آل عمران

سورة آل عمران

مدنية

وهي مأتا آية

(بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا اله إلا هو الحي القيوم) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله تبارك وتعالى (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورية والإنجيل من قبل، هدى للناس وأنزل الفرقان) قال الفرقان هو كل امر محكم والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء (وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) يعني ذكرا أو أنثى واسود وابيض واحمر وصحيحا وسقيما، وقوله (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) فاما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " ومثل قوله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم " إلى آخر الآية ومثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله.

واما المتشابه فما كان في القرآن مما لفظه واحد ومعانيه مختلفة مما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة أوجه والايمان على أربعة وجوه ومثل الفتنة والضلال الذي هو على وجوه وتفسير كل آية نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى واما قوله (فاما الذين في قلوبهم زيغ) اي شك وقوله (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما انزل الله عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، قال قلت جعلت فداك ان أبا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال وما كان يقول؟

قلت إنه يقول انكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن قال علم الحلال والحرام والقرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل والنهار وقوله (ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا) اي لا نشك وقوله (أولئك هم وقود النار) يعني حطب النار (كدأب آل فرعون) اي فعل آل فرعون.

وقوله (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) فإنها نزلت بعد بدر لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر اتى بنى قينقاع وهو يناديهم وكان بها سوق يسمى سوق النبط فأتاهم رسول الله فقال يا معشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش وهم أكثر عددا وسلاما وكراعا منكم فأدخلوا في الاسلام، فقالوا يا محمد أإنك تحسب حربنا مثل حرب قومك؟

والله لو لقيتنا للقيت رجالا، فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) يعني فئة المسلمين وفئة الكفار (وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين) اي كانوا مثلي المسلمين (والله يؤيد بنصره من يشاء) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).

وقوله (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث) قال القناطير جلود الثيران مملوءة دهبا " والخيل المسومة " يعني الراعية والانعام " والحرث " يعني الزرع " والله عنده حسن المآب " اي حسن المرجع إليه قال (أؤنبئكم بخير من ذلكم الذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) ثم اخبر ان هذا للذين (يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر ذنوبنا وقنا عذاب النار - إلى قوله - والمستغفرين بالاسحار) ثم اخبر ان هؤلاء هم (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) وهم الدعاؤن واما قوله (وأزواج مطهرة) قال في الجنة لا يحضن ولا يحدثن.

حدثني أبي عن إسماعيل بن ابان عن عمر (عمير ط) بن عبد الله الثقفي قال اخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين عليهم السلام من المدينة إلى الشام، وكل ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينما هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال ما لهؤلاء القوم ألهم عيد اليوم؟

قالوا لا يا بن رسول الله ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في مثل هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم، قال أبو جعفر عليه السلام وله علم؟

فقالوا هو من اعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (ع)، قال لهم نذهب إليه، فقالوا ذاك إليك يا بن رسول الله، قال فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى اتوا الجبل، قال فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو وأصحابه، فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى، ثم قصد أبا جعفر (ع) فقال أمنا أنت أم من الأمة المرحومة؟

فقال أبو جعفر (ع) من الأمة المرحومة، قال فمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟

قال لست من جهالهم، قال النصراني أسألك أو تسألني؟

فقال أبو جعفر (ع) سلني، فقال يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول اسألني ان هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟

قال أبو جعفر (ع) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال النصراني فإذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن اي الساعات هي؟

فقال أبو جعفر (ع) من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضى، فقال النصراني أصبت فأسألك أو تسألني؟

قال أبو جعفر (ع) سلني، قال يا معشر النصارى ان هذا لملئ بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟

أعطني مثله في الدنيا، قال أبو جعفر (ع) هذا هو الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط، قال النصراني أصبت ألم تقل ما انا من علمائهم؟

قال أبو جعفر (ع) إنما قلت لك ما انا من جهالهم، قال النصراني فأسألك أو تسألني قال أبو جعفر (ع) سلني قال يا معشر النصارى لأسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له سل قال أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت منه بابنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة ووضعتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد عاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟

قال أبو جعفر (ع) هما عزير وعزرة كانت حملت أمهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مأة سنة وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة وماتا جميعا في ساعة واحدة فدفنا في قبر واحد، قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط اعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني إلى كهفي فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر (ع).

وقوله (شهد الله انه لا إله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) قال قائما بالقسط معطوف على قوله شهد الله والقسط العدل (ان الدين عند الله الاسلام) قال التسليم لله ولأوليائه وهو التصديق، وقد سمى الله الايمان تصديقا حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن حمران بن أعين عن أبي عن أبي جعفر (ع) قال إن الله فضل الايمان على الاسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة قال وحدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحل قبلي ولا ينسبها أحد بعدي الاسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، فالتصديق هو الاقرار، والاقرار هو الأداء، والأداء هو العمل والمؤمن من اخذ دينه عن ربه إن المؤمن يعرف ايمانه في عمله وان الكافر يعرف كفره بانكاره، يا أيها الناس دينكم دينكم فان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، وان السيئة فيه تغفر، وان الحسنة في غيره لا تقبل وقوله (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة) فان هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان بظاهرها ولا يدان بباطنها الا عند التقية، ان التقية رخصة للمؤمن ان يراه (ان يدين بدين ط) الكافر فيصلي بصلاته ويصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر وفي الباطن يدين الله بخلاف ذلك، وقوله (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية) فحب الله للعباد رحمة منه لهم وحب العباد لله طاعتهم له (1).

وقوله (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فلفظ الآية عام ومعناه خاص وإنما فضلهم على عالمي زمانهم وقال العالم عليه السلام نزل " وآل عمران وآل محمد على العالمين " فأسقطوا آل محمد من الكتاب.

وقوله (إذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك أنت السميع العليم) فان الله تبارك وتعالى أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فبشر عمران زوجته بذلك فحملت، فقالت رب اني نذرت لك ما في بطني محررا للمحراب، وكانوا إذا نذروا نذرا جعلوا ولدهم للمحراب (فاما وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) وأنت وعدتني ذكرا (واني سميتها مريم واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) فوهب الله لمريم عيسى عليه السلام قال وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه كان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ان الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذني وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث بذلك امرأته حنة وهي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما " فلما وضعتها أنثى قالت رب اني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى " لان البنت لا تكون رسولا يقول الله " والله أعلم بما وضعت " فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر الله به عمران ووعده إياه فإذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك.

فلما بلغت مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها سترا وكان لا يراها أحد وكان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول لها انى لك هذا؟

فتقول (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) الحصور الذي لا يأتي النساء (قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) والعاقر التي قد يئست من المحيض (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) قال زكريا (رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا) وذلك أن زكريا ظن أن الذي بشره هم الشياطين فقال " رب اجعل لي آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا " فخرس ثلاثة أيام، وقوله (إذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) قال اصطفاها مرتين، اما الأولى اصطفاها اي اختارها واما الثانية فإنها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين وقوله (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) وإنما هو اركعي واسجدي ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - يا محمد - وما كنا لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) قال لما ولدت اختصم آل عمران فيها فكلهم قالوا نحن تكفلها فخرجوا وقارعوا بالسهام بينهم فخرج سهم زكريا فتكفلها زكريا.

(إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) اي ذا وجه وجاه ونكتب مولده وخبره في سورة مريم وقوله (اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) اي أقدر وهو خلق تقدير، حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثني جعفر بن عبد الله قال حدثنا كثير بن عياش عن زياد بن المنذر عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمد ابن علي عليهما السلام في قوله (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) فان عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل اني رسول الله إليكم واني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص، الأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحرا فأرنا آية نعلم أنك صادق قال أرأيتم ان أخبرتكم " بما تأكلون وما تدخرون " يقول ما أكلتم في بيوتكم قبل ان تخرجوا وما ذخرتم الليل، تعلمون اني صادق؟

قالوا نعم فكان يقول للرجل اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من ينكر فيكفر، وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) وهو السبت والشحوم والطير الذي حرمه الله على بني إسرائيل قال وروى ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى (فلما أحس عيسى عليه السلام منهم الكفر) اي لما سمع ورأي انهم يكفرون، والحواس الخمس التي قدرها الله في الناس السمع للصوت، والبصر للألوان وتمييزها، والشم لمعرفة الروائح الطيبة والخبيثة، والذوق للطعوم وتمييزها، واللمس لمعرفة الحار والبارد واللين والخشن.

واما قوله (إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينقض رأسه من الماء، فقال إن الله أوحى إلي انه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي، فقال شاب منهم انا يا روح الله قال فأنت هوذا فقال لهم عيسى عليه السلام اما ان منكم لمن يكفر بي قبل ان يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله؟

فقال عيسى ان تحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى (ع) اما انكم ستفترقون بعدي على ثلث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال أبو جعفر (ع) ان اليهود جاءت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم فاخذوا الرجل الذي قال له عيسى (ع) ان منكم لمن يكفر بي من قبل ان يصبح اثنتي عشرة كفرة واخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى فقتل وصلب وكفر الذي قال له عيسى (ع) تكفر قبل ان تصبح اثنتي عشرة كفرة.

واما قوله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون - إلى قوله - فمن حاجك فيه بعد ما جاءك من العلم) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دتوا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا إلى ما تدعون؟

فقال إلى شهادة " ان لا إله إلا الله واني رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث " قالوا فمن أبوه؟

فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قل لهم ما تقولون في آدم (ع) أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب وينكح فسألهم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا نعم، فقال فمن أبوه؟

فبهتوا فبقوا ساكتين فأنزل الله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية) واما قوله (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فباهلوني فان كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا نزلت علي، فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والاهتم ان باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي وان باهلنا باهل بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن أبي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين عليهم السلام، فعرفوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله على الجزية وانصرفوا.

وقوله (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التورية والإنجيل الا من بعده أفلا تعقلون) ثم قال (ها أنتم هؤلاء) اي أنتم يا هؤلاء (حاججتم فيما لكم به علم) يعني بما في التورية والإنجيل (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) يعني بما في صحف إبراهيم (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ثم قال (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) ثم وصف الله عز وجل من أولى الناس بإبراهيم يحتج به، فقال (ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمر بن يزيد قال أبو عبد الله عليه السلام أنتم والله من آل محمد فقلت من أنفسهم جعلت فداك؟

قال نعم والله من أنفسهم ثلاثا ثم نظر إلي ونظرت إليه فقال يا عمر إن الله يقول في كتابه " ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " وقوله (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) اي تعلمون ما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وتكتمونه وقوله (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) قال نزلت في قوم من اليهود قالوا آمنا بالذي جاء به محمد بالغداة وكفرنا به بالعشي وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما قد م المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب اليهود من ذلك فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الحرام وجدت (2) وكان صرف القبلة صلاة الظهر فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد الحرام، لعلهم يرجعون إلى قبلتنا.

قال علي بن إبراهيم في قوله (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يوده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يوده إليك الا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) فان اليهود قالوا يحل لنا ان نأخذ مال الأميين والأمييون الذين ليس معهم كتاب، فرد الله عليهم فقال (ويقولون علي الله الكذب وهم يعلمون) وقوله (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) قال يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذون منهم ويخونونهم وما هم بمسلمين على الحقيقة وقوله (وان منهم فريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله) قال كان اليهود يقولون شيئا ليس في التورية ويقولون هو في التورية فكذبهم الله وقوله (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين) اي ان عيسى لم يقل للناس اني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي علماء وقوله (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) قال كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب، واليهود قالوا عزير ابن الله فقال، الله لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا.

واما وقوله (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) فان الله اخذ ميثاق نبيه اي محمد صلى الله عليه وآله على الأنبياء ان يؤمنوا به وينصروه ويخبروا أممهم بخبره، حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " ولتنصرنه " يعني أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال لهم في الذر (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) اي عهدي (قالوا أقررنا قال) الله للملائكة (فاشهدوا وإنا معكم من الشاهدين) وهذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الآية " والآية التي في سورة الأعراف قوله " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " قد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور.

ثم قال عز وجل (أفغير دين الله يبغون) قال أغير هذا الذي قلت لكم ان تقروا بمحمد ووصيه (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) اي فرقا من السيف.

ثم امر نبيه بالاقرار بالأنبياء والرسل والكتب فقال قل يا محمد (آمنا بالله وما أنزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وقوله (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) فإنه محكم.

ثم ذكر الله عز وجل الذين ينقضون عهد الله في أمير المؤمنين وكفروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجائهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون - إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملا الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين) فهذه كلها في أعداء آل محمد ثم قال (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) اي لن تنالوا الجزء الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الخمس والأنفال والفئ.

واما قوله (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية) قال إن يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل فقال اليهود ان لحم الجمل محرم في التورية، فقال عز وجل لهم (فاتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين) إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر.

(وقوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) قال معنى بكة ان الناس يبك (3) بعضهم بعضا في الزحام وقوله (ومن دخله كان آمنا) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حفص بن البحتري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجني الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال لا يقام عليه الحد ولا يكلم ولا يسقى ولا يطعم ولا يباع منه، إذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيقام عليه الحد وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة، وقوله (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر) اي من ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، والاستطاعة هي القوة والزاد والراحلة، وقوله (اتقوا الله حق تقاته) فإنه منسوخ بقوله " اتقوا الله ما استطعتم " وقوله (واعتصموا بحبل الله جميعا) قال التوحيد والولاية وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولا تفرقوا) قال إن الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم ويختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فامرهم ان يجتمعوا على ولاية آل محمد عليهم السلام ولا يتفرقوا.

وقال علي بن إبراهيم في قوله (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) فإنها نزلت في الأوس والخزرج كان الحرب بينهم مأة سنة لا يضعون السلاح بالليل ولا بالنهار حتى ولد عليه الأولاد فلما بعث الله نبيه أصلح بينهم فدخلوا في الاسلام وذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله صلى الله عليه وآله وصاروا اخوانا، وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

قال علي بن إبراهيم في قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه - إلى قوله - ففي رحمة الله هم فيها خالدون) فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن أبي ذر رحمة الله عليه قال لما نزلت هذه الآية يوم " تبيض وجوه وتسود وجوه " قال رسول الله صلى الله عليه وآله يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فخرفناه ونبذناه وراء ظهورنا واما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي رأيه مع سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فعصيناه وتركناه واما الأصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا به كل قبيح فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر ففرقناه (فمزقناه ط) وبرئنا منه واما الأصغر فقاتلناه وقتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي راية مع امام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فاتبعناه وأطعناه واما الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا، فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون " قوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال قرئت عند أبي عبد الله عليه السلام " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فقال أبو عبد الله عليه السلام " خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟

فقال القاري جعلت فداك كيف نزلت؟

قال نزلت " كنتم خير أئمة أخرجت للناس " الا ترى مدح الله لهم " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".

وقوله (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله) يعني بعهد من الله وعقد من رسول الله (وضربت عليهم المسكنة) اي الجوع وقوله (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) اي لن تجحدوه ثم ضرب للكفار من انفق ماله في غير طاعة الله مثلا فقال (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) اي برد (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته (أي زرعهم) وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) نزلت في اليهود وقوله (لا يألونكم خبالا) اي عداوة وقوله (عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) قال أطراف الأصابع وقوله (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سبب نزول هذه الآية ان قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج يبغي موضعا للقتال.

وقوله (إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا) نزلت في عبد الله بن أبي وقوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله قال وكان سبب غزوة أحد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنه قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون، فلما رجعوا إلى مكة قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا النساء تبكى على قتلاكم فان البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد وأصحابه، فلما غزوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد أذنوا لنساءهم بعد ذلك في البكاء والنوح، فلما أرادوا ان يغزوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس والفي راجل واخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثنهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله واخرج أبو سفيان هند بنت عتبة وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية.

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك جمع أصحابه وأخبرهم ان الله قد اخبره ان قريشا قد تجمعت تريد المدينة، وحث أصحابه على الجهاد والخروج، فقال عبد الله بن أبي (سلول ط) وقومه يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح فما ارادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا إلى أعدائنا قط الا كان الظفر لهم، فقام سعد بن معاذ رحمه الله وغيره من الأوس فقالوا يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطمعون فينا وأنت فينا لا، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا ومن نجى منا كان قد جاهد في سبيل الله فقبل رسول الله قوله وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال كما قال الله " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين إلى قوله - إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا " يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله معسكره مما يلي من طريق العراق وقعد عبد الله بن أبي وقومه من الخزرج اتبعوا رأيه، ووافت قريش إلى أحد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله عد أصحابه وكانوا سبعماءة رجلا، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب واشفق ان يأتي كمينهم في ذلك المكان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعبد الله ابن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم، ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، وقال لهم إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فأخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم فلما أقبلت الخيل واصطفوا وعبأ (4) رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه دفع الراية إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مأتي فارس، فلقي عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم، قالوا لعبد الله بن جبير تقيمنا ههنا وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد تقدم الينا ان لا نبرح، فلم يقبلوا منه واقبل ينسل رجل فرجل حتى اخلوا من مركزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثنى عشر رجلا، وقد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد!

تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء ان يلحق بجنته فليبرز إلي، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام يقول: يا طلح ان كنت كما تفول * لنا خيول ولكم نصول فاثبت لننظر أينا المقتول * وأينا أولى بما تقول فقد اتاك الأسد الصؤل * بصارم ليس به فلول بنصرة القاهر والرسول فقال طلحة من أنت يا غلام؟

قال انا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم (5) انه لا يجسر علي أحد غيرك، فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه أمير المؤمنين عليه السلام بالجحفة (6) ثم ضربه أمير المؤمنين عليه السلام على فخذيه فقطعهما جميعا فسقط على ظهره، وسقطت الراية، فذهب علي عليه السلام ليجهز (7) عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه؟

قال قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا، واخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحه فقتله علي عليه السلام وسقطت الراية علي الأرض، فاخذها شافع (مسافع ط) بن أبي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية إلى الأرض فاخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي (ع) فسقطت الراية إلى الأرض فاخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي (ع)، فسقطت الراية إلى الأرض، واخذها أبو عذير بن عثمان ففتله علي (ع) وسقطت الراية إلي الأرض فاخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي (ع) وسقطت الراية إلى الأرض، فقتل أمير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل مبارزة وسقطت الراية إلى الأرض، فاخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟

فضربه أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه فقتله، وسقطت الراية إلى الأرض، فاخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقى في نفر قليل فقتلوهم على باب شعب واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها واقبل خالد بن الوليد يقتلهم، فانهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله هزيمة قبيحة واقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال: " اني أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله؟

".

وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه السلام يا قضيم، قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب واغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يرمونه بالحجارة والتراب فشكى ذلك إلى علي عليه السلام فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين عليه السلام فتعرض الصبيان لرسول الله صلى الله عليه وآله كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنا فيم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمي لذلك " القضيم ".

وروي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال كنت أماشي فلانا إذ سمعت منه همهمة، فقلت له مه، ماذا يا فلان؟

قال ويحك أما ترى الهزير (8) القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد علي من طغى وبغى، بالسيفين والراية، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب، فقلت له يا هذا هو علي بن أبي طالب، فقال ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي يوم أحد على أن لا نفر ومن فر منا فهو ضال ومن قتل منا فهو شهيد والنبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فازعجونا عن طحونتنا (9) فرأيت عليا كالليث يتقي الذر (الدر ط) وإذ قد حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال شاهت الوجوه وقطت (10) وبطت ولطت، إلى أين تفرون، إلى النار، فلم ترجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال بايعتم ثم نكثتم، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان (11) يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوين دما، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا، فبادرت انا إليه من بين أصحابي فقلت يا أبا الحسن الله الله، فان العرب تكر وتفر وان الكرة تنفي الفرة، فكأنه عليه السلام استحيى فولى بوجهه عني، فما زلت أسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة ".

ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أبو دجانة الأنصاري، وسماك بن خرشة وأمير المؤمنين عليه السلام، فكلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه وآله استقبلهم أمير المؤمنين فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم حتى انقطع سيفه، وبقيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزواته تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فأراد ان ينهزم ويتراجع، فحملت عليه فقالت يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟

فردته، فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت علي الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بارك الله عليك يا نسيبة وكانت تقي رسول الله صلى الله عليه وآله بصدرها وثدييها ويديها حتى اصابتها جراحات كثيرة، وحمل ان قميتة (قمية ط) على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أروني محمدا لا نجوت ان نجا محمد، فضربه علي حبل عاتقه، ونادى قتلت محمدا واللات والعزى، ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجل من المهاجرين قد القى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه " يا صاحب الترس ألق ترسك ومر إلى النار " فرمى بترسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان " فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وآله سيفه " ذا الفقار " فقال قاتل بهذا، ولم يكن يحمل على رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا إلا يستقبله أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا رأوه رجعوا فانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية أحد، فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه فلم يزل أمير المؤمنين (ع) يقاتلهم حتى اصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه، وسمعوا مناديا ينادي من السماء " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " فنزل جبرئيل علي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: " هذه والله المواساة يا محمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " لأني منه وهو مني " وقال جبرئيل " وانا منكما ".

وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا، وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا لان قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيتك رضاك وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا، فقال وحشي اما محمد فلا أقدر عليه واما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم أطمع فيه قال فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطى على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط فاتيته فشققت بطنه واخذت كبده واتيت بها إلى هند فقلت لها هذه كبد حمزة، فاخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة (12) فلفظتها ورمت بها فبعث الله ملكا فحملها وردها إلى موضعها، فقال أبو عبد الله عليه السلام يأبى الله ان يدخل شيئا من بدن حمزة النار، فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وجعلتهما خرصين (13) وشدتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل، فقال أبو سفيان وهو على الجبل " أعل هبل " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام قل له " الله اعلا واجل " فقال يا علي انه قد أنعم علينا فقال علي عليه السلام بل الله أنعم علينا ثم قال أبو سفيان يا علي أسألك باللات والعزى هل قتل محمد؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك، والله ما قتل محمد صلى الله عليه وآله وهو يسمع كلامك، فقال أنت أصدق، لعن الله ابن قميته زعم أنه قتل محمدا.

وكان عمرو بن قيس قد تأخر اسلامه فلما بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وآله في الحرب اخذ سيفه وترسه واقبل كالليث العادي يقول أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم خالط القوم فاستشهد فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين القتلى فقال يا عمرو أنت على دينك الأول؟

فقال معاذ الله، والله اني أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ثم مات، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يا رسول الله ان عمرو بن قيس قد أسلم فهو شهيد؟

فقال اي والله انه شهيد، ما رجل لم يصل لله ركعة دخل الجنة غيره.

وكان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج، قد تزوج في تلك الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد، بنت عبد الله بن أبي سلول ودخل بها في تلك الليلة، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقيم عندها فأنزل الله: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ان الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم " فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه الآية في سورة النور واخبار أحد في سورة آل عمران فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله، فدخل حنظلة باهله وواقع عليها فأصبح وخرج وهو جنب، فحضر القتال فبعث امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار لما أراد حنظلة ان يخرج من عندها وأشهدت عليه انه قد واقعها فقيل لها لم فعلت ذلك؟

قالت رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انظمت، فعلمت انها الشهادة فكرهت ان لا اشهد عليه، فحملت منه.

فلما حضر القتال نظر حنظلة إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكرين فحمل عليه فضرب عرقوب (14) فرسه فاكتسعت الفرص وسقط أبو سفيان إلى الأرض وصاح يا معشر قريش أنا أبو سفيان وهذا حنظلة يريد قتلي وعدا أبو سفيان ومر حنظلة في طلبه فعرض له رجل من المشركين فطعنه فمشى إلى المشرك في طعنه فضربه فقتله، وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حزام وجماعة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت الملائكة يغسلون حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب، فكان يسمى غسيل الملائكة.

وروي ان مغيرة بن العاص كان رجلا أعسر فحمل في طريقة إلى أحد ثلاثة أحجار، فقال بهذه اقتل محمدا، فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده السيف فرماه بحجر، فأصاب به رسول الله صلى الله عليه وآله فسقط السيف من يده فقال قتلته واللات والعزى فقال أمير المؤمنين عليه السلام كذب لعنه الله، فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم حيره، فلما انكشف الناس تحير فلحقه عمار بن ياسر فقتله، وسلط الله على ابن قميته الشجر فكان يمر بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصرر (15) ومات لعنه الله ورجع المنهزمون من أصحاب رسول صلى الله عليه وآله فأنزل الله على رسوله:

(أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) يعني ولما يرى لأنه عز وجل قد علم قبل ذلك من يجاهد ومن لا يجاهد فأقام العلم مقام الرؤية لأنه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه.

قوله:

(ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه الآية " فان المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم من الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم أرنا القتال نستشهد فيه فأراهم الله إياه في يوم أحد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه " واما قوله:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج يوم أحد وعهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتل، النجاء (16) فلما رجعوا إلى المدينة انزل الله (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله انقلبتم على أعقابكم) يقول إلى الكفر وقوله:

(وكأين من نبي قاتل معه ربانيون كثير) يقول كأي من نبي قبل محمد قاتل معه ربيون كثير والربانيون الجموع الكثيرة والزبوة الواحدة عشرة آلاف يقول الله تبارك وتعالى:

(فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) من قبل نبيهم (وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) يعنون خطاياهم (وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) قال علي بن إبراهيم في قوله:

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) يعني عبد الله بن أبي حيث خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رجع يجبن أصحابه قال للمؤمنين يوم أحد يوم الهزيمة ارجعوا إلى دينكم عن علي عليه السلام (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) يعني قريش (بما أشركوا بالله) قوله:

(ولقد صدقكم اله وعده) يعني أن ينصركم الله عليهم (إذ تحسونهم باذنه) إذ تقتلونهم بإذن الله (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أريكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا) يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مركزهم ومروا للغنيمة، قوله (ومنكم من يريد الآخرة) يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) أي يختبركم (ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) ثم ذكر المنهزمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:

(إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم) إلى قوله (خبير بما تعملون) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (فأثابكم غما بغم) فاما الغم الأول فالهزيمة والقتل، واما الغم الآخر فاشراف خالد بن الوليد عليهم يقول (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من الغنيمة (ولا ما أصابكم) يعني قتل اخوانهم (فالله خبير بما تعملون ثم انزل عليكم من بعد الغم) قال يعني الهزيمة، ورجع إلى تفسير علي بن إبراهيم.

قال وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المجروحون وغيرهم، فاقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأحب الله يعرف رسوله من الصادق منهم ومن الكاذب، فأنزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون إلى الأرض وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون قد طارت عقولهم وهم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم فأنزل الله (نعاسا يغشى طائفة منكم) يعني المؤمنين و (طائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ) قال الله لمحمد صلى الله عليه وآله:

(قل ان الامر كله لله، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا) يقولون لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله:

(لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فأخبر الله رسوله ما في قلوب القوم ومن كان منهم مؤمنا ومن كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس فأنزل الله عليه " ما كان الله ليدر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنعاس الذي ميز بينهم، وقوله:

(ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان) اي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة (ببعض ما كسبوا) قال بذنوبهم (ولقد عفا الله عنهم) ثم قال:

(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه الذين قعدوا عن الحرب (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير) ثم قال لنبيه:

(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) اي انهزموا ولم يقيموا معك ثم قال تأديبا لرسوله (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم هم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قي قوله:

(ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وصدق الله لم يكن الله ليجعل نبيا غالا (17) (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ومن غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف ان يدخل إليه فيخرجه من النار (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) واما قوله (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) فهذه الآية لآل محمد صلى الله عليه وآله واما قوله (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يقول بمعصيتكم أصابكم ما أصابكم ط - ان الله علي كل شئ قدير، وما أصابكم يوم التقى الجمعان فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله) فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبي سلول فقال لهم جابر ابن عبد الله أنشدكم الله في نبيكم ودينكم ودياركم فقالوا والله لا يكون قتال اليوم ولو نعلم أنه يكون قتال اتبعناكم يقول الله (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) وفي رواية علي بن إبراهيم قوله ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، وقوله " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " قال أبو عبد الله عليه السلام ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما نزل " لقد نصركم ببدر وأنتم ضعفاء ".

فلما سكن القتال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل انا اطلبه فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع فقال اطلبه هناك فاني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحا، قال فاتيت ذلك الموضع فإذا هو صريع بين القتلى، فقلت يا سعد، فلم يجبني ثم قلت يا سعد فلم تجيبني فقلت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد سأل عنك، فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لحي؟

قلت اي والله انه لحي وقد أخبرني انه رأى حولك اثنى عشر رمحا فقال الحمد لله صدق رسول الله صلى الله عليه وآله لقد طعنت اثنى عشر طعنة كله قد جأفتني (18) أبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم والله ما لكم عند الله عذر إن تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وقد كان اختفى في جوفه وقضى نحبه رحمه الله ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال رحم الله سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بعمي حمزة، فقال الحرث بن سمية انا اعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام يا علي اطلب عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره ان يرجع إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال والله ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لان أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل اصبر، فهذه الآية في سورة النحل وكان يجب أن تكون في هذه السورة التي فيها اخبار أحد، فالقى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا رأسه، فمدها على رأسه والقى على رجليه الحشيش وقال لولا أني احذر نساء بني عبد المطلب لتركته للعادية والسباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير، وامر رسول الله صلى الله عليه وآله بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم ودفنهم في مضاجعهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، قال وصاح إبليس لعنه الله بالمدينة " قتل محمد " فلم يبق أحد من نساء المهاجرين والأنصار الا خرجن، وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله صلى الله عليه وآله وقعدت بين يديه فكان إذا بكى رسول الله صلى الله عليه وآله بكت لبكائه وإذا انتحب انتحبت، ونادى أبو سفيان موعدنا وموعدكم في عام قابل فتقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام قل نعم، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل المدينة واستقبلته النساء يولولن ويبكين فاستقبلته زينب بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله احتسبي فقالت من يا رسول الله؟

قال أخاك قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله؟

قال حمزة بن عبد المطلب قالت إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله؟

قال زوجك مصعب بن عمير، قالت وا حزناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان للزوج عند المرأة لحدا ما لاحد مثله، فقيل لها لم قلت ذلك في زوجك؟

قالت ذكرت يتم ولده.

قال وتؤامرت قريش على أن يرجعوا على المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل يأتينا بخبر القوم؟

فلم يجبه أحد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام انا اتيك بخبرهم، قال اذهب فان كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهم يريدون المدينة والله لان أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وان كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة، فمضى أمير المؤمنين (ع) على ما به من الألم والجراحات حتى كان قريبا من القوم فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فرجع أمير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرادوا مكة.

فلما دخل رسول الله المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك ان تخرج في اثر القوم ولا يخرج معك الا من به جراحة، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم، فاقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فأنزل الله على نبيه " ولا تهنوا في ابتغاء إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " وهذه الآية في سورة النساء ويجب أن تكون في هذه السورة قال عز وجل (ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله بحمراء الأسد وقريش قد نزلت الروحا قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن عاص وخالد بن الوليد نرجع فنغير على المدينة فقد قتلنا سراتهم وكبشهم يعني حمزة، فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي قد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما أفلح قوم قط بغوا، فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد؟

قال المدينة لامتار لأهلي طعاما، قال هل لك ان تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد وتعلمهم ان حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش (19) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص (20) املؤها تمرا وزبيبا؟

قال نعم، فوافا من غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله أين تريدون؟

قالوا قريش، قال ارجعوا فان قريشا قد أجنحت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن الا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة، فقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل) ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ارجع يا محمد فان الله قد ارهب قريشا، ومروا لا يلوون على شئ ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وانزل الله (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم الفرح للذين أحسنوا منهم واتقوا اجر عظيم الذين قال لهم الناس) يعني نعيم بن مسعود فهذا اللفظ عام ومعناه خاص (ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا الذي أصابنا؟

قد كنت تعدنا النصر، فأنزل الله (أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم) وذلك لان يوم بدر قتل من قريش سبعون وأسر منهم سبعون وكان الحكم في الأسارى القتل، فقامت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال إن الله قد أباح لهم الفداء ان يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذوا منه الفداء من هؤلاء، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا الشرط، فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء نتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء وندخل الجنة، فاخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان في هذا اليوم وهو يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله سبعون، فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر فأنزل الله " أو لما اصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند أنفسكم " بما اشترطتم يوم بدر واما قوله (وما كان لنبي ان يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) فان هذه نزلت في حرب بدر، وهي مع الآيات التي في الأنفال في اخبار بدر، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار أحد، وكان سبب نزولها انه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا أن رسول الله أخذها، فأنزل الله في ذلك، وما كان لنبي أن يغل..

الخ.

فجاء رجل إلى رسول الله فقال إن فلانا غل قطيفة فاخبأها هنا لك، فامر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة.

واما قوله:

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال هم والله شيعتنا إذا دخلوا الجنة واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من اخوانهم من المؤمنين في الدنيا (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وهو رد على من يبطل الثواب والعقاب بعد الموت واما قوله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم) قال من بخل ولم ينفق ماله في طاعة الله صار ذلك يوم القيامة طوقا من نار في عنقه وهو قوله (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) واما قوله:

(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قال والله ما رأوا الله تعالى فيعلموا انه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان الله غنيا لاغنى أولياؤه واما قوله (الذين قالوا إن الله عهد الينا ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) فان قوما من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار وكان عند بني إسرائيل طست كانوا يقربون القربان فيضعونه في الطست فتجئ نار فتقع فيه فتحرقه، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار كما كان لبني إسرائيل فقال الله قل لهم يا محمد (قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات) هي الآيات (والزبر) وهي كتب الأنبياء بالنبوة (والكتاب المنير) الحلال والحرام.

قال علي بن إبراهيم واما قوله (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) اي؟

نجى؟

من النار (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة يدعى محمد صلى الله عليه وآله فيكسى حلة وردية ثم يقام على يمين العرش ثم يدعى بإبراهيم عليه السلام فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين النبي صلى الله عليه وآله ثم يدعي بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام على يسار إبراهيم، ثم يدعى بالحسن عليه السلام فيكسى حلة وردية فيقام على يمين أمير المؤمنين عليه السلام ثم يدعى بالحسين (ع) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين الحسن (ع) ثم يدعى بالأئمة فيكسون حللا وردية ويقام كل واحد على يمين صاحبه، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة ونسائها من ذريتها وشيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة والأفق الاعلى نعم الأب أبوك يا محمد وهو إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي بن أبي طالب عليه السلام ونعم السبطان سبطاك وهما الحسن والحسين ونعم الجنين جنينك وهو محسن ونعم الأئمة الراشدون من ذريتك وهم فلان وفلان، ونعم الشيعة شيعتك ألا ان محمدا ووصيه وسبطيه والأئمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بهم إلى الجنة وذلك قوله: " فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز " وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله:

(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وذلك أن الله اخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب في محمد لتبيننه للناس إذا خرج ولا يكتمونه (فنبذوه وراء ظهورهم) يقول نبذوا عهد الله وراء ظهورهم (واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون).

قال علي بن إبراهيم في قوله (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لما يفعلوا) نزلت في المنافقين الذين يحبون ان يحمدوا على غير فعل، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر (ع) قوله (ولا تحسبنهم بمفازة من العذاب) يقول ببعيد من العذاب (ولهم عذاب اليم).

قال علي بن إبراهيم في قوله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) يعني الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم يعني مضطجعا يؤمي إيماءا إلى قوله (ما للظالمين من أنصار) فهو محكم (ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان) يعني رسول الله ينادي إلى الايمان إلى قوله (انك لا تخلف الميعاد) ثم ذكر أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه المؤمنين فقال (فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم) يعني أمير المؤمنين وسلمان وأبا ذر حين اخرج (وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) ثم قال لنبيه (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) واما قوله (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله) فهم قوم من اليهود والنصارى دخلوا في الاسلام، منهم النجاشي وأصحابه، واما قوله (اصبروا وصابروا ورابطوا) فإنه حدثني أبي عن أبي بصير (ابن أبي عمير ط) عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال اصبروا على المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا على الأئمة عليهم السلام، وحدثني أبي عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن الرضا عليه السلام قال إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون؟

فيقوم فئام (21) من الناس ثم ينادي أين المتصبرون، فيقوم فئام من الناس، قلت جعلت فداك وما الصابرون؟

قال على أداء الفرايض والمتصبرون علي اجتناب المحارم.


1- بكسر الغين بياض البيض. ج - ز.

2- قال صادق آل محمد عليه السلام: ما أحب الله من عصاه ثم تمثل فقال: تعصى الاله وأنت تظهر حبه * هذا محال في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته * ان المحب لمن يحب مطيع. ج - ز.

3- وجدت اي حزنت. ج ز.

4- بكبك القوم اي ازدحموا، ج - ز.

5- عبأ الجيش اي رتبه في مواضعه وهيأه للقتال. ج - ز.

6- القضيم الكاسر وسيأتي شرحه في عبارة المصنف (رحمه الله).

7- الترس.

8- اجهز على الجريح أي اسرع في قتله واثمه. ج - ز.

9- الهزبر كمنبر: الأسد، القضم كلقن: السيف المتكسر الحد ولا يكون كذلك إلا مع كثرة استعماله في الحروب، البهم كصرد: الشجاع المستبهم على أقرانه.

10- الطحون والطحانة الكتيبة العظيمة. ج - ز.

11- كلها مبني للمفعول أي قطعت وشقت وضربت.

12- السليط كلقيط الزيت، ومنه خبر ابن عباس رأيت عليا وكأن عينيه سراجا سليط (مجمع) ج - ز.

13- الداغصة عظم مدور في الركبة. وفى ط مثل الفضة وهو بعيد.

14- الخرصان تثنية الخرص كفلس حلفة الذهب أو الفضة أو الخرص ككفل وهو الجراب. ج - ز.

15- العرقوب بالضم عرق غليظ فوق عقب الانسان ومن الدابة في رجلها كالركبة في يدها. ق. ج ز.

16- الصرر كشرر: السنبل.

17- النجاء كعلاء الخلاص. ج - ز.

18- غل غلولا خان. ج - ز.

19- جأفه اي صرعه. ج - ز.

20- الأحابيش جمع أحبوشة كأحدوثة وهي الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.

21- جمع قلوص كمجوس وهي الإبل ج - ز.