التوبة

سورة التوبة

مدنية

مأة وتسع وعشرون آية (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) قال حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك في سنة سبع من الهجرة قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة وكان سنة في العرب في الحج انه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له امساكها وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، وكان من وافى مكة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يرده ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ومن لم يجد عارية ولا كراءا ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية أو كراءا فلم تجده، فقالوا لها ان طفت في ثيابك احتجت ان تتصدقي بها فقالت وكيف أتصدق بها وليس لي غيرها فطافت بالبيت عريانة، وأشرف عليها الناس فوضعت احدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها فقالت مرتجزة: اليوم يبدو بعضه أو كله * فما بدا منه فلا أحله فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت إن لي زوجا.

وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول سورة البراءة ان لا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه واراده وقد كان نزل عليه في ذلك من الله عز وجل " فان اعتزلوكم ولم يقاتلوا كم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (1) " فكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة البراءة وأمره الله بقتل المشتركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلا الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة إلى مدة، منهم صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو، فقال الله عز وجل " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة اشهر " ثم يقتلون حيث ما وجدوا فهذه اشهر السياحة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرة من شهر ربيع الآخر، فلما نزلت الآيات من أول براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر وأمره ان يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر، فلما خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد لا يؤدي عنك إلا رجل منك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام في طلبه فلحقه بالروحا فاخذ منه الآيات فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أأنزل الله في شئ؟

قال لا ان الله امرني ان لا يؤدي عني إلا انا أو رجل مني.

قال فحدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان أبلغ عن الله ان لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام وقرأ عليهم " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة اشهر " فأحل الله للمشركين الذين حجوا تلك السنة أربعة اشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ثم يقتلون حيث وجدوا، قال وحدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليهما السلام في قوله (واذان من الله ورسوله) قال الاذان أمير المؤمنين عليه السلام وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين عليه السلام كنت انا الاذان في الناس وقوله (يوم الحج الأكبر) قال هو يوم النحر ثم استثنى عز وجل فقال (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فاتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ان الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد - إلى قوله - غفور رحيم) ثم قال (وان أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) قال إقرأ عليه وعرفه لا تتعرض له حتى يرجع إلى مأمنه واما قوله (وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) فإنها نزلت في أصحاب الجمل وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من كتاب الله عز وجل يقول الله " وان نكثوا ايمانهم من بعد بعهدهم وطعنوا في دينكم إلى آخر الآية " فقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الزهراء: والله لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا اربع فقال يا علي!

انك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين أفأضيع ما امرني به رسول الله صلى الله عليه وآله أو أكفر بعد اسلامي؟

" وقوله (أم حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) اي لما ير فأقام العلم مقام الرؤية لأنه قد علم قبل ان يعلموا.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) يعني بالمؤمنين آل محمد والوليجة البطانة (2) وقال علي بن إبراهيم في قوله (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) اي لا يعمروا وليس لهم ان يقيموا وقد اخرجوا رسول الله صلى الله عليه وآله منه ثم قال:

(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.

الآية) وهي محكمة واما قوله (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت في علي وحمزة والعباس وشيبة قال العباس انا أفضل لان سقاية الحاج بيدي وقال شيبة انا أفضل لان حجابة البيت بيدي وقال حمزة انا أفضل لان عمارة البيت بيدي وقال علي أنا أفضل آمنت قبلكم ثم هاجرت وجاهدت فرضوا برسول الله صلى الله عليه وآله حكما فأنزل الله " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام إلى قوله عنده اجر عظيم ".

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت هذه الآية في علي ابن أبي طالب عليه السلام قوله " كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " ثم وصف علي بن أبي طالب عليه السلام (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) ثم وصف ما لعلي عليه السلام عنده فقال (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم) قوله (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها) يقول اكتسبتموها.

وقال علي بن إبراهيم لما اذن أمير المؤمنين عليه السلام بمكة ان لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا ذهبت تجارتنا وضاعت عيالنا وخربت دورنا فأنزل الله عز وجل في ذلك قل يا محمد (إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) قوله (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) حدثني محمد بن عمير قال كان المتوكل قد اعتل علة شديدة فنذر ان عافاه الله ان يتصدق بدنانير كثيرة أو قال بدراهم كثيرة فعوفي، فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه، قال أحدهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة الف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلى ابن عمك علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام فاسأله فبعث إليه فسأله فقال الكثير ثمانون، فقالوا له رد إليه الرسول فقل من أين قلت ذلك؟

فقال من قوله تعالى لرسوله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " وكانت المواطن ثمانين موطنا، وقال علي بن إبراهيم في قوله (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) فإنه كان سبب غزوة حنين انه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة اظهر انه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيئوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمعوا رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريهم ومروا حتى نزلوا باوطاس وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم وكان رئيس جشم وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر فلمس الأرض بيده فقال في اي واد أنتم؟

قالوا بوادي أوطاس قال نعم مجال خيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس (3) مالي اسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبي، فقالوا له ان مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله وأهله، فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة!

ماله وللحرب، ثم قال ادعوهم لي مالكا فلما جاءه قال له يا مالك ما فعلت؟

قال سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه، فقال يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانك تقاتل رجلا كبيرا وهذا اليوم لما بعده ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا (4) ويحك وهل يلوي المنهزم على شئ؟

أردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم وابق الرجال على متون الخيل فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه فان كانت لك لحق بك من وراؤك وان كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك، فقال له مالك انك قد كبرت وذهب علمك وعقلك فلم يقبل من دريد فقال دريد ما فعلت كعب وكلاب؟

قالوا لم يحضر منهم أحد قال غاب الجد والحزم لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب قال فمن حضرها من هوازن؟

قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ثم تنفس دريد وقال حرب عوان ليتني فيها جذع أحب فيها واضع أقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع. (5) وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله اجتماع هوازن باوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر وان الله قد وعده ان يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكل من دخل مكة براية امره ان يحملها، وخرج في اثنى عشر الف رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال وكان معه من بني سليم الف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ومن مزينة، الف رجل، رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم قال فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة قال وقال مالك بن عوف لقومه ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فإذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فان محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقى أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله لا يلوون على شئ وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب عن يساره فاقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي يا معشر الأنصار إلى أين المفر؟

ألا انا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله؟

ومر بها عمر فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟

فقال لها هذا امر الله فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه، فقال يا عباس اصعد هذا الطرب (6) وناد يا أصحاب البقرة!

ويا أصحاب الشجرة!

إلى أين تفرون هذا رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان، فنزل جبرئيل عليه السلام عليه فقال له يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي سفيان بن الحارث ناولني كفا من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال شاهت الوجوه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: " اللهم ان تهلك هذه العصابة لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون لبيك ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله واستحيوا ان يرجعوا إليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس من هؤلاء يا أبا الفضل؟

فقال يا رسول الله هؤلاء الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الآن حمي الوطيس (7) ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم وهو قول الله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ".

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا) وهو القتل (وذلك جزاء الكافرين) قال وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم أين الخيل البلق والرجال عليهم الثياب البيض؟

فإنما كان قتلنا بأيديهم وما كنا نريكم فيهم إلا كهيئة الشامة قالوا تلك الملائكة قوله (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم علية فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم) وهي معطوفة على قوله " قل إن كان آباؤكم الآية " قوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) حدثنا محمد بن عمير وقال حدثني إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن إسماعيل بن سهل عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حد الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شئ يوصف لا ينبغي ان يجوز إلى غيره؟

فقال ذلك إلى الامام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله ما يطيق إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم ما يطيقون له أن يؤخذ منهم بها حتى يسلموا فان الله قال " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (قلت ط) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه (قال ط) لا حتى يجد ذلا لما اخذ منه فيتألم لذلك فيسلم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم) اما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا انه إله وانه ابن الله وطائفة منهم قالوا ثالث ثلاثة وطائفة منهم قالوا هو الله واما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوهم واخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به ودانوا بهم بما دعوهم إليه فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم وتركهم ما امر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصموا الله وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم فعير الله بني إسرائيل بما صنعوا يقول الله (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).

قال علي بن إبراهيم في قوله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) فإنها نزلت في القائم من آل محمد وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فان الله حرم كنز الذهب والفضة وامر بانفاقه في سبيل الله وقوله (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) قال كان أبو ذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام وينادي بأعلى صوته بشر أهل الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور ابدا حتى يتردد الحر في أجوافهم وقال علي بن إبراهيم في قوله (ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) فالآن يعد الحرم منها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ورجب مفرد وحرم الله فيها القتال.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وقاتلوا المشركين كافة) يقول جميعا كما يقاتلونكم كافة وقال علي بن إبراهيم في قوله (إنما النسئ زيادة في الكفر الخ) فإنه كان سبب نزولها ان رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول قد أحللت دماء الملحدين؟

من طي وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فإذا كان العام المقبل يقول قد أحللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم فأنزل الله " إنما النسئ زيادة في الكفر - إلى قوله - زين لهم سوء اعمالهم " وقوله (الا تنصروه فقد نصره الله إذا خرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فإنه حدثني أبي عن بعض رجاله رفعه إلى أبى عبد الله قال لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قال لفلان كأني انظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر وانظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم فقال فلان وتراهم يا رسول الله قال نعم قال فارنيهم فمسح على عينيه فرآهم (فقال في نفسه الآن صدقت انك ساحر ط) فقال له رسول الله أنت الصديق وقوله (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) قول رسول الله صلى الله عليه وآله (والله عزيز حكيم) وقوله (انفروا خفافا وثقالا) قال شبابا وشيوخا يعنى إلى غزوة تبوك وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (لو كان عرضا قريب) يقول غنيمة قريبة (لاتبعوك) وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولكن بعدت عليهم الشقة) يعني إلى تبوك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسافر سفرا أبعد منه ولا أشد منه وكان سبب ذلك ان الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك (8) والطعام وهم الأنباط فأشاعوا بالمدينة ان الروم قد اجتمعوا يريدون غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله في عسكر عظيم وان هرقل قد سار في جنود رحلت معهم غسان وجذام (حزام ك) وبهراء (فهرا ك) وعاملة وقد قدم عساكره البلقاء ونزل هو حمص، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالتهيؤ إلى تبوك وهي من بلاد البلقاء وبعث إلى القبائل حوله والي مكة والى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة فحثهم على الجهاد، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بعسكره وضرب في ثنية الوداع وامر أهل الجدة (9) ان يعينوا من لا قوة به ومن كان عنده شئ أخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه: " أيها الناس ان أصدق الحديث كتاب الله وأولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عزايمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، واعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا (10) ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم خطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما القي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول (11) من جمر جهنم، والسكر جمر النار والشعر من إبليس، والخمر جماع الاثم، والنساء حبائل إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل اكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة اذرع، والامر إلى آخره وملاك العمل خواتيمه واربا الربى الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسق، وقتال المؤمن كفر، واكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن توكل على الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه.

ومن كظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذبه، اللهم اغفر لي ولامتي اللهم اغفر لي ولامتي استغفر الله لي ولكم " قال فرغبوا الناس في الجهاد لما سمعوا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين ولقي رسول الله الجد بن قيس (12) فقال له: يا أبا وهب!

ألا تنفر معنا في هذه الغزاة؟

لعلك ان تستحفد (13) من بنات الأصغر (14) فقال يا رسول الله والله ان قومي ليعلمون انه ليس فيهم أحد أشد عجبا بالنساء مني وأخاف ان خرجت معك ان لا اصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتني وائذن لي ان أقيم، وقال لجماعة من قومه لا تخرجوا في الحر فقال ابنه: ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وتقول له ما تقول!

ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن في هذا قرآنا تقرأه الناس إلى يوم القيامة فأنزل الله على رسوله في ذلك (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين) ثم قال الجد بن القيس أيطمع محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد ابدا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ان تصبك حسنة تسوءهم وان تصبك مصيبة) اما الحسنة فالغنيمة والعافية واما المصيبة فالبلاء والشدة (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولينا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وقوله (قل هل تربصون بنا إلا احدى الحسنيين) يقول الغنيمة والجنة إلى قوله (انا معكم متربصون) ونزل أيضا في الجد بن قيس في رواية علي بن إبراهيم لما قال لقومه لا تخرجوا في الحر (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون - إلى قوله - وماتوا وهم فاسقون) ففضح الله الجد بن قيس وأصحابه فلما اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وآله الخيول رحل من ثنية الوداع وخلف أمير المؤمنين عليه السلام على المدينة فأوجف المنافقون بعلي عليه السلام فقالوا ما خلفه الا تشأما به فبلغ ذلك عليا فاخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وآله بالجرف، فقال له رسول الله يا علي ألم أخلفك على المدينة؟

قال نعم ولكن المنافقين زعموا انك خلفتني تشأما بي، فقال كذب المنافقون يا علي أما ترضى أن تكون أخي وانا أخوك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وإن كان بعدي نبي لقلت أنت وأنت خليفتي في أمتي وأنت وزيري وأخي في الدنيا والآخرة، فرجع علي عليه السلام إلى المدينة وجاء البكاؤن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير قد شهد بدرا لا اختلاف فيه ومن بنى واقف هدمي (هرمي ط مدعى ك) بن عمير ومن بنى جارية علية بن زيد (يزيد خ ل) وهو الذي تصدق بعرضه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله امر بصدقة فجعل الناس يأتون بها فجاء علية فقال يا رسول الله والله ما عندي ما أتصدق به وقد جعلت عرضي حلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبل الله صدقتك ومن بني مازن بن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ومن بني سلمة عمرو بن غنمة (عتمة ط) ومن بني زريق سلمة بن صخر ومن بني العرياض ناصر بن سارية السلمي هؤلاء جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يبكون فقالوا يا رسول الله ليس بنا قوة ان تخرج معك فأنزل الله فيهم (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذ ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) قال وإنما سألوا هؤلاء البكاؤن نعلا يلبسونها ثم قال (إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف) والمستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى والخوالف النساء.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (عفى الله عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) يقول تعرف أهل الغدر والذين جلسوا بغير عذر وفي رواية علي بن إبراهيم قوله (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر - إلى قوله - ما زادوكم إلا خبالا) اي وبالا (ولا وضعوا خلالكم) أي يهربوا عنكم.

وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من أهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول الله صلى الله عليه وآله منهم أبو خثيمة وكان قويا وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاما، فأشرف على عريشته، فلما نظر اليهما قال والله، ما هذا بانصاف رسول الله صلى الله عليه وآله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في الصخ (15) والريح وقد حمل السلاح مجاهدا في سبيل الله وأبو خثيمة قوي قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بانصاف ثم اخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أبا خثيمة، فاقبل وأخبر النبي بما كان منه فجزاه خيرا ودعا له.

وكان أبو ذر رحمه الله تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف (16) فلحق بعد ثلاثة أيام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أدركوه بالماء فإنه عطشان فأدركوه بالماء ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه إداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر معك ماء وعطشت؟

فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد، فقلت لا اشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله: " يا أبا ذر أرحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك " فلما سير به عثمان إلى الربذة فمات بها ابنه ذر، فوقف على قبره فقال رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لأحببت ان أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم انك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا فاني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم مني.

وكانت لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال له النقار (17)، فماتت كلها فأصاب أبا ذر وابنته الجوع فماتت أهله، فقالت ابنته أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي أبي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب القت وهو نبت له حب فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينه قد انقلبت، فبكيت وقلت له يا أبت كيف اصنع بك وانا وحيدة؟

فقال يا بنتي لا تخافي فاني إذا مت جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري، فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك.

فقال يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك فإذا انا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فإذا اقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفي، قال فدخل إليه قوم من أهل الربذة فقالوا يا أبا ذر ما تشتكي؟

قال ذنوبي قالوا فما تشتهي؟

قال رحمة ربي قالوا فهل لك بطبيب؟

قال الطبيب أمرضني قالت ابنته فلما عاين؟

الموت سمعته يقول مرحبا بحبيب اتى على فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك لتعلم اني أحب لقاءك قالت ابنته فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفي فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الأشتر فروي أنه قال دفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم فقالت ابنته فكنت أصلي بصلاته وأصوم بصيامه فبينما انا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته فقلت يا أبة ماذا فعل بك ربك؟

فقال يا بنية قدمت على رب كريم فرضي عني ورضيت عنه، وأكرمني وحباني فاعملي فلا تغتري.

وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة ضرباته التي اصابته ببدر واحد، فقال له رسول الله عد لي أهل العسكر فعددهم فقال هم خمسة وعشرون الف رجل سوى العبيد والتباع، فقال عد المؤمنين فعددهم فقال هم خمسة وعشرون رجلا، وقد كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي (الموافقى ط) فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قط أقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم وكنت أقول اخرج غدا اخرج بعد غد فاني قوي وتوانيت وبقيت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله أياما ادخل السوق فلا اقضي حاجة فلقيت هلال بن أمية ومرادة بن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا ان نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غدا بعد غد حتى بلغنا اقبال رسول الله فندمنا فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلناه نهنئه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام واعرض عنا وسلمنا على اخواننا فلم يردوا علينا السلام فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ولا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقلن قد بلغنا سخطك على أزواجنا فتعتزلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله ولا اخواننا ولا أهلونا فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذا أياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله ان يغفر لهم فلما طال عليهم الامر، قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط علينا وأهلونا واخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا أحد فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟

فتفرقوا في الليل وحلفوا ان لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة أيام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله (لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) قال الصادق عليه السلام هكذا نزلت (18) وهو أبو ذر وأبو خثيمة وعمر بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال في هؤلاء الثلاثة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) فقال العالم (ع) إنما انزل " وعلى الثلاثة الذين خالفوا " ولو خلفوا لم يكن عليهم عيب (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) حيث لم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أهلوهم فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا ان لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا وتاب الله عليهم لما عرف من صدق نياتهم، وقوله في المنافقين قل لهم يا محمد (انفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين - إلى قوله - وتزهق أنفسهم وهم كافرون) وكانوا يحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله انهم مؤمنون فأنزل الله (ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات) يعني غارات في الجبال (أو مدخلا) قال موضعا يلتجئون إليه (لولوا إليه وهم يجمحون) اي يعرضون عنكم وقوله (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) فإنها نزلت لما جاءت الصدقات وجاء الأغنياء وظنوا ان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسمها بينهم فلما وضعها في الفقراء تغامزوا رسول الله صلى الله عليه وآله ولمزوه وقالوا نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي امره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا فأنزل الله (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا إلى الله راغبون) ثم فسر الله الصدقات لمن هي وعلى من تجب فقال (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) فأخرج الله من الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الأصناف الذين سماهم الله، وبين الصادق عليه السلام منهم فقال الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم والدليل على أنهم هم الذين لا يسألون قول الله في سورة البقرة " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا " والمساكين هم أهل الزمانة من العميان والعرجان والمجذومين وجميع الأصناف الزمني الرجال والنساء والصبيان " والعاملين عليها " هم السعاة والجباة في اخذها وجمعها وحفظها حتى يردوها إلى من يقسها " والمؤلفة قلوبهم " قوم وحدوا لله ولم تدخل المعرفة في قلوبهم من أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال المؤلفة قلوبهم أبو سفيان ابن حرب بن أمية وسهيل بن عمرو وهو من بني عامر بن لوي وهمام بن عمرو واخوه وصفوان بن أمية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي والأقرع بن حابس التميمي ثم عمر أحد بني حازم وعيينة بن حصين الفزاري ومالك بن عوف وعلقمة بن علاقة، بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعطي الرجل منهم مائة من من الإبل ورعاتها وأكثر من ذلك وأقل، رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم في قوله " وفي الرقاب " قوم قد لزمهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وقتل الصيد في الحرم وفي الايمان وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم منها سهما في الصدقات ليكفر عنهم " والغارمين " قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام ان يقضي ذلك عنهم ويفكهم من مال الصدقات " وفي سبيل الله " قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير فعلى الامام ان يعطيهم من مال الصدقات حتى ينفقوا به على الحج والجهاد و " ابن السبيل " أبناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب ما لهم فعلى الامام ان يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات، والصدقات تتجزى ثمانية اجزاء فيعطى كل انسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون إليه بلا اسراف ولا تقتير يقوم في ذلك الامام يعمل بما فيه الصلاح.

وقوله (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) فإنه كان سبب نزولها ان عبد الله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد لرسول الله صلى الله عليه وآله فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين وينم عليه، فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من هو؟

فقال الرجل الأسود الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران وينطق بلسان شيطان، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فخلف انه لم يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبلت منك فلا تقعد فرجع إلى أصحابه فقال إن محمدا أذن اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل وأخبرته اني لم افعل ذلك فقبل فأنزل الله على نبيه " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " اي يصدق الله فيما يقول له ويصدقك فيما تعتذر إليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن وقوله " ويؤمن للمؤمنين " يعني المقرين بالايمان من غير اعتقاد وقوله (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فإنها نزلت في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين انهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنين فقال الله (والله ورسوله أحق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين) وقوله (يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا ان الله مخرج ما تحذرون) قال كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك كانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون أيرى محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم أحد ابدا، فقال بعضهم ما أخلفه ان يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس وقالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار بن ياسر الحق القوم فإنهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال ما قلتم قالوا ما قلنا شيئا إنما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فأنزل الله (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم " قل هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا ونافقوا بعد ايمانهم وكانوا أربعة نفر وقوله " ان نعف عن طائفة منكم " كان أحد الأربعة محتبر (نحشى ط) بن الحمير واعترف وناب وقال يا رسول الله أهلكني اسمي فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن عبد الرحمن فقال يا رب اجعلني شهيد حيث لا يغلم أحد أين انا فقتل يوم اليمامة ولم يعلم أحد أين قتل فهو الذي عفى الله عنه قال علي بن إبراهيم ذكر المنافقين فقال (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض - إلى قوله - ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فإنه محكم ثم ذكر المؤمنين فقال (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) الآية محكمة وقوله (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) قال إنما نزلت " يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين " لان النبي صلى الله عليه وآله لم يجاهد المنافقين بالسيف.

قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال جاهد الكفار والمنافقين بالزام الفرائض وقوله (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم) قال نزل في الذين تحالفوا في الكعبة ألا يردوا هذا الامر في بني هاشم فهي كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة وهموا بقتله وهو قوله " وهموا بما لم ينالوا " حدثنا (19) أحمد بن الحسن التاجر قال حدثنا الحسن بن علي بن عثمان الصوفي قال حدثنا زكريا بن محمد عن محمد بن علي عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لما أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة والمغيرة بن شعبة قال الثاني اما ترون عينه كأنما عينا مجنون يعنى النبي الساعة يقوم ويقول قال لي ربى فلما قام قال أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم قالوا الله ورسوله قال اللهم فاشهد ثم قال الا من كنت مولاه فعلى مولاه وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرئيل واعلم رسول الله بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فأنكروا وحلفوا فأنزل الله (يحلفون بالله ما قالوا الخ) ثم ذكر البخلاء وسماهم منافقين وكاذبين فقال (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله - إلى قوله أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ع قال هو ثعلبة بن خاطب بن عمرو بن عوف كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه الله بخل به، ثم ذكر المنافقين فقال (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجويهم وان الله علام الغيوب) واما قوله (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم) فجاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر فقال يا رسول الله كنت ليلتي أجيرا لجرير حتى نلت صاعين تمرا اما أحدهما فأمسكته واما الآخر فاقرضه ربي، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينثره في الصدقات، فسخر منه المنافقون وقالوا والله ان الله يغني عن هذا الصاع ما يصنع الله بصاعه شيئا ولكن أبا عقيل أراد ان يذكر نفسه ليعطى من الصدقات فقال:

(سخر الله منهم ولهم عذاب اليم) قوله (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قال علي بن إبراهيم انها نزلت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ومرض عبد الله ابن أبي وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوه يجود بنفسه فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي انك ان لم تأت أبي كان ذلك عارا علينا، فدخل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله يا رسول الله استغفر له فاستغفر له، فقال الثاني ألم ينهك الله يا رسول الله ان تصلى عليهم أو تستغفر لهم فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فأعاد عليه فقال له ويلك انى خيرت فاخترت ان الله يقول " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فلما مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ان رأيت أن تحضر جنازته فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وقام على قبره فقال له الثاني يا رسول الله ألم ينهك الله ان تصلي على أحد منهم مات ابدا وان تقوم على قبره؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله ويلك وهل تدري ما قلت؟

إنما قلت اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا واصله النار، فبدا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكن يحب.

قال ولما قدم النبي صلى الله عليه وآله من تبوك كان أصحابه المؤمنون يتعرضون للمنافقين ويؤذونهم وكانوا يحلفون لهم انهم على الحق وليس هم بمنافقين لكي يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم فأنزل الله (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) الجزء (11) ثم وصف الاعراب فقال (الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مفرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) ثم ذكر السابقين فقال (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) وهم النقباء أبو ذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام (والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) وقوله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لما حاصر بني قريظة قالوا له ابعث الينا أبا لبابة نستشيره في أمرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا لبابة ائت حلفاءك ومواليك فأتاهم فقالوا له يا أبا لبابة ما ترى تنزل على حكم محمد؟

فقال أنزلوا واعلموا ان حكمه فيكم هو الذبح وأشار إلى حلقه ثم ندم على ذلك، فقال خنت الله ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومر إلى المسجد وشد في عنقه حبلا ثم شده إلى الأسطوانة التي تسمى أسطوانة التوبة وقال لا أحله حتى أموت أو يتوب الله علي، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اما لو اتانا لاستغفرنا الله له، فاما إذا قصد إلى ربه فالله أولى به، وكان أبو لبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك به رمقه فكانت ابنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة فلما كان بعد ذلك ورسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة نزلت توبته فقال يا أم سلمة، قد ناب الله على أبي لبابة، فقالت يا رسول الله أفأوذنه بذلك؟

فقال لتفعلن، فأخرجت رأسها من الحجرة، فقالت يا أبا لبابة ابشر لقد تاب الله عليك، فقال الحمد لله فوثب المسلمون ليحلوه فقال لا والله حتى يحلني رسول الله فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا أبا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من أمك يومك هذا لكفاك، فقال يا رسول الله أفأتصدق بمالي كله؟

قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال نعم فأنزل الله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم) حدثني أبي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) المؤمنون ههنا الأئمة الطاهرون صلوات الله عليهم وعن محمد بن الحسن الصفار عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن اعمال؟

العباد تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله كل صباح ابرارها وفجارها فاحذروا فليستحيي أحدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح، وعنه صلوات الله عليه وآله قال ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين عليه السلام وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " واما قوله (وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم) قال فإنه حدثني أبي عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن أبي الطيار قال قال أبو عبد الله عليه السلام المرجون لامر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الاسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم وقوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) فإنه كان سبب نزولها انه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله أتأذن لنا ان نبني مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ الفاني فاذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو على الخروج إلى تبوك فقالوا يا رسول الله لو أتيتنا فصليت فيه قال صلى الله عليه وآله انا على جناح السفر فإذا وافيت إن شاء الله اتيته فصليت فيه فلما اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر الراهب وقد كانوا حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله انهم يبنون ذلك للصلاح والحسنى فأنزل الله على رسوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) يعني أبا عامر الراهب كان يأتيهم فيذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه (وليحلفن ان أرادنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) يعني مسجد قبا (أحق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين) قال كانوا يتطهرون بالماء وقوله (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال مسجد ضرار الذي " أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم " قال علي ابن إبراهيم قوله (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلى أن تقطع قلوبهم) إلى في موضع حتى تنقطع قلوبهم (والله عليم حكيم) فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله مالك بن الدجشم (دجشم خ ل) الخزاعي وعامر بن عدي أخا بني عمرو بن عوف على أن يهدموه ويحرقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى اخرج نارا من منزلي فدخل فجاء بنار واشعل في سعف النخل ثم اشعله في المسجد فتفرقوا وقعد زيد ابن حارثة حتى احترقت البلية ثم امر بهدم حايطه.

واما قوله (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة) قال نزلت في الأئمة فالدليل على أن ذلك فيهم خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا يجوز في غيرهم فقال (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله) فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليها ولا يجوز أن يكون بهذه الصفة غير الأئمة عليهم السلام قال حدثني أبي عن بعض رجاله قال لقي الزهري علي بن الحسين عليه السلام في طريق الحج فقال له يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينته ان الله يقول " ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " قال له علي بن الحسين انهم الأئمة فقال " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " فقال علي ابن الحسين عليه السلام إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج وقوله (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى) اي ولو كانوا قراباتهم وقوله (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال إبراهيم لأبيه ان لم تعبد الأصنام استغفرت لك فلما لم يدع الأصنام تبرأ منه إبراهيم (ان إبراهيم لاواه حليم) اي دعاء، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال الأواه المتضرع إلى الله في صلاته وإذا خلا في قفرة في (من خ ل) الأرض وفي الخلوات.

وقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يقول كونوا مع علي بن أبي طالب وآل محمد عليهم السلام والدليل على ذلك قول الله " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " فهو حمزة " ومنهم من ينتظر " وهو علي بن أبي طالب عليه السلام يقول الله " وما بدلوا تبديلا " وقال الله تعالى " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " وهم آل محمد عليهم السلام قال علي ابن إبراهيم في قوله " يا أيها آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " هم الأئمة عليهم السلام وهو معطوف على قوله " وبشر المؤمنين " وقوله (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) أي عطش (ولا نصب) أي عناء (ولا مخمصة في سبيل الله) أي جوع (ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار) يعني لا يدخلون بلاد الكفار (ولا ينالون من عدو نيلا) يعني قتلا وأسرا (إلا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين) وقوله (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) قال كلما فعلوا من ذلك لله جازاهم الله عليه وقوله (ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) يعني إذا بلغهم وفاة الامام يجب ان يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا كلهم كافة ولم يفرض الله ان يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الامام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم (لعلهم يحذرون) كي يعرفوا اليقين وقوله (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قال يجب على كل قوم ان يقاتلوا الذين من يليهم ممن يقرب من بلادهم من الكفار ولا يجوزوا ذلك الموضع والغلظة اي غلظوا لهم القول والقتل وقوله (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) اي شكا إلى شكهم فهو رد على من يزعم أن الايمان لا يزيد ولا ينقص ومثله في سورة الأنفال في قوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ومثله كثير مما حكى الله من زيادة الايمان وقوله أو لا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) أي يمرضون (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) وقوله (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) يعني المنافقين (ثم انصرفوا) اي تفرقوا (صرف الله قلوبهم) عن الحق إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق ثم خاطب الله عز وجل الناس واحتج عليهم برسول الله فقال:

(لقد جاءكم رسول من أنفسكم) اي مثلكم في الخلقة ويقرأ من أنفسكم (20) أي أشرفكم (عزيز عليه ما عنتم) أي أنكرتم وجحدتم (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ثم عطف بالمخاطبة على النبي صلى الله عليه وآله (فان تولوا) يا محمد عما تدعوهم إليه (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)


1- اي خاصته وما يتخذه معتمدا عليه. (مجمع).

2- الحزن: ما غلظ من الأرض، الضرس: الأمكنة الخشنة، الدهس: المكان السهل.

3- اي لم تخف في عرض جميغة هوزان على سيوف العدو.

4- (العوان الحرب الشديدة) الجذع الشاب اخب واضع أي اسرع، الزمع الرعدة التي تكون عند الخوف، والصدع من الظباء والحمر: الفتى الشاب القوى. ج. ز.

5- الطرب ككتف فرس النبي صلى الله عليه وآله ق.

6- الوطيس التنوراى اشتدت الحرب ق.

7- البساط والثوب.

8- اي الأغنياء.

9- اي بطيئا.

10- أي الخيانة.

11- وفى ط الحر بن قيس وهو خطأ وإن كان كلاهما صحابيين غير ممدوحين لكن المراد هنا هو الجد وفى قاموس الرجال ناقلا عن جماعة: انه يظن فيه النفاق وكل من حضر الحديبية بايع النبي صلى الله عليه وآله الاجد بن قيس فإنه استتر تحت ناقة النبي ص (أقول) هذا عمله وذاك - أي الاستهزاء برسول الله عند ذكره بنات الأصفر - قوله أبعد اللتيا والتي يبقى المجال ان يقال فيه " يظن فيه النفاق.

12- الاستحفاد والاستخدام.

13- اسم أطلقه العرب على الغربيين لا سيما على اليونان والروم. ج. ز.

14- الداهية.

15- أي هزل.

16- النقار كالغراب داء الماشية كالطاعون. ق.

17- وفي المصحف لفظة " على النبي والمهاجرين " مكان " بالنبي على المهاجرين ". ج. ز.

18- هذه الرواية واردة في الصافي بعينها ج ز.

19- اي بناءا على افعل التفضيل من النفاسة. ج ز.

20- اي إلى نور وجه الله عز وجل كما في الدعاء: بنور وجهك الذي أضاء له كل شئ. ج. ز (بن ك) الأحول عن منصور.