إبراهيم

سورة إبراهيم

مكية

وهي اثنتان وخمسون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أنزلناه إليك - يا محمد - لتخرج الناس من الظلمات إلى النور باذن ربهم) يعني من الكفر إلى الايمان (إلى صراط العزيز الحميد) والصراط الطريق الواضح وامامة الأئمة عليهم السلام وقوله (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض - إلى قوله - وهو العزيز الحكيم) فهو محكم وقوله (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان اخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله) قال أيام الله ثلاثة: يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة وقوله (وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لأزيدنكم ولان كفرتم ان عذابي لشديد) فهذا كفر النعم ثم قال أبو عبد الله عليه السلام أيما عبد أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه لم تنفد حتى يأمر الله له بالزيادة وهو قوله " لان شكرتم لأزيدنكم " وقوله (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح إلى قوله - فردوا أيديهم في أفواههم) يعني في أفواه الأنبياء (وقالوا انا كفرنا بما أرسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) وقوله (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا) فإنه حدثني أبي رفعه إلي النبي صلى الله عليه وآله قال من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وهو قوله (وقال الذين كفروا - إلى قوله - فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم) وقوله (واستفتحوا) اي دعوا (وخاب كل جبار عنيد) اي خسروا وفي رواية أبي الجارود قال العنيد المعرض عن الحق.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) قال ما يخرج من فروج الزواني وقوله (يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) قال يقرب إليه فيكرهه وإذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شرب تقطعت أمعاؤه ومزقت إلى تحت قدميه وانه ليخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا ثم قال وانهم ليبكون حتى تسيل من دموعهم فوق وجوههم جداول ثم تنقطع الدموع فتسيل الدماء حتى لو أن السفن أجريت فيها لجرت وهو قوله " وسقوا ماءا حميما فقطع أمعاءهم " وقوله (مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) قال من لم يقر بولاية أمير المؤمنين عليه السلام بطل عمله مثل الرماد الذي يجيئ الريح فتحمله (وبرزوا لله جميعا) معناه مستقبل انهم يبرزون واللفظ ماض وقوله (لو هدانا الله لهديناكم) فالهدى ههنا هو الثواب (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص) اي مفر (وقال الشيطان لما قضي الامر) اي لما فرغ من امر الدنيا من من أوليائه (ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما انا بمصرخكم) اي بمعينكم (وما أنتم بمصرخي) اي بمعيني (اني كفرت بما أشركتمون من قبل) يعني في الدنيا ثم قال عز وجل (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها نابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) فحدثني أبى عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله " مثل كلمة طيبة الآية " قال الشجرة رسول الله صلى الله عليه وآله أصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي بن أبي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها الأئمة من ولد على وفاطمة عليهم السلام وشيعتهم ورقها وان المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وان المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت أرأيت قوله " تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " قال يعني بذلك ما يفتون به الأئمة شيعتهم في كل حج وعمرة من الحلال والحرام ثم ضرب الله لأعداء محمد مثلا فقال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم إلى السماء وبنو أمية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد اعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم.

قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) فإنه حدثني أبي عن علي بن مهزيار عن عمر بن عثمان عن المفضل بن صالح عن جابر عن إبراهيم بن العلي عن سويد بن علقمة (غفلة ط) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة مثل له أهله وما له وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول والله اني كنت عليك لحريصا شحيحا فما عندك؟

فيقول خذ مني كفنك " ثم يلتفت إلى ولده فيقول والله انى كنت لكم لمحبا واني كنت عليكم لمحاميا فماذا عندكم؟

فيقولون نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها، ثم يلتفت إلى عمله فيقول والله اني كنت فيك لزاهدا وانك كنت علي لثقيلا فماذا عندك؟

فيقول انا قربنك في قبرك ويوم حشرك حتى اعرض انا وأنت على ربك فإن كان لله وليا اتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأزينهم رياشا فيقول ابشر بروح من الله وريحان وجنة نعيم وقد قدمت خير مقدم فيقول من أنت؟

فيقول انا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنة وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يعجله فإذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر يجران اشعارهما وينحتان الأرض بأنيابهما وأصواتهما كالرعد العاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك ومن نبيك وما دينك (1

فيقول: الله ربى ومحمد نبيي والاسلام ديني (2) فيقولان ثبتك الله بما تحب وترضى وهو قول الله " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " فيفسحان له في قبره مد بصره ويفتحان له بابا إلى الجنة ويقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم وهو قوله " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " (3) وإذا كان لربه عدوا فإنه يأتيه أقبح خلق الله رياشا وانتنه ريحا فيقول له من أنت؟

فيقول له انا عملك ابشر (بنزل من حميم وتصلية جحيم) وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسه فإذا ادخل قبره اتياه مفتحيا القبر فألقيا أكفانه ثم قالا له من ربك ومن نبيك وما دينك؟

فيقول لا أدري فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربانه بمرزبة (4) ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له بابا إلي النار ثم يقولان له نم بشر حال فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج (5) حتى أن دماغه يخرج مما بين ظفره ولحمه ويسلط عليه حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره وانه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر.

واما قوله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال نزلت في الأفجرين من قريش حدثني أبي عن محمد ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال نزلت في الأفجرين من قريش ومن بني أمية وبني المغيرة فاما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، واما بنو أمية فمتعوا إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز ثم قال لهم تمتعوا فان مصيركم إلى النار وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلال) أي لا صداقة وقوله (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) اي على الولاء وقوله يحكى قول إبراهيم (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا) يعني مكة (واجنبني وبني ان نعبد الأصنام رب انهن أضللن كثيرا من الناس) فان الأصنام لم تضل وإنما ضل الناس بها وقوله (ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات) اي من ثمرات القلوب (لعلهم يشكرون) يعني كي يشكروا وحدثني أبي عن حماد عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ربنا انى أسكنت من ذريتي الآية " قال نحن والله بقية تلك العترة واما قوله (ربنا اغفر لي ولوالدي) قال إنما نزلت " ولولدي إسماعيل واسحق " وقوله (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) قال تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنم لا يقدرون ان يطرفوها وقوله (أفئدتهم هواء) قال قلوبهم تنصدع من الخفقان ثم قال (وانذر الناس - يا محمد - يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا اخرنا إلى اجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم) اي حلفتم (من قبل ما لكم من زوال) اي ولا تهلكون (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) يعني ممن هلكوا من بني أمية (وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم - ثم قال - وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) قال مكر بني فلان وقوله (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال تبدل خبزة بيضاء نقية في الموقف يأكل منها المؤمنون (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد) قال مقيدين بعضهم إلى بعض (سرابيلهم من قطران) قال السرابيل القميص وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " سرابيلهم من قطران " وهو الصفر الحار الذائب يقول انتهى حره يقول الله (وتغشى وجوههم النار) سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار وقال علي ابن إبراهيم في قوله (هذا بلاغ للناس) يعني محمدا (ولينذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب) اي أولو العقول.


1- وفى ط " وعلي عليه السلام والأئمة امامي ".

2- الفرقان 24، وفي تفسير الصافي ان المقيل مكان يبات فيه لوقت يسير فعلى هذا هذه الآية تدل على ثواب الله في البرزخ لان الجنة لا نوم فيها فلا تكون مرادا منها. ج. ز.

3- المرزبة بكسر الميم وتشديد الياء عصية حديد.

4- الزج بالضم حديدة في أسفل الرمح. ج. ز.

5- حراء بالكسر والمد جبل بمكة. مجمع.