ما اتوا وعملوا، اما انه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم وما لهم من الصيف إلا رقدة ويحهم ما تزودوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام (1) فيا مطايا الخطايا (ويا رزء الزورك) وزاد الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على أنفسكم فسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون، فاقسم ثم اقسم ليتحملنها بنو أمية من بعدي وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل فلا يبعد الله إلا من ظلم وعلى البادي (يعني الأول) ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزارهم وأوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " وحدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قد مكر الذين من قبلهم فاتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) قال ثبت مكرهم اي ماتوا فألقاهم الله في النار وهو مثل لأعداء آل محمد عليه وعليهم السلام (ثم يوم القيمة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم ان الخري؟

اليوم والسوء على الكافرين) قال الذين أوتوا العلم الأئمة عليهم السلام يقولون لأعدائهم أين شركاؤكم ومن أطعتموهم في الدنيا ثم قال فيهم أيضا (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فالقوا السلم) اي سلموا لما أصابهم من البلاء ثم يقولون:

(ما كنا نعمل من سوء) فرد الله عليهم فقال (بلى ان الله عليم بما كنتم تعملون فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) ثم ذكر المؤمنين (فقال الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) قوله طيبين قال هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا وقوله (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي امر ربك) من العذاب والموت وخروج القائم (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقوله (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) من العذاب في الرجعة وقوله:

(وقال الذين أشركوا - إلى قوله - البلاغ المبين) فإنه محكم وقوله:

(واجتنبوا الطاغوت) يعني الأصنام قوله (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) أي انظروا في اخبار من هلك من قبل وقوله (ان تحرص على هديهم) مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله (فان الله لا يهدي) اي لا يثيب (من يضل) اي يعذب وقوله (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله يرفعه إلى أبى عبد الله عليه السلام قال ما يقول الناس فيها؟

قال يقولون نزلت في الكفار قال إن الكفار كانوا لا يحلفون بالله وإنما نزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وآله قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا انهم لا يرجعون فرد الله عليهم فقال ليبينن لهم الذي يختلفون فيه (وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين) يعني في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين فيهم وقوله (والذين هاجروا في الله) اي هاجروا وتركوا الكفار في الله (2) وقوله (أفأمن الذين مكروا السيئات) يا محمد وهو استفهام (ان يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) قال إذا جاؤوا وذهبوا في التجارات وفي اعمالهم فيأخذهم في تلك الحالة (أو يأخذهم على تخوف) قال على تيقظ وقوله (أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) قال تحويل كل ظل خلقه الله وهو سجود لله لأنه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحريكه سجوده وقوله (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) قال الملائكة ما قدر الله لهم يمرون فيه ثم احتج عز وجل على الثنوية فقال:

(لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) وقوله:

(وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا) اي واجبا ثم ذكر تفضله فقال:

(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون) أي تفزعون وترجعون والنعمة هي الصحة والسعة والعافية وقوله:

(ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) وهو الذي وصفناه مما كانت العرب يجعلون للأصنام نصيبا في زرعهم وابلهم وغنمهم فرد الله عليهم فقال:

(تالله لتسئلن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) قال قالت قريش ان الملائكة هم بنات الله فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله فقال الله عز وجل " ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون " يعني من البنين ثم قال:

(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون) اي يستهين به (أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقوله:

(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) أي عند معصيتهم وظلمهم (ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقوله:

(ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب) يقول ألسنتهم الكاذبة (ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون) اي معذبون وقوله:

(والله انزل من السماء ماءا) الآية محكمة وقوله:

(وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) قال الفرث ما في الكرش (3) وقوله:

(ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا) قال الخل (ورزقا حسنا) قال الزبيب وقوله:

(وأوحى ربك إلى النحل) قال وحي إلهام تأخذ النحل من جميع النور ثم تتخذه عسلا.

وحدثني أبي عن الحسن بن علي الوشاء عن رجل عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله وأوحى ربك إلى النحل قال نحن النحل التي أوحى الله إليها (ان اتخذي من الجبال بيوتا) أمرنا ان نتخذ من العرب شيعة (ومن الشجر) يقول من العجم (ومما يعرشون) يقول من الموالي والذي (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) العلم الذي يخرج منا إليكم وقوله (والله خلقكم ثم يتوفاكم - إلى قوله - لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) قال إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك وقوله (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء) قال لا يجوز للرجل ان يخص نفسه بشئ من المأكول دون عياله وقوله (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) يعني حواء خلقت من آدم (وحفدة) قال الأختان وقوله:

(ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قال لا يتزوج ولا يطلق ثم ضرب الله مثلا في الكفار فقال:

(وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه أين ما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) قال كيف يستوى هذا وهذا الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام وقوله (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم - إلى قوله - ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) فإنه محكم وقوله:

(والله جعل لكم من بيوتكم سكنا) يعني المساكن (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا) يعني الخيم والمضارب (تستخفونها يوم ظعنكم) اي يوم سفركم (ويوم إقامتكم) يعني في مقامكم (ومن أصوافها وأوبارها واشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وفي رواية أبى الجارود في قوله (أثاثا) قال المال و (متاعا) قال المنافع (إلى حين) اي إلى حين بلاغها.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (والله جعل لكم مما خلق ظلالها) قال ما يستظل به (وجعل لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعني القمص وإنما جعل ما يجعل منه (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعني الدروع وقوله:

(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال نعمة الله هم الأئمة والدليل على أن الأئمة نعمة الله قول الله تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال الصادق عليه السلام: نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز، وقوله:

(ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) قال لكل زمان وأمة امام يبعث كل أمة مع امامها وقوله:

(والذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) قال كفروا بعد النبي صلى الله عليه وآله وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) ثم قال (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم) يعني من الأئمة ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (وجئنا بك - يا محمد - شهيدا على هؤلاء) يعني على الأئمة فرسول الله شهيد على الأئمة وهم شهداء على الناس وقوله:

(ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم) قال: العدل شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والاحسان أمير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان حدثنا محمد بن أبي عبد الله قال حدثنا موسى بن عمران قال حدثني الحسين ابن يزيد عن إسماعيل بن مسلم قال جاء رجل إلى أبى عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام وانا عنده فقال يا بن رسول الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وقوله:

(امر) ربي (ألا تعبدوا إلا إياه) فقال نعم ليس لله في عباده امر إلا العدل والاحسان فالدعاء من الله عام والهدى خاص مثل قوله:

(ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ولم يقل ويهدي جميع من دعا إلى صراط مستقيم.

وقال علي بن إبراهيم في قوله:

(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) فإنه حدثني أبي رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم سلموا على علي بإمرة المؤمنين عليه السلام فقالوا: أمن الله ورسوله؟

فقال لهم نعم حقا من الله ورسوله، فقال إنه أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار وانزل الله عز وجل (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها..

الخ) يعني قول رسول الله صلى الله عليه وآله من الله ورسوله ثم ضرب لهم مثلا فقال:

(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها رابطة (ريطة ط) بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لوي بن غالب كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلت نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كالتي نقضت غزلها قال إن الله تبارك وتعالى امر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا.

رجع إلى رواية علي بن إبراهيم في قوله " أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم، فقيل يا بن رسول الله نحن نقرؤها (هي أربى من أمة) قال ويحك وما أربى؟

وأومأ بيده بطرحها (إنما يبلوكم الله به) يعني بعلي بن أبي طالب عليه السلام يختبركم (وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) قال على مذهب واحد وامر واحد (ولكن يضل من يشاء) قال يعذب بنقض العهد (ويهدي من يشاء) قال يثيب (ولتسئلن عما كنتم تعملون ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم) قال هو مثل لأمير المؤمنين عليه السلام (فتزل قدم بعد ثبوتها) يعني بعد مقالة النبي صلى الله عليه وآله فيه (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله) يعني عن علي (ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا) معطوف على قوله:

(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) ثم قال:

(ما عندكم ينفد وما عند الله باق) أي ما عندكم من الأموال والنعمة تزول وما عند الله مما تقدموه من خير أو شر فهو باق وقوله:

(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) قال القنوع بما رزقه الله، ثم قال:

(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) قال الرجيم أخبث الشياطين فقلت له ولم سمي رجيما؟

قال لأنه يرجم وقوله (انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) قال ليس له ان يزيلهم عن الولاية فاما الذنوب فإنهم ينالون منه كما ينالون من غيره وقوله (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) قال كانت إذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله أنت مفتر فرد الله عليهم فقال:

(قل لهم - يا محمد - نزله روح القدس من ربك بالحق) يعني جبرئيل عليه السلام وفي رواية أبي الجارود في قوله روح القدس قال هو جبرئيل عليه السلام والقدس الطاهر (ليثبت الذين آمنوا) هم آل محمد (وهدى وبشرى للمسلمين) واما قوله: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي) وهو لسان أبي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان أعجمي اللسان وكان قد اتبع نبي الله وآمن به وكان من أهل الكتاب فقالت قريش هذا والله يعلم محمدا بلسانه يقول الله:

(وهذا لسان عربي مبين) واما قوله (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان) فهو عمار بن ياسر اخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئن بالايمان واما قوله (ولكن من شرح بالكفر صدرا) فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث من بني لوي يقول الله " ذلك بان الله ختم على سمعهم وابصارهم وقلوبهم وأولئك هم الغافلون لا جرم انهم في الآخرة هم الأخسرون " هكذا في قراءة ابن مسعود وقوله (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصار هم الآية) هكذا في القراءة المشهورة هذا كله في عبد الله ابن سعد بن أبي سرح كان عاملا لعثمان بن عفان على مصر ونزل فيه أيضا " ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وقال على ابن إبراهيم ثم قال أيضا في عمار (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم).

وقوله:

(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفروا بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) قال نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له الثلثان (الثرثار ك ط) وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير فكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا، فكفروا بأنعم الله واستنجوا (واستخفوا خ ل) بنعمة الله فحبس الله عنهم الثلثان فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى اكل ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه ثم قال عز وجل (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) قال هو ما كانت اليهود يقولون ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وقوله (ان إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا) اي طاهرا (اجتباه) اي اختاره (وهداه إلى صراط مستقيم) قال إلى الطريق الواضح ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وهي الحنفية العشر التي جاء بها إبراهيم عليه السلام خمسة في البدن وخمسة في الرأس فاما التي في البدن: فالغسل من الجنابة، والطهور بالماء وتقليم الأظفار وحلق الشعر من البدن، والختان، واما التي في الرأس: فطم الشعر، واخذ الشارب، واعفاء اللحى، والسواك، والخلال، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة وقوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه. الآية)

وقد كتبنا خبره في سورة الأعراف وقوله (وجاد لهم بالتي هي أحسن) قال بالقرآن وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر في قوله " ان إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا " وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكان أمة واحدة وإنما قال قانتا فالمطيع واما الحنيف فالمسلم قال وما كان من المشركين واما قوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وان ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) وذلك أن موسى امر قومه ان يتفرغوا إلى الله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم وهم الذين اختلفوا فيه واما قوله (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وذلك أن المشركين يوم أحد مثلوا بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين استشهدوا، منهم حمزة فقال المسلمون اما والله لان أولانا الله عليهم لنمثلن بأخيارهم، فذلك قول الله " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " يقول بالأموات: " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ".

لقد تم - بحول الله وقوته - الجزء الأول من الكتاب المستطاب " تفسير القمي " تصحيحا وتعليقا بيد العبد المذنب السيد طيب الموسوي الجزائري في يوم السابع من ذي الحجة الحرام من سنة ثلاثمائة وست وثمانين بعد الألف الهجرية ويتلوه إن شاء الله الجزء الثاني أوله سورة بني إسرائيل.


1- وفى ط بعد هذا: والخطايا وما تزاوروا أوزار الآثام من الذين ظلموا.

2- وفى ط بعد ذلك: (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) أي لنؤتينهم.

3- الكرش كظلف والكتف لذي أخف والحافر كالمعدة للانسان. ج ز.