الأعراف

سورة الأعراف

مكية

وهي مأتان وست آية (بسم الله الرحمن الرحيم، المص كتاب انزل إليك) مخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله (فلا يكن في صدرك حرج منه) اي ضيق (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال إن حي بن اخطب واخاه أبا ياسر بن اخطب ونفرا من اليهود من أهل نجران اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له أليس فيما تذكر فيما انزل إليك ألم؟

قال بلى، قالوا اتاك بها جبرئيل من عند الله؟

قال نعم، قالوا لقد بعثت أنبياء قبلك، ما نعلم نبيا منهم اخبر ما مدة ملكه وما اكل أمته غيرك، قال عليه السلام فاقبل حي ابن اخطب على أصحابه، فقال لهم الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه واحد وسبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دينه ومدة ملكه واكل أمته أحد وسبعون سنة، قال عليه السلام ثم اقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا محمد هل مع هذا غيره؟

قال نعم، قال هاته، قال المص قال أثقل وأطول، الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة واحد وستون سنة، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وآله هل مع هذا غيره؟

قال نعم قال هات، قال الرا، قال هذا أثقل وأطول، الألف واحد واللام ثلاثون والراء مائتان فهل مع هذا غيره؟

قال نعم، قال هات، قال: المرا قال هذا أثقل وأطول، الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان، ثم قال فهل مع هذا غيره؟

قال نعم، قال لقد التبس علينا امرك فما ندري ما أعطيت، ثم قالوا عنه ثم قال أبو ياسر لحي أخيه!

وما يدريك لعل محمدا قد جمع هذا كله وأكثر منه، فقال أبو جعفر عليه السلام ان هذه الآيات أنزلت منهن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات وهي تجري في وجوه أخر على غير ما تأول به حي وأبو ياسر وأصحابه.

ثم خاطب الله تبارك وتعالى الخلق فقال (اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) غير محمد (قليلا ما تذكرون) وقوله (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا) اي عذابا بالليل (أو هم قائلون) يعني نصف النهار وقوله (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا انا كنا ظالمين) فإنه محكم وقوله (فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين) قال الأنبياء، عما حملوا من الرسالة، وقوله (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) قال لم نغب عن أفعالهم وقوله (والوزن يومئذ الحق) قال المجازات بالاعمال ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو قوله (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال بالأئمة يجحدون وقوله (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش) اي مختلفة (قليلا ما تشكرون) اي لا تشكرون الله وقوله (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) اي خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء ثم قال وصور ابن مريم في الرحم دون الصلب وإن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء، ورفع وعليه مدرعة من صوف، حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا كثير ابن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " اما خلقناكم فنطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما، واما صورناكم فالعين والانف والاذنين والفم واليدين والرجلين صور هذا ونحوه ثم جعل الدميم والوسيم والطويل والقصير وأشباه هذا، واما قوله (لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم) اما بين أيديهم فهو من قبل الآخرة لأخبرنهم انه لا جنة ولا نار ولا نشور، واما خلفهم يقول من قبل دنياهم آمرهم بجمع الأموال وآمرهم ان لا يصلوا في أموالهم رحما ولا يعطوا منه حقا وآمرهم ان يقللوا على ذرياتهم وأخوفهم عليهم الضيعة، واما عن ايمانهم يقول من قبل دينهم فان كانوا على ضلالة زينتها لهم وان كانوا على اهدى جهدت عليهم حتى أخرجهم منه، واما عن شمائلهم يقول من قبل اللذات والشهوات، يقول الله ولقد صدق عليكم إبليس ظنه واما قوله (اخرج منها مذؤما مدحورا) فالمذؤم المعيب والمدحور المقصر وقوله " اخرج منها مذؤما مدحورا " اي ملقى في جهنم وقوله (يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وكان كما حكى الله (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوأتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما) اي حلفهما (انى لكما لمن الناصحين) روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما اخرج آدم من الجنة نزل جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم أليس الله خلقك بيده فنفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وزوجك حواء أمته وأسكنك الجنة وأباحها لك ونهاك مشافهة ان لا تأكل من هذه الشجرة فأكلت منها وعصيت الله.

فقال آدم عليه السلام يا جبرئيل ان إبليس حلف لي بالله انه لي ناصح فما ظننت ان أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا، وقوله (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما) حدثنا أحمد بن إدريس أخبرنا أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " بدت لهما سوأتهما " قال كانت سوأتهما لا تبدو لهما يعني كانت داخلة (1) وقوله:

(وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) اي يغطيان سوأتهما به (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين) فقالا كما حكى الله (ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فقال الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني آدم وإبليس (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) يعني إلى القيامة.

وقوله (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوأتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) قال لباس التقوى لباس البياض وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوأتكم وريشا " فاما اللباس فالثياب التي يلبسون، واما الرياش فالمتاع والمال، واما لباس التقوى فالعفاف لان العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عاريا من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسيا من الثياب، يقول (ولباس التقوى ذلك خير) يقول العفاف خير (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) وقوله (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة) فإنه محكم، واما قوله (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) قال الذين عبدوا الأصنام، فرد الله عليهم فقال قل لهم (ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل امر ربي بالقسط) اي بالعدل (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) اي في القيامة (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) يعني العذاب وجب عليهم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا وكذلك يعودون يوم القيامة مهتديا وضالا يقول (انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون) وهم القدرية (2) الذين يقولون لا قدر ويزعمون انهم قادرون على الهدى والضلالة وذلك إليهم ان شاؤوا اهتدوا وان شاؤوا ضلوا وهم مجوس هذه الأمة وكذب أعداء الله المشية والقدرة لله " كما بدأكم تعودون " من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه شقيا ومن خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود إليه سعيدا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه (3) واما قوله (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فان أناسا كانوا يطوفون عراتا بالبيت الرجال بالنهار والنساء بالليل، فامرهم الله بلبس الثياب وكانوا لا يأكلون إلا قوتا فامرهم الله ان يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا وقوله (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده) وهي الثياب (والطيبات من الرزق) وهي الحلال (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) اشترك فيها البر والفاجر (خالصة يوم القيامة للذين آمنوا كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) وقوله " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " قال في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا، وروي أيضا المشط عند كل صلاة، وقوله " قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق " وهي حكاية معناها قالوا من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق فقال الله قل لهم هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، قل من آمن في الدنيا فهذه الطيبات لهم خالصة عند الله يوم القيامة ثم قال قل لهم (إنما حرم ربي الواحش ما ظهر منها وما بطن) قال من ذلك أئمة الجور (والاثم) يعني به الخمر (والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) وهذا رد على من قال في دين الله بغير علم وحكم فيه بغير حكم الله فعليه مثل ما على من أشرك بالله واستحل المحارم والفواحش، فالقول على الله محرم بغير علم مثل هذه المعاني، وقوله (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها الآية) فإنه محكم وقوله (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) اي ينالهم ما في كتابنا من عقوبات المعاصي وقوله (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون اله قالوا ضلوا عنا) اي يضلوا وقوله:

(قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا) يعني اجتمعوا وقوله " أختها " اي التي كانت بعدها تبعوهم على عبادة الأصنام وقوله (قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) يعني أئمة الجور (فآتهم عذابا ضعفا من النار) فقال الله (لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ثم قال أيضا (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) قالوا شماتة بهم.

واما قوله (ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) فإنه حدثني أبي عن فضالة عن أبان بن عثمان عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال نزلت هذه الآية في طلحة والزبير والجمل جملهم، والدليل على أن جنان الخلد في السماء قوله " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة " والدليل أيضا على أن النيران في الأرض قوله في سورة مريم " ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف اخرج حيا أو لا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " ومعنى حول جهنم البحر المحيط بالدنيا يتحول نيرانا وهو قوله " وإذا البحار سجرت " ثم يحضرهم الله حول جهنم ويوضع الصراط من الأرض إلى الجنان وقوله جثيا اي على ركبهم ثم قال " ونذر الظالمين فيها جثيا " يعني في الأرض إذا تحولت نيرانا وقوله (لهم من جهنم؟

مهاد) اي مواضع (ومن فوقهم غواش) اي نار تغشاهم وقوله (لا نكلف نفسا إلا وسعها) اي ما يقدرون عليه وقوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال العداوة ينزع منهم اي من المؤمنين في الجنة فإذا دخلوا الجنة قالوا كما حكى الله (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا ان تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) واما قوله (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال المؤذن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يؤذن اذانا يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة البراءة " واذان من الله ورسوله " فقال أمير المؤمنين عليه السلام كنت أنا الاذان في الناس واما قوله (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن بريد (يزيد ط) عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأعراف كثبان بين الجنة والنار، والرجال الأئمة صلوات الله عليهم، يقفون على الأعراف مع شيعتهم وقد سيق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب، فيقول الأئمة لشيعتهم من أصحاب الذنوب انظروا إلى اخوانكم في الجنة قد سيقوا (سبقوا ط) إليها بلا حساب، وهو قوله تبارك وتعالى (سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ثم يقال لهم انظروا إلى أعدائكم في النار وهو قوله (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) في النار ف? (قالوا ما اغنى عنكم جمعكم) في الدنيا (وما كنتم تستكبرون) ثم يقولون لمن في النار من أعدائهم أهؤلاء شيعتي واخواني الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا ان لا ينالهم الله برحمة ثم يقول الأئمة لشيعتهم (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) ثم (نادى أصحاب النار أصحاب الجنة ان أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله).

حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي الربيع قال حججت مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال يا أمير المؤمنين من هذا الذي تكافأ عليه الناس؟

قال هذا ابن (بنى ط) أهل الكوفة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فقال لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي، قال فاذهب إليه فاسأله لعلك تخجله، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس فأشرف على أبى جعفر عليه السلام فقال يا محمد بن علي انى قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال سل عما بدا لك، قال أخبرني كم كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام من سنة؟

فقال أخبرك بقولك أم بقولي؟

قال أخبرني بالقولين جميعا، قال اما في قولي فخمس مائة سنة، واما في قولك فستمائة سنة، قال أخبرني عن قول الله تعالى " واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " من الذي سأله محمد صلى الله عليه وآله؟

وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة، قال فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " كان من الآيات التي أراها محمدا صلى الله عليه وآله حيث اسرى به إلى البيت المقدس انه حشر الله له الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم امر جبرئيل عليه السلام فاذن شفعا واقام شفعا (4) وقال في اقامته حي على خير العمل، ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال الله له: سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟

قالوا نشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول الله صلى الله عليه وآله أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا، قال نافع صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله تعالى: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " باي ارض الذي تبدل؟

فقال أبو جعفر عليه السلام بخبزة بيضاء يأكلون منها (5) حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فقال نافع انهم عن الاكل لمشغولون، فقال أبو جعفر عليه السلام أهم حينئذ اشغل أو وهم في النار؟

فقال نافع بل وهم في النار، قال عليه السلام فقد قال الله " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ان أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ما شغلهم إذا دعوا الطعام فأطعموا الزقوم ودعوا بالشراب فسقوا الحميم، فقال صدقت يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وبقيت مسألة واحدة، قال وما هي؟

قال أخبرني عن الله متى كان؟

قال ويلك أخبرني متى لم يكن حتى أخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ثم قال عليه السلام يا نافع أخبرني عما أسألك عنه، فقال هات يا أبا جعفر، قال عليه السلام: ما تقول في أصحاب النهروان؟

قال فان قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت أي رجعت إلى الحق وان قلت إنه قتلهم باطلا فقد كفرت، قال فولى عنه وهو يقول أنت والله أعلم الناس حقا حقا، ثم اتى هشام بن عبد الملك فقال له ما صنعت؟

قال دعني من كلامك هو والله أعلم الناس حقا حقا وهو ابن رسول الله حقا حقا ويحق لأصحابه ان يتخذوه نبيا.

ثم قال عز وجل (الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم) أي نتركهم والنسيان منه عز وجل هو الترك وقوله (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها، قال ذلك في القائم عليه السلام، ويوم القيامة (يقول الذين نسوه من قبل) اي تركوه (قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) قال هذا يوم القيامة (أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم) اي بطل عنهم (ما كانوا يفترون) وقوله (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) قال في ستة أوقات (ثم استوى على العرش) اي علا بقدرته على العرش (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا) اي سريعا وقوله (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) اي علانية وسرا وقوله (ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطعما ان رحمة الله قريب من المحسنين) قال أصلحها برسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام فأفسدوها حين تركوا أمير المؤمنين عليه السلام وذريته عليهم السلام.

وقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته - إلى قوله - كذلك يخرج الموتى) دليل على البعث والنشور وهو رد على الزنادقة وقوله (والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه) وهو مثل الأئمة صلوات الله عليهم يخرج علمهم باذن ربهم (والذي خبث) مثل أعدائهم (لا يخرج) علمهم (إلا نكدا) كذبا فاسدا، وقوله (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) نكتب خبر نوح وهود وصالح الجزء (9) وشعيب في سورة هود إن شاء الله تعالى وقوله (أفأمنوا مكر الله) قال المكر من الله العذاب وقوله (أو لم يهد للذين يرثون الأرض) يعني أولم يبين (من بعد أهلها ان لو نشاء أصبناهم بذنوبهم الآية) ثم قال (تلك القرى نقص عليك - يا محمد - من أنبائها) يعني من اخبارها (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) في الذر الأول قال لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذر الأول وهي رد على من انكر الميثاق في الذر الأول ثم قال (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) اي ما عهدنا عليهم في الذر لم يفوا به في الدنيا (وان وجدنا أكثرهم لفاسقين) وقوله (وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويدرك وآلهتك) قال كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية، فقال فرعون (سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وانا فوقهم قاهرون) وقوله (قالوا أوذينا من قبل ان تأتينا ومن بعد ما جئتنا) قال قال الذين آمنوا يا موسى قد أوذينا قبل مجيئك بقتل أولادنا ومن بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لايمانهم بموسى، فقال موسى (عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) ومعنى ينظر أي يرى كيف تعملون فوضع النظر مكان الرؤية، وقوله (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص؟

من الثمرات) يعني بالسنين الجدبة لما انزل الله عليهم الطوفان والجراد والضفادع والدم، واما قوله (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه) قال الحسنة ههنا الصحة والسلامة والامن والسعة (وان تصبهم سيئة) قال السيئة ههنا الجوع والخوف والمرض (يطيروا بموسى ومن معه) اي يتشاءموا بموسى ومن معه.

واما قوله (وقالوا مهما تأتنا به من آياتنا لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين) فإنه لما سجد السحرة ومن آمن به من الناس قال هامان لفرعون ان الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل، فجاء إليه موسى فقال له خل عن بني إسرائيل فلم يفعل فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان، فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا الخيام، فقال فرعون لموسى ادع ربك ربه يكف عنا الطوفان حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك، فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان وهم فرعون ان يخلي عن بني إسرائيل، فقال له هامان ان خلت عن بني إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك، فقبل منه ولم يخل عن بني إسرائيل، فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فجردت كل شئ كان لهم من النبت والشجر حتى كانت تجرد شعرهم ولحيتهم، فجزع من ذلك جزعا شديدا، وقال يا موسى ادع ربك ان يكف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك، فدعا موسى ربه، فكف عنهم الجراد فلم يدعه هامان ان يخلي عن بني إسرائيل، فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة، فقال فرعون لموسى ان دفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل، فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل، وقال أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان، فلم يخل عن بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع، فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ويقال انها كانت تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم.

فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاؤوا إلى موسى فقالوا ادع الله ان يذهب عنا الضفادع فانا نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك فلما أبوا ان يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما فكان القبطي يراه دما والإسرائيلي يراه ماءا فإذا شربه الإسرائيلي كان ماءا وإذا شربه القبطي كان دما فكان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فمك وصبه في فمي فإذا صبه في فم القبطي تحول دما فجزعوا جزعا شديدا، فقالوا لموسى لان رفع الله عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل، فلما رفع الله عنهم الدم غدروا ولم يخلوا عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الرجز وهو الثلج ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعوا جزعا شديدا وأصابهم ما لم يعهدوا قبله فقالوا (ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل) فدعا ربه فكشف عنهم الثلج فخلى عن بني إسرائيل فلما خلى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السلام وخرج موسى من مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد نهيتك ان تخلي عن بني إسرائيل فقد اجتمعوا إليه فجزع فرعون وبعث في المداين حاشرين وخرج في طلب موسى.

وقوله (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) يعني بني إسرائيل لما أهلك الله فرعون ورثوا الأرض وما كان لفرعون، وقوله (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) يعني الرحمة بموسى تمت لهم (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) يعني المصانع والعريش والقصور، واما قوله (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) فإنه لما غرق الله فرعون وأصحابه وعبر موسى وأصحابه البحر نظر أصحاب موسى إلى قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا لموسى (يا موسى اجعل لنا آلها كما لهم آلهة) فقال موسى (انكم قوم تجهلون، ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين وإذا أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) وهو محكم، واما قوله (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) فان الله عز وجل أوحى إلى موسى اني انزل عليك التوراة التي فيها الاحكام إلى أربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة، فقال موسى لأصحابه ان الله تبارك وتعالى قد وعدني ان ينزل على التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما، وأمره الله ان لا يقول إلى أربعين يوما فتضيق صدورهم، فذهب موسى إلى الميقات واستخلف هارون على بني إسرائيل فلما جاوز الثلاثون يوما ولم يرجع موسى، غضبوا فأرادوا ان يقتلوا هارون وقالوا ان موسى كذبنا وهرب منا واتخذوا العجل واعبدوه، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة انزل الله على موسى الألواح وما يحتاجون إليه من الاحكام والاخبار والسنن والقصص، فلما انزل الله عليه التوراة وكلمه (قال ربى أرني انظر إليك) فأوحى الله (لن تراني) اي لا تقدر على ذلك (ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني) قال فرفع الله الحجاب ونظر إلى الجبل فساخ الجبل في البحر فهو يهوى حتى الساعة (6) ونزلت الملائكة وفتحت أبواب السماء، فأوحى الله إلى الملائكة: أدركوا موسى لا يهرب، فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى وقالوا تب يا بن عمران: فقد سألت الله عظيما، فلما نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت، وقع على وجهه، فمات من خشية الله وهول ما رأي، فرد الله عليه روحه فرفع رأسه وأفاق وقال (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) أي أول من أصدق إنك لا ترى، فقال الله له (يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) فناداه جبرائيل يا موسى أنا أخوك جبرئيل.

وقوله (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا) اي كل شئ بأنه مخلوق وقوله (فخذها بقوة) أي قوة القلب (وامر قومك يأخذوا بأحسنها) أي بأحسن ما فيها من الاحكام، وقوله (سأريكم دار الفاسقين) اي يجيئكم قوم فساق تكون الدولة لهم وقوله (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) يعني اصرف القرآن عن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) قال إذا رأوا الايمان والصدق والوفاء والعمل الصالح لا يتخذوه سبيلا وان يروا الشرك والزنا والمعاصي يأخذوا بها ويعملوا بها، وقوله (والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) فإنه محكم وقوله " هذا إلهكم وإله موسى فنسي " اي ترك وقوله " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا " (7) يعني لا يتكلم العجل وليس له منطق واما قوله (ولما سقط في أيديهم) يعني لما جاءهم موسى (8) واحرق العجل قالوا (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال بئس ما خلفتموني من بعدي أعجلتم امر ربكم والقى الألواح واخذ برأس أخيه يجره إليه - إلى قوله - ان ربك من بعدها لغفور رحيم) فإنه محكم وقوله (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) فان موسى عليه السلام لما قال لبني إسرائيل ان الله يكلمني ويناجيني لم يصدقوه، فقال لهم اختاروا منكم من يجئ معي حتى يسمع كلامه، فاختاروا سبعين رجلا من خيارهم وذهبوا مع موسى إلى الميقات فدنا موسى فناجى ربه وكلمه الله تعالى، فقال موسى لأصحابه اسمعوا واشهدوا عند بني إسرائيل بذلك فقالوا له لن نؤمن "، حتى نرى الله جهرة فاسئله ان يظهر لنا، فأنزل الله عليهم صاعقة فاحترقوا وهو قوله " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فهذه الآية في سورة البقرة وهي مع هذه الآية في سورة الأعراف فنصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة الأعراف ههنا، فلما نظر موسى إلى أصحابه قد هلكوا حزن عليهم فقال (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وذلك أن موسى عليه السلام ظن أن هؤلاء هلكوا بذنوب بني إسرائيل فقال (ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة انا هدنا إليك) فقال الله تبارك وتعالى (عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) ثم ذكر فضل النبي صلى الله عليه وآله وفضل من تبعه فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) يعني الثقل الذي كان على بني إسرائيل وهو انه فرض الله عليهم الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ولا يحل لهم الصلاة الا في البيع والكنايس والمحاريب، وكان الرجل إذا أذنب خرج نفسه منتنا فيعلم انه أذنب، وإذا أصاب شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمته ثم قال (فالذين آمنوا به) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه) يعني أمير المؤمنين عليه السلام (أولئك هم المفلحون) فاخذ الله ميثاق رسول الله صلى الله عليه وآله على الأنبياء ان يخبروا أممهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول وأمروا أممهم بذلك وسيرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرجعون وينصرونه في الدنيا.

حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفض ابن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء إبليس لعنه الله إلى موسى عليه السلام وهو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحالة يناجي ربه، فقال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة، وكان مما ناجى الله موسى عليه السلام يا موسى اني لا اقبل الصلاة الا لمن تواضع لعظمتي والزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق أوليائي وأحبائي، فقال موسى يا رب تعني بأوليائك وأحبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟

قال هو كذلك الا اني أردت بذلك من من اجله خلقت آدم وحواء ومن اجله خلقت الجنة والنار، فقال ومن هو يا رب؟

فقال محمد احمد شققت اسمه من اسمي لأني انا المحمود، وهو محمد فقال موسى يا رب اجعلني من أمته.

فقال يا موسى أنت من أمته إذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة أهل بيته وان مثله ومثل أهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا اجيبنه قبل ان يدعوني واعطينه قبل ان يسألني.

يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب تعجلت عقوبته.

يا موسى ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونة بمن فيها الا ما كان فيها لي.

يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما أحد من خلقي عظمها فقرت عيناه فيها، ولم يحقرها الا تمتع بها، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام ان قدرتم ان لا تعرفوها فافعلوا وما عليك ان لم يثن عليك الناس وما عليك أن تكون مذموما عند الناس وكنت عند الله محمودا، ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا الا لاحد رجلين، رجل يزداد كل يوم احسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وانى له بالتوبة والله ان سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه الا بولايتنا أهل البيت، الا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا رضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر به عورته وما أكن رأسه وهم في ذلك والله خائفون وجلون.

واما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) اي ميزناهم به (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فإنها قرية كانت لبني إسرائيل قريبا من البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر فيدخل أنهارهم وزروعهم، ويخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم، وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد يوم السبت وكانوا يضعون الشباك في الأنهار ليلة الأحد يصيدون بها السمك وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الأحد لا يخرج وهو وقوله (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير، وكانت العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت ان عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة فخالفت اليهود وقالوا عيدنا يوم السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ومسخوا قردة وخنازير.

حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال وجدنا في كتاب علي عليه السلام ان قوما من أهل ايكة من قوم ثمود وان الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم فبادروا إليها فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم عن اكلها يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا لخلاف امره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم لم تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا، فقالت الطائفة التي وعظتهم (معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون) قال فقال الله عز وجل فلما (نسوا ما ذكروا به) يعنى لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة ان ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة ان يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية، فاتوا باب المدينة فإذا هو مصمت، فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لأصحابه يا قوم أرى والله عجبا، قالوا وما ترى قال أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها أذناب، فكسروا الباب قال فعرفت القردة أنسابها من الانس ولم تعرف الانس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة ألم ننهكم فقال علي عليه السلام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا وقد قال الله عز وجل (فبعدا للقوم الظالمين)، فقال الله (وأنجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) واما قوله (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) يعني يعلم ربك (إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم) نزلت في اليهود لا يكون لهم دولة ابدا (9) وقوله (وقطعناهم في الأرض) اي ميزهم (أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم) اي اختبرناهم (بالحسنات والسيئات) يعني بالسعة والامن والفقر والفاقة والشدة (لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا وقوله (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى) يعني ما يعرض لهم من الدنيا (ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه) يعني ضيعوه ثم قال (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا - تعقلون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع اجر المصلحين) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في وقوله الذين يمسكون بالكتاب قال نزلت في آل محمد وأشياعهم واما قوله (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب) فهم في أمة محمد يسومون أهل الكتاب سوء العذاب يأخذون منهم الجزية.

واما قوله (وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم) قال الصادق (ع) لما انزل الله التوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى (ع) ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه وطأطؤا رؤسهم.

واما قوله (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال أبو عبد الله (ع) أول من سبق من الرسل إلي بلى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء " تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه، فكان من الله عز وجل.

كما قال الله قاب قوسين أو أدنى اي بل أدنى، فلما خرج الامر من الله وقع إلى أوليائه عليهم السلام، فقال الصادق (ع) كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة، فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والأئمة الهادون أئمتكم؟

فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (ان تقولوا يوم القيمة) أي لئلا تقولوا يوم القيامة (انا كنا عن هذا غافلين) فأول ما اخذ الله عز وجل الميثاق على الأنبياء له بالربوبية وهو قوله " وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم " فذكر جملة الأنبياء ثم ابرز أفضلهم بالأسامي فقال ومنك يا محمد، فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أفضلهم ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول الله صلى الله عليه وآله أفضلهم، ثم اخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله صلى الله عليه وآله على الأنبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا أمير المؤمنين عليه السلام فقال " وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " (10) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " لتؤمنن به ولتنصرنه " يعنى أمير المؤمنين عليه السلام وأخبروا أممكم بخبره وخبر وليه من الأئمة (ع) حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " لتؤمنن به ولتنصرنه " قال قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) ثم اخذ أيضا ميثاق الأنبياء على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قل يا محمد آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا تفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (11) وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي أنفسهم الست بربكم قالوا بلي " قلت معاينة كان هذا قال نعم (12) فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه.

فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " (13) واما قوله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) فإنها نزلت في بلعم بن باعورا وكان من بني إسرائيل، وحدثني أبي عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) انه أعطي بلعم بن باعورا الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون.

فلما مر فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم ادعو الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه فامتنعت عليه حمارته فاقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت ويلك علي ما تضربني أتريد أجئ معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين، فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) وهو مثل ضربه، فقال الرضا (ع) فلا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة حمارة بلعم وكلب أصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) اي خلقنا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله (لهم قلوب لا يفقهون بها) اي طبع الله عليها فلا تعقل (ولهم أعين) عليها غطاء عن الهدى (لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) اي جعل في آذانهم وقرا فلن يسمعوا الهدى، وقوله (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه الآية لآل محمد واتباعهم، وقوله (عسى أن يكون قد اقترب اجلهم) هو هلاكهم وقوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال الرحمن الرحيم وقوله (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديد النعم عند المعاصي وقوله (وأملي لهم) اي اصبر لهم (ان كيدي متين) اي عذابي شديد ثم قال (أو لم يتفكروا) يعني قريش (ما بصاحبهم من جنة) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله اي ما هو مجنون كما يزعمون (ان هو الا نذير مبين) وقوله (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وان عسى أن يكون قد اقترب اجلهم فبأي حديث بعده) يعني بعد القرآن (يؤمنون) اي يصدقون، وقوله (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) قال يكله إلي نفسه.

واما قوله (يسألونك عن الساعة إيان مرساها) فان قريشا بعثت العاص بن وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن أبي معيط إلى نجران ليتعلموا من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان فيها سلوا محمدا متى تقوم الساعة؟

فان ادعى علم ذلك فهو كاذب، فان قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا.

فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله متى تقوم الساعة؟

انزل الله تعالى (يسألونك عن الساعة إيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كأنك حفي عنها) اي جاهل بها (14) قل لهم يا محمد (إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقوله (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) قال كنت اختار لنفسي الصحة والسلامة.

واما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لان آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في بطنها قالت لآدم ان في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فأتاها إبليس، فقال لها كيف أنت؟

فقالت له اما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال لها إبليس اما انك ان نويت ان تسميه عبد الحارث ولدتيه غلاما وبقي وعاش وان لم تنو ان تسميه عبد الحارث مات بعدما تلدينه بستة أيام، فوقع في نفسها مما قال لها شئ فأخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه فاني أرجو ان يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلاما لم يعش الا ستة أيام حتى مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث ما شككهما، قال فلم تلبث ان علقت من آدم حملا آخر فأتاها إبليس، فقال لها كيف أنت؟

فقالت له قد ولدت غلاما ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث اما انك لو كانت نوبت ان تسميه عبد الحارث لعاش وبقي، وإنما هو الذي في بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التي بحضرتكم اما ناقة واما بقرة واما ضان واما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما أخبرها الذي كان تقدم إليها في الحمل الأول، وأخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء " فلما أثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا " اي لم تلد ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا فأتاهما الخبيث، فقال لها كيف أنت؟

فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي، فقال اما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك ومن ولدك شئ لو قد ولدتيه ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا فاستمالها إلي طاعته والقبول لقوله، ثم قال لها اعلمي ان أنت نويت ان تسميه عبد الحارث وجعلت لي فيه نصيبا ولدتيه غلاما سويا عاش وبقي لكم، فقالت فاني قد نويت ان اجعل لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل لي فيه نصيبا ويسميه عبد الحارث فقالت له نعم، فأقبلت على آدم فأخبرته بمقالة الحارث وبما قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة إبليس ما خافه فركن إلى مقالة إبليس، وقالت حواء لآدم ائن أنت لم تنو ان تسميه عبد الحارث وتجعل للحارث فيه نصيبا لم أدعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك منها آدم قال لها اما انك سبب المعصية الأولى وسيدليك بغرور قد تابعتك وأجبت إلى أن اجعل للحارث فيه نصيبا وان اسميه عبد الحارث (15) فاسرا النية بينهما بذلك فلما وضعته سويا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من أن يكون ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا واملا ان يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبد الحارث.

أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى ابن بكر عن الفضل عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله " فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " فقال هو آدم وحواء وإنما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن شرك عبادة فأنزل الله على رسوله الله صلى الله عليه وآله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة - إلى قوله - فتعالى الله عما يشركون) قال جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله ثم قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) ثم احتج على الملحدين فقال (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصرا ولا أنفسهم ينصرون - إلى قوله وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) ثم أدب الله رسوله صلى الله عليه وآله فقال (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) ثم قال (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال إن عرض في قلبك منه شئ ووسوسة (فاستعذ بالله انه سميع عليم) ثم قال (ان الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) قال وإذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون الله فإذا هم مبصرون، قال وإذا ذكرهم الشيطان وإخوانهم من الجن (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) اي لا يقصرون من تضليلهم (وإذا لم تأتهم بآية قالوا) قريش (لولا اجتبيتها) وجواب هذا في الانعام في قوله " قل لهم - يا محمد - لو أن عندي ما تستعجلون به " يعني من الآيات " لقضي الامر بيني وبينكم " وقوله في بني إسرائيل " وما نرسل بالآيات الا تخويفا " وقوله (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) يعني في الصلاة إذا سمعت قراءة الإمام الذي تأتم به فانصت (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) قال في الظهر والعصر (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) قال بالغداة والعشي (ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك) يعني الأنبياء والرسل والأئمة (ع) (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)


1- لا كلام في مذهب الإمامية في أن العبد ليس بمجبور في أفعاله بل هو الذي يفعل حسنته وسيئته وهو المسؤول عنها يوم القيامة والقول بان الله تعالى فاعل أفعالهم باطل عندهم اجماعا وقد دلت عليه قبله الآيات والروايات، فاما الآيات فناهيك منها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله تعالي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ومن الروايات مضافا إلى ما مضى سابقا قول الصادق عليه السلام حين سئل عن معنى القدر قال: ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو فعله وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل الله تعالى، يقول الله للعبد لم عصيت! لم فسقت! فهذا فعل العبد ولا يقول له لم مرضت لم طلت لم قصرت! لم ابيضضت لم اسوددت! لأنه فعل الله (الأنوار النعمانية 2 / 261) وان خطر في بال بأنه ما بال تلك الأخبار التي يجنح ظاهرها إلى الجبر كاخبار الطينة وكذا قوله عليه السلام: من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود إليه إلى آخر ما في متن الكتاب. (قلنا) انه قد أجيب عنه بوجوه: الأول: ما صار إليه علم الهدى السيد مرتضى (رح) فإنه قد استراح بالقول بأنها اخبار آحاد مخالفة للكتاب والاجماع فوجب ردها، فلذلك طرحها كما هو مذهبه في اخبار الآحاد أينما وردت، ذلك لان الكتاب والاجماع قد دلا على أن صدور الحسنة والسيئة إنما هو باختيار العبد وليس فيه مدخل للطينة بوجه من الوجوه. والثاني: ما ذهب إليه ابن إدريس (رح) من أنها اخبار متشابهة يجب الوقوف عندها وتسليم أمرها إليهم عليهم السلام. والثالث: ما صار إليه بعض المحدثين من حملها على المجاز والكناية كما يقال في العرف لمن أسدي عرفه إلى عباد الله وحسن خلقه هذا رجل قد عجنت طينته بفعل الخير وحب الكرم والتقوى. والرابع: وهو المشهور في تأويل هذه الأخبار وما ضاهاها مما ظاهره الجبر ونفي الاختيار من أنه منزل على العلم الإلهي، فإنه سبحانه قد علم في الأزل أحوال الخلق في الأبد وما يأتونه وما يذرونه بالاختيار منهم فلما علم منهم هذه الأحوال وانها تقع باختيارهم عاملهم بهذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة أو الطينة الطيبة وحينئذ كتبت الشقاوة والسعادة في الناس قبل ان يجيئوا في حيز الوجود، وكما أن العلم بان زيدا اسود وبكرا البيض ليس علة للسواد والبياض الموجودين فيهما كذلك علم الله تعالى بكون زيد سعيدا أو شقيا لا يكون علة للسعادة والشقاوة فيه بل إنهما مستندتان إليه. الخامس: وهو ألطف الوجوه ما قال غواص بحار الاخبار، وطلاع جواهرها عن الأستار، جدنا السيد الجزائري رحمه الله في أنواره من أن خلق الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر، وقد أجج سبحانه نارا وكلف تلك الأرواح بالدخول، كما سيأتي تفصيله عند تفسير الآية " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " في هذا الكتاب فمنهم من بادر إلى الامتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به، فمن هناك جاء الايمان والكفر ولكن بالاختيار، فلما أراد سبحانه ان يخلق لتلك الأرواح أبدانا تتعلق لكل نوع من الأرواح نوعا مناسبا له من الأبدان فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءا لذلك التكليف السابق، نعم لما مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبول الاعمال الحسنة وضدها، هذا ما قبل في هذه المسألة، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا في ابتداء الكتاب في حاشيتنا ص 38، من اشتراط البداء في ذلك، فيتبين لك ان القول بالبداء يقلع أساس الجبرية والقدرية كلتيهما، نعم من ذهب إلى انكاره فلابد له من الاقرار بالجبر فأقروا به بل اعتنقوا به. ج. ز.

2- شفعت الشئ شفعا من باب نفع، ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة جعلتها ركعتين، ومنه قول الفقهاء: الشفع ركعتان والوتر واحدة. (مجمع).

3- تبدل الأرض يوم القيامة بخبزة بيضاء قد وردت فيه روايات كثيرة خاصة وعامة، اما الروايات الخاصة فعن الكافي عن أبي جعفر عليه السلام، قال سأله الأبرش الكلبي عن قول الله عز وجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض " قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب، فقال الأبرش فقلت ان الناس يومئذ لفي شغل عن الاكل، إلى آخر ما أجاب به الإمام عليه السلام عن الايراد المذكور، عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله الله عز وجل " يوم تبدل الأرض. الخ " قال تبدل خبزا نقيا يأكل منه الناس حتى يفرغوا من الحساب، قال قائل انهم لفي شغل عن الأكل والشرب؟

فقال إن الله خلق ابن آدم أجوف ولا بد له من الطعام والشراب الخ، وعن ارشاد المفيد (ر ح) عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على ولد سالم مولاه، ومحمد بن علي عليه السلام جالس في المسجد، فقال له سالم مولاه، يا أمير المؤمنين! هذا محمد بن علي، قال هشام المفتونون به أهل العراق؟

قال نعم، قال اذهب إليه فقل له: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

قال أبو جعفر (ع) " يحشر الناس على مثل قرص نقي، فيها انهار متفجرة، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب " إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة الواردة فيه واما الروايات العامة ففي روح المعاني عن ابن جبير: تبدل الأرض خبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه وعن أفلح مولى أبى أيوب: ان الأرض تكون يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة وهو في الصحيحين " ان تبدل الأرض خبزا وإن كان مما تستغربه الأذهان العامة لكن شيئا من التأمل يدفعه، لان المراد منها ليس هي الخبزة التي نأكلها، بل مادة شبيهة لها كما مضى في قول الإمام عليه السلام في الرواية " على مثل قرص نقي " هذا ثم إن الغرابة اما من جهة الاستحالة الذاتية فهي ممنوعة، أو الاستحالة العادية وهي مرتفعة بعموم قدرة الله تعالى، واما من جهة أخرى كعدم المناسبة أو عدم الداعي إلى ذلك، وقد أجاب عنه الإمام عليه السلام من أن ابن آدم خلق أجوف فما دام فيه اثر من الحياة يحتاج إلى ما يملا جوفه، حتى في رحم الأمهات وفي الجنان وجهنم كذلك، ففي يوم القيامة كيف لا يحتاج إليه مع طول مدته التي نص عليها القرآن بأنه كالف سنة مما تعدون (الحج 47). وقد وردت فيه روايات أخر أيضا لا تقل غرابة مما ذكره القمي كتبدل الأرض فضة والسماء ذهبا ذكرها تفاسير العامة. وفي رواية السجاد عليه السلام " تبدل الأرض غير الأرض " يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة (الصافي) وعلى هذا التفسير لا حاجة إلي تجشم الذب عنه. ج. ز.

4- اي يرسب في وحل البحر شيئا فشيئا.

5- هاتان الآيتان من سورة طه 88. ج. ز.

6- قال في مجمع البحرين: فلما سقط في أيديهم بالبناء للمفعول والظرف نائبه يقال لكل من ندم وعجز عن الشئ، قد سقط في يده واسقط في يده لغتان ومعنى سقط في أيديهم ندموا على ما فاتهم، وقرأ بعضهم سقط بالفتح كأنه اضمر لندم انتهى فعلى هذا يكون معنى الآية الشريفة: لما لحقتهم الندامة، وكذا في مجمع البيان، اما على ما فسر به المصنف (رح) فهو " سقط " بالفتح مبني للفاعل، ومعناه جاء موسى نازلا من الجبل بين أيديهم، يقال على الخبير سقطت اي نزلت عنده وجئت عنده. ج. ز.

7- وما حصل لإسرائيل من الملك الحقير الآن فهو بالنسبة إلى سعة الأرض وطول الزمان ليس بشئ وان هو الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء. ج. ز.

8- آل عمران 81.

9- آل عمران 84.

10- اي معاينة لجلال الله تعالى لا نفسه لأنه منزه عن الجسم والجسمانيات.

11- الأعراف 101 ج. ز.

12- لقد خالف المصنف (رح) في معنى هذه الكلمة سائر المفسرين حيث فسرها بالجاهل بها، وفسروها بالعالم بها، فالتفسيران متضادان ظاهرا، ويمكن ان يقال في مقام رفع التنافي بينهما ان معني " حفي عن الشئ " انه استقصى في السؤال عنه، فبدؤه الجهل وختامه العلم، لان الجهل بالشئ ينشئ السؤال عنه ونتيجة الاستقصاء في السؤال العلم به غالبا، فكأن نظر المصنف (رح) إلى البداوة ونظر الذي فسرها بالعلم إلي النهاية. وكلا المعنيين لهما ربط بالمقام الا ان الأول أرجح لان المستقصي في السؤال عن شئ لا يخلو من الجهل به قبل الاستقصاء وانه قد يخلو من العلم بعده إذا ليس كل مستقص عالما فالمعنى على تعبير المصنف (رح): ان مشركي قريش يسألونك عن الساعة كأنهم يحسبونك من الجهلاء الذين مدرك علمهم الناس، وقصدهم ان يعيروك لأنك إذا عينت وقتها تكون كاذبا عند اليهود، وإذا فحمت عن الجواب يظهر جهلك عندهم والحال انك لست من الجهلاء الذين يسألون الناس عن كل شئ حتى إذا لم تجبهم عن هذه المسألة يكن لك عيبا بل انك كلما تعلم فهو من الله فعدم علمك بوقت الساعة ليس بعيب لك لان الله لم يخبرك به واختصه لنفسه كما قال " إنما علمها عند الله لا يجليها لوقتها الا هو " ج. ز.

13- لا يخفى ان الحارث وإن كان من أسامي إبليس لعنه الله كما يظهر من هذه الرواية، لكن له معان اخر أيضا كزارع الحرث والكاسب، وليس من قبيل " إبليس " أو " الشيطان " المختصين به، فإنه لو كان كذلك لم يسم به اخيار الناس كحارث بن همام وحارث بن سراقة الذين كانا صحابيين جليلين لأمير المؤمنين عليه السلام، فإذا لم يكن باس في التسمية بنفس الحارث كيف يكون التباس في التسمية بعبد الحارث لامكان ان أراد منه آدم (ع) هو الله لصدق الحارث بمعنى مخرج الحرث، عليه حقيقة واما قوله: اجعل للحارث فيه نصيبا معنا اجعل نصيبا في الطاعة لا في العبادة وهو المراد من شرك الطاعة في قول الإمام (ع) الآتي ذكره فان قلت: كيف جاز لآدم ان جعل للشيطان نصيبا في واده؟

وإذا جاز لم عاتبه الله تعالى بقوله: فلما آتاهم صالحا جعلا له شركاء قلت: كان ذلك جائزا لان الذي جعل للشيطان نصيبا في ولد آدم هو الله تعالى بقوله: وشاركهم في الأموال والأولاد، فإذا جعل آدم له فيهم نصيبا لم يكن مقدوحا الا ان آدم لما لم يكن له مقام كمقام الله حتى يجيز للشيطان في المشاركة كما أجاز الله، لم يكن سائغا له ان يرخصه بكذا خصوصا إذا كان مترشحا منه الانقياد للشيطان والرضا على طاعة ولده له فلذا عاتبه الله تعالى والله العالم. ج. ز.

14- أوجف دابته ايجافا جعله يعدو عدوا سريعا ج ز (الأنفال).

15- اي يغلب على الأرض ويبالغ في قتل أعدائه (مجمع البحرين).