المائدة

سورة المائدة

مدنية

وهي مأة وعشرون آية (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قوله " أوفوا بالعقود " قال بالعهود، وأخبرنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في قوله:

(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشرة مواطن، ثم انزل الله " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام " وقال علي بن إبراهيم في قوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال الجنين في بطن أمه إذا أوبر واشعر فذكاته ذكاة أمه فذلك الذي عناه الله، وقوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) دليل على أن غير الانعام محرم، وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام) فالشعائر الاحرام، والطواف والصلاة في مقام إبراهيم، والسعي بين الصفا والمروة، ومناسك الحج كلها من شعائر الله، ومن الشعائر إذا ساق الرجل بدنة في الحج ثم اشعرها أي قطع سنامها أو جللها أو قلدها ليعلم الناس انها هدي فلا تتعرض لها أحد، وإنما سميت الشعائر لتشعر الناس بها فيعرفونها، وقوله " ولا الشهر الحرام " وهو ذو الحجة وهو من الأشهر الحرام، وقوله " ولا الهدي " وهو الذي يسوقه إذا احرم " ولا القلائد " قال يقلدها النعل الذي قد صلى فيه وقوله " ولا آمين البيت الحرام " قال الذين يحجون البيت الحرام وقوله (وإذا حللتم فاصطادوا) فأحل لهم الصيد بعد تحريمه إذا أحلوا، وقوله (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا) اي لا يحملنكم عداوة قريش ان صدوك عن المسجد الحرام في غزوة حديبية أن تعتدوا عليهم وتظلموهم ثم نسخت هذه الآية بقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".

واما قوله (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق) فالميتة والدم ولحم الخنزير معروف، وما أهل لغير الله به يعني به ما ذبح للأصنام، والمنخنقة: فان المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة، وكانوا يخنقون البقر والغنم فإذا ماتت اكلوها، والموقوذة: كانوا يشدون عينيها وأرجلها ويضربونها حتى تموت، فإذا ماتت اكلوها، والمتردية: كانوا يشدون عينها ويلقونها من السطح، فإذا ماتت اكلوها، والبطيحة: كانوا يتناطحون بالكباش فإذا مات أحدهما اكلوه وما اكل السبع إلا ما ذكيتم: فإنهم كانوا يأكلون ما يأكله الذئب والأسد والدب فحرم الله ذلك، وما ذبح على النصب: كانوا يذبحون لبيوت النيران، وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لها، وان تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق: قال كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزونه عشرة اجزاء ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها إنصباء، الفذ والتوام، والمسبل، والنافس، والحلس (الحليس ط)، والرقيب، والمعلى، فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والرقيب له ستة أسهم والمعلى له سبعة أسهم، والتي لا أنصباء لها السفح والمنيح والوغد، وثمن الجزور على من لم يخرج له الأنصباء شيئا، وهو القمار فحرمه الله عز وجل.

وقوله (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واما قوله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال آخر فريضة أنزلها الله الولاية ثم لم ينزل بعدها فريضة ثم انزل " اليوم أكملت لكم دينكم " بكراع الغنم (1) فأقامها رسول الله صلى الله عليه وآله بالجحفة فلم ينزل بعدها فريضة واما قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم) فهو رخصة للمضطر ان يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والمخمصة الجوع وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله غير متجانف لاثم، قال يقول غير متعمد لاثم، وقال علي بن إبراهيم في قوله غير متجانف لاثم، اي غير مائل في الاثم فلا يأكل الميتة إذا اضطر إليها إذا كان في سفر غير حق، وكذلك إن كان في قطع الطريق أو ظلم أو جور قوله (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) وهو صيد الكلاب المعلمة خاصة أحله الله إذا أدركته و، قتلته لقوله " فكلوا مما أمسكن عليكم " واخبرني أبى عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب، قال لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب، قلت فان قتله قال كل فان الله يقول وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم، ثم قال (ع) كل شئ من السباع تمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها قال إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكروا اسم الله عليه، فهو ذكاته وقوله (أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال عنى بطعامهم الحبوب والفاكهة غير الذبائح التي يذبحونها فإنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، ثم قال والله ما استحلوا ذبايحكم فكيف تستحلون ذبائحهم.

وقوله (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) فقد أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وإنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب فاما إذا كانوا في دار الشرك ولم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم وقوله (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) قال من آمن ثم أطاع أهل الشرك فقد حبط عمله وكفر بالايمان (وهو في الآخرة من الخاسرين) وقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) يعني من المرفق وهو محكم وقوله (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به) قال لما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا سمعنا وأطعنا، ثم نقضوا ميثاقهم وقول (اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) يعني أهل مكة من قبل ان فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية وقوله (فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم) يعني نقض عهد أمير المؤمنين عليه السلام (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه) قال من نحي أمير المؤمنين عليه السلام (2) عن موضعه، والدليل على ذلك ان الكلمة أمير المؤمنين عليه السلام قوله " وجعلها كلمة باقية في عقبه " يعني به الإمامة وقوله (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح) قال منسوخة بقوله: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وقوله (ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم) قال علي (ع) ان عيسى بن مريم عبد مخلوق فجعلوه ربا (فنسوا حظا مما ذكروا به).

وقوله (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير) قال يبين النبي صلى الله عليه وآله ما أخفيتموه مما في التورية من اخباره ويدع كثيرا لا يبينه (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) يعني بالنور أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام: وقوله (قد جاءكم رسولنا يبين لكم) مخاطبة لأهل الكتاب (على فترة من الرسل) قال علي (ع) انقطاع من الرسل احتج عليهم فقال (ان تقولوا) اي لئلا تقولوا (ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير) وقوله (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) يعني في بني إسرائيل لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد، ثم جمع ذلك لنبيه وقوله (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) فان ذلك نزل لما قالوا لن نصبر على طعام واحد، فقال لهم موسى اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم، فقالوا ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون فنصف الآية ههنا ونصفها في سورة البقرة، فلما قالوا لموسى ان فيها قوما جبارين، وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، قال لهم موسى لابد ان تدخلوها، فقالوا له؟

(فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون) فاخذ موسى بيد هارون وقال كما حكى الله (انى لا أملك إلا نفسي وأخي) يعني هارون (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) فقال الله (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة) يعني مصر لن يدخلوها أربعين سنة (يتيهون في الأرض) فلما أراد موسى ان يفارقهم فزعوا وقالوا ان خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب ففزعوا إليه وسألوه ان يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم، فأوحى الله إليه قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر وحرمتها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم اذهب أنت وربك فقاتلا فدخلا كلهم في التيه البرقادون (الاقارون ط)، فكانوا يقومون في أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض، فردتهم إلى مكانهم وكان بينهم وبين مصر اربع فراسخ، فبقوا في ذلك أربعين سنة، فمات هارون وموسى في التيه ودخلها أبناؤهم وأبناء أبنائهم.

وروي ان الذي حفر قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي، ولذلك لا تعرف بنو إسرائيل قبر موسى، وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قبره فقال عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر، قال وكان بين موسى وداود خمس مائة سنة وبين داود وعيسى الف ومائة سنة واما قوله (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي عن ثوير بن أبي فاختة قال سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يحدث رجلا من قريش قال لما قرب ابنا آدم القربان، قرب أحدهما أسمن كبش كان في ظأنيته وقرب الآخر ضغثا من سنبل، فقبل من صاحب الكبش وهو هابيل ولم يتقبل من الآخر فغضب قابيل فقال لهابيل والله لأقتلنك، فقال هابيل (إنما يتقبل الله من المتقين لان بسطت إلي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي إليك لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين اني أريد ان تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه) فلم يدر كيف يقتله حتى جاء إبليس فعلمه، فقال ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه، فلما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فأقبلا يتضاربان حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر الذي بقي الأرض بمخالبه ودفن فيما صاحبه، قال قابيل (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين) فحفر له حفيرة ودفنه فيها فصارت سنة يدفنون الموتى فرجع قابيل إلى أبيه فلم ير معه هابيل، فقال له آدم أين تركت ابني؟

قال له قابيل أرسلتني عليه راعيا؟

فقال آدم انطلق معي إلى مكان القربان وأوجس قلب آدم بالذي فعل قابيل، فلما بلغ المكان استبان قتله، فلعن آدم الأرض التي قبلت دم هابيل وامر آدم ان يلعن قابيل ونودي قابيل من السماء لعنت كما قتلت أخاك ولذلك لا تشرب الأرض الدم، فانصرف آدم فبكى على هابيل أربعين يوما وليلة فلما جزع عليه شكى ذلك إلى الله فأوحى الله إليه اني واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل، فولدت حواء غلاما زكيا مباركا، فلما كان اليوم السابع أوحى الله إليه يا آدم ان هذا الغلام هبة مني لك فسمه هبة الله، فسماه آدم هبة الله قال وحدثني أبي عن عثمان بن عيسى عن (أبى ط) أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال كنت جالسا معه في المسجد الحرام فإذا طاووس في جانب الحرم يحدث أصحابه حتى قال أتدري أي يوم قتل نصف الناس، فاجابه أبو جعفر عليه السلام فقال أو ربع الناس يا طاووس، فقال أو ربع الناس، فقال أتدري ما صنع بالقاتل؟

فقلت ان هذه المسألة، فلما كان من الغد غدوت على أبى جعفر عليه السلام فوجدته قد لبس ثيابه وهو قاعد على الباب ينتظر الغلام ان يسرج له، فاستقبلني بالحديث قبل ان أسأله فقال، ان بالهند أو من وراء الهند رجلا معقولا برجله اي واحدة، لبس المسح (3) موكل به عشرة نفر كلما مات رجل منهم اخرج أهل القرية بدله فالناس يموتون والعشرة لا ينقصون يستقبلونه بوجه الشمس حين تطلع ويديرونه معها حين تغيب ثم يصبون عليه في البرد الماء البارد وفي الحر الماء الحار، قال فمر به رجل من الناس فقال له من أنت يا عبد الله؟

فرفع رأسه ونظر إليه ثم قال له اما أن تكون أحمق الناس واما أن تكون أعقل الناس، انى لقائم ههنا منذ قامت الدنيا ما سألني أحد غيرك من أنت، ثم قال يزعمون أنه ابن آدم (4).

قال الله عز وجل (من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل ومعناه جار في الناس كلهم، وقوله (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) قال من أنقذها من حرق أو غرق أو هدم أو سبع أو كلفة حتى يستغني أو أخرجه من فقر إلى غنى، وأفضل من ذلك ان أخرجه من ضلال إلى هدى، وقوله فكأنما أحيا الناس جميعا، قال يكون مكانه كمن أحيا الناس جميعا واما قوله (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) فإنه حدثني أبي عن علي بن حسان عن أبي جعفر عليه السلام قال من حارب الله واخذ المال وقتل كان عليه ان يقتل ويصلب، ومن حارب وقتل ولم يأخذ المال كان عليه ان يقتل ولا يصلب، ومن حارب فاخذ المال ولم يقتل كان عليه ان تقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه ان ينفى، ثم استثنى عز وجل فقال " إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم " يعني يتوب من قبل ان يأخذهم الامام، وقوله (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) فقال تقربوا إليه بالامام، وقوله (ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيمة ما تقبل منهم - إلى قوله - والله على كل شئ قدير) فإنه محكم.

واما قوله (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) فإنه كان سبب نزولها انه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هارون وهم النضير وقريضة وكانت قريضة سبع مائة والنضير ألفا، وكانت النضير أكثر مالا وأحسن حالا من قريضة.

وكانوا حلفاء لعبد الله بن أبي، فكان إذا وقع بين قريضة والنضير قتل وكان الفاتل من بني النضير قالوا لبني قريضة لا نرضى أن يكون قتيل منا بقتيل منكم فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة حتى كادوا ان يقتتلوا حتى رضيت قريضة وكتبوا بينهم كتابا على أنه اي رجل من اليهود من النضير قتل رجلا من بني قريضة ان يجنيه ويحمم، والتجنية ان يقعد على جمل ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ويلطخ بالحماة ويدفع نصف الدية، وإيما رجل من بني قريضة قتل رجلا من بني النضير ان يدفع إليه دية كاملة ويقتل به، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ودخلت الأوس والخرج في الاسلام ضعف امر اليهود فقتل رجل من بني قريضة رجلا من بني النضير فبعثوا إليهم بنو النضير ابعثوا الينا فدية؟

المقتول وبالقاتل حتى نقتله، فقالت قريضة ليس هذا حكم التوراة وإنما هو شئ غلبتمونا عليه فاما الدية واما القتل وإلا فهذا محمد بيننا وبينكم فهلموا لنتحاكم إليه، فمشت بنو النضير إلى عبد الله بن أبي وقالوا سل محمدا ان لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا وبين بني قريضة في القتل، فقال عبد الله بن أبي ابعثوا معي رجلا يسمع كلامي وكلامه فان حكم لكم بما تريدون وإلا فلا ترضوا به، فبعثوا معه رجلا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له يا رسول الله ان هؤلاء القوم قريضة والنضير قد كتبوا بينهم كتابا وعهدا وثيقا تراضوا به والآن في قدومك يريدون نقضه وقد رضوا بحكمك فيهم فلا تنقض عليهم كتابهم وشرطهم، فان بني النضير لهم القوة والسلاح والكراع، ونحن نخاف الغوائل والدوائر، فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجبه بشئ، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا " يعني اليهود " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " يعني عبد الله بن أبي وبني النضير " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا " يعني عبد الله بن أبي حيث قال لبني النضير إن لم يحكم لكم بما تريدون فلا تقبلوا " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فان جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم، وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين - إلى قوله - ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " وقوله (وكتبنا عليهم فيها) يعني في التوراة (ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) فهي منسوخة بقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) وقوله (والجروح قصاص) لم تنسخ ثم قال (فمن تصدق به) اي عفى (فهو كفارة له) وقوله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال لكل نبي شريعة وطريق (ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) أي يختبركم ثم قال لنبيه (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة) وهو قول عبد الله بن أبي لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنقض حكم بني النضير فانا نخاف الدوائر، فقال الله تعالى (فعسى الله ان يأتي بالفتح أو امر من عنده فيصبحوا علي ما أسروا في أنفسهم نادمين) واما قوله (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله) قال هو محاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم " نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) واما قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن أبان بن عثمان بن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس وعنده قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام، إذ نزلت عليه هذه الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال هل أعطاك أحد شيئا؟

قال نعم، ذاك المصلي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا هو علي أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (وإذا جاؤكم قالوا آمنا) قال نزلت في عبد الله بن أبي لما اظهر الاسلام (وقد دخلوا في الكفر) قال وخرجوا به من الايمان وقوله (وأكلهم السحت) قال السحت هو بين الحلال والحرام وهو ان يؤاجر الرجل نفسه على حمل المسكر ولحم الخنزير واتخاذ الملاهي فاجارته نفسه خلال ومن جهة ما يحمل ويعلم هو سحت.

وحدثني أبي عن النوفل عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، واجر الكاهن، وقوله (قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) قال قالوا قد فرغ الله من الامر لا يحدث الله غير ما قد قدره في التقدير الأول، فرد الله عليهم فقال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء اي يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشية، وقوله (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) قال كلما أراد جبار من الجبابرة هلاك آل محمد قصمه الله، وقوله (ولو أنهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم) يعني اليهود والنصارى (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) قال من فوقهم المطر ومن تحت أرجلهم النعبات وقوله (منهم أمة مقتصدة) قال قوم من اليهود دخلوا في الاسلام فسماهم الله مقتصدة.

وقوله (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك) قال نزلت هذه الآية في علي (وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) قال نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، فكان من قوله بمنى ان حمد الله واثنى عليه ثم قال: " أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني، فاني لا أدري لا ألقاكم بعد عامي هذا، ثم قال هل تعلمون اي يوم أعظم حرمة؟

قال الناس هذا اليوم، قال فأي شهر؟

قال الناس هذا، قال وأي بلد أعظم حرمة؟

قالوا بلدنا هذا، قال فان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن اعمالكم، ألا هل بلغت أيها الناس؟

قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟

قالوا نعم؟

قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب، ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع دم ربيعة، ألا هل بلغت؟

قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وان الشيطان قد يئس ان يعبد بأرضكم هذه ولكنه راض بما تحتقرون من اعمالكم، ألا وانه إذا أطيع فقد عبد، ألا أيها الناس ان المسلم أخو المسلم حقا، لا يحل لامرء مسلم دم امرء مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه، واني أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، ألا هل بلغت أيها الناس؟

قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فان فعلتم ذلك ولتفعلن لنجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل اضرب وجوهكم بالسيف، ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال - إن شاء الله أو علي بن أبي طالب، ثم قال ألا واني قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد نحبا ومن خالفهما فقد هلك، ألا هل بلغت؟

قالوا نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال ألا وانه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول رب أصحابي، فقال يا محمد انهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك فأقول سحقا سحقا (5).

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق انزل الله: إذا جاء نصر الله والفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله نعيت إلى نفسي ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف فاجتمع الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال نصر الله امرءا، سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم اخلص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين ولزم جماعتهم فان دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون اخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم.

أيها الناس انى تارك فيكم الثقلين، قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟

قال كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترفا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين، وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى، فتفضل هذه على هذه، فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد ان يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة تعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا ان مات محمد أو قتل أن لا يردوا هذا الامر في أهل بيته ابدا فأنزل الله على نبيه في ذلك " أم أبرموا امرا فانا مبرمون أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجويهم بلي ورسلنا لديهم يكتبون (6) " فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له غدير خم، وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذ نزلت عليه هذه الآية " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ان حمد الله واثنى عليه ثم قال أيها الناس هل تعلمون من وليكم؟

فقالوا نعم الله ورسوله، ثم قال ألستم تعلمون اني أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا بلى، قال اللهم اشهد فأعاد ذلك عليهم ثلاثا كل ذلك يقول مثل قوله الأول ويقول الناس كذلك ويقول اللهم اشهد، ثم اخذ بيد أمير المؤمنين (ع) فرفعها حتى بدا للناس بياض إبطيهما ثم قال " ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم اشهد عليهم وانا من الشاهدين " فاستفهمه عمر فقام من بين أصحابه فقال يا رسول الله هذا من الله ومن رسوله؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله نعم من الله ورسوله انه أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار، فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال وان رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتوامروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدوا في العقبة، وهي عقبة هرشى (ارشى ط) بين الجحفة والابواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما جن الليل تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الليلة العسكر فاقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل يا محمد ان فلانا وفلانا (وفلانا ط) قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال من هذا خلفي فقال حذيفة اليماني انا يا رسول الله حذيفة بن اليمان، قال سمعت ما سمعت قال بلى قال فاكتم، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله منهم فناداهم بأسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله فروا ودخلوا في غمار الناس وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وطلبوهم وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رواحلهم فعرفهم، فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة ان مات محمد أو قتل ألا يردوا هذا الامر في أهل بيته ابدا، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحلفوا انهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يكتموا شيئا من رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنزل الله " يحلفون بالله ما قالوا " ان لا يردوا هذا الامر في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله " ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا " من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله " وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وان يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير (7) " فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وبقي بها محرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ثم ابتدأ به الوجع الذي توفى فيه صلى الله عليه وآله.

فحدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع يا بن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إلي نفسي فمن لذلك بعدي؟

فأقبلت أعد عليه رجلا رجلا، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لم لا تقدمه على الخلق أجمعين، يا بن مسعود انه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمة اعلام، فأول الاعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب والناس أجمعين تحت لوائه ينادي مناد هذا الفضل يا بن أبي طالب ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (وحسبوا ألا تكون فتنة) اي لا يكون اختبار ولا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين عليه السلام (فعموا وصموا) قال حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرهم (ثم عموا وصموا) حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم فعموا وصموا فيه حتى الساعة، ثم احتج عز وجل على النصارى في عيسى فقال:

(ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) يعني كانا يحدثان فكنى الله عن الحدث وكل من اكل الطعام يحدث.

ثم قال (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) أي لا تقولوا ان عيسى هو الله وابن الله، وحدثني أبي قال حدثني هارون بن مسلم عن مسعدة ابن صدقة قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في اعمال السلطان ويعملون لهم ويحبونهم ويوالونهم، قال ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون) قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى وقوله " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " قال كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويأتون النساء أيام حيضهن، ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار " وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون " فنهى الله عز وجل ان يوالي المؤمن الكافر إلا عند التقية واما قوله (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى) فإنه كان سبب نزولها انه لما اشتدت قريش في اذى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل الهجرة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ان يخرجوا إلى الحبشة، وامر جعفر بن أبي طالب عليه السلام ان يخرج معهم، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلا من المسلمين حتى ركبوا البحر، فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردوهم، وكان عمرو وعمارة متعاديين، فقالت قريش كيف نبعث رجلين متعاديين فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة وبرئت بنو سهم من جناية عمرو بن العاص، فخرج عمارة وكان حسن الوجه شابا مترفا فأخرج عمرو بن العاص أهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر، فقال عمارة لعمرو بن العاص، قل لأهلك تقبلني، فقال عمرو أيجوز هذا سبحان الله فسكت عمارة فلما انتشأ (8) عمرو وكان على صدر السفينة، دفعه عمارة وألقاه في البحر فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه " فوردوا على النجاشي وقد كانوا حملوا إليه هدايا فقبلها منهم، فقال عمرو بن العاص أيها الملك ان قوما منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم الينا، فبعث النجاشي إلى جعفر فجاؤوا به، فقال يا جعفر ما يقول هؤلاء؟

فقال جعفر أيها الملك وما يقولون؟

قال يسألون ان أردكم إليهم، قال أيها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟

فقال عمرو لا بل أحرار كرام، قال فسلهم الهم علينا ديون يطالبوننا بها؟

قال لا مالنا عليكم ديون، قال فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟

قال عمرو لا، قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من بلادكم، فقال عمرو بن العاص أيها الملك خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وأفسدوا شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع أمرنا، فقال جعفر نعم أيها الملك خالفناهم بأنه بعث الله فينا نبيا امر بخلع الأنداد، ترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة، وحرم الظلم والجور، وسفك الدماء بغير حقها والزناء والربا والميتة والدم، وأمرنا بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام، ثم قال النجاشي يا جعفر هل تحفظ مما انزل الله على نبيك شيئا؟

قال نعم فقرأ عليه سورة مريم فلما بلغ إلى قوله " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا " فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاءا شديدا، وقال هذا والله هو الحق، فقال عمرو بن العاص أيها الملك ان هذا مخالفنا فرده الينا، فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت، والله يا هذا لان ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك، فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول إن كان هذا كما تقول أيها الملك فانا لا نتعرض له، وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه، فنظرت إلى عمارة بن الوليد وكان فتى جميلا فأحبته فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله، قال لعمارة لو راسلت جارية الملك، فراسلها فأجابته، فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا، فقال لها فبعثت إليه فاخذ عمرو من ذلك الطيب، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر فادخل الطيب على النجاشي، فقال أيها الملك ان حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يكرمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه ان لا نغشه ولا نريبه وان صاحبي هذا الذي معي قد ارسل حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك ثم وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا بلادي فأمان لهم، فدعا النجاشي السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل، فأخذوه ونفخوا في إحليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح، وكان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات.

ورجع عمرو إلى قريش فأخبرهم ان جعفر في ارض الحبشة في أكرم كرامة فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا وصالحهم وفتح خيبر فوافى بجميع من معه وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر، وولد للنجاشي ابن فسماه محمدا، وكانت أم حبيب بنت أبي سفيان تحت عبد الله (9) فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى النجاشي يخطب أم حبيب، فبعث إليها النجاشي فخطبها لرسول الله صلى الله عليه وآله فأجابته، فزوجها منه وأصدقها أربعمائة دينار وساقها عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث إليها بثياب وطيب كثير وجهزها وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعث إليه بمارية القبطية أم إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب وفرس، وبعث ثلاثين رجلا من القسيسين، فقال لهم انظروا إلى كلامه والى مقعده ومشربه ومصلاه فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام وقرأ عليهم القرآن " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى قوله - فقال الذين كفروا منهم ان هذا إلا سحر مبين " فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فأخبروه خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقرأوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي وبكى القسيسون واسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة اسلامه وخافهم على نفسه وخرج من بلاد الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله فلما عبر البحر توفي فأنزل الله على رسوله (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود - إلى قوله - وذلك جزاء المحسنين " واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فاما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف ان لا ينام بالليل ابدا واما بلال فإنه حلف ان لا يفطر بالنهار ابدا، واما عثمان بن مظعون فإنه حلف ان لا ينكح ابدا فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة، فقالت عائشة ما لي أراك معطلة فقالت ولمن أتزين فوالله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنه قد ترهب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرته عائشة بذلك، فخرج فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات الا انى أنام بالليل وانكح وافطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس منى، فقاموا هؤلاء فقالوا يا رسول الله فقد الجزء (7) حلفنا على ذلك فأنزل الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم الآية) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام) اما الخمر فكل مسكر من الشراب خمر إذا اخمر فهو حرام؟

واما المسكر كثيره وقليله حرام وذلك أن الأول شرب قبل ان يحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم امسك على لسانه، فامسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فأنزل الله تحريمها بعد ذلك، وإنما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر (10) والتمر فلما نزل تحريمها خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فاكفأ كلها ثم قال هذه كلها خمر وقد حرمها الله، فكان أكثر شئ اكفئ (11) من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ، ولا اعلم اكفئ يومئذ من خمر العنب شئ الا اناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا، واما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شئ، حرم الله الخمر قليلها وكثيرها وبيعها وشراءها والانتفاع بها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه، وقال حق على الله ان يسقي من شرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات، والمومسات الزواني يخرج من فروجهن صديد والصديد قيح ودم غليظ مختلط يؤذي أهل النار حره ونتنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فان عاد فأربعين ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الأربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال (12) وسمي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم اكفئت المشربة مسجد الفضيخ من يومئذ، لأنه كان أكثر شئ اكفئ من الأشربة الفضيخ.

واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر، واما الأنصاب فالأوثان التي كانوا يعبدونها المشركون، واما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركوا العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه وشراه والانتفاع بشئ من هذا حرام من الله محرم، وهو رجس من عمل الشيطان، فقرن الله الخمر والميسر مع الأوثان، واما قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) يقول لا تعصوا ولا تركنوا إلى الشهوات من الخمر والميسر (فان توليتم) يقول عصيتم (فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين) إذ قد بلغ وبين فانتهوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه سيكون قوم يبيتون وهم على شرب الخمر واللهو والغناء فبينما هم كذلك إذ مسخوا من ليلتهم وأصبحوا قردة وخنازير وهو قوله " واحذروا " ان تعتدوا كما اعتدى أصحاب السبت، فقد كان املي لهم حتى اثروا (13) وقالوا ان السبت لنا حلال وإنما كان حرم على أولينا وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فاما نحن فليس علينا حرام وما زلنا بخير منذ استحللناه وقد كثرت أموالنا وصحت أجسامنا، ثم اخذهم الله ليلا وهم غافلون فهو قوله " واحذروا " ان يحل بكم مثل ماحل بمن تعدى وعصى فلما نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والأنصار يا رسول الله قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان وقد قلت ما قلت أفيضر أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا؟

فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية) فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر، والجناح هو الاثم على من شربها بعد التحريم، قال علي بن إبراهيم في قوله (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب) قال نزلت في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد فدخل بين رحائلهم ليبلونهم الله اي يختبرهم وقوله (ليعلم الله من يخافه بالغيب قبل ذلك) ولكنه عز وجل لا يعذب أحدا الا بحجة بعد اظهار الفعل وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فواجب لفظ الآية ان الفداء يجب على من قتل الصيد متعمدا وفي المعنى والتفسير يجب الجزاء على من قتل الصيد متعمدا أو خطأ.

حدثني محمد بن الحسين (الحسن ط) عن محمد بن عون النصيبي قال لما أراد المأمون ان يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى عليه السلام ابنته أم الفضل اجتمع إليه أهل بيته الادنين منه فقالوا له يا أمير المؤمنين ننشدك الله ان لا تخرج عنا امرا قد ملكناه وتنزع عنا عزا قد ألبسنا الله فقد عرفت الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا، قال المأمون اسكتوا فوالله لا قبلت من أحدكم في امره، فقالوا يا أمير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف فريضة ولا سنة ولا يميز بين الحق والباطل، ولا بي جعفر عليه السلام يومئذ عشرة سنين أو أحد عشرة سنة، فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من سنته، فقال لهم المأمون والله انه لأفقه منكم واعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه واحكامه واقرأ بكتاب الله واعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامة وناسخه ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فإن كان الامر كما قلتم قبلت منكم في امره وإن كان كما قلت علمتم ان الرجل خير منكم، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وأطمعوه في هدايا ان يحتال على أبي جعفر عليه السلام بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر أبو جعفر عليه السلام قالوا يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم ان اذنت له ان يسأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة، فقال المأمون يا يحيى سل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟

فقال أبو جعفر عليه السلام قتله في حل أو حرم، عالما أو جاهلا، عمدا أو خطأ، عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا، مبديا أو معيدا، من ذوات الطير أو من غيرها، من صغار الصيد أو من كبارها، مصرا عليها أو نادما، بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا، محرما لعمرة أو للحج؟

قال فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس وأكثر الناس تعجبا من جوابه، ونشط المأمون فقال نخطب يا أبا جعفر، فقال نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون: الحمد لله اقرارا بنعمته ولا اله إلا الله اخلاصا لعظمته وصلى الله على محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الأنام ان أغناهم بالحلال عن الحرام فقال وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ثم إن محمد بن علي ذكر أم الفضل بنت عبد الله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجتك فهل قبلت يا أبا جعفر، قال أبو جعفر عليه السلام نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق ثم أولم عليه المأمون وجاء الناس على مراتبهم الخاص والعام، قال فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه من كلام الملاحين في مجاوباتهم فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة وفيها نسائج إبريسم مكان القلوس (14) مملوة غالية فخضبوا أهل الخاص بها ثم مروا بها إلى دار العامة فطيبوهم، فلما تفرق الناس قال المأمون يا أبا جعفر ان رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت في قتل الصيد؟

فقال أبو جعفر (ع) نعم يا أمير المؤمنين ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، وإذا اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا في الحل فعليه جمل قد فطم وليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم، وإذا قتله في الحرم فعليه الجمل وقيمته لأنه في الحرم، وإذا كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فعليه اطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، وان كانت بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فعليه اطعام ثلاثين مسكينا، فمن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر فاطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه ان ينحره، وإن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس فإن كان في عمرة ينحره بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك إذا أصاب ارنبا فعليه شاة وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم أو يشتري به طعاما لحمامة الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم.

وكلما اتى به المحرم بجهالة فلا شئ عليه فيه الا الصيد فان عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم بخطأ كان أو بعمد، وكلما اتى به العبد فكفارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكلما اتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه فيه، وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة، وان دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شئ عليه بعد الفداء وإذا أصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شئ عليه الا ان يتعمده فان تعمد بليل أو نهار فعليه الفداء، والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة " فامر المأمون ان يكتب ذلك كله عن أبي جعفر (ع) ثم دعا أهل بيته الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟

قالوا لا والله ولا القاضي، ثم قال ويحكم ان أهل هذا البيت خلو من هذا الخلق أوما علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وآله بايع للحسن والحسين وهما صبيان غير بالغين ولم؟

يبايع؟

طفلا غيرهما أو ما علمتم ان أباه عليا آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وهو ابن اثني عشر سنة وقبل الله ورسوله منه ايمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غيره إلى الايمان أو ما علمتم انها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري لأولهم، فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين كنت أنت اعلم به منا.

قال ثم امر المأمون ان ينثر على أبي جعفر عليه السلام ثلاثة اطباق رقاع زعفران ومسك معجون بماء الورد وجوفها رقاع على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع طعمة لمن اخذها، والثالث فيه بدر فامر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة، والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء، والذي عليه البدر على القواد، ولم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام أيام حياته حتى كان يؤثره على ولده (15) واما قوله (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفين بن عيينة عن الزهري عن علي ابن الحسين عليهما السلام قال قال يوما يا زهري من أين جئت؟

قلت من المسجد قال فيم كنتم، قلت تذاكرنا امر الصوم فاجتمع رأيي ورأي أصحابي انه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال يا زهري ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان وأربعة عشر وجها صاحبها فيها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر، وعشرة أوجه منها حرام، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب وصوم الإباحة وصوم السفر والمرض، فقلت فسرهن لي جعلت فداك، فقال اما الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " وقوله " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق واجب قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قل ان يتماسا " وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم " كل ذلك متتايع وليس بمتفرق، وصيام اذى حلق الرأس واجب قال الله " أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فصاحبها فيها بالخيار فان شاء صام ثلاثة أيام، وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي قال الله: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة " وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تعالى " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟

قلت لا، قال يقوم الصيد قيمته ثم تنقض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف واجب، واما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام التشريق وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه ان يتفرد للرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس، قلت فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟

قال ينوي ليلة الشك انه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه وإن كان من شعبان لم يضره، فقلت وكيف يجزى صوم تطوع من فريضة؟

فقال لو أن رجلا صام شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أجزأه عنه لان الفرض إنما وقع على الشهر بعينه، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، واما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين، وصوم أيام البيض، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام وان شاء ترك، واما صوم الاذن فان المرأة لا تصوم تطوعا إلا باذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا باذن سيده والضيف لا يصوم تطوعا إلا باذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من نزل على قوم فلا يصوم إلا باذنهم واما صوم التأديب فالصبي يؤمر بالصوم إذا راهق تأديبا وليس بفرض، وكذلك من أفطر أول النهار ثم عوفي بقية يومه أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم دخل مصره أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، فاما صوم الإباحة فمن اكل أو شرب ناسيا أو تقيأ أو قاء من غير تعمد فقد أباح الله له ذلك وأجزأ عنه صومه واما صوم السفر والمرض فان العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم يصوم وقال قوم ان شاء صام وان شاء أفطر، وقال قوم لا يصوم واما نحن فنقول يفطر في الحالتين جميعا فان صام في السفر أو في حال المرض فهو عاص وعليه القضاء وذلك لان الله يقول: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ".

وقوله (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقوله (وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) قال ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس إليها لم يهلكوا فإذا هدمت وتركوا الحج هلكوا واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) فإنه حدثني أبي عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام ان صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها الثاني غطي قرطك فان قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا، فقالت له هل رأيت لي قرطا يا بن اللخناء، ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم، لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته، فقام إليه رجل فقال من أبي فقال أبوك غير الذي تدعى له أبوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال من أبى يا رسول الله؟

فقال أبوك الذي تدعى له ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسئلني عن أبيه، فقام إليه الثاني فقال له أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اعف عني عفى الله عنك فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم - إلى قوله - ثم أصبحوا بها كافرين) واما قوله (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) فان البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ففي السادسة قالت العرب قد بحرت فجعلوها للصنم ولا تمنع ماءا ولا مرعى، والوصيلة إذا وضعت الشاة خمسة أبطن ثم وضعت في السادسة جديا وعناقا في بطن واحد جعلوا الأنثى للصنم، وقالوا وصلت أخاها وحرموا لحمها على النساء، والحام كان إذا كان الفحل من الإبل جدا لجد قالوا قد حمي ظهره فسموه حاما فلا يركب ولا يمنع ماءا ولا مرعى، ولا يحمل عليه شئ، فرد الله عليهم فقال " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إلى قوله - وأكثرهم لا يعقلون " وقوله (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال اصلحوا أنفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم فإنه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم أنتم صالحين.

وقوله (يا أيها الناس آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الأرض فأصابكم مصيبة الموت) فإنها نزلت في ابن بندي ابن أبي مارية النصرانيين، وكان رجل يقال له تميم الدارمي مسلم خرج معهما في سفر، وكان مع تميم خرج ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب ليبيعها، فلما مروا بالمدينة اعتل تميم فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية وأمرهما ان يوصلاه إلى ورثته فقدما المدينة وأوصلا ما كان دفعه اليهما تميم وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة، فقال ورثة الميت هل مرض صاحبنا مرضا طويلا انفق فيه نفقة كثيرة؟

فقالا ما مرض إلا أياما قليلة، قالوا فهل سرق منه شئ في سفر؟

قالا لا، قالوا فهل اتجر تجارة خسر فيها؟

فقالا لا، قالوا فقد افتقدنا انبل شئ كان معه آنية منقوشة بالذهب مكللة وقلادة قالا ما دفعه الينا قد أديناه إليكم، فقدموهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأوجب عليهما اليمين فحلفا وأطلقهما، ثم ظهرت القلادة والآنية عليهما فأخبروا ورثة الميت رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فانتظر الحكم من الله، فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " يعني من أهل الكتاب " ان أنتم ضربتم في الأرض " فأطلق الله شهادة أهل الكتاب علي الوصية فقط إذا كان في سفر ولم يجد المسلم ثم قال (فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة يعني صلاة العصر (فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين) فهذه الشهادة الأولى التي أحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال عز وجل (فان عثرا على أنهما استحقا اثما) اي حلفا على كذب (فآخران يقومان مقامهما) يعني من أولياء المدعي (من الذين استحق عليهم الأوليان) فيقسمان بالله اي يحلفان بالله (لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين) وانهما قد كذبا فيما حلفا بالله (ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم) فامر رسول الله صلى الله عليه وآله أولياء تميم الدارمي ان يحلفوا بالله علي ما أمرهم به فاخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن أبي مارية وردهما على أولياء تميم.

واما قوله (يوم يجمع الله الرسل فيقول ما إذا أجبتم) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلا بن العلا عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال ماذا أجبتم في أوصيائكم يسأل الله تعالى يوم القيامة فيقولون لا علم لنا بما فعلوا بعدنا بهم.

وقوله (وإذا قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى قوله - واشهد بأننا مسلمون) فإنه محكم، واما قوله (وإذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء) قال عيسى:

(اتقوا الله ان كنتم مؤمنين) قالوا كما حكى الله (نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فقال عيسى (اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) فقال الله احتجاجا عليهم (انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فانى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فكانت تنزل المائدة عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعون ثم ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم لا تدع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائدة ومسخوا قردة وخنازير، قوله:

(وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) فلفظ الآية ماض ومعناه مستقبل ولم يقله بعد وسيقوله، وذلك أن النصارى زعموا ان عيسى قال لهم اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى بن مريم فيقول له أأنت قلت لهم ما يدعون عليك اتخذوني وأمي إلهين، فيقول عيسى (سبحانك ما يكون لي ان أقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب - إلى قوله - وأنت على كل شئ شهيد) والدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) قال إذا كان يوم القيامة وحشر الناس للحساب فيمرون بأهوال يوم القيامة فلا ينتهون إلى العرصة حتى يجهدوا جهدا شديدا، قال فيقفون بفناء العرصة ويشرف الجبار عليهم وهو على عرشه (16) فأول من يدعى بنداء يسمع الخلائق أجمعون ان يهتف باسم محمد ابن عبد الله النبي القرشي العربي، قال فيتقدم حتى يقف على يمين العرش، قال ثم يدعى بصاحبكم علي عليه السلام، فيتقدم حتى يقف على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم يدعى بأمة محمد فيقفون على يسار علي عليه السلام ثم يدعى بنبي نبي وأمته معه من أول النبيين إلي آخرهم وأمتهم معهم، فيقفون عن يسار العرش، قال ثم أول من يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدم، فيقف بين يدي الله في صورة الآدميين، فيقول الله هل سطرت في اللوح ما ألهمتك وأمرتك به من الوحي؟

فيقول القلم نعم، يا رب قد علمت انى قد سطرت في اللوح ما امرتني وألهمتني به من وحيك فيقول الله فمن يشهد لك بذلك، فيقول يا رب وهل اطلع على مكنون سرك خلق غيرك، قال فيقول له الله أفلحت حجتك، قال ثم يدعى باللوح فيتقدم في صورة الآدميين حتى يقف مع القلم، فيقول له هل سطر فيك القلم ما ألهمته وأمرته به من وحيي، فيقول اللوح نعم يا رب وبلغته إسرافيل، فيتقدم مع القلم واللوح في صورة الآدميين، فيقول الله هل بلغك اللوح ما سطر فيه القلم من وحيي؟

فيقول نعم يا رب وبلغته جبرئيل، فيدعى بجبرائيل فيتقدم حتى يقف مع إسرافيل، فيقول الله هل بلغك إسرافيل ما بلغ فيقول نعم يا رب وبلغته جميع أنبيائك وأنفذت إليهم جميع ما انتهى إلي من امرك وأديت رسالتك إلى نبي نبي ورسول رسول وبلغتهم كل وحيك وحكمتك وكتبك وان آخر من بلغته رسالاتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمد بن عبد الله العربي القرشي الحرمي حبيبك، قال أبو جعفر عليه السلام فان أول من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله فيدنيه الله (17) حتى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه، فيقول الله يا محمد هل بلغك جبرئيل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي وهل أوحى ذلك إليك؟

فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يا رب قد بلغني جبرائيل جميع ما أوحيته إليه وأرسلته من كتابك وحكمتك وعلمك وأوحاه إلي، فيقول الله لمحمد هل بلغت أمتك ما بلغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي؟

فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله نعم يا رب قد بلغت أمتي ما أوحى إلي من كتابك وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك، فيقول الله لمحمد فمن يشهد لك بذلك؟

فيقول محمد صلى الله عليه وآله يا رب أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والأبرار من أمتي وكفى بك شهيدا، فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة ثم يدعى بأمة محمد فيسألون هل بلغكم محمد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلمكم ذلك؟

فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم، فيقول الله لمحمد فهل استخلفت في أمتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتي وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الأرض؟

فيقول محمد نعم يا رب قد خلفت فيهم علي بن أبي طالب أخي ووزيري وخير أمتي ونصبته لهم علما في حياتي ودعوتهم إلى طاعته وجعلته خليفتي في أمتي واماما يقتدي به الأئمة من بعدي إلى يوم القيامة، فيدعى بعلي بن أبي طالب عليه السلام فيقال له هل أوصى إليك محمد واستخلفك في أمته ونصبك علما لامته في حياته وهل قمت فيهم من بعده مقامه؟

فيقول له علي نعم يا رب قد أوصى إلي محمد وخلفني في أمته ونصبني لهم علما في حياته فلما قبضت محمدا إليك جحدتني أمته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدموا قدامي من أخرت، وأخروا من قدمت ولم يسمعوا مني ولم يطيعوا أمري فقاتلتهم في سبيلك حتى قتلوني، فيقال لعلي فهل خلفت من بعدك في أمة محمد حجة وخليفة في الأرض يدعو عبادي إلى ديني والى سبيلي؟

فيقول علي نعم يا رب قد خلفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك، فيدعى بالحسن بن علي عليهما السلام فيسئل عما سئل عنه علي بن أبي طالب عليه السلام، قال ثم يدعى بامام امام وباهل عالمه فيحتجون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم قال ثم يقول الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم قال ثم انقطع حديث أبي جعفر عليه وعلى آبائه السلام.


1- المسح بالكسر كساء من صوف جمعه مسوح ج. ز.

2- ان هذا الخبر من غرائب الاخبار حيث لم يشاهد مثل هذا الشخص المعذب اي مكان، ولو كان لبان، فيمكن ان الإمام عليه السلام لم يكن مقصوده بيان اعتقاده بل ذكره حسب ما كان على السنة الناس في ذاك الزمان كما يدل عليه لفظه " يزعمون أنه ابن آدم " وعلى فرض كونه حاكيا عن اعتقاد نفسه يجوز أن تكون العشرة الموكلون على هذا الرجل من الأجنة المخفية عن انظار عامة البشر فلذا لم يطلعوا وعلمه الإمام عليه السلام لأنه عالم بخبايا الأمور. ج. ز.

3- وفي لفظ صحيح البخاري: ان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي! فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، وفي لفظ صحيح مسلم: أقول إنهم مني فيقال انك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي، قال النووي في ذيل هذه الأحاديث (اي أحاديث الحوض): قال القاضي عياض أحاديث الحوض صحيحة والايمان به فرض والتصديق به من الايمان، متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة راجع صحيح البخاري ج 2 / 145 - 159 و ج 3 / 79 و ج 4 / 87 (باب الحوض) وصحيح مسلم ج 2 / 249 - 252. ج. ز.

4- الزخرف 79.

5- التوبة 74.

6- اي سكر. مجمع ج - ز.

7- وهي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة ثم تنصر عبد الله هنالك ومات علي النصرانية وثبتت أم حبيبة على دينها الاسلام ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله (أعلام النساء) ج. ز.

8- الفضيخ كنبيذ شراب يتخذ من البسر.

9- كفأه كمنعه قلبه ق. ج - ز.

10- وهو الصديد يخرج من فروج الزناة.

11- اي عزموا على المعصية. ج - ز.

12- قلوص كفلوس جمع قلس حبل للسفينة ضخم. ج. ز.

13- نعم. انه كان مكرما له عليه السلام أيام حياته لكنه الذي قتل والده، الرضا عليه السلام لما اقتضت سياسته ان ينحيه عن طريق ملكه " وان الملك عقيم " دس إليه السم فقتله وممن ذكر كون المأمون قاتلا للإمام علي الرضا عليه السلام: المسعودي في مروج الذهب 9 / 33، ابن طقطقي في الفخري ص 163، ابن الأثير في الكامل 6 / 111 الشبلنجي في نور الأنصار ص 144 وكذا في روضة الصفا 3 / 16 وشواهد النبوة ص 202 ومطالب السئول ص 288 وحبيب السير 2 / 51. ج - ز.

14- يؤول كتا ويل قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى أي استولى. ج. ز.

15- المراد من هذا هو القرب المعنوي وإلا فالله سبحانه برئ عن الجسم والمكان وكذا المراد من اشرافه ظهور جلاله. ج. ز.

16- الزجلة بالضم صوت الناس ويفتح (ق) - ج - ز.

17- راجع حاشيتنا التفصيلية على البداء ص 38 من هذا الكتاب ج. ز.