يوسف

سورة يوسف

مكية

اياتها مأة واحدى عشر (بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب المبين انا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) اي كي تعقلوا ثم خاطب الله نبيه فقال (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين) ثم قص قصة يوسف لأبيه (يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا علي بن محمد عمن حدثه عن المنقري عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السندي عن عبد الرحمن ابن سابط القرشي عن جابر بن عبد الله الأنصاري في قول الله عز وجل " اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية النجوم هو الطارق وحوبان والذيال (الدبال ك) وذو الكتفين (ذو الكنفين ط) ووثاب وقابس وعمودان وفليق (فيلق) ومصبح والصرح والفروع (والقروع) والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه النجوم محيطة بالسماء، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال تأويل هذه الرؤيا انه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه واخوته، اما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب واما أحد عشر كوكبا فاخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله.

قال علي بن إبراهيم فحدثني أبي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام انه كان من خبر يوسف عليه السلام انه كان له أحد عشر أخا فكان له من أمه أخ واحد يسمى بنيامين وكان يعقوب إسرائيل الله ومعنى إسرائيل الله خالص الله بن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على أبيه فقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) " يكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا عليك، فقال يعقوب ليوسف (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم) وكان يوسف من أحسن الناس وجها وكان يعقوب يحبه ويؤثره على أولاده فحسده اخوته على ذلك وقالوا فيما بينهم كما حكى الله عز وجل (إذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلي أبينا منا ونحن عصبة) اي جماعة (ان أبانا لفي ضلال مبين) فعمدوا على قتل يوسف فقالوا نقتله حتى يخلو لنا وجه أبينا فقال لاوي لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن أبينا ونخلو نحن به فقالوا كما حكى الله عز وجل (يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون ارسله معنا غدا يرتع ويلعب) اي يرعى الغنم ويلعب (وانا له لحافظون) فاجرى الله على لسان يعقوب (انى ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) فقالوا كما حكى الله (لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون) والعصبة عشرة إلى ثلاثة عشر (فلما ذهبوا به وأجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) اي لأخبرنهم بما هموا به.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون " يقول لا يشعرون انك أنت يوسف اتاه جبرئيل واخبره بذلك قال علي بن إبراهيم فقال لاوي القوة في هذا الجب (يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين) فأدنوه من رأس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يا اخوتي لا تجردوني، فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك فنزعه فألقوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله إبراهيم واسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من أهل مصر، فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما أدلى الدلو على يوسف تشبت بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجها فعدوا إلي صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ اخوته فجاؤوا وقالوا هذا عبد لنا، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول قال نعم انا عبدهم، فقالت السيارة أفتبيعونه منا؟

قالوا نعم فباعوه منهم على أن يحملوه إلى مصر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) قال الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما وكان عندهم كما قال الله تعالى " وكانوا فيه من الزاهدين) أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد ابن محمد عن أبي بصير عن الرضا عليه السلام في قول الله " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " قال كانت عشرين درهما والبخس النقص وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وجاؤا على قميصه بدم كذب) قال إنهم ذبحوا جديا على قميصه، قال علي بن إبراهيم ورجع اخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا ان الذئب اكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله أفتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه، فقالوا وما الحيلة؟

قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى ان يكتم ذلك الخبر عن نبيه فإنه جواد كريم، فقاموا واغتسلوا وكان في سنة إبراهيم واسحق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا فيكون واحد منهم اماما وعشرة يصلون خلفه فقالوا كيف نصنع وليس لنا امام (1) فقال لاوي نجعل الله امامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يا رب اكتم علينا هذا ثم جاؤوا إلى أبيهم عشاءا يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم فقالوا (يا أبانا انا ذهبنا نستبق) اي نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين - إلى قوله - على ما تصفون) ثم قال يعقوب ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه على قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه.

قال فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز (لامرأته أكرمي مثواه) اي مكانه (عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا) ولم يكن له ولد فأكرموه وربوه فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا أحبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز وهو قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون) فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله عز وجل (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلفت الأبواب فلما هما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعيه يقول يا يوسف!

أنت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الأرض من الزناة؟

فعلم أنه قد أخطأ وتعدى، وحدثني أبي عن بعض رجاله رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فألقت عليه الملاءة لها فقال لها يوسف ما تعملين؟

قالت القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا فانى استحيي منه، فقال يوسف فأنت تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا استحي انا من ربي فوثب وعدا وعدت من خلفه وادركهما العزيز على هذه الحالة وهو قول الله تعالى (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز (ما جزاء من أراد باهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد انها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم (ثم قال ليوسف (أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين) وشاع الخبر بمصر وجعلت النساء يتحدثن بحديثها ويعيرنها ويذكرنها وهو قوله (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغ ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها وهيئت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة أترنجة وسكينا فقالت اقطعن ثم قالت ليوسف (اخرج عليهن) وكان في بيت فخرج يوسف عليهن فلما نظرن إليه أقبلن يقطعن أيديهن وقلن كما حكى الله عز وجل (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ) اي أترنجة (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) إلى قوله (ان هذا إلا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه) اي في حبه (ولقد راودته عن نفسه) اي دعوته (فاستعصم) اي امتنع ثم قالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) فما امسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه والا تصرف عني كيدهن) اي حيلهن (أصب إليهن) اي أميل إليهن وأمرت امرأة العزيز بحبسه فحبس في السجن وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها فلم تزل ملحة بزوجها حتى حبسه (ودخل معه السجن فتيان) يقول عبدان للملك أحدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز، رجع إلى حديث علي بن إبراهيم قال ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتك؟

قال اعبر الرؤيا فرأى أحد الموكلين في نومه كما قال الله عز وعلا (أعصر خمرا) قال يوسف تخرج وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر (اني أراني احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف أنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال إني لم أر ذلك، فقال يوسف كما قال الله تعالى (يا صاحبي السجن اما أحدكما فيسقى ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) فقال أبو عبد الله عليه السلام في قوله " انا نراك من المحسنين " قال كان يقوم على المريض ويلتمس المحتاج ويوسع على المحبوس فلما أراد من رأى في نومه يعصر الخمر الخروج من الحبس قال له يوسف (اذكرني عند ربك) فكان كما قال الله عز وجل (فأنساه الشيطان ذكر ربه) أخبرنا الحسن به علي عن أبيه عن إسماعيل بن عمر عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن يوسف اتاه جبرئيل فقال له: يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في أحسن خلقه؟

قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب، ثم قال له: ويقول لك من حببك إلى أبيك دون اخوتك؟

قال فصاح ووضع خده على الأرض وقال أنت يا رب، قال ويقول لك: من أخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها وأيقنت بالهلكة؟

قال فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب قال: فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين، قال فلما انقضت المدة واذن الله له في دعاء الفرج فوضع خده على الأرض ثم قال " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب " ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك أندعو نخن بهذا الدعاء؟

فقال ادع بمثله " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام ".

قال علي بن إبراهيم ثم إن الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه اني رأيت في نومي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) اي مهازيل، ورأيت (سبع سنبلات خضر واخر يابسات) وقرأ أبو عبد الله عليه السلام سبع سنابل خضر ثم قال (يا أيها الملا أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة) أي بعد حين (انا أنبئكم بتأويله فارسلون) فجاء إلى يوسف فقال (أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات) قال يوسف (تزرعون سبع سنين دأبا) اي ولاءا (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) أي لا تدوسوه فإنه يفسد في طول سبع سنين وإذا كان في سنبله لا ينفسد (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن) اي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادق عليه السلام إنما نزل ما قربتم لهن (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) اي يمطرون، وقال أبو عبد الله عليه السلام قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال ويحك اي شئ يعصرون أيعصرون الخمر؟

قال الرجل يا أمير المؤمنين كيف اقرؤها؟

قال إنما نزلت " عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " (2) اي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل على ذلك قوله " وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا " فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف فقال الملك (إئتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك) يعني إلى الملك (فسئله ما بال النسوة التي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة فقال لهن (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص (3) الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم اني لم أخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت الجزء (13) (وما أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء) اي تأمر بالسوء فقال الملك (إئتوني به استخلصه لنفسي) فلما نظر إلى يوسف (قال إنك اليوم لدينا مكين امين) سل حاجتك (قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم) يعني على الكناديج والأنابير فجعله عليها وهو قوله (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء) فامر يوسف ان يبنى كناديج (4) من صخر وطينها بالكلس (5) ثم امر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل انسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه، فوضعها في الكناديج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاء سني الجدب فكان يخرج السنبل فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكانوا في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيه مقل (6) فاخذ اخوة يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخلوا اخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عز وعلا (وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم) وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل قال لهم من أنتم؟

قالوا نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما، قال فما فعل أبوكم؟

قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم أخ غيركم؟

قالوا لنا أخ من أبينا لا من امنا، قال فإذا رجعتم إلي فأتوني به وهو قوله (ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون انى أوفي الكيل وانا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وانا لفاعلون) ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التي حملوها الينا واجعلوها فيما بين رحالهم حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا الينا وهو قوله (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وانا له لحافظون) فقال يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم) في رحالهم التي حملوها إلى مصر (قالوا يا أبانا ما نبغي) اي ما نريد (هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) فقال يعقوب (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم) قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل) فخرجوا وقال لهم يعقوب (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة - إلى قوله - أكثر الناس لا يعلمون) فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف أنت أخوهم؟

قال نعم، قال فلم لا تجلس معهم؟

قال لأنهم اخرجوا من أبي وأمي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب اكله فآليت على نفسي ألا اجتمع معهم على امر ما دمت حيا، قال فهل تزوجت؟

قال بلى، قال فولد لك ولد؟

قال بلى، قال كم ولد لك؟

قال ثلاث بنين، قال فما سميتهم؟

قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الأسماء؟

قال لئلا انسى أخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي، قال يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه انا أخوك يوسف (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ثم قال له انا أحب أن تكون عندي، فقال لا يدعوني اخوتي فان أبي قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه ان يردوني إليه، قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم وأعطاهم وأحسن إليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم ثم امر مناديا ينادي (أيتها العير انكم لسارقون) فقال اخوة يوسف (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) اي كفيل فقال اخوة يوسف ليوسف (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) قال يوسف (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله) فخذه فاحبسه (فهو جزاؤه كذلك تجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه) فتشبثوا بأخيه وحبسوه وهو قوله (كذلك كدنا ليوسف) اي احتلنا له (وما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) فسئل الصادق عليه السلام عن قوله " أيتها العير انكم لسارقون " قال ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عني سرقتم يوسف من أبيه، وقوله أيتها العير معناه يا أهل العير ومثله قولهم لأبيهم (واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) يعني أهل العير فلما اخرج ليوسف الصواع من رحل أخيه قال اخوته (ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل) يعنون يوسف فتغافل يوسف عليهم وهو قوله (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون) فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر فكانوا يجادلونه في حبسه.

وكانوا ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤسهم دم اصفر وهم يقولون (يا أيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه انا نراك من المحسنين فأطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك (قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل إلا من سرق متاعنا (انا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه) وأرادوا الانصراف إلى أبيهم قال لهم لاوي بن يعقوب (ألم تعلموا ان أباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) في هذا (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) فارجعوا أنتم إلى أبيكم فاما انا فلا ارجع إليه (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) ثم قال لهم (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) اي أهل القرية وأهل العير (وانا لصادقون).

قال فرجع اخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض أولاد يعقوب، قال فكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رأى يوسف ان يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم اخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه، قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه وقال إن في البيت لمن ولده يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات، فلما رجعوا اخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بخبر أخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم أنفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم ثم تولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون والأسف أشد الحزن وسئل أبو عبد الله عليه السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟

قال حزن سبعين ثكلى بأولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع ومن هنا قال وا أسفا على يوسف فقالوا له (تالله تفتؤ تذكر يوسف) اي لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حتى تكون حرضا) اي ميتا (أو تكون من الهالكين) فقال (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) حدثني أبي عن حسان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال نعم علم أنه حي حتى أنه دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت؟

قال انا ملك الموت أليس سألت الله ان ينزلني عليك؟

قال نعم قال ما حاجتك يا يعقوب؟

قال له أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريقا؟

قال يقبضها أعواني متفرقة ثم تعرض علي مجتمعة؟

قال يعقوب فأسألك بآله إبراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) فكتب عزيز مصر إلى يعقوب: اما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شئ أشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى أجيبه فكتب إليه يعقوب عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الله اما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم ان جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وان أبى اسحق (7) امر الله تعالى جدي ان يذبحه بيده فلما أراد ان يذبحه فداه الله بكبش عظيم وانه كان لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فأخرجوه اخوته ثم رجعوا إلي وزعموا أن الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له أخ من أمه كنت آنس به فخرج مع اخوته إلى ملكك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا وذكروا انه سرق صواع الملك وانك حبسته وانا أهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة وانا أسألك بآله إبراهيم واسحق ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي " فلما ورد الكتاب على يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاءا شديدا ثم نظر إلى اخوته فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فقالوا أإنك لانت يوسف فقال انا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين) فقالوا كما حكى الله عز وجل (لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) اي لا تعيير (يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين) قال فلما ولي الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يديه إلى السماء فقال: " يا حسن الصحبة يا كريم المعونة يا خيرا كله ائتني بروح منك وفرج من عندك " عليه جبرئيل عليه السلام فقال يعقوب الا أعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك؟

قال نعم قال قل: " يامن لا يعلم أحد كيف هو إلا هو يامن شيد (سد ط) السماء بالهواء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال فما انفجر عمود الصبح حتى أوتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده قال ولما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله فأوحى الله إليه من أراك الرؤيا التي رأيتها؟

قال يوسف أنت يا رب قال فمن حببك إلى أبيك؟

قال أنت يا رب، قال فمن وجه إليك السيارة التي رأيتها؟

قال أنت يا رب، قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟

قال أنت يا رب قال فمن انطق لسان الصبي بعذرك؟

قال أنت يا رب قال فمن ألهمك تأويل الرؤيا؟

قال أنت يا رب، قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وأملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ولم تفزع إلي ولبثت السجن بضع سنين!

فقال يوسف: " أسئلك بحق آبائي وأجدادي عليك إلا فرجت عني " فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لآبائك وأجدادك علي؟

إن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه، وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له وأغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك، وإن كان أبوك إبراهيم اتخذته خليلا وأنجيته من النار وجعلتها بردا وسلاما، وإن كان أبوك يعقوب وهبت له اثنى عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد في الطريق يشكوني إلى خلقي فأي حق لآبائك وأجدادك علي؟

قال فقال جبرئيل يا يوسف قل: أسألك بمنك العظيم وسلطانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها وحدثني أبي عن العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال السجان ليوسف اني لأحبك؟

فقال يوسف ما أصابني بلاء إلا من الحب ان كانت عمتي (خالتي ط) أحبتني فسرقتني وإن كان أبي أحبني فحسدوني اخوتي وان كانت امرأة العزيز أحبتني فحبستني، قال وشكى يوسف في السجن إلى الله فقال يا رب بماذا استحققت السجن؟

فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه، وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن الحسن بن عمارة عن ابن سيارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما طرح اخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب؟

فقال له يوسف اخوتي لمنزلتي من أبى وحسدوني لذلك في الجب طرحوني، قال فتحب ان تخرج منها فقال له يوسف ذلك إلى إله إبراهيم واسحق ويعقوب، قال فان إله إبراهيم واسحق ويعقوب يقول لك قل: " اللهم إني أسألك فان لك الحمد كله لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام (وم) صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب " فدعا ربه فجعل الله لا من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب.

واما قوله (اذهبوا بقميصي هذا فالقوة على وجه أبي يأت بصيرا واتوني بأهلكم أجمعين) فإنه حدثني أبي عن علي بن مهزيار عن إسماعيل السراج عن يونس بن يعقوب عن المفضل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أخبرني ما كان قميص يوسف؟

قلت لا أدري قال إن إبراهيم لما أوقدت لما أوقدت له النار اتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنة فالبسه إياه فلم يصبه معه حر ولا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحق وعلقه اسحق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من امره ما كان فلما اخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله (انى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قلت له جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟

فقال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد عليه وآله السلام وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته صلى الله عليه وآله.

أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسين (الحسن ط) بن بنت الياس وإسماعيل بن همام عن أبي الحسن قال كانت الحكومة في بني إسرائيل إذا سرق أحد شيئا استرق وكان يوسف عند عمته وهو صغير، وكانت تحبه وكانت لإسحاق منطقة ألبسها يعقوب وكانت عند أخته وان يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى ارسله إليك واخذت المنطقة فشدت بها وسطه تحت الثياب فلما اتى يوسف أباه جاءت فقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها معه في وسطه فلذلك قالوا اخوة يوسف لما حبس يوسف أخاه حيث جعل الصواع في وعاء أخيه فقال يوسف ما جزاء من وجد في رحله قالوا جزاؤه السنة التي تجري فيهم فلذلك قالوا اخوة يوسف ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم.

قال علي بن إبراهيم ثم رجل يعقوب وأهله من البادية بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص فالقوه على وجهه فارتد بصيرا فقال لهم (ألم أقل لكم اني اعلم من الله ما لا تعلمون قالوا له يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين قال لهم سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم) قال اخره إلى السحر لان الدعاء والاستغفار فيه مستجاب، فلما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فأراد ان يراه أبوه على تلك الحالة، فلما دخل أبوه لم يقم له فخروا كلهم له سجدا فقال يوسف (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم).

حدثني محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم وقال سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن عليه السلام فكانت إحداها أخبرني عن قول الله عز وجل ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء، فأجاب أبو الحسن عليه السلام اما سجود يعقوب وولده ليوسف فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم إنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم فسجد يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكر الله لاجتماع شملهم ألم تر انه يقول في شكره ذلك الوقت (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) فنزل جبرئيل فقال له يا يوسف اخرج يدك فأخرجها فخرج من بين أصابعه نور، فقال ما هذا النور يا جبرئيل؟

فقال هذه النبوة أخرجها الله من صلبك لأنك لم تقم لأبيك فحط الله نوره ومحى النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي أخي يوسف وذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال " لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب " فشكر الله له ذلك ولما أرادوا ان يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف أخاه قال " لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين " فشكر الله له ذلك فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي وكان موسى من ولد لاوي وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث (واهب ك) بن لاوي بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم، فقال يعقوب لابنه يا بني أخبرني ما فعل بك اخوتك حين أخرجوك من عندي؟

قال يا أبت اعفني من ذلك، قال أخبرني ببعضه؟

فقال يا أبت انهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع قميصك فقلت لهم يا اخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لان لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقوني في الجب عريانا، قال فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه فلما أفاق قال يا بني حدثني فقال يا أبت أسألك باله إبراهيم واسحق ويعقوب إلا أعفيتني فأعفاه قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت الناس فقالوا ما يضرك لو قعدت للعزيز وكان يوسف يسمى العزيز فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فاقبل يوسف في موكبه فقامت إليه وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا، فقال لها يوسف، أنت هاتيك؟

فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لك في؟

قالت دعني بعد ما كبرت أتهزء بي؟

قال لا قالت نعم فامر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها يوسف ألست فعلت بي كذا وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فانى بليت ببلية لم يبل بها أحد قال وما هي؟

قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بحسني بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني نزع عني مالي وذهب عني جمالي (وبليت بزوج عنين ط) فقال لها يوسف فما حاجتك؟

قالت تسأل الله ان يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهي بكر، قالوا إن العزيز الذي كان زوجها أولا كان عنينا وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " قد شغفها حبا " يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب، قال علي بن إبراهيم ثم قال الله لنبيه عليه السلام (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذا اجمعوا أمرهم وهم يمكرون ثم قال وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).

وقوله (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) قال الكسوف والزلزلة والصواعق وقوله (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فهذا شرك الطاعة أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا احمد ابن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " قال شرك طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التي يرتكبون شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة ان يعبدوا غير الله وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) يعني نفسه ومن تبعه يعني علي بن أبي طالب وآل محمد عليهم السلام، قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن علي بن أسباط قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام يا سيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك قال وما ينكرون علي من ذلك فوالله لقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني " فما اتبعه غير علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين وانا ابن تسع سنين وقوله (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين قد تمثلت لهم في صورة الملائكة ثم قال عز وجل (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يعني لأولي العقول (ما كان حديثا يفترى) يعني القرآن (ولكن تصديق الذي بين يديه) يعني من كتب الأنبياء (وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).


1- أي مبنيا للمجهول. واعصروا أي امطروا. والمعصرات السحاب.

2- حصحص. وضح.

3- جمع كندوج كصندوق شبه المخزن.

4- الكلس بالكسر الصاروج (النورة).

5- المقل بالضم صمغ شجرة نافع للسعال وهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم وتسهيل الولادة وانزال المشيمة وحصاة الكلية والرياح الغليظة مدرباه مسمن محلل للاورام ق.

6- قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الأنبياء: " اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو اسحق (ع) فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه إسماعيل (ع) والأخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل، وذهب طائفة من الجمهور إلى أنه اسحق (ع) وبه اخبار واردة من الطرفين، وطريق تأويلها اما ان تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق (رح) صار ذبيحا بالنية والتمني قال الصدوق (رح) في العيون: " قد اختلفت الروايات في الذبح، فمنها ما ورد بأنه إسماعيل، ومنها ما ورد بأنه اسحق (ع) ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل عليه السلام لكن اسحق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذي امر أبوه بذبحه فكان يصبر لامر الله كصبر أخيه فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عز وجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك " ثم حمل رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وآله: " انا ابن الذبيحين " على ذلك (أقول) ان بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح اسحق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش، فعليه لا مجال إلى ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله من الحمل فاما ان تحمل هذه الروايات - كما قال جدي رح - على التقية أو على تعدد الواقعة. ج. ز.

7- جار عن الشئ اي مال عنه.