يونس

سورة يونس

مكية

مأة وعشر آية (بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب الحكيم) قال الر هو حرف من حروف الاسم الأعظم المنقطع في القرآن فإذا الفه الرسول أو الامام فدعا به أجيب ثم قال:

(أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) قال فحدثني أبي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " قدم صدق عند ربهم " قال هو رسول الله صلى الله عليه وآله قوله (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش - إلى قوله - لآيات لقوم يتقون) فإنه محكم وقوله (ان الذين لا يرجون لقاءنا) اي لا يؤمنون به (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) قال الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام " ما لله آية أكبر مني " وقوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها) اي تسبيحهم في الجنة (سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم) قال بعضهم لبعض وقوله (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم اجلهم) قال لو عجل الله لهم الشر كما يستعجلون الخير لقضي إليهم اجلهم أي يفرغ من اجلهم قوله (وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) قال دعانا لجنبه العليل الذي لا يقدر ان يجلس أو قاعدا الذي لا يقدر ان يقوم أو قائما قال الصحيح وقوله " فلما كشفنا عنه ضره مر كان لم يدعنا إلى ضر مسه " اي ترك ومر ونسي كان لم يدعنا إلى ضر مسه وقوله (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات) يعني عادا وثمود ومن أهلكه الله ثم قال (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) يعني حتى نرى فوضع النظر مكان الرؤية وقوله (وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي ان أبدله من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى إلي) فان قريشا قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ائتنا بقرآن غير هذا فان هذا شئ تعلمته من اليهود والنصارى قال الله (قل لهم لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) اي لقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل ان يوحي إلي لم آتكم بشئ منه حتى أوحي إلي واما قوله " أو بدله " فإنه أخبرني الحسن بن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: ائت بقرآن غير هذا أو بدله يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قل ما يكون لي ان أبدله من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى إلي يعني في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام قال علي بن إبراهيم في قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) قال كانت قريش يعبدون الأصنام ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر على عبادة الله فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد (أتنبئون الله بما لا يعلم) اي ليس فوضع حرفا مكان حرف اي ليس له شريك يعبد وقوله (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) اي على مذهب واحد (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) اي كان ذلك في علم الله السابق ان يختلفوا ويبعث فيهم الأنبياء والأئمة من بعد الأنبياء ولولا ذلك لهلكوا عند اختلافهم.

قوله:

(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا اخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها انهم قادرون عليها اتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له جعلت فداك بلغنا ان لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى إليك من علم ذلك شئ؟

قال اما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ واما آل العباس فان لهم ملكا مبطنا يقربون فيه البعيد ويبعدون فيه القريب وسلطانهم عسر ليس يسر حتى إذا امنوا مكر الله وامنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم ولا (رجال تمنعهم ك) وهو قول الله حتى إذا اخذت الأرض زخرفها الآية، قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال اما انه لم يوقت لنا فيه وقت ولكن إذا حدثناكم بشئ فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وإن كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة وانكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا هذا الامر صباحا أو مساءا، فقلت جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما انكار الناس بعضهم بعضا قال يأت الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه ويكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه قوله (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يعنى الجنة قوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال النظر إلى وجه الله عز وجل (1) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فاما الحسنى الجنة واما الزيادة فالدنيا ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ويجمع ثواب الدنيا والآخرة ويثيبهم بأحسن اعمالهم في الدنيا والآخرة يقول الله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) قال علي بن إبراهيم في قوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة القتر الجوع والفقر والذلة الخوف.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم) قال هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات يسود الله وجوههم ثم يلقونه يقول الله (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) يسود الله وجوههم يوم القيامة ويلبسهم الذل والصغار يقول الله (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قال علي بن إبراهيم في قوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم) قال يبعث الله نارا تزيل بين الكفار والمؤمنين قوله (هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت) اي تتبع ما قدمت (وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) اي بطل عنهم ما كانوا يفترون وقوله (قل من يرزقكم من السماء والأرض - إلى قوله - وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) فإنه محكم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لما لكم كيف تحكمون) فاما من يهدي إلى الحق فهم محمد وآل محمد من بعده واما من لا يهدي إلا أن يهدى فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده، وقال علي بن إبراهيم في قوله (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله) اي لم يأتهم تأويله (كذلك كذب الذين من قبلهم) قال نزلت في الرجعة كذبوا بها اي انها لا تكون ثم قال:

(ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله ومنهم من لا يؤمن به وفهم أعداء محمد وآل محمد من بعده " وربك اعلم بالمفسدين " والفساد المعصية لله ولرسوله.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم - إلى قوله - ما كانوا مهتدين) فإنه محكم ثم قال (واما نرنيك - يا محمد - بعض الذي نعدهم) من الرجعة وقيام القائم (أو نتوفينك) قبل ذلك (فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل أرأيتم ان اتاكم عذابه بياتا) يعني ليلا (أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون نزول العذاب عليهم قال علي بن إبراهيم في قوله (أثم إذا ما وقع آمنتم به) اي صدقتم في الرجعة فيقال لهم (الآن) تؤمنون يعني بأمير المؤمنين عليه السلام (وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا) آل محمد حقهم (ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) ثم قال (ويستنبئونك) يا محمد أهل مكة في علي (أحق هو) اي امام (قل اي وربي انه لحق) امام ثم قال (ولو أن لكل نفس ظلمت) آل محمد حقهم (ما في الأرض جميعا لافتدت به) في ذلك الوقت يعني الرجعة وقوله (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسين عن صالح بن أبي عمار عن الحسن بن موسى الخشاب عن رجل عن حماد بن عيسى عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قول الله تبارك وتعالى:

(وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال قيل له ما ينفعهم اسرار الندامة وهم في العذاب؟

قال كرهوا شماتة الأعداء وقوله (ألا ان لله ما في السماوات والأرض ألا ان وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيى ويميت واليه ترجعون) فإنه محكم رجع إلى رواية علي بن إبراهيم بن هاشم قال ثم قال:

(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) قال رسول الله صلى الله عليه وآله والقرآن ثم قال قل لهم يا محمد (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) قال: الفضل رسول الله صلى الله عليه وآله، ورحمته أمير المؤمنين عليه السلام فبذلك فليفرحوا، قال فليفرح شيعتنا هو خير مما أعطوا أعداؤنا من الذهب والفضة وقوله (قل أرأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله اذن لكم أم على الله تفترون) وهو اما أحلته وحرمته أهل الكتاب بقوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " وقوله " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا..

الآية " فاحتج الله عليهم فقال قل لهم " آلله اذن لكم أم على الله تفترون " واما قوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن) مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قرأ هذه الآية بكى بكاءا شديدا، ومعنى قوله وما تكون في شأن اي في عمل نعمله خيرا أو شرا (وما يعزب عن ربك) اي لا يغيب عنه (من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) وقوله (الذين آمنوا) اي صدقوا (وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله) قال البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن وفي الآخرة عند الموت وهو قول الله " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة " وقوله " لا تبديل لكلمات الله " أي لا تغير الإمامة والدليل على أن الكلمات الإمامة قوله " وجعلها كلمة باقية في عقبه " يعني الإمامة وقوله (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا وهو السميع العليم - إلى قوله - بما كانوا يكفرون) فإنه محكم وقوله (واتل عليهم) مخاطبة لمحمد صلى لله عليه وآله (نبأ نوح) اي خبر نوح (إذا قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم) الذين تعبدون (ثم لا يكن امركم عليكم غمة) اي لا تغتموا (ثم اقضوا إلي) اي ادعوا علي (ولا تنظرون).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وقال موسى يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم فقال موسى لقومه يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين وقال علي بن إبراهيم في قوله (وأوحينا إلى موسى وأخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) يعني بيت المقدس حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن عباد بن يعقور (معقودك يعقوب ط عن محمد بن يعفور) عن أبي جعفر عن أبي إبراهيم عليه السلام قال لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى الله إلى موسى وهارون عليهما السلام ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة قال أمروا ان يصلوا في بيوتهم وقال علي بن إبراهيم في قوله (وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملئه زينة) أي ملكا (وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) اي يفتنوا الناس بالأموال والعطايا ليعبدوه ولا يعبدوك (ربنا اطمس على أموالهم) اي أهلكها (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فقال الله عز وجل (قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) اي لا تتبعا طريق فرعون وأصحابه.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا - إلى قوله - وانا من المسلمين) فان بني إسرائيل قالوا يا موسى ادع الله ان يجعل لنا مما نحن فيه فرجا فدعا فأوحى الله إليه ان سر بهم، قال يا رب البحر امامهم، قال امض فاني آمره ان يطيعك وينفرج لك، فخرج موسى ببني إسرائيل واتبعهم فرعون حتى إذا كاد ان يلحقهم ونظروا إليه وقد أظلهم، قال موسى للبحر انفرج لي، قال ما كنت لافعل وقال بنو إسرائيل لموسى غررتنا وأهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة، قال كلا ان معي ربي سيهدين واشتد على موسي ما كان يصنع به عامة قومه وقالوا يا موسى انا لمدركون، زعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد دنوا منا، فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه ان اضرب بعصاك البحر فضربه، فانفلق البحر فمضى موسى وأصحابه حتى قطعوا البحر وأدركهم آل فرعون، فلما نظروا إلى البحر قالوا لفرعون ما تعجب مما ترى؟

قال انا فعلت هذا فمروا وامضوا فيه، فلما توسط فرعون ومن معه امر الله البحر فانطبق فغرقهم أجمعين، فلما أدرك فرعون الغرق (قال آمنت انه إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين) يقول الله (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) يقول كنت من العاصين (فاليوم ننجيك ببدنك) قال إن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم ير منهم أحد هووا في البحر (إلا هوى بجسمه) إلى النار واما فرعون فنبذه الله وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ولئلا يشك أحد في هلاكه وانهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة وعظة يقول الله (وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون).

وقال علي بن إبراهيم قال الصادق عليه السلام ما اتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله إلا كئيبا حزينا ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما امره الله بنزول هذه الآية " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " نزل عليه وهو ضاحك مستبشر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ما اتيتني يا جبرئيل إلا وتبينت الحزن في وجهك حتى الساعة، قال يا محمد لما أغرق الله فرعون قال آمنت انه لا إله إلا الله الذي آمنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين، فأخذت حماة (2) فوضعتها في فيه ثم قلت له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، وعملت ذلك من غير امر الله خفت ان تلحقه الرحمة من الله ويعذبني على ما فعلت فلما كان الآن وأمرني الله ان أؤدي إليك ما قلته انا لفرعون امنت وعلمت ان ذلك كان لله رضى وقوله (فاليوم ننجيك ببدنك) فان موسى عليه السلام اخبر بني إسرائيل ان الله قد أغرق فرعون فلم يصدقوه فامر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا وقوله (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) قال ردهم إلى مصر وغرق فرعون وقوله (فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) يعني الأنبياء حدثني أبي عن عمرو (عمران ط) بن سعيد الراشدي عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء فأوحى الله إليه في علي صلوات الله عليه ما أوحى ما يشاء من شرفه وعظمه عند الله ورد إلى البيت المعمور وجمع له النبيين فصلوا خلفه عرض في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله من عظم ما أوحى إليه في علي عليه السلام فأنزل الله " فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك " يعني الأنبياء فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) فقال الصادق عليه السلام فوالله ما شك وما سأل وقوله (ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) قال الذين جحدوا أمير المؤمنين عليه السلام وقوله " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " قال عرضت عليهم الولاية وقد فرض الله عليهم الايمان بها فلم يؤمنوا بها.

وقوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال لي أبي عبد الله عليه السلام ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الاسلام فيأبوا ذلك، فهم ان يدعو عليهم وكان فيهم رجلان عابد وعالم، وكان اسم أحدهما مليخا والآخر اسمه روبيل، فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم، فدعا عليهم فأوحى الله عز وجل إليه يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيها فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم لهم يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب عنكم، فقالوا كيف نصنع؟

قال اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد وبين الإبل وأولادها وبين البقر وأولادها وبين الغنم وأولادها ثم ابكوا وادعوا فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب وفرق العذاب على الجبال وقد كان نزل وقرب منهم، فاقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله فرأى الزارعين يزرعون في ارضهم، قال لهم ما فعل قوم يونس؟

فقالوا له ولم يعرفوه ان يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ونزل للعذاب عليهم فاجتمعوا وبكوا ودعوا فرحمهم الله وصرف ذلك عنهم وفرق العذاب على الجبال فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به، فغضب يونس ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت وأرادوا ان يدفعوها فسألهم يونس ان يحملوه فحملوه، فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس وهو قول الله عز وجل " فساهم فكان من المدحضين " فأخرجوه فالقوه في البحر فالتقمه الحوت ومر به في الماء.

وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه، فقال يا يهودي اما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل في بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغورا ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى ووكل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به انظرني فاني اسمع كلام آدمي فأوحى الله إلى الملك الموكل به انظره فانظره ثم قال قارون من أنت؟

قال يونس انا المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران قال هيهات هلك، قال فما فعل الرؤف الرحيم على قومه هارون بن عمران، قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟

قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون وا أسفا على آل عمران!

فشكر الله له ذلك فامر الله الملك الموكل به ان يرفع عنه العذاب أيام الدنيا، فرفع عنه فلما رأى يونس ذلك فنادى في الظلمات: ان لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له وامر الحوت ان تلفظه فلفظته على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء فأظلته من الشمس فشكر ثم امر الله الشجرة فتنحت عنه ووقع الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم لم ترحم مائة الف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة فقال يا رب عفوك عفوك، فرد الله عليه بدنه ورجع إلى قومه وآمنوا به وهو قوله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) وقالوا مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يعني لو شاء الله ان يجبر الناس كلهم على الايمان لفعل.

وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام ونادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر ان لا إله إلا أنت سبحانك (تبت إليك ط) اني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له فأخرجه الحوت إلى الساحل ثم قذفه فألقاه بالساحل وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع فكان يمصه ويستظل به وبورقه وكان تساقط شعره ورق جلده وكان يونس يسبح ويذكر الله الليل والنهار فلما ان قوي واشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه مالك حزينا يا يونس؟

قال يا رب هذه الشجرة التي كانت تنفعني سلطت عليها دودة فيبست، قال يا يونس أحزنت لشجرة لم تزرعها ولم تسقها ولم تعي بها ان يبست حين استغنيت عنها ولم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة الف أردت ان ينزل عليهم العذاب ان أهل نينوى قد آمنوا واتقوا فارجع إليهم، فانطلق يونس إلى قومه فلما دنى من نينوى استحيى ان يدخل فقال لراع لقيه، ائت أهل نينوى فقل لهم ان هذا يونس قد جاء قال الراعي أتكذب أما تستحيي ويونس قد غرق في البحر وذهب، قال له يونس اللهم ان هذه الشاة تشهد لك انى يونس فنطقت الشاة بأنه يونس، فلما اتى الراعي قومه واخبره اخذوه وهموا بضربه، فقال إن لي بيته بما أقول قالوا من يشهد؟

قال هذه الشاة تشهد؟

فشهدت انه صادق وان يونس قد رده الله إليهم فخرجوا يطلبونه فوجده فجاءوا به وآمنوا وحسن ايمانهم فمتعهم الله إلى حين وهو الموت وأجارهم من ذلك العذاب.

وقوله:

(قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) أخبرني الحسين بن محمد عن المعلي بن محمد قال حدثني احمد ابن محمد بن (عن ط) عبد الله عن أحمد بن هلال عن أمية بن علي عن داود بن كثير الرقي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " قال الآيات الأئمة والنذر الأنبياء عليهم السلام وقال علي بن إبراهيم في قوله قل يا محمد (يا أيها الناس ان كنتم في شك من ديني فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن ا عبد الله الذي يتوفاكم) فإنه محكم وقوله (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فان فعلت فإنك إذا من الظالمين) فإنه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعني الناس ثم قال (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل) اي لست بوكيل عليكم احفظ اعمالكم إنما علي ان أدعوكم ثم قال (واتبع) يا محمد (ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).


1- الطين الأسود المنتن. ق.

2- زفر زفيرا: اخرج نفسه والمراد هنا اخرج الصوت من أعماق النفس. ج. ز.