هود

سورة هود

مكية

مأة واثنتان وعشرون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) يعني من عند الله (ألا تعبدوا إلا الله انني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) وهو محكم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام " الر كتاب أحكمت آياته " قال هو القرآن " من لدن حكيم خبير " قال من عند حكيم خبير " وان استغفروا ربكم " يعني المؤمنين قوله " ويؤت كل ذي فضل فضله " فهو علي بن أبي طالب عليه السلام وقوله (وان تولوا فاني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) قال الدخان والصيحة وقوله (ألا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) يقول يكتمون ما في صدورهم من بغض على، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان آية المنافق بغض علي فكان قوم يظهرون المودة لعلي (ع) عند النبي صلى الله عليه وآله ويسرون بغضه فقال (ألا حين يستغشون ثيابهم) فإنه كان إذا حدث بشئ من فضل علي بن أبي طالب (ع) أو تلا عليهم ما انزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثم قاموا يقول الله (يعلم ما يسرون وما يعلنون) حين قاموا (انه عليم بذات الصدور) وقوله الجزء (12) (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) يقول يكفل بأرزاق الخلق قوله (ويعلم مستقرها) يقول حيث يأوي بالليل (ومستودعها) حيث يموت وقوله (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) وذلك في مبتدأ الخلق، ان الرب تبارك وتعالى خلق الهواء ثم خلق القلم فأمره ان يجري فقال يا رب بما أجري؟

فقال بما هو كائن ثم خلق الظامة من الهواء وخلق النور من الهواء وخلق الماء من الهواء وخلق العرش من الهواء وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد وخلق النار من الهواء وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء فسلط العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج والزبد وجعل يثور دخانه في الهواء فلما بلغ الوقت الذي أراد قال للزبد اجمد فجمد وقال للموج اجمد فجمد فجعل الزبد أرضا وجعل الموج جبالا رواسي للأرض فلما أجمدها قال للروح والقدرة سويا عرشي إلى السماء فسويا عرشه إلى السماء وقال للدخان اجمد فجمد ثم قال له ازفر فزفر (1) فناداها والأرض جميعا ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين ففضاهن سبع سماوات في يومين ومن الأرض مثلهن، فلما اخذ في رزق خلقه خلق السماء وجناتها والملائكة يوم الخميس وخلق الأرض يوم الأحد وخلق دواب البحر والبر يوم الاثنين وهما اليومان اللذان يقول الله انكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وخلق الشجر ونبات الأرض وأنهارها وما فيها والهوام في يوم الثلاثاء وخلق الجان وهو أبو الجن في يوم السبت وخلق الطير يوم الأربعاء وخلق آدم في ست ساعات من يوم الجمعة فهذه الستة الأيام خلق الله السماوات والأرض وما بينهما.

قال علي إبراهيم في قوله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) معطوف على قوله " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليبلوكم أيكم أحسن عملا " وقوله (ولئن اخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) قال إن متعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم فنردهم ونعذبهم (ليقولن ما يحبسه) اي يقولون اما لا يقوم القائم ولا يخرج، على حد الاستهزاء فقال الله (الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن) أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف عن حسان عن هشام بن عمار عن أبيه وكان من أصحاب على ع عن علي ع في قوله تعالى " لئن اخرنا عنهم العذاب إلي أمة معدودة ليقولن ما يحبسه " قال الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر، قال علي بن إبراهيم والأمة في كتاب الله على وجوه كثيرة فمنه المذهب وهو قوله " كان الناس أمة واحدة " اي على مذهب واحد، ومنه الجماعة من الناس وهو قوله " وجد عليه أمة من الناس يسقون " اي جماعة، ومنه الواحد قد سماه الله أمة قوله " ان إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا " ومنه جميع أجناس الحيوان وهو قوله " وان من أمة إلا خلا فيها نذير " ومنه أمة محمد صلى الله عليه وآله وهو قوله " وكذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم " وهي أمة محمد صلى الله عليه وآله ومنه الوقت وهو قوله " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " اي بعد وقت وقوله: إلى أمة معدودة، يعني به الوقت ومنه الخلق كله وهو قوله " وترى كل أمة جاثية وكل أمة تدعى إلى كتابها "، وقوله " يوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون " ومثله كثير.

وقوله (ولان أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤس كفور ولان أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني انه لفرح فخور) قال إذا اغنى الله العبد ثم افتقر اصابه الاياس والجزع والهلع فإذا كشف الله عنه ذلك فرح وقال ذهب السيئات عني انه لفرح فخور ثم قال (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) قال صبروا في الشدة وعملوا الصالحات في الرخاء.

قوله (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن عمارة بن سويد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال سبب نزول هذه الآية ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج ذات يوم فقال لعلي يا علي اني سألت الله الليلة بان يجعلك وزيري ففعل وسألته ان يجعلك وصيي ففعل وسألته ان يجعلك خليفتي في أمتي ففعل، فقال رجل من أصحابه المنافقين والله لصاع من تمر في شن (2) بال أحب إلي مما سأل محمد ربه ألا سأله ملكا يعضده أو مالا يستعين به على ما فيه ووالله ما دعا عليا (3) قط إلى حق أو إلى باطل إلا اجابه فأنزل الله على رسوله الله " فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك الآية " وقوله (أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) يعني قولهم إن الله لم يأمره بولاية علي عليه السلام وإنما يقول من عنده فيه فقال الله عز وجل (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما انزل بعلم الله) اي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام من عند الله وقوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) قال من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الآخرة النار وقوله (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة أولئك يؤمنون به - إلى قوله - لا يؤمنون) فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن أبي بصير والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال إنما نزلت أفمن كان على بينة من ربه، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به فقدموا وأخروا في التأليف وقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) يعني بالاشهاد الأئمة عليهم السلام (ألا لعنة الله على الظالمين) لآل محمد صلى لله عليه وآله حقهم وقوله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا) يعني يصدون عن طريق الله وهي الإمامة " ويبغونها عوجا " يعنى حرفوها إلي غيرها وقوله (ما كانوا يستطيعون السمع) قال ما قدروا ان يسمعوا بذكر أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل) اي بطل (عنهم ما كانوا يفترون) يعني يوم القيامة بطل الذين دعوا غير أمير المؤمنين عليه السلام (وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلى ربهم) اي تواضعوا لله وعبدوه وقوله (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) يعني المؤمنين والخاسرين وقوله (إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل) يعني الفقراء والمساكين الذين تراهم بادي الرأي (فعميت عليكم) الانباء اي اشتبهت عليكم حتى لم تعرفوها ولم تفهموها (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالا ان أجري إلا على الله وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم) اي الفقراء الذين آمنوا به قوله (ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب - إلى قوله - للذين تزدري أعينكم) اي تقصر أعينكم عنهم وتستحقرونهم (لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في أنفسهم اني إذا لمن الظالمين) وقوله (وأوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير من ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلي الله فلم يجيبوه فهم ان يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة، فقال لهم نوح من أنتم؟

فقالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وان مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام وخرجنا (أخرجنا الله ك) عند طلوع الشمس ووافيناك في هذا الوقت فنسألك ان لا تدعو على قومك، فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة، فلما اتى عليهم ستمائة سنة ولم يؤمنوا هم ان يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية فقال نوح من أنتم قالوا نحن اثنا عشر الف قبيل من قبايل ملائكة السماء الثانية وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام ومن السماء الثانية إلي سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام خرجنا عند طلوع الشمس ووافيناك ضحوة نسألك ان لا تدعو على قومك فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة.

فلما اتى عليهم تسعمائة سنة هم ان يدعو عليهم فأنزل الله عز وجل " انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " فقال نوح " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " فأمره الله ان يغرس النخل فكان قومه يمرون به فيسخرون منه ويستهزؤن به ويقولون شيخ قد اتى له تسعمائة سنة يغرس النخل وكانوا يرمونه بالحجارة فلما اتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه فسخروا منه وقالوا بلغ النخل مبلغه وهو قوله (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه وقال إن تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعملون) فأمره الله ان ينحت السفينة وامر جبرئيل ان ينزل عليه ويعلمه كيف يتخذها فقدر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعينني على اتخاذها؟

فأوحى الله إليه ناد في قومك من أعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضة، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليها وكانوا يسخرون منه ويقولون ينحت سفينة في البر.

قال حدثني أبي عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما أراد الله عز وجل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة فلم يولد فيهم مولود فلما فرغ نوح من اتخاذ السفينة امره الله ان ينادي بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر، فادخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين في السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا فقال الله عز وجل:

(احمل فيها من كان زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة (المدينة ك) فلما كان في اليوم الذي أراد الله هلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون من الغذاء، فصاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح إلى التنور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة ثم جاء إلي التنور ففض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر وتفجرت الأرض عيونا وهو قوله عز وجل " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على امر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر " فقال الله عز وجل (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها) يقول مجربها اي مسيرها ومرسيها أي موقفها فدارت السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم فقال له (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فقال ابنه كما حكى الله عز وجل (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) قال نوح (لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم) الله ثم قال نوح:

(رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين) فقال الله (يا نوح انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني أعظك أن تكون من الجاهلين) فقال نوح كما حكى الله (رب اني أعوذ بك ان أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) فكان كما حكى الله (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فقال أبو عبد الله عليه السلام فدارت السفينة وضربتها الأمواج حتى وافت مكة وطافت بالبيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال فرفع نوح يده فقال يارهمان اخفرس (أتغرك) تفسيرها رب أحسن فامر الله الأرض ان تبلع ماءها وهو قوله (وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي) يعني امسكي (وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي) فبلعت الأرض ماءها فأراد ماء السماء ان يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبولها وقالت إنما امرني الله عز وجل ان أبلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الأرض واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق الماء إلي البحار حول الدنيا وانزل الله على نوح (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم من معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين وكانت لنوح ابنة ركبت معه في السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله نوح أحد الأبوين ثم قال الله عز وجل لنبيه (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين) وروي في الخبر ان اسم نوح عبد الغفار وإنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان الأحمر عن موسى بن أكيل النميري عن العلا بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله ونادى نوح ابنه فقال ليس بابنه إنما هو ابنه من زوجته على لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه.

قال علي بن إبراهيم ثم حكى الله عز وجل خبر هود عليه السلام وهلاك قومه فقال (والي عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ان أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسئلكم عليه اجرا ان أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون) قال إن عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق إلى الاجفر أربعة منازل وكان لهم زرع ونخيل كثير ولهم اعمار طويلة وأجسام طويلة فعيدوا الأصنام فبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الأنداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه فكفت السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا وكان هود زراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء (4) فقالت من أنتم؟

فقالوا نحن من بلاد كذا وكذا أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله ان يدعو الله حتى تمطر وتخصب بلادنا، فقالت لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماء، قالوا فأين هو؟

قالت هو في موضع كذا وكذا فجاؤوا إليه فقالوا يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم تمصر؟

فاسأل الله ان يخصب بلادنا وتمطر فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم، فقالوا يا نبي الله انا رأينا عجبا قال وما رأيتم؟

فقالوا رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء قالت لنا من أنتم وما تريدون قلنا جئنا إلى هود ليدعو الله فنمطر فقالت لو كان هود داعيا لدعا لنفسه فان زرعه قد احترق فقال هود تلك أهلي وانا ادعوا الله لها بطول البقاء فقالوا وكيف ذلك قال لأنه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذيه وهي عدوتي فلان يكون عدوى ممن أملكه خير من أن يكون عدوي ممن يملكني، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الأصنام حتى تخصب بلادهم وانزل الله عليهم المطر وهو قوله عز وجل (يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) فقالوا كما حكى الله (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إلى آخر الآية) فلما لم يؤمنوا ارسل الله عليهم " الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله في سورة اقتربت " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " وحكى في سورة الحاقة فقال " واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " قال كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام.

قال فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام قال الريح العقيم تخرج من تحت الأرضين السبع وما يخرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فامر الخزان ان يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا يا ربنا انها قد عتت علينا ونحن نخاف ان يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها أخرجي على ما أمرت به فرجعت وخزجت على ما أمرت به فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم واما قوله (والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه ان ربى قريب مجيب) إلى قوله (واما لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فان الله تبارك وتعالى بعث صالحا إلى ثمود وهو ابن ستة عشر سنة لا يجيبوه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال لهم يا قوم بعثت إليكم وانا ابن ستة عشر سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة وانا اعرض عليكم أمرين ان شئتم فاسألوني مهما أردتم حتى اسأل إلهي فيجيبكم وان شئتم سألت آلهتكم فان أجابتني خرجت عنكم، فقالوا أنصفت فأمهلنا فاقبلوا يتعبدون ثلاثة أيام ويتمسحون بالأصنام ويذبون لها وأخرجوها إلى سفح الجبل واقبلوا يتضرعون إليها، فلما كان اليوم الثالث قال لهم صالح عليه السلام قد طال هذا الامر فقالوا له سل من شئت، فدنا إلى أكبر صنم لهم، فقال ما اسمك؟

فلم يجبه، فقال لهم ما له لا يجيبني؟

قالوا له تنح عنه فتنحى عنه واقبلوا إليه ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا فضحتنا ونكست رؤوسنا وقال صالح قد ذهب النهار، فقالوا سله فدنا منه فكلمه فلم يجبه فبكوا وتضرعوا حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبهم بشئ، فقالوا ان هذا لا يجيبك ولكنا نسأل إلهك، فقال لهم سلوا ما شئتم فقالوا سله ان يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء شقراء عشراء اي حاملة تضرب بمنكبيها طرفي الجبلين وتلقى فصيلها من ساعتها وتدر لبنها، فقال صالح ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام وصلي ركعتين ثم سجد وتضرع إلى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه وكادوا ان يموتوا منه فطلع رأس الناقة وهي تجتر فلما خرجت القت فصيلها ودرت لبنها فبهتوا وقالوا قد علمنا يا صالح ان ربك أعز واقدر من آلهتنا التي نعبدها.

وكان لقريتهم ماء وهي الحجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله " كذب أصحاب الحجر المرسلين " فقال لهم صالح لهذه الناقة شرب اي تشرب ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما وهو قوله عز وجل " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم " فكانت تشرب ماءهم يوما وإذا كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية أحد إلا حلب منها حاجته وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل فلما عقروا الناقة قالوا لصالح " ائتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين " قال صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) ثم قال لهم وعلامة هلاككم انه تبيض وجوهكم غدا وتحمر بعد غد وتسود في اليوم الثالث فلما كان من الغد نظروا إلى وجوههم وقد ابيضت مثل القطن فلما كان اليوم الثاني احمرت مثل الدم فلما كان اليوم الثالث اسودت وجوههم فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا وهو قوله " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين " فما تخلص منهم غير صالح وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله (فلما جاء أمرنا نجينا صالحا - إلى قوله - ألا ان ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود).

واما قوله (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ) اي مشوي نضج فإنه لما القى نمرود إبراهيم عليه السلام في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما بقي إبراهيم مع نمرود وخاف نمرود من إبراهيم فقال يا إبراهيم اخرج من بلادي ولا تساكني فيها، وكان إبراهيم عليه السلام قد تزوج بسارة وهي بنت خاله وقد كانت آمنت به، وآمن له لوط وكان غلاما، وقد كان إبراهيم عليه السلام عنده غنيمات وكان معاشه منها فخرج إبراهيم من بلاد نمرود ومعه سارة في صندوق وذلك أنه كان شديد الغيرة، فلما أراد الخروج من بلاد نمرود منعوه وأرادوا ان يأخذوا منه غنيماته، وقالوا له هذا ما كسبته في سلطان الملك وبلاده وأنت مخالف له فقال لهم إبراهيم بيني وبينكم قاضي الملك سدوم (سندوم ك) فصاروا إليه وقالوا ان هذا مخالف لدين الملك وما معه كسبه في بلاد الملك ولا ندعه يخرج معه شيئا فقال سندوم صدقوا خل عما في في يديك، فقال إبراهيم عليه السلام انك ان لم تقض بالحق تمت الساعة، قال وما الحق قال قل لهم يردوا على عمري الذي أفنيته في كسب ما معي حتى أرد عليهم، فقال سندوم يجب ان تردوا عمره فخلوا عنه عما كان في يده فخرج إبراهيم وكتب نمرود في الدنيا ألا تدعوه يسكن العمران فمر ببعض عمال نمرود وكان كل من مر به يأخذ عشر ما معه وكانت سارة مع إبراهيم في الصندوق، فاخذ عشر ما كان مع إبراهيم ثم جاء إلى الصندوق فقال له لابد من أن افتحه فقال إبراهيم عليه السلام عده ما شئت وخذ عشره فقال لابد من أن تفتحه ففتحه فلما نظر إلى سارة تعجب من جمالها فقال لإبراهيم ما هذه المرأة التي هي معك؟

قال هي أختي وإنما عني أخته في الدين، قال (العاشر لست أدعك تبرح من مكانك حتى اعلم الملك بحالك وحالها فبعث رسولا إلى الملك) فامر اجناده فحملت الصندوق إليه فهم بها ومد يده إليها فقالت له أعوذ بالله منك فجفت يده والتصقت بصدره واصابته من ذلك شدة، فقال يا سارة ما هذا الذي أصابني منك؟

فقالت بما هممت به، فقال قد هممت لك بالخير فادعي الله ان يردني إلي ما كنت، فقالت اللهم إن كان صادقا فرده كما كان فرجع إلى ما كان وكانت على رأسه جارية فقال يا ساره خذي هذه الجارية تخدمك وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام فحمل إبراهيم سارة وهاجر فنزلوا البادية على ممر طريق اليمن والشام وجميع الدنيا فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الاسلام وقد كان شاع خبره في الدنيا ان الملك ألقاه في النار فلم يحترق وكانوا يقولون له لا تخالف دين الملك فإنه يقتل من خالفه، وكان إبراهيم كل من يمر به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر والنبات والخير وكان الطريق عليهم، فكان كل من يمر بتلك البلاد يتناول من ثمارهم وزروعهم فجزعوا من ذلك فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم أدلكم على ما ان فعلتموه لم يمر بكم أحد، فقالوا ما هو؟

قال من مر بكم فأنكحوه في دبره فاسلبوه ثيابه ثم تصور لهم إبليس في صورة أمرد حسن الوجه جميل الثياب فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما أمرهم فاستطابوه فكانوا يفعلونه بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فشكى الناس ذلك إلى إبراهيم عليه السلام فبعث الله إليهم لوطا يحذرهم وينذرهم فلما نظروا إلى لوط قالوا من أنت؟

قال انا ابن خال إبراهيم الذي ألقاه الملك في النار فلم يحترق وجعلها الله بردا وسلاما وهو بالقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا هذا فان الله يهلككم فلم يجسروا عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من أيديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا له " لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين " إلي لنرجمنك ولنخرجنك فدعا عليهم لوط فبينما إبراهيم عليه السلام قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان أضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى أربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون الناس فقالوا سلاما فقال إبراهيم سلام، فجاء إبراهيم إلى سارة فقال لها قد جاء أضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله إليهم وذلك قول الله عز وجل " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة " وجاءت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لإبراهيم (لا تخف انا أرسلنا إلى قوم لوط) ففزعت سارة، وضحكت اي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل فقال الله عز وجل (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) فوضعت يدها على وجهها فقالت (يا ويلتي أألد وانا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشئ عجيب) فقال لها جبرئيل (أتعجبين من امر الله ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى) بإسحاق اقبل يجادل كما حكى الله عز وجل (يجادلنا في قوم لوط ان إبراهيم لحليم أواه منيب) فقال إبراهيم لجبرئيل بما إذا أرسلت قال بهلاك قوم لوط فقال إبراهيم " ان فيها لوطا " قال جبرئيل نحن اعلم بمن فيها لننجيه وأهله " إلا امرأته كانت من الغابرين " قال إبراهيم يا جبرئيل إن كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين يهلكهم الله قال لا قال فإن كان فيهم خمسون قال لا قال فإن كان فيهم عشرة رجال قال لا قال فإن كان واحد قال لا وهو قوله فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين فقال إبراهيم يا جبرئيل راجع ربك فيهم فأوحى الله كلمح البصر (يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود) فخرجوا من عند إبراهيم عليه السلام فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه فقال لهم لوط من أنتم قالوا نحن أبناء السبيل أضفنا الليلة، فقال لهم يا قوم ان أهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله وأهلكهم ينكحون الرجال ويأخذون الأموال فقالوا فقد أبطأنا فأضفنا فجاء لوط إلى أهله وكانت منهم فقال لها انه قد اتاني أضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان منك إلي هذا الوقت، قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط أضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط عليه السلام وثبت امرأته على السطح فأوقدت نارا فعلم أهل القرية واقبلوا إليه من كل ناحية كما حكى الله عز وجل (وجاءه قومه يهرعون إليه) اي يسرعون ويعدون فلما صاروا إلي باب البيت قالوا يا لوط أو لم ننهك عن العالمين فقال لهم كما حكى الله (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد).

وحدثني أبي عن محمد بن عمرو رحمه الله في قول لوط عليه السلام " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " قال عني به أزواجهم وذلك أن النبي أبو أمته، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام، فقال أزواجكم هن أطهر لكم (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) فقال لوط لما يئس (لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) أخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن أبي أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه، وحدثني محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن أحمد (مسلم ط) عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القسم عن صالح عن أبي عبد الله (ع) قال في قوله قوة قال القوة القائم (ع) والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر قال علي بن إبراهيم فقال جبرئيل لو علم ما له من القوة، فقال من أنتم؟

فقال جبرئيل انا جبرئيل، فقال لوط بماذا أمرت قال بهلاكهم فسأله الساعة قال (موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) فكسروا الباب ودخلوا البيت فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها (5) وهو قول الله عز وجل " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك وعلموا انهم قد اتاهم العذاب فقال جبرئيل يا لوط (فاسر باهلك بقطع من الليل) واخرج من بينهم أنت وولدك (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك انه مصيبها ما أصابهم) وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم يا قوم قد جاءكم العذاب الذي كان يعدكم لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فإنه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه فقال جبرئيل يا لوط اخرج من بينهم فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري، فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم أحد فخرجوا من القرية من تحت الأرض فالتفتت امرأته فأرسل الله عليها صخرة فقتلتها، فلما طلع الفجر صارت الملائكة الأربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع أرضين إلى تخوم الأرض ثم رفعوها في الهواء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصراخ الديكة ثم قلبوها عليهم وأمطرهم الله (حجارة من سجيل منضودة مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) قوله " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة وقوله " مسومة " أي منقوطة.

حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته فيها ولكن الخلق لا يرونه.

ثم ذكر عز وجل هلاك أهل مدين فقال (والى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله - ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال بعث الله شعيبا إلى مدين وهي قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به وحكى الله قولهم (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا - إلى قوله - الحليم الرشيد) قال قالوا انك لانت السفيه الجاهل فكنى الله عز وجل قولهم فقال (انك لانت الحليم الرشيد) وإنما أهلكهم الله بنقص المكيال والميزان (قال يا قوم أرأيتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد ان أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ان أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيق إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب) ثم ذكرهم وخوفهم بما نزل بالأمم الماضية فقال (يا قوم لا يجر منكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا) وقد كان ضعف بصره (ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز - إلى قوله - اني معكم رقيب) اي انتظروا فبعث الله عليهم صيحة فماتوا وهو قوله (فلما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود).

ثم ذكر عز وجل قصة موسى (ع) فقال (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين - إلى قوله - واتبعوا في هذه لعنة) يعني الهلاك والغرق (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) اي يرفدهم الله بالعذاب ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك من أنباء القرى) اي اخبارها (نقصه عليك - يا محمد - منها قائم وحصيد - إلى قوله - وما زادوهم غير تتبيب) اي غير تخسير (وكذلك اخذ ربك إذ اخذ القرى وهي ظالمة إن اخذه اليم شديد ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) اي يشهد عليهم الأنبياء والرسل (وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السماوات والأرض وقوله (واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) يعني في جنات الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين (ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به وهو رد على من ينكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة وقوله (وان كلا لما ليوفينهم ربك اعمالهم) قال في القيامة ثم قال لنبيه (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا) اي في الدنيا لا تطغوا (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال ركون مودة ونصيحة وطاعة (وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) وقوله (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والمغرب (وزلفا من الليل) العشاء الآخرة (ان الحسنات يذهبن السيئات) فان صلاة المؤمنين في الليل تذهب ما عملوا بالنهار من السيئات والذنوب ثم قال (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) اي على مذهب واحد (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال في قوله: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد واتباعهم يقول الله ولذلك خلقهم يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين قوله (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق عليهم القول انهم للنار خلقوا وهم الذين حقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون قال علي بن إبراهيم ثم خاطب الله نبيه فقال (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل اي اخبارهم (ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق) في القرآن وهذه السورة من اخبار الأنبياء وهلاك الأمم ثم قال (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانكم انا عاملون) اي نعاقبكم (وانتظروا انا منتظرون ولله غيب السماوات والأرض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون).


1- الشن القربة.

2- كذا في النسخ والمظنون أن يكون لفظ " ربه " مكان " عليا " ج ز.

3- الشمط محركة بياض الرأس خالطه سواد والعور: محركة ذهاب حس احدى العينين ق.

4- الطموس كالدروس لفظا ومعنى. ج ز.

5- وذلك لان بنيامين كان في البيت فكانوا عشرا. ج. ز.