الأنفال

سورة الأنفال

مدنية

خمس وسبعون آية (بسم الله الرحمن الرحيم يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين) فحدثني أبي عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للامام وما كان من ارض الجزية لم يوجف (1) عليها بخيل ولا ركاب، وكل ارض لا رب لها والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فما له من الأنفال، وقال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله على ثلاث فرق، فصنف كانوا عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وصنف أغاروا علي النهب، وفرقة طلبت العدو وأسروا وغنموا فلما جمعوا الغنائم والأسارى تكلمت الأنصار في الأسارى فأنزل الله تبارك وتعالي " ما كان لنبي أن يكون له اسرى حتى يثخن (2) في الأرض " فلما أباح الله لهم الأسارى والغنائم تكلم سعد بن معاذ وكان ممن أقام عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله، فقال يا رسول الله ما منعنا ان نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبنا عن العدو ولكنا خفنا ان نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين، وقد أقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والأنصار ولم يشك أحد منهم والناس كثير يا رسول الله والغنائم قليلة ومتى يعطي هؤلاء لم يبق لأصحاب شئ، وخاف ان يقسم رسول الله صلى الله عليه وآله الغنائم واسلاب القتلى بين من قاتل ولا يعطي من تخلف عليه عند خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لمن هذه الغنائم فأنزل الله " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول " فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شئ ثم انزل الله بعد ذلك (واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله بينهم، فقال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله ص أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟

فقال النبي ص ثكلتك أمك وهل تنصرون الا بضعفائكم!

قال فلم يخمس رسول الله ص ببدر وقسمه بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر، ونزل قوله " يسألونك عن الأنفال " بعد انقضاء حرب بدر فقد كتب ذلك في أول السورة وكتب بعده خروج النبي صلى الله عليه وآله إلي الحرب.

(وقوله إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم - إلى قوله - (لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) فإنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان والمقداد ثم ذكر بعد ذلك الأنفال وقسمة الغنائم، خروج رسول الله صلى الله عليه وآله إلي الحرب فقال (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) وكان سبب ذلك ان عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم، فامر رسول الله أصحابه بالخروج ليأخذوها فأخبرهم ان الله قد وعده احدى الطائفتين اما العير واما قريش ان اظفر بهم، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما قارب بدر كان أبو سفيان في العير فلما بلغه ان الرسول صلى الله عليه وآله قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى البهرة (3) اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير وأعطاه قلوصا وقال له امض إلى قريش وأخبرهم ان محمدا والصباة (4) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فادركوا العير وأوصاه ان يخرم ناقته ويقطع اذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته يا آل غالب!

اللطيمة اللطيمة العير العير (5) أدركوا أدركوا!

وما أراكم تدركون، فان محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم، فخرج ضمضم يبادر إلى مكة ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي يا آل عذر يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث ثم وافى بجملة على أبي قبيس فاخذ حجرا فدهده (6) من الجبل فما ترك من دور قريش الا أصابها منه فلذة وكان وادي مكة قد سال من أسفله دما فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال عتبة مصيبة تحدث في قريش وفشت الرؤيا في قريش وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما رأت عاتكة هذه الرؤيا وهذه نبية ثانية في بني عبد المطلب واللات والعزى لننتظر ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا فهو كما رأت وإن كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا انه ما من أهل بيت من العرب اكذب رجالا ولا نساءا من بني هاشم، فلما مضى يوم قال أبو جهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال أبو جهل هذان يومان قد مضيا، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي " يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا أدركوا وما أراكم تدركون فان محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم " فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأبو البختري ابن هشام ومنية وبنية ابنا الحجاج ونوفل بن خويلد فقال يا معشر قريش والله ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه ان يطمع محمد والصباة عن أهل يثرب ان يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم فوالله ما قرشي ولا قرشية الا ولها في هذه العير شئ فصاعدا وانه الذل والصغار ان يطمع محمد في أموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم فأخرجوا، واخرج صفوان بن أمية خمس مائة دينار وجهز بها، واخرج سهيل بن عمرو خمس مائة وما بقي أحد من عظماء قريش الا اخرجوا مالا وحملوا وقووا واخرجوا على الصعب والذلول ما يملكون أنفسهم كما قال الله تعالى: خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل ابن أبي طالب واخرجوا معهم القينان يشربون الخمر ويضربون بالدفوف؟

.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما كان بقرب بدر علي ليلة منها بعث بشير بن أبي الرعبا (بن أبي الدعناء خ ل) ومجد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر وأناخا راحلتيهما؟

واستعذبا من الماء، وسمعا جاريتين قد تشبثت إحديهما بالأخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت عير قريش نزلت أمس في موضع كذا وكذا وهي تنزل غدا هاهنا وانا اعمل لهم وأقضيك، فرجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إليه فأخبراه بما سمعا، فاقبل أبو سفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير واقبل وحده حتى انتهى إلي ماء بدر وكان بها جل من جهينية يقال له كسب الجهني فقال له يا كسب هل لك علم بمحمد وأصحابه؟

قال لا، قال واللات والعزى لان كتمتنا امر محمد لا يزال قريش معادية لك آخر الدهر فإنه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير النش فصاعدا فلا تكتمي، فقال والله مالي علم بمحمد وما بال محمد وأصحابه بالتجار الا واني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتيهما ورجعا فلا أدري من هما، فجاء أبو سفيان إلى موضع مناخ ابلهما ففت ابعار الإبل بيده فوجد فيها النوى فقال هذه علايف يثرب هؤلاء عيون محمد، فرجع مسرعا وامر بالعير فاخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل علي رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره ان العير قد أفلتت وان قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها وأمره بالقتال ووعده النصر، وكان نازلا ماء الصفراء فأحب ان يبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه ان ينصروه في الدار، فأخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها وان الله قد امرني بمحاربتهم، فجزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك وخافوا خوفا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أشيروا علي، فقام الأول فقال يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها (7) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت مند عزت، ولم تخرج علي هيئة الحرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله له اجلس فجلس قال أشيروا علي فقام الثاني فقال مثل مقالة الأول فقال صلى الله عليه وآله اجلس فجلس ثم قام المقداد فقال يا رسول الله وانا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو امرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراش (8) خضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " ولكنا نقول " امض لامر ربك فانا معك مقاتلون " فجزاه النبي صلى الله عليه وآله خيرا ثم جلس ثم قال أشيروا علي، فقام سعد بن معاذ، فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله كأنك أردتنا؟

قال نعم قال فلعلك خرجت على امر قد أمرت بغيره قال نعم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله انا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت واترك منه ما شئت والذي اخذت منه أحب إلي من الذي تركت منه، والله لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، فجزاه خيرا ثم قال سعد بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط ومالي به علم وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن بأشد جهادا لك منهم ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك الرواحل ونلقى عدونا فانا نصبر عند اللقاء، انجاد في الحرب (9) وانا لنرجو ان يقر الله عينك بنا فان يك ما تحب فهو ذلك وان يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أو يحدث الله غير ذلك، كأني بمصرع فلان ههنا وبمصرع فلان ههنا وبمصرع أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج فأن الله قد وعدني احدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد، فنزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآية " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق - إلى قوله - ولو كره المجرمون " فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل حتى نزل عشاءا علي ماء بدر وهي العدوة الشامية.

وأقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وحبسوهم، فقالوا لهم من أنتم؟

قالوا نحن عبيد قريش، قالوا فأين العير؟

قالوا لا علم لنا بالعير، فاقبلوا يضربونهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فانقتل (10) من صلاته فقال إن صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم علي بهم، فاتوا بهم فقال لهم من أنتم؟

قالوا يا محمد نحن عبيد قريش، قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم، قال كم ينحرون في كل يوم جزورا؟

قالوا تسعة أو عشرة، فقال صلى الله عليه وآله تسعمائة أو الف، ثم قال فمن فيهم من بني هاشم؟

قال العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بهم فحبسوهم، وبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام (بن هاشم بن عبد المطلب ك) فقال له اما ترى هذا البغي (11) والله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت فجئنا بغيا وعدوانا، والله ما أفلح قوم قط بغوا ولوددت ان ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهب كله ولم نسر هذا الميسر، فقال له أبو البختري انك سيد من سادات قريش، تحمل العير التي أصابها محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه بنخلة (بنخيلة خ ل) ودم ابن الحضرمي فإنه حليفك، فقال عتبة أنت علي بذلك وما علي أحد منا خلاف الا ابن حنظلة يعني أبا جهل فسر إليه واعلمه اني قد تحملت العير التي قد أصابها محمد ودم ابن الحضرمي.

فقال أبو البختري فقصدت خباءه فإذا هو قد اخرج درعا له فقلت له ان أبا الوليد بعثني إليك برسالة، فغضب ثم قال اما وجد عتبة رسولا غيرك؟

فقلت اما والله لو غيره أرسلني ما جئت ولكن أبا الوليد سيد العشيرة، فغضب أشد من الأولى، فقال تقول سيد العشيرة!

فقلت انا قوله؟

وقريش كلها تقوله، انه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي، فقال إن عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ويتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف وابنه معه، ويريد ان يحذر (يخذل ك) بين الناس لا واللات والعزى حتى نقتحم عليهم بيثرب ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ولا يكونن بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه.

وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا وبكوا واستغاثوا فأنزل الله على رسوله (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم) فلما مشى رسول الله صلى الله عليه وآله وجنه الليل القى الله علي أصحابه النعاس حتى ناموا وانزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء وكان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم فأنزل الله عليهم السماء حتى تثبت اقدامهم علي الأرض وهو قول الله تعالى (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان) وذلك أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله احتلم (وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) وكان المطر علي قريش مثل العزالى (12) وكان علي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله رذاذا (13) بقدر ما لبد الأرض.

وخافت قريش خوفا شديدا فاقبلوا يتحارسون يخافون البيات فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فقال ادخلا في القوم واتياني بأخبارهم، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون الا خائفا ذعرا إذا صهل الفرس وثب علي جحفلته (14) فسمعوا منبة بن الحجاج يقول: لا يترك الجزع (الجوع ط) لنا مبيتا * لا بد ان نموت أو نميتا قال صلى الله عليه وآله والله كانوا شباعى (سباعى) ولكنهم من الخوف قالوا هذا والقى الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله عبأ أصحابه وكان في عسكره صلى الله عليه وآله فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وعلي بن أبي طالب عليه السلام علي جمل يتعاقبون عليه والجمل لمرثد وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس.

فعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بين يديه وقال غضوا أبصاركم لا تبدوهم بالقتال ولا يتكلمن أحد، فلما نظر قريش إلى قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو جهل: ما هم الا اكلة رأس ولو بعثنا إليهم عبيدنا لاخذوهم اخذا باليد، فقال عتبة بن ربيعة أترى لهم كمينا ومددا؟

فبعثوا عمر بن وهب الجمحي، وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم صعد الوادي وصوت ثم رجع إلى قريش، فقال ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، اما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي (15) ما لهم ملجأ الا سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلون، ولا يقتلون حتى يقتلون بعددهم، فارتاؤا رأيكم، فقال أبو جهل كذبت وجبنت وانتفخ منخرك حين نظرت إلى سيوف يثرب.

وفزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم فأنزل الله على رسوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله) وقد علم الله انهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وإنما أراد سبحانه بذلك ليطيب قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قريش، فقال يا معشر قريش ما أحد من العرب أبغض إلي ممن بدأ بكم خلوني والعرب فان أك صادقا فأنتم أعلى بي عينا وان أك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمري فارجعوا، فقال عتبة والله ما أفلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له احمر فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال أن يكون عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر فان يطيعوه يرجعوا ويرشدوا، فاقبل عتبة يقول يا معشر قريش اجتمعوا واستمعوا ثم خطبهم فقال يمن رحب فرحب مع يمن يا معشر قريش!

أطيعوني اليوم واعصوني الدهر وارجعوا إلي مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فان محمدا له ال (16) وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تنبذوا رأيي وإنما تطالبون محمدا بالعير التي اخذها محمد صلى الله عليه وآله بنخيلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله، فلما سمع أبو جهل ذلك عاظه (17) وقال إن عتبة أطول الناس لسانا وأبلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ثم قال يا عتبة!

نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب وجبنت وانتفخ سحرك (18) وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا ثارنا بأعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل علي أبي جهل وكان على فرس فاخذ بشعره فقال الناس يقتله، فمرقب فرسه وقال امثلي يجبن وستعلم قريش اليوم أينا ألام وأجبن وأينا المفسد لقومه، لا يمشي الا انا وأنت إلى الموت عيانا ثم قال هذا حبائي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه (ثم اخذ بشعره يجره ك) فاجتمع الناس فقالوا يا أبا الوليد الله الله لا تفت في اعضاد الناس (19) تنهى عن شئ وتكون أوله.

فخلصوا أبا جهل من يده فنظر عتبة إلى أخيه شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال قم يا بني فقام ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتم بعمامتين ثم اخذ سيفه وتقدم هو واخوه وابنه، ونادى يا محمد اخرج الينا أكفاءنا من قريش.

فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار عود ومعود وعوف من بني عفرا، فقال عتبة من أنتم؟

انتسبوا لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفرا أنصار الله وأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله، قالوا ارجعوا، فانا لسنا إياكم نريد، إنما نريد الأكفاء من قريش، فبعث إليهم رسول الله ان ارجعوا فرجعوا وكره أن يكون أول الكرة بالأنصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم، ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان له سبعون سنة، فقال له قم يا عبيدة!

فقام بين يديه بالسيف، ثم نظر إلى حمزة بن عبد المطلب، فقال قم يا عم!

ثم نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له قم يا علي!

وكان أصغرهم، فقال فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم قد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطغي نور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبيدة عليك بعتبة، وقال لحمزة عليك بشيبة.

وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة، فمروا حتى انتهوا إلى القوم، فقال عتبة من أنتم؟

انتسبوا لنعرفكم، فقال عبيدة: انا عبيدة بن حارث بن عبد المطلب، فقال كفو كريم فمن هذان؟

قال حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال كفوان كريمان لعن الله من أوقفنا وإياكم هذا الموقف، فقال شيبة لحمزة من أنت؟

فقال انا حمزة ابن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله، وقال له شيبة لقد لقيت أسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله!

فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة ففلق هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها، وسقطا جميعا، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما؟

، وكل واحد يتقى بدرقته (20) وحمل أمير المؤمنين عليه السلام على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فأخرج السيف من إبطه، فقال علي عليه السلام فاخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت ان السماء وقعت على الأرض، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون يا علي اما ترى الكلب قد أبهر عمك، فحمل علي عليه السلام ثم قال يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فادخل حمزة رأسه في صدره فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه فطير نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى اتيا به رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله واستعبر، فقال يا رسول الله بابي أنت وأمي الست شهيدا؟

فقال بلي أنت أول شهيد من أهل بيتي قال اما لو كان عمك حيا لعلم اني أولى بما قال منه، قال وأي أعمامي تعني؟

قال أبو طالب حيث يقول عليه السلام: كذبتم وبيت الله نبرأ محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة فقال يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة فقال ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

وقال أبو جهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر أبناء ربيعة، عليكم باهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم اخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها وكان فتية من قريش اسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم علي الشك والارتياب والنفاق منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكهة والحارث بن ربيعة وعلي ابن أمية بن خلف والعاص بن المنية، فلما نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة، فأنزل الله علي رسوله؟

(إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم) وجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم انا جاركم ادفعوا إلي رايتكم، فدفعوها إليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي أصحاب رسول الله ويخيل إليهم ويفزعهم وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال غضوا أبصاركم وعضوا علي النواجذ ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء وقال " يا رب ان تهلك هذه العصانة؟

لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " ثم اصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول: هذا جبرئيل قد اتاكم في الف من الملائكة مردفين قال فنظرنا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله وقائل يقول أقدم حيزوم أقدم حيزوم!

وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فاخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبة ثم قال ويلك يا سراقة تفت في أعضاد الناس فركله إبليس ركلة (21) في صدره وقال إني أرى ما لا ترون اني أخاف الله وهو قول الله (وإذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه وقال إني برئ منكم اني أرى ما لا ترون اني أخاف الله والله شديد العقاب) ثم قال عز وجل (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق).

قال وحمل جبرئيل علي إبليس فطلبه حتى غاص في البحر، وقال رب انجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين، روي في الخبر ان إبليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال يا هذا أبدا لكم فيما أعطيتمونا؟

فقيل لأبي عبد الله عليه السلام أترى كان يخاف ان يقتله؟

فقال لا ولكنه كان يضربه ضربا يشينه منها إلى يوم القيامة، وانزل علي رسوله صلى الله عليه وآله (إذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) قال أطراف الأصابع، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطفئ نور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره، وخرج أبو جهل من بين الصفين فقال إن محمدا صلى الله عليه وآله قطعنا الرحم واتانا بما لا نعرفه فاحنه (22) الغداة فأنزل الله علي رسوله (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وان تنتهوا فهو خير لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين) ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كفا من حصى فرمى به وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام، فقتل منهم سبعون، واسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل بن هشام على فخذيه وضرب أبو جهل عمرو على يده فأبانها من العضد فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو على يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت الجلدة ورمى بيده، وقال عبد الله بن مسعود انتهيت إلى أبي جهل وهو يتشحط في دمه فقلت الحمد لله الذي أخزاك، فرفع رأسه فقال إنما أخزى الله عبد بن أم عبد الله لمن الدين ويلك قلت لله ولرسوله واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه فقال ارتقيت مرتقا صعبا يارويعي الغنم اما انه ليس شئ أشد من قتلك إياي في هذا اليوم الا تولى قتلي رجل من المطمئنين أو رجل من الاحلاف (23) فاقتلعت بيضة؟

كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام، فسجد لله شكرا واسر أبو بشر الأنصاري العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب (ع) وجاء بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له هل أعانك عليهما أحد؟

قال نعم رجل عليه ثياب بياض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس افد نفسك وابن أخيك، فقال يا رسول الله قد كنت أسلمت ولكن القوم استكرهوني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اعلم باسلامك ان يكن ما تذكر حقا فان الله يجزيك عليه واما ظاهر امرك فقد كنت علينا ثم قال صلى الله عليه وآله يا عباس انكم خاصمتم الله فخصمكم، ثم قال افد نفسك وابن أخيك وقد كان العباس اخذ معه أربعين أوقية من ذهب فغنمها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قال صلى الله عليه وآله للعباس افد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا، ذاك أعطانا الله منك، فافد نفسك وابن أخيك، فقال العباس فليس لي مال غير الذي ذهب مني، قال بلى المال الذي خلفته عند أم الفضل بمكة.

فقلت لها ان حدث علي حدث فاقسموه بينكم.

فقال ما تتركني إلا وانا اسئل الناس بكفي.

فأنزل الله على رسوله في ذلك (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ثم قال (وان يريدوا خيانتك - في علي - فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعقيل.

قد قتل الله يا أبا يزيد أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشبيب بن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج ونوفل بن خويلد وسهيل بن عمرو والنظر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط وفلانا وفلانا، فقال عقيل إذا لا تنازع في تهامة فان كنت قد اثخنت القوم إلا فاركب أكتافهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين قتل منهم أمير المؤمنين (ع) سبعة وعشرين ولم يوسر أحدا، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الجمال وساقوهم على اقدامهم وجمعوا الغنائم، وقتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تسعة رجال فمنهم سعد بن خثيمة وكان من النقباء فرحل رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل الأثيل عند غروب الشمس وهو من بدر على ستة أميال فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة يا عقبة انا وأنت من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لان محمدا قد نظر الينا نظرة رأيت فيها القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي علي بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي فاخذ بشعره فجره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النضر يا محمد أسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني وان فاديتهم فاديتني وان أطلقتهم أطلقتني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا رحم بيني وبينك قطع الله الرحم بالاسلام قدمه يا علي فاضرب عنقه، فقال عقبة يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا، قال أفأنت من قريش؟

إنما أنت علج من أهل صفورية لانت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له لست منها قدمه يا علي فاضرب عنقه، فقدمه وضرب عنقه فلما قتل رسول الله صلى الله عليه وآله النضر وعقبة خافت الأنصار ان يقتل الأسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وهم قومك وأساراك هبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء وأطلقهم فأنزل الله عليهم (ما كان النبي أن يكون له اسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فأطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط انه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله سبعون رجلا فقال من بقي من أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر!

فأنزل الله عز وجل فيهم (أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها) ببدر قتلتم سبعين وأسرتم سبعين (قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم) (24) بما اشترطتم.

رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله (وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم) قال العير أو قريش وقوله (وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم) قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب (ويريد الله ان يحق الحق بكلماته) قال الكلمات الأئمة (ع) وقوله:

(ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) اي عادوا الله ورسوله، ثم قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) اي يدنوا بعضكم من بعض.

(فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) يعني يرجع (أو متحيزا إلى فئة) يعني يرجع إلى صاحبه وهو الرسول أو الامام، فقد كفر و (باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) ثم قال (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) اي انزل الملائكة حتى قتلوهم ثم قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يعني الحصى الذي حمله رسول الله صلى الله عليه وآله ورمى به في وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " ثم قال (ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين) اي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم، وقوله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) قال الحياة الجنة وقوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) اي يحول بين ما يريد الله وبين ما يريده.

حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله عن كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " يقول ولاية علي بن أبي طالب (ع) فان اتباعكم إياه وولايته اجمع لامركم وأبقى للعدل فيكم، واما قوله " واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه " يقول يحول بين المؤمن ومعصيته التي تقوده إلى النار ويحول بين الكافر وبين طاعته ان يستكمل به الايمان واعلموا ان الاعمال بخواتيمها، وقوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذه في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، قال الزبير يوم هزم أصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية وما احسب اني من أهلها حتى كان اليوم، لقد كنت أتقيها ولا اعلم اني من أهلها.

رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " قال نزلت في الزبير وطلحة لما حاربا أمير المؤمنين (ع) وظلموه وقوله (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون ان يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) نزلت في قريش خاصة وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر فلفظ الآية عام ومعناها خاص وهذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار بدر وكانت بدر على رأس ستة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله " آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " الآية نزلت في أبي لبابة فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " فخيانة الله والرسول معصيتهما واما خيانة الأمانة فكل انسان مأمون على ما افترض الله عليه.

رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم قوله (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) وقوله (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فإنها نزلت بمكة قبل الهجرة وكان سبب نزولها انه لما اظهر رسول الله صلى الله عليه وآله الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس والخزرج، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تمنعوني وتكونون لي جارا حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟

فقالوا نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير، فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة ولا تنبهوا نائما ولينسل واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله تمنعوني وتجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟

فقال سعد بن زرارة والبراء بن مغرور (معرور ط) وعبد الله بن حزام نعم با رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال اما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون أنفسكم وتمنعوا أهلي مما تمنعون أهاليكم وأولادكم، فقالوا ومالنا على ذلك؟

فقال الجنة في الآخرة وتملكون العرب وتدين لكم العجم في الدنيا ، ..

فقالوا قد رضينا، فقال اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما اخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فأشار إليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج سعد بن زرارة والبراء بن مغرور وعبد الله بن حزام و (وهوك) أبو جابر بن عبد الله ورافع بن مالك وسعد بن عبادة والمنذر بن عمر وعبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن والصامت ومن الأوس أبو الهشيم بن التيهان وهو من اليمن وأسد بن حصين وسعد ابن خثيمة، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله صاح إبليس يا معشر قريش والعرب!

هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فاسمع أهل منى وهاجت قريش فاقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله النداء فقال للأنصار تفرقوا، فقالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم بأسيافنا فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لم أؤمر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم، قالوا أفتخرج معنا قال انتظر امر الله فجاءت قريش على بكره أبيها (25) قد اخذوا السلاح، وخرج حمزة وأمير المؤمنين (ع) ومعهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش اليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له؟

فقال حمزة ما اجتمعنا وما ههنا أحد والله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة وقالوا لا نأمن من أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد صلى الله عليه وآله، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد اتى عليه أربعون سنة، فدخلوا أربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء إبليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال له البواب من أنت فقال انا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب اني حيث بلغني اجتماعكم في امر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم، فقال الرجل ادخل فدخل إبليس.

فلما اخذوا مجلسهم قال أبو جهل يا معشر قريش انه لم يكن أحد من العرب أعز منا، نحن أهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى انه رسول الله صلى الله عليه وآله وان اخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا وسب آلهتنا وافسد شبابنا وفرق جماعتنا وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شئ أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا قالوا وما رأيت؟

قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا وكيف ذلك؟

قال لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟

فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الأرض فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا.

فقال آخر منهم فعندي رأي آخر، قال وما هو؟

قال نثبته في بيت ونلقى إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس، فقال إبليس هذا أخبث من الآخر.

قال وكيف ذلك؟

قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه، قال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين قالوا وكيف ذاك؟

قال لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها وأنطق الناس لسانا وأفصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجأكم إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس فما الرأي فيه يا شيخ؟

قال ما فيه إلا رأي واحد، قالوا وما هو؟

قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فان سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم وعشر ديات، ثم قالوا الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي، ونزل جبرئيل (ع) على رسول الله صلى الله عليه وآله واخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك وانزل عليه في ذلك " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " واجتمعت قريش ان يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فأنزل الله (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله " وإذ يمكر بك الذين كفروا " وقد كتبت.

بعد آيات كثيرة.

فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وآله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب لا أدعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبيانا ونساءا ولا نأمن ان تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وامر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يفرش له ففرش له فقال لعلي بن أبي طالب افدني بنفسك، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي والتحف ببردتي فنام علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله والتحف ببردته (26) وجاء جبرئيل فاخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال له جبرئيل خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من امره ما كان فلما أصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال ما شأنكم؟

قالوا له أين محمد؟

قال أجعلتموني عليه رقيبا؟

ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقفو الآثار، فقالوا له يا أبا كرز اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هذه قدم محمد والله انها لأخت القدم التي في المقام وكان أبو بكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فرده معه، فقال أبو كرز وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال وههنا عبر ابن أبي قحافة فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان اما ان يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله صلى الله عليه وآله ثم اذن لنبيه في الهجرة.

وقوله (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم) فإنها نزلت لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقريش ان الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدنيا واجر الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنة، فقال أبو جهل اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد صلى الله عليه وآله هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب اليم، حسدا لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال كنا وبنو هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا أوقدوا (27) فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم منا نبي، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم، ثم قال غفرانك اللهم فأنزل الله في ذلك (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) حين قال غفرانك اللهم، فلما هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجوه من مكة قال الله (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه) يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة (ان أولياؤه إلا المتقون) أنت وأصحابك يا محمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا، قال وحدثني أبي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله مقامي بين أظهركم خير لكم فان الله يقول " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ومفارقتي إياكم خير لكم فقالوا يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا؟

قال اما ان مفارقتي إياكم خير لكم فان اعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم واما قوله (ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم وأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وآله في طلب العير فأخرجوا أموالهم وحملوا وانفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما انفقوا حسرة عليهم وقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) اي كفرا وهي ناسخة لقوله " كفوا أيديكم " ولقوله " ودع أذاهم " قوله الجزء (10) (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وهو الامام (واليتامى والمساكين وابن السبيل) فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم وأبناء سبيلهم خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسم على ستة أسهم: سهم لله وسهم لرسول الله وسهم للامام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الإمام (ع) فيكون للامام ثلاثة أسهم من ستة وثلاثة أسهم لأيتام آل الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم، إنما صارت للامام وحده من الخمس ثلاثة أسهم لان الله قد ألزمه ما ألزم النبي من تربية الأيتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله لما انزل الله عليه " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وهو أب لهم فلما جعله الله أبا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال عند ذلك من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى الوالي، فلزم الامام ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة أسهم.

قوله (وإذ أنتم بالعدوة (28) الدنيا وهم بالعدوة القصوى) يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية ورسول الله صلى الله عليه وآله حيث نزل بالعدوة الشامية (والركب أسفل منكم) وهي العير التي أفلتت ثم قال ولو تواعدتم للحرب لما وفيتم ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال يعلم من بقي ان الله نصره وقوله (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر) فالمخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله والمعنى لأصحابه أراهم الله قريشا في نومهم انهم قليل ولو أراهم كثيرا لفزعوا.

حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر صلوات الله عليه في قوله (ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال أبو جعفر (ع) نزلت في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون قوله (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة) فهم أصحابه الذين فروا يوم أحد قوله (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على السواء) نزلت في معاوية لما خان أمير المؤمنين (ع) قوله (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) قال السلاح قوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) قال هي منسوخة بقوله " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " نزلت هذه الآية أعني قوله " وان جنحوا للسلم " قبل نزول قوله " يسئلونك عن الأنفال " وقبل الحرب، وقد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء اخبار بدر وقوله (وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم) قال نزلت في الأوس والخزرج.

وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن هؤلاء قوم كانوا معه من قريش فقال الله " فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم " إلى آخر الآية فهم الأنصار كان بين الأوس والخزرج حرب شديد وعداوة في الجاهلية فألف الله بين قلوبهم ونصر بهم نبيه صلى الله عليه وآله فالذين الف بين قلوبهم هم الأنصار خاصة، رجع إلى رواية علي بن إبراهيم قوله (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا) قال كان الحكم في أول النبوة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ان الرجل الواحد وجب عليه ان يقاتل عشرة من الكفار، فان هرب منهم فهو الفار من الزحف (29) والمائة يقاتلون ألفا ثم علم الله ان فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فأنزل الله (ألآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) ففرض الله عليهم ان يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فان فر منهما فهو الفار من الزحف، فان كانوا ثلاثة من الكفار وواحد من المسلمين ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف، وقوله (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) فان الحكم كان في أول النبوة ان المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة آخا بين المهاجرين وبين الأنصار فكان إذا مات الرجل يرثه اخوه في الدين ويأخذ المال وكان ما ترك له دون ورثته، فلما كان بعد؟

بدر انزل الله " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " فنسخت آية الاخوة بقوله " أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فإنها نزلت في الاعراب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة وعلى انه ان أرادهم رسول الله صلى الله عليه وآله غزا بهم وليس لهم في الغنيمة شئ وأوجبوا على النبي انه ان أرادهم الاعراب من غيرهم أو دهاهم دهم من عدوهم ان ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدة (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال (إلا تفعلوه) يعني ان لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ثم قال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) قال نسخت قوله " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ".


1- البهرة بالضم موضع بنواحي المدينة وموضع باليمامة. ق.

2- جمع صبوة اي الجهلة.

3- السعير التي تحمل المسك ق.

4- دهده الحجر اي دحرجه.

5- النش بفتح النون وتشديد الشين نصف أوقية (عشرون درهما) مجمع.

6- الخيلاء بضم الخاء وفتح الياء: الكبر، وفي الحديث لا يدخل الجنة شيخ زان ولا جبار ازاره خيلاء.

7- الغضا الواحدة منه غضاة شجر من الأثل جمرة تبقى زمنا طويلا، الهريشة نبات. جمعها الهراش.

8- اي شجعان، وفي حديث علي عليه السلام: اما بنو هاشم فانجاد. ج ز.

9- اي صرف وجهه إليهم.

10- اي بغي المشركين ج. ز.

11- جمع العزلاء: مصب الماء من الرواية إشارة إلى شدة المطر.

12- الرذاذ كالسحاب: المطر الضعيف. ق.

13- وهي لذي الحافر كالشفة لغيره.

14- تلمظ تتبع بلسانه لبقية الطعام في الفم واخرج لسانه فمسح شفته.

15- الإل بالكسر العهد.

16- اداره في فيه.

17- السحر والسحر والسحر: الرءة. ج ز.

18- فت الشئ: كسره بالأصابع كسرا صغيرة ومنه فت الخبز في المرق ويقال فت في عضده، اي كسر قوته.

19- الدرقة بفتحتين الترس.

20- الركل: الضرب برجل واحدة.

21- يقال " حن عني شرك " اي كفه.

22- وفى نسخة " الاجلاف " والجلف كالحلف: الأحمق، المطمئن من الأرض: ما انخفض منها والمراد هنا الوضيع يعني لو تولى كل وضيع قتلى غيرك. ج. ز.

23- آل عمران 165.

24- يقال جاء القوم على بكرة أبيهم: اي جاؤوا جميعا لم يتخلف منهم أحد ج. ز.

25- أقول وعند ذلك نزل جبرئيل بالآية: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد (البقرة 207) وقد ذكر القندوزي في الينا بيع وغيره قضية مباهاة الله على الملائكة من هذا الايثار والفداء العظيم الذي أظهره علي بن أبي طالب عليه السلام ليلة الهجرة فراجع. ج. ز.

26- يقال " أوقدت بك زنادي " اي نجح بك أمري. ج. ز.

27- العدوة بضم العين وكسرها قرء بهما في السبعة: شاطي الوادي (مجمع).

28- الزحف: الجيش. ق.

29- النساء 89.