البقرة

سورة البقرة

وهي مائتان وست وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) قال أبو الحسن علي بن إبراهيم حدثني أبي عن يحيى بن ابن عمران عن يونس عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال الكتاب علي (ع) لا شك فيه هدى للمتقين قال بيان لشيعتنا قوله (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من القرآن يتلون وقال ألم هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المتقطع في القرآن الذي خوطب به النبي صلى الله عليه وآله والامام فإذا دعا به أجيب والهداية في كتاب الله على وجوه أربعة فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب قال يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد والايمان في كتاب الله على أربعة أوجه فمنه اقرار باللسان قد سماه الله ايمانا ومنه تصديق بالقلب ومنه الأداء ومنه التأييد.

(الأول) الايمان الذي هو اقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى ايمانا ونادى أهله به لقوله (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وان منكم لمن ليبطئن فان اصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (1) قال الصادق عليه السلام لو أن هذه الكلمة قالها أهل المشرق وأهل المغرب لكانوا بها خارجين من الايمان ولكن قد سماهم الله مؤمنين باقرارهم وقوله " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " فقد سماهم الله مؤمنين باقرارهم ثم قال لهم صدقوا.

(الثاني) الايمان الذي هو التصديق بالقلب فقوله " الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (2) " يعني صدقوا وقوله " وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " اي لا نصدقك وقوله " يا أيها الذين آمنوا آمنوا " اي يا أيها الذين أقروا صدقوا فالايمان الحق هو التصديق وللتصديق شروط لا يتم التصديق الا بها وقوله " ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وإقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (3) " فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.

(الثالث) الايمان الذي هو الأداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال أصحاب رسول الله يا رسول الله صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت فأنزل الله تبارك وتعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فسمى الصلاة ايمانا.

(الرابع) من الايمان وهو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الايمان فقال " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه (4) " والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله " لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن يفارقه روح الايمان ما دام على بطنها فإذا قام عاد إليه " قيل وما الذي يفارقه قال " الذي يدعه (يرعد ط) في قلبه " ثم قال عليه السلام " ما من قلب إلا وله اذنان على أحدهما ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مغتر (5) هذا يأمره وهذا يزجره " ومن الايمان ما قد ذكره الله في القرآن (خبيث وطيب ط) حيث قال " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " ومنهم من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس ايمانه بظلم وهو قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون " فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس ايمانه بظلم فلا ينفعه الايمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس ايمانه حتى يخلص لله فهذه وجوه الايمان في كتاب الله.

قوله (والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك) قال بما انزل من القرآن إليك وما انزل على الأنبياء قبلك من الكتب.

قوله (ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) فان حدثني أبي عن بكر بن صالح عن أبي عمر الزبيدي (الزبيري ط) عن أبي عبد الله (ع) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم أن هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلاء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلاء كفروا وجحدوا بعلم قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى " الذين آتيناهم الكتاب - يعني التورية والإنجيل - يعرفونه - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله - كما يعرفون أبناءهم (6) " لان الله عز وجل قد انزل عليهم في التورية والزبور والإنجيل صفة محمد صلى الله عليه وآله وصفة أصحابه ومبعثه وهجرته وهو قوله " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله رضوانا؟

سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الإنجيل (7) " هذه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه في التورية والإنجيل فلما بعثه الله عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ويركت الحمار عرية (8) وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر وليقتلنكم الله به يا مشعر العرب قتل عاد، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلوني أأشكر أم اكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله.

قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فإنها نزلت في قوم منافقين أظهروا لرسول الله الاسلام وكانوا إذا رأوا الكفار قالوا " انا معكم " وإذا لقوا المؤمنين قالوا نحن مؤمنون وكانوا يقولون للكفار " انا معكم إنما نحن مستهزؤن " فرد الله عليهم " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " والاستهزاء من الله هو العذاب " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " اي يدعهم.

قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) والضلالة هنا الحيرة والهدى هو البيان واختاروا الحيرة والضلالة على الهدى وعلى البيان فضرب الله فيهم مثلا فقال (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) قوله (صم بكم عمي) والصم الذي لا يسمع والبكم الذي يولد من أمه أعمى والعمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى قوله (أو كصيب من السماء) اي كمطر من السماء وهو مثل الكفار قوله (يخطف أبصارهم) اي يعمي قوله (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) أي في شك، قوله (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم - يعني الذين عبدوهم وأطاعوهم - من دون الله إن كنتم صادقين) قوله (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) قال يؤتون من فاكهة واحدة على ألوان متشابهة قوله (ولهم فيها أزواج مطهرة) اي لا يحضن ولا يحدثن.

واما قوله " ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثل يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) فإنه قال الصادق عليه السلام ان هذا القول من الله عز وجل رد على من زعم أن الله تبارك وتعالى يضل العباد ثم يعذبهم على ضلالتهم فقال الله عز وجل ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن القسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام ان هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام فالبعوضة أمير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل على ذلك قوله " فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم " يعنى أمير المؤمنين كما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم له " واما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " فرد الله عليهم فقال " وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - في علي - ويقطعون ما امر الله به ان يوصل " يعني من صلة أمير المؤمنين (ع) والأئمة عليهم السلام " ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون " قوله " وكيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) اي نطفة ميتة وعلقة واجري فيكم الروح فأحياكم (ثم يميتكم - بعد - ثم يحييكم) في القيامة (ثم إليه ترجعون) والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة، فمن الحياة ابتداء خلق الانسان في قوله " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " فهي الروح المخلوق خلقه الله واجري في الانسان " فقعوا له ساجدين ".

والوجه الثاني من الحياة يعني به انبات الأرض وهو قوله يحيى الأرض بعد موتها والأرض الميتة التي لا نبات لها فاحياؤها بنباتها.

ووجه آخر من الحياة وهو دخول الجنة وهو قوله " استجيبوا لله ولرسوله إذا دعاكم لما يحييكم " يعني الخلود في الجنة والدليل على ذلك قوله " وان الدار الآخرة لهي الحيوان ".

واما قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عما ندب الله الخلق إليه ادخل فيه الضلالة؟

قال نعم والكافرون دخلوا فيه لان الله تبارك وتعالى امر الملائكة بالسجود لآدم فدخل في امره الملائكة وإبليس فان إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد الله وكانت الملائكة تظن انه منهم ولم يكن منهم فلما امر الله الملائكة بالسجود لآدم (ع) اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلم الملائكة عند ذلك ان إبليس لم يكن مثلهم فقيل له (ع) فكيف وقع الامر على إبليس وإنما امر الله الملائكة بالسجود لآدم؟

فقال كان إبليس منهم بالولاء (9) ولم يكن من جنس الملائكة وذلك أن الله خلق خلقا قبل آدم وكان إبليس منهم حاكما في الأرض فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء وكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله تبارك وتعالى آدم (ع).

فحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن (أبى ط) مقدام عن ثابت الحذاء عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أراد ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة وكان من شأنه خلق آدم كشط (10) عن اطباق السماوات قال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسنوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم قالوا ربنا إنك أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك قال فلما سمع ذلك من الملائكة قال (اني جاعل في الأرض خليفة) يكون حجة لي في الأرض على خلقي فقالت الملائكة سبحانك (أتجعل فيها من يفسد فيها) كما أفسد بنو الجان ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجان ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منا فانا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ونسبح بحمدك ونقدس لك قال عز وجل (اني اعلم ما لا تعلمون) اني أريد ان أخلق خلقا بيدي واجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين أئمة مهتدين واجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم لي حجة عليهم وأبيد النساس من ارضي وأطهرها منهم وانقل مردة الجن العصاة من بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فلا يرى نسل خلقي الجن ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم وأسكنتهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم ولا أبالي قال فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت (لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم) قال فباعدهم الله من العرش مسيرة خمس مأة عام، قال فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرب عز وجل إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فإنه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون ابدا فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض فقال الله تبارك وتعالى " اني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل ان يخلقه واحتجاجا منه عليهم (قال) فاغترف ربنا عز وجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا اسأل عما أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج (11) فصلصلها في كفه فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ولا اسأل عما افعل وهم يسألون قال وشرطه في ذلك البداء (12) ولم يشترط في أصحاب اليمين ثم أخلط المائتين جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ثم امر الله الملائكة الأربعة الشمال والجنوب والصبا والدبوران يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرؤها (13) وأنشؤها ثم انزوها (14) وجزوها وفصلوها (15) واجروا فيها الطبايع الأربعة الريح والدم والمرة والبلغم فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور واجروا فيها الطبايع الأربعة، الريح في الطبايع الأربعة من البدن من ناحية الشمال والبلغم في الطبايع الأربعة من ناحية الصبا والمرة في الطبايع الأربعة من ناحية الدبور والدم في الطبايع الأربعة من ناحية الجنوب، قال فاستفلت النسمة وكمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الامل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق، ولزمه من ناحية المرة الحب والغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب الفساد واللذات وركوب المحارم والشهوات، قال أبو جعفر وجدناه هذا في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا فكان يمر به إبليس اللعين فيقول لامر ما خلقت فقال العالم عليه السلام فقال إبليس لئن امرني الله بالسجود لهذا لأعصينه، قال ثم نفخ فيه فلما بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله قال الصادق عليه السلام فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك وتعالى للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى ان يسجد فقال الله عز وجل " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال الصادق عليه السلام فأول من قاس إبليس واستكبر والاستكبار هو أول معصية عصي الله بها قال فقال إبليس يا رب اعفني من السجود لآدم عليه السلام وانا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل قال الله تبارك وتعالى لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد ان اعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى ان يسجد فقال الله تعالى " فأخرج منها فإنك رجيم وان عليك لعنتي إلى يوم الدين " فقال إبليس يا رب كيف وأنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا ولكن اسأل من امر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيتك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد أعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال قد سلطتك قال اجرني منهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال ولا يلد لهم ولد الا ويلد لي اثنان قال واراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك في صدورهم أوطانا قال رب حسبي فقال إبليس عند ذلك " فبعزتك لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما اعطى الله تبارك وتعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطته على ولدي وأجريته مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته فما لي ولولدي؟

فقال لك ولولدك السيئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم فقال يا رب زدني قال اغفر ولا أبالي قال حسبي قال قلت له جعلت فداك بماذا استوجب إبليس من الله ان أعطاه ما أعطاه فقال بشئ كان منه شكره الله عليه قلت وما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة.

واما قوله (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فإنه حدثني أبي رفعه قال سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما اخرج منها أبدا آدم ولم يدخلها إبليس قال اسكنه الله الجنة واتى جهالة إلى الشجرة فأخرجه لأنه خلق خلقة لا تبقى الا بالأمر والنهي واللباس والاكنان (16) والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره الا بالتوقيف فجاءه إبليس فقال إنكما ان أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا وان لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة وحلف لهما انه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فاكلا من الشجرة فكان كما حكى الله " بدت لهما سوأتهما " وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنة واقبلا يستتران بورق الجنة " وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين " فقالا كما حكى الله عز وجل عنهما " ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) قال إلى يوم القيامة، قوله (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) فهبط آدم على الصفا وإنما سميت الصفا لان صفوة الله نزل عليها ونزلت حواء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته قال بلى قال وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟

قال يا جبرئيل ان إبليس حلف لي بالله انه لي ناصح وما ظننت ان خلقا يخلقه الله ان يحلف بالله كاذبا، قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن موسى عليه السلام سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم عليه السلام فجمع فقال له موسى يا أبة ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وأمرك ان لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟

فقال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية؟

قال بثلاثين الف سنة قبل ان خلق آدم قال فهو ذاك قال الصادق (ع) فحج آدم موسى عليهما السلام.

واما قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن آدم عليه السلام بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار الله عز وجل فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم مالك تبكي فقال يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد أخرجني الله من الجنة من جواره وأهبطني إلى الدنيا فقال يا آدم تب إليه قال وكيف أتوب فأنزل الله عليه قبة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فامر الله جبرئيل ان يضع عليه الاعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية وأمره ان يغتسل ويحرم واخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها فلما أصبح أخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين أخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية فلما زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وأمره ان يغتسل فلما صلى العصر أوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه وهي " سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك أنت الغفور الرحيم سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك أنت التواب الرحيم " فبقي إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى الله فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات وتاب الله ثم أفضى إلى منى وأمره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فاتى به عند الجمرة الأولى فعرض له إبليس عندها فقال يا آدم أين تريد؟

فأمره جبرئيل ان يرميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره ان يرميه بسبع حصيات فرمى وكبر مع كل حصاة تكبيرة ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة فأمره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة فذهب إبليس لعنه الله وقال له جبرئيل انك لن تراه بعد هذا اليوم ابدا، فانطلق به إلى البيت الحرام وأمره ان يطوف به سبع مرات ففعل فقال له ان الله قد قبل توبتك وحلت لك زوجتك قال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا يا آدم بر حجك اما انا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام، قال وحدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر (ع) قال كان عمر آدم (ع) من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها.

واما قوله (وعلم آدم الأسماء كلها) قال أسماء الجبال والبحار والأودية والنبات والحيوان ثم قال الله عز وجل للملائكة (أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين) فقالوا كما حكى الله (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم) فقال الله (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم) فقال الله (ألم أقل لكم انى اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فجعل آدم عليه السلام حجة عليهم، واما قوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال له رجل جعلت فداك ان الله يقول " ادعوني استجب لكم " وانا ندعو فلا يستجاب لنا، قال لأنكم لا تفون الله بعهده وان الله يقول " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم، واما قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال نزلت في القصاص والخطاب وهو قول أمير المؤمنين (ع) وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه، وقال الكميت في ذلك.

مصيب على الأعواد يوم ركوبها * لما قال فيها، مخطئ حين ينزل ولغيره في هذا المعنى.

وغير تقي يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوي الناس وهو عليل وقوله جل ذكره (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال الصبر الصوم (وانها لكبيرة الا على الخاشعين) يعني الصلاة وقوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وانهم إليه راجعون) قال الظن في الكتاب على وجهين فمنه ظن يقين ومنه ظن شك ففي هذا الموضع الظن يقين وإنما الشك قوله تعالى " ان نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين " وقوله " وظننتم ظن السوء " واما قوله " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين) قال لفظ العالمين عام ومعناه خاص وإنما فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها مثل المن والسلوى والحجر الذي انفجر منه اثنتا عشرة عينا وقوله (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) وهو قوله (ع) والله لو أن كل ملك مقرب أو نبي مرسل شفعوا في ناصب ما شفعوا وقوله " وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) وان فرعون لما بلغه ان بني إسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده كان يقتل أولادهم الذكور ويدع الإناث، واما قوله (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة الآية) فان الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى (ع) انى انزل عليكم التورية وفيها الاحكام التي يحتاج إليها إلى أربعين يوما وهو ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة فقال موسى (ع) لأصحابه ان الله قد وعدني ان ينزل على التورية والألواح إلى ثلاثين يوما فأمره الله ان لا يقول لهم إلى أربعين يوما فتضيق صدورهم ونكتب خبره في سورة طه وقوله (وإذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم) فان موسى (ع) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم " يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم " فقالوا وكيف نقتل أنفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف فإذا صعدت انا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى (ع) وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فقتل عشرة آلاف وانزل الله (ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) وقوله (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة الآية) فهم السبعون الذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام الله فلما سمعوا الكلام قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم أحياهم الله بعد ذلك وبعثهم أنبياء فهذا دليل على الرجعة في أمة محمد صلى الله عليه وآله فإنه قال صلى الله عليه وآله لم يكن في بني إسرائيل شئ الا وفي أمتي مثله وقوله (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى الآية) فان بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يأتيهم طائر مشوي فيقع على موايدهم فإذا اكلوا وشبعوا طار وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاة فينفجر منه اثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب كل سبط في رحله وكانوا اثنى عشر سبطا فلما طال عليهم الأمد قالوا يا موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) والفوم الحنطة فقال لهم موسى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) فقالوا " يا موسى ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون " فنصفت الآية في سورة البقرة وتمامها وجوابها لموسى في المائدة وقوله (وقولوا حطة) اي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك وقالوا " حنطة " وقال الله (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا - آل محمد حقهم (17) رجزا من السما بما كانوا يفسقون) وقوله (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) قال الصابئون قوم لا مجوس لا يهود ولا نصارى ولا مسلمين وهم يعبدون الكواكب والنجوم وقوله (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) فان موسى (ع) لما رجع إلى بني إسرائيل ومعه التوراة لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم وقال لهم موسى لئن لم تقبلوا ليقعن الجبل عليكم وليقتلنكم فنكسوا رؤسهم فقالوا نقبله.

وأما قوله (وإذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة الآية) قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي عبد الله (ع) قال إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له (18) وخطبها ابن عم لذلك الرجل وكان فاسقا رديا فلم ينعموا له فحسد ابن عمه الذي أنعموا له فقعد له فقتله غيلة ثم حمله إلى موسى (ع) فقال يا نبي الله هذا ابن عمى قد قتل قال موسى من قتله؟

قال لا أدري وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا فعظم ذلك على موسى فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا ما ترى يا نبي الله؟

وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة وكان له ابن بار وكان عند ابنه سلعة فجاء قوم يطلبون سلعته وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه وكان نائما وكره ابنه ان ينبهه وينغض عليه نومه فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته فلما انتبه أبوه قال له يا بني ماذا صنعت في سلعتك؟

قال هي قائمة لم أبعها لان المفتاح كان تحت رأسك فكرهت ان أنبهك وأنغص عليك نومك قال له أبوه قد جعلت هذه البقرة لك عوضا عما فاتك من ربح سلعتك وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه وامر بني إسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها فلما اجتمعوا إلى موسى وبكوا وضجوا قال لهم موسى (ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) فتعجبوا فقالوا (أتتخذنا هزوا) نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة فقال لهم موسى (أعوذ بالله ان أكون من الجاهلين) فعلموا انهم قد أخطأوا فقالوا (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر) والفارض التي قد ضربها الفحل ولا تحمل والبكر التي لم يضربها الفحل (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها) اي شديدة الصفرة (تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) اي لم تذلل (ولا تسقى الحرث) اي لا تسقى الزرع (مسلمة لاشية فيها) اي لا نقط فيها الا الصفرة (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون) هي بقرة فلان فذهبوا ليشتروها فقال لا أبيعها الا بملء ء جلدها ذهبا فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لابد لكم من ذبحها بعينها بملء ء جلدها ذهبا فذبحوها ثم قالوا ما تأمرنا يا نبي الله فأوحى الله تعالى إليه قل لهم اضربوه ببعضها وقولوا من قتلك؟

فاخذوا الذنب فضربوه به وقالوا من قتلك يا فلان فقال فلان بن فلان ابن عمي الذي جاء به وهو قوله (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).

وقوله (أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون الآية) فإنما نزلت في اليهود وقد كانوا أظهروا الاسلام وكانوا منافقين وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا إنا معكم وإذا رأوا اليهود قالوا انا معكم وكانوا يخبرون المسلمين بما في التورية من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وقالوا لهم كبراؤهم وعلماؤهم (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون) فرد الله عليهم فقال (أو لا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم أميون) أي من اليهود (لا يعلمون الكتاب الا أماني وان هم الا يظنون) وكان قوم منهم يحرفون التورية واحكامه ثم يدعون انه من عند الله فأنزل الله فيهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله (وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة) قال بنو إسرائيل لن تمسنا النار ولن نعذب الا الأيام المعدودات التي عبدنا فيها العجل فرد الله عليهم فقال وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل يا محمد لهم (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) وقوله (وقولوا للناس حسنا) نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ".

واما قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون الآية) وإنما نزلت في أبي ذر رحمة الله عليه وعثمان (19) بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟

فقال عثمان مأة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأي فقال أبو ذر " يا عثمان أيما أكثر مأة ألف درهم أو أربعة دنانير "؟

فقال عثمان بل " مأة ألف درهم " قال اما تذكر انا وأنت وقد دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم (20) يرد علينا السلام فلما أصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا دخلنا إليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الأحبار، وقال له يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟

فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا بن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال " الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " فقال عثمان " يا أبا ذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي قومك " فقال وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي قومي؟

قال " سمعت يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان ادع عليا فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عثمان: يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب " فقال أمير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة (اللهجة اللسان) أصدق من أبي ذر " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدق أبو ذر وقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم انى اكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا أنت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الجبة وهو عني راض وأنتم قد أحدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله الا ما أخبرتني عن شئ أسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا لأخبرتك فقال اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا ولا كرامة لك فسكت أبو ذر فقال عثمان اي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر قد سألتني فصدقتك وانا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو بعثتني في بعث من أصحابك إلى المشركين فأسروني فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه الا بنصف ما تملك قال كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك قال كنت أفديك قال أبو ذر الله أكبر قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " يا أبا ذر وكيف أنت إذا قيل لك اي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فيقال لك سر إليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هي يا رسول الله فقال قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ".

واما قوله (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) أحبوا العجل حتى عبدوه ثم قالوا نحن أولياء الله فقال الله عز وجل ان كنتم أولياء الله كما تقولون (فتمنوا الموت ان كنتم صادقين) لان في التورية مكتوب ان أولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه وقوله (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزل على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) فإنما نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله ان لنا في الملائكة أصدقاء وأعداء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من صديقكم ومن عدوكم؟

فقالوا جبرئيل عدونا لأنه يأتي بالعذاب ولو كان الذي ينزل عليك القرآن ميكائيل لآمنا بك فان ميكائيل صديقنا وجبريل ملك الفضاضة والعذاب وميكائيل ملك الرحمة فأنزل الله (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين) وقوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه إلى قوله - كانوا يعلمون) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال إن سليمان بن داود امر الجن والإنس فبنوا له بيتا من قوارير قال فبينما هو متكئ على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذا حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه وقال من أنت؟

قال انا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك، انا ملك الموت، فقبضه وهو متكئ على عصاه فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ويدانون له ويعملون حتى بعث الله الأرضة فأكلت منساته وهي العصا فلما خر تبينت الانس ان لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان، قال فلا تكاد تراها في مكان الا وجد عندها ماء وطين فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره " هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخاير كنوز العلم من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا " ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان عليه السلام يغلبنا الا بهذا وقال المؤمنون بل هو عبد الله ونبيه فقال الله جل ذكره " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " إلى قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله) فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت فقال أبو جعفر ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون أوساط أهل الأرض من ولد آدم والجن ويكتبون اعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال فضج أهل السماء من معاصي أهل الأرض فتوامروا (21) فيما بينهم مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى وجرءتهم عليه ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون، فقال طائفة من الملائكة " يا ربنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك " قال أبو جعفر (ع) فأحب الله ان يرى الملائكة القدرة ونافذ امره في جميع خلقه ويعرف الملائكة ما من به عليهم ومما عدله عنهم من صنع خلقه وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم من الذنوب، قال فأوحى الله إلى الملائكة ان انتخبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم ثم أختبرهما في الطاعة لي، فندبوا إلى ذلك هاروت وماروت وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله عليهم، قال فأوحى الله اليهما ان اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبايع الطعام والشراب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم، قال ثم أوحى الله اليهما انظرا ان لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم فهبطا ناحية بابل فوقع لهما بناء مشرق فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة مسفرة نحوهما، قال فلما نظرا إليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموقع الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسهما فقالت لهما ان لي دينا أدين به وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به فقالا لها وما دينك؟

قالت لي آله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها وما إلهك قالت الهي هذا الصنم قال فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال هاتان خصلتان مما نهانا عنهما الشرك والزنا لأنا ان سجدنا لهذا الصنم وعبدناه أشركنا بالله وإنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا وليس نخطأ الا بالشرك فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها فانا نجيبك ما سألت، فقالت فدونكما فاشربا هذا الخمر فإنه قربان لكما عنده به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما فقالا هذه ثلاث خصال مما نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنما ندخل في شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فائتمرا بينهما، فقالا ما أعظم البلية بك قد أجبناك إلى ما سألت، قالت فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم ثم راوداها من نفسها فلما تهيأت لهما وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما رآهما ورأياه ذعرا منه فقال لهما انكما لامرءان ذعران فدخلتما بهذه المرأة العطرة الحسناء، انكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت لهما لا وإلهي لا تصلان الآن إلي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما ويخرج الآن ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل ان يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان، قال فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوأتهما ونزع عنهما رياشهما واسقط في أيديهما، قال فأوحى الله اليهما إنما أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلها قد نهيتكما عنها فلم تراقباني فلم تستحيا مني وقد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض للمعاصي واستسجز أسفي وغضبي عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمني إياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما، اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتها في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة، فقال الآخر ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم لا انقضاء له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني قال فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في ارض بابل ثم لما علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة (22).

واما قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) اي لا تقولوا تخليطا (23) وقولوا افهمنا وقوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) فقوله ننسها اي نتركها ونترك حكمها فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية وقوله " أو مثلها " فهي زيادة إنما نزل " نأت بخير مثلها " واما قوله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) فإنما نزلت في قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله دخول مكة وقوله (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر واما الفرايض فقوله " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني الفرايض لا تصليها الا إلى القبلة واما قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماما) قال هو ما ابتلاه الله (24) مما أراه في نومه بذبح ولده فأتمها إبراهيم عليه السلام وعزم عليها وسلم فلما عزم وعمل بما امره الله قال الله تعالى " إني جاعلك للناس اماما " قال إبراهيم ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) لا يكون بعهدي إمام ظالم ثم انزل عليه الحنيفية وهي الطهارة وهي عشرة أشياء خمسة في الرأس وخمسة في البدن فاما التي في الرأس فاخذ الشارب، واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال واما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وقلم الأظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة وهو قوله " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " واما قوله (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا) فالمثابة العود إليه وقوله (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) قال الصادق عليه السلام يعني نحى عن المشركين وقال لما بنى إبراهيم البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقى من أيدي المشركين وأنفاسهم فأوحى الله إليها قرى كعبة فاني ابعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون وقوله (وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) فإنه دعا إبراهيم ربه ان يرزق من آمن به فقال الله يا إبراهيم ومن كفر أيضا ارزقه (فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) واما قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل الآية) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد كانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجا ان تركتها استمتعتها وان أقمتها كسرتها ثم امره ان يخرج إسماعيل وأمه (فقال يا رب إلى اي مكان؟

قال إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة فأنزل الله عليه جبرائيل بالبراق (25) فحمل هاجر وإسماعيل وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع الا قال يا جبرئيل إلى ههنا إلى ههنا فيقول لا امض، امض حتى اتى مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان إبراهيم (ع) عاهد سارة ان لا ينزل حتى يرجع إليها، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة فألقت هاجر على ذلك الشجر كساءا وكان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف منهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم الله الذي امرني ان أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كداء وهو جبل بذى طوى التفت إليهم إبراهيم فقال (رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في مضوع المسعى ونادت هل في الوادي من أنيس، فغاب عنها إسماعيل فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت انه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعادت حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله فلذلك سميت " زمزم " وكانت جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان فاتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي في ذلك الموضع قد استظلوا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟

فقالت انا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا ابنه امره الله ان ينزلنا هيهنا فقالوا لها أيها المباركة أفتأذني لنا ان نكون بالقرب منكما؟

فقالت حتى يأتي إبراهيم فلما زارهم إبراهيم (ع) يوم الثالث فقالت هاجر يا خليل الله ان هيهنا قوما من جرهم يسألونك ان تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم نعم فاذنت فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فآنست هاجر وإسماعيل بهم فلما زارهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بهم سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها.

فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال امر الله إبراهيم (ع) ان يبني البيت فقال يا رب في اي بقعه قال في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا الا موضع البيت فسميت البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فلما امر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت ولم يدر في اي مكان يبنيه فبعث الله جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنة وكان الحجر الذي انزل الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما لمسته أيدي الكفار اسود، فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة ازرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الأول وجعل له بابين باب إلى المشرق وباب إلى المغرب والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ثم القى عليه الشجر والإذخر وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها وكانوا يكنون تحته.

فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم (ع) وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال يا إبراهيم قم فارتو من الماء لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ثم أخرجه إلى منى فبات بها ففعل به ما فعل بآدم (ع) فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال من ثمرات القلوب اي حببهم إلى الناس لينتابوا (26) إليهم ويعودوا إليهم.

واما قوله (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) فإنه يعني من ولد إسماعيل عليه السلام فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله " انا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام " وقوله (فإنما هم في شقاق) يعني في كفر، قوله (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) يعني به الاسلام.

الجزء (2) وقوله (سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فان هذه الآية متقدمة على قوله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها " لأنه نزل أولا " قد نرى تقلب وجهك في السماء " ثم نزل " سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وذلك إن اليهود كانوا يعيرون برسول الله ويقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء ينتظر بأمر الله تبارك وتعالى في ذلك، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة، فأنزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فصلى ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وتحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة ثلاثة عشر سنة إلى البيت المقدس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى البيت المقدس سبعة اشهر، ثم حول الله عز وجل القبلة إلى البيت الحرام ثم قال الله عز وجل (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعني ولا الذين ظلموا منهم " وإلا " في موضع " ولا " وليست هي استثناء، واما قوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) يعنى أئمة وسطا اي عدلا وواسطة بين الرسول والناس والدليل على أن هذا مخاطبة للأئمة عليهم السلام قوله في سورة الحج " ليكون الرسول شهيدا عليكم " يا معشر الأئمة " وتكونوا - أنتم - شهداء على الناس " وإنما نزلت " وكذلك جعلناكم أئمة وسطا (27) ".

وقوله (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) فان قريشا كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة وكانوا يتمسحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان في غزاة الحديبية وصده عن البيت وشرطوا له ان يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنها فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم من بين الصفا والمروة حتى أسعى، فرفعوها فسعى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الصفا والمروة وقد رفعت الأصنام، وبقي رجل من الطواف ردت قريش الأصنام بين الصفا والمروة فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قد ردت قريش الأصنام بين الصفا والمروة ولم أسع فأنزل الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما " والأصنام فيهما وقوله (أولئك يلعنهم الله وبلعنهم اللاعنون) قال كل من قد لعنه الله من الجن والإنس يلعنهم، قوله (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) فإنما البهايم إذا زجرها صاحبها فإنها تسمع الصوت ولا تدري ما يريد وكذلك الكفار إذا قرأت عليهم وعرضت عليهم الايمان لا يعلمون مثل البهايم وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) فالباغي من يخرج في غير طاعة الله، والعادي الذي يعتدي على الناس ويقطع الطريق وقوله (فما أصبرهم على النار) يعني ما أجرأهم، وقوله (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر) فهي شروط الايمان الذي هو التصديق، قوله (والصابرين في البأساء والضراء) قال في الجوع والعطش والخوف والمرض (وحين الباس) قال عند القتل، وقوله (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) فهي ناسخة لقوله النفس بالنفس (28) وقوله (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب) قال يعني لولا القصاص لقتل بعضكم بعضا وقوله (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) فإنما هي منسوخة بقوله " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " وقوله (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص فقال (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فاصلح بينهم فلا إثم عليه) قال الصادق عليه السلام إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي ان يغير وصيته يوصيها، بل يمضيها على ما أوصى، الا ان يوصي بغير ما امر الله فيعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له ان يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضا فالوصي جايز له ان يرده إلى الحق وهو قوله " جنفا أو إثما " فالجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض والاثم ان يأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي ان لا يعمل بشئ من ذلك.

وقوله (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم تتقون) فإنه قال أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه على الأمم، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله خصه بفضل شهر رمضان هو وأمته، وكان الصوم قبل ان ينزل شهر رمضان يصوم الناس أياما ثم نزل (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن) قال وسئل الصادق عليه السلام عن شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن كيف كان، وإنما انزل القرآن في طول عشرين سنة؟

فقال إنه نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثم نزل من البيت المعمور إلى النبي صلى الله عليه وآله في طول عشرين سنة وقوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه ان يقضي ويتصدق عن كل يوم بمد من الطعام، وقوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفى عنكم) فإنه حدثني أبي رفعه قال قال الصادق عليه السلام كان النكاح والاكل محرمان في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما في الليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له خوات بن جبير الأنصاري أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب الشعب، وكان اخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الخندق فجاء إلى أهله حين امسى فقال عندكم طعام؟

فقالوا لا، نم حتى نصنع لك طعاما فأبطئت أهله بالطعام فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم الله علي الاكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله فرق له، وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله عز وجل " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " وأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والاكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال هو بياض النهار من سواد الليل وقوله (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فإنه حدثني أبي عن القسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشغل نفسي بالدعاء لاخواني ولأهل الولاية فما ترى في ذلك؟

فقال إن الله تبارك وتعالى يستجيب دعاء غائب لغائب ومن دعا للمؤمنين والمؤمنات ولأهل مودتنا رد الله عليه من آدم إلى أن تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة ثم قال إن الله فرض الصلوات في أفضل الساعات، عليكم بالدعاء في إدبار الصلاة ثم دعا لي ولمن حضره، وقوله (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم) قال العالم عليه السلام قد علم الله أنه يكون حكاما يحكمون بغير الحق فنهى ان يتحاكم إليهم فإنهم لا يحكمون بالحق فتبطل الأموال.

وقوله (ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فان المواقيت منها معروفة مشهورة في أوقات معروفة، ومنها مبهمة فاما المواقيت المعروفة المشهورة فأربعة، والأشهر الحرم التي ذكرها الله في قوله " منها أربعة حرم " والاثنا عشر شهرا التي خلقها الله تعرف بالهلال، أولها المحرم وآخرها ذو الحجة، والأربعة الحرم رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم متصلة، حرم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات، واشهر السياحة معروفة وهي عشرون من شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر (ون ط) من شهر ربيع الآخر، وهي التي أحل الله فيها قتال المشركين في قوله " فسيحوا في الأرض أربعة اشهر " واشهر الحج معروفة، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وإنما صارت اشهر الحج لأنه من اعتمر في هذه الأشهر في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة ونوى ان يقيم بمكة حتى يحج فقد تمتع بالعمرة إلى الحج، ومن اعتمر في غير هذه الأشهر ثم نوى ان يقيم إلى الحج أو لم ينو فليس هو ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لأنه لم يدخل مكة في اشهر الحج فسمي هذه اشهر الحج فقال الله تبارك وتعالى " الحج اشهر معلومات " وشهر رمضان معروف، واما المواقيت المبهمة التي إذا حدث الامر وجب فيها انتظار تلك الأشهر فعدة النساء في الطلاق، والمتوفي عنها زوجها، فإذا طلقها زوجها فان كانت تحيض تمتد الأقراء التي قال الله عز وجل، وان كانت لا تحيض تعتد بثلاثة اشهر بيض لادم فيها، وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة اشهر وعشرا، وعدة المطلقة الحبلى ان تضع ما في بطنها، وعدة الايلاء أربعة اشهر، وكذلك في الديون إلى الأجل الذي يكون بينهم وشهرين متتابعين في الظهار.

ط وصيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطأ وعشرة أيام للصوم في الحج لمن لم يجد الهدي، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت المعروفة والمبهمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ".

واما قوله (ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من أبوابها) قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله " انا مدينة العلم وعلي عليه السلام بابها ولا تدخلوا المدينة الا من بابها ".

وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فإنه إذا عقد الرجل الاحرام بالتمتع بالعمرة إلى الحج واحرم ثم اصابته غلة في طريقه قبل ان يبلغ إلى مكة ولا يستطيع ان يمضي، فإنه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه ويبعث من عنده هديا إن كان غنيا فبدنة وإن كان بين ذلك فبقرة وإن كان فقيرا فشاة، لابد منها ولا يزال مقيما على احرامه، وإن كان في رأسه وجع أو قروح حلق شعره وأحل ولبس ثيابه ويفدي فلما ان يصوم ستة أيام أو يتصدق على عشرة مساكين أو نسك وهو الدم يعني ذبح شاة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ان يشترط عند الاحرام فيقول " اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك فان عاقني عائق أو حبسني حابس فحلني حيث حبستني بقدرتك التي قدرت علي " ثم يلبي من الميقات الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله فيلبي ويقول " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك حجة (بحجة ط) بعمرة تمامها وبلاغها عليك " فإذا دخل مكة ونظر إلى ابيات مكة قطع التلبية وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى عند مقام إبراهيم ركعتين وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم يحل ويتمتع بالثياب والنساء والطيب ويقيم على الحج إلى يوم التروية فإذا كان يوم التروية احرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج ثم خرج ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس، فإذا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية ويقف بعرفات في الدعاء والتكبير والتهليل والتحميد، فإذا غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها فإذا أصبح قام بالمشعر الحرام ودعا وهلل الله وسبحه وكبره ثم ازدلف منها إلى منى ورمى الجمار وذبح وحلق، إن كان غنيا فعليه بدنة وإن كان بين ذلك فعليه بقرة وإن كان فقيرا فعليه شاة، فمن لم يجد ذلك فعليه ان يصوم ثلاثة أيام بمكة فإذا رجع إلى منزله صام سبعة أيام فتقوم هذه الأيام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه وهو قوله (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) وذلك لمن ليس هو مقيم بمكة ولا من أهل مكة، اما أهل مكة ومن كان حول مكة على ثمانية وأربعين ميلا فليست لهم متعة وإنما يفردون الحج لقوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) واما قوله (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال الخصومة، وهي قول " لا والله وبلى والله " وقوله (فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا) قال كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا وأبيك لا وأبي وأمر الله ان يقولوا لا والله وبلى والله وقوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وماله في الآخرة من خلاق) فإنه حدثني أبي عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأل رجل من أبي عبد الله عليه السلام بعد منصرفه من الموقف فقال أترى يجيب الله هذا الخلق كله؟

فقال أبو عبد الله عليه السلام ما وقف بهذا الموقف أحد من الناس مؤمن ولا كافر الا غفر الله له، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعتقه من النار وذلك قوله " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ومؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وقيل له أحسن فيما بقي فذلك قوله " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى (29) الكبائر واما العامة فإنهم يقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الصيد، افترى ان الله تبارك وتعالى حرم الصيد بعد ما أحله لقوله " وإذا حللتم فاصطادوا " وفي تفسير العامة معناه فإذا حللتم فاتقوا الصيد، وكافر (30) وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له من ذنبه ما تقدم ان تاب من الشرك وان لم يتب وافاه الله اجره في الدنيا ولم يحرمه ثواب هذا الموقف وهو قوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " وقوله (واذكروا الله في أيام معدودات) قال أيام التشريق الثلاثة، والأيام المعلومات العشرة من ذي الحجة، وقوله (ويهلك الحرث والنسل) قال الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل الناس، ونزلت في فلان ويقال في معاوية وقوله (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله) قال ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ومعنى يشرى نفسه اي يبذل وقوله (ادخلوا في السلم كافة) قال في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقوله (كان الناس أمة واحدة) قال قبل نوح على مذهب واحد، فاختلفوا (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) وقوله (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) نزلت بالمدينة ونسخت آية " كفوا أيديكم " التي نزلت بمكة.

واما قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) فإنه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لغير قريش، حتى بعث عبد الله ابن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة، وهي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش حين أقبلت من الطائف عليها الزبيب والأدم والطعام، فوافوها وقد نزلت العير وفيهم عمر بن عبد الله الحضرمي وكان حليفا لعتبة بن ربيعة، فلما نظر الحضرمي إلى عبد الله بن جحش وأصحابه فزعوا وتهيئوا للحرب وقالوا هؤلاء أصحاب محمد، فأمر عبد الله بن جحش أصحابه ان ينزلوا ويحلقوا رؤسهم، فنزلوا فحلقوا رؤسهم فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم باس، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبد الله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وأفلت أصحابه واخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة وكان ذلك في أول يوم من رجب من اشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها ولم ينالوا منها شيئا، فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم واخذت المال وكثر القول في هذا، وجاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا رسول الله أيحل القتل في الشهر الحرام فأنزل الله " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير..

الخ " قال القتال في الشهر الحرام عظيم ولكن الذي فعلت قريش بك يا محمد صلى الله عليه وآله من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله وإخراجك منها هو أكبر عند الله والفتنة يعني الكفر بالله أكبر من القتل ثم أنزلت " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (31) وقوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال لا إقتار ولا إسراف (32) وقوله (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فاخوانكم) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (ع) انه لما أنزلت " ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله في إخراجهم، فأنزل الله تعالى " ويسألونك عن اليتامى..

الخ " وقال الصادق عليه السلام لا بأس ان تخلط طعامك بطعام اليتيم فان الصغير يوشك أن يأكل الكبير معه واما الكسوة وغيره فيحسب على كل رأس صغير وكبير كما يحتاج إليه، واما قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) فقوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " منسوخ بقوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " وقوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " على حاله لم ينسخ وقوله (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن (فإذا تطهرن) اي اغتسلن (فآتوهن من حيث امركم الله) وقوله (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شئتم) اي متى شئتم وتأولت العامة في قوله " انى شئتم " اي حيث شئتم في القبل والدبر، وقال الصادق عليه السلام " انى شئتم " اي متى شئتم في الفرج والدليل على قوله في الفرج قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم " فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد، وقال الصادق عليه السلام من اتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة، وان اتاها في آخر أيام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب اثني عشر جلدة ونصف (33) وقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) قال هو قول الرجل في كل حالة لا والله وبلى والله واما قوله (للذين يولون من نسائهم تربص أربعة اشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فإنه حدثني أبي عن صفوان ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال الايلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ألا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر، فان رفعته إلى الامام انظره أربعة اشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما ان تطلق والا حبستك ابدا، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجل إلى من امرأته بعد أربعة اشهر وقال له اما ترجع إلى المناكحة أو ان تطلق والا أحرقت عليك الحظيرة، وقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال والمطلقة تعتد ثلاثة قروء ان كانت تحيض قوله (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر) قال لا يحل للمرأة ان تكتم حملها أو حيضها أو طهرها وقد فرض الله على النساء ثلاثة أشياء الطهر والحيض والحبل وقوله (وللرجال عليهن درجة) قال حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.

وقوله (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) قال في الثالثة (34) وهو طلاق السنة، حدثني أبي عن إسماعيل بن مهران (مرار ط) عن يونس عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن طلاق السنة، قال هو ان يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ثم يتركها حتى تعتد ثلاثة قروء فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة، وحلت للأزواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب ان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل فان تزوجها بمهر جديد كانت عنده بثنتين باقيتين ومضت بواحدة، فان هو طلقها واحدة على طهر بشهود ثم راجعها وواقعها ثم انتظر بها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها طلقة أخرى بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي أقراؤها الثلاثة، فإذا مضت أقراؤها الثلاثة قبل ان يراجعها فقد بانت منه بثنتين وقد ملكت أمرها وحلت للأزواج وكان زوجها خاطبا من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، وان هو تزوجها تزويجا جديدا بمهر جديد كانت عنده بواحدة باقية وفد؟

؟

ثنتان، فان أراد ان يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره تركها حتى إذا حاضت وطهرت اشهد على طلاقها تطليقة واحدة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

فاما طلاق الرجعة، فإنه يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر، فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على تطليقة أخرى ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر فان حاضت وطهرت اشهد شاهدين على التطليقة الثالثة كل تطليقة على طهر بمراجعة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعليها ان تعتد ثلاثة اقرأ من يوم طلقها التطليقة الثالثة لدنس النكاح، وهما يتوارثان ما دامت في العدة، فان طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل ان يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا جائزا، لأنه طلق طالقا لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتى يراجعها، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده فان طلقها على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت وهي عنده ثم طلقها قبل ان يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لأنه طلقها التطليقة الثانية في طهر الأولى، ولا ينقض الطهر الا بمواقعة بعد الرجعة وكذلك لا تكون التطليقة الثالثة الا بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس مواقعة بشهود.

قوله (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله) فان هذه الآية نزلت في الخلع، حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الخلع لا يكون الا أن تقول المرأة لزوجها لا أبر لك قسما ولأخرجن بغير اذنك ولأوطين فراشك غيرك ولا اغتسل لك من جنابة، أو تقول لا أطيع لك امرا أو تطلقني، فإذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها جميع ما أعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها فإذا تراضيا على ذلك طلقها على طهر بشهود ففد بانت منه بواحدة، وهو خاطب من الخطاب فان شائت تزوجته وان شائت لم تفعل، فان تزوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين، وينبغي له ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة إن ارتجعت في شئ مما أعطيتني فانا أملك ببضعك، وقال لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها تحل للأول ان يتزوج بها، وقال لا رجعة للزوج على المختلعة ولا المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما اخذ منها وقوله (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) يعني الطلاق الثالث، وقوله (فلا جناح عليهما ان يتراجعا) في الطلاق الأول والثاني.

وقوله (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) قال إذا طلقها لا يجوز له ان يراجعها ان لم يردها فيضربها وهو قوله ولا تمسكوهن ضرارا اي لا تحبسوهن واما قوله (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن (35) ان ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني إذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال وقوله (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) يعني إذا مات الرجل وترك ولدا رضيعا لا ينبغي للوارث ان يضر بنفقة المولود بل ينبغي له ان يحزي عليه بالمعروف (36) وقوله (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) فإنه حدثني أبي عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا ينبغي للرجل ان يمتنع من جماع المرأة فيضاربها إذا كان لها ولد مرضع، ويقول لها لا أقربك فاني أخاف عليك الحبل فتقتلين ولدي وكذا المرأة لا يحل لها ان تمتنع عن الرجل، فتقول إني أخاف ان أحبل فاقتل ولدي فهذه المضارة في الجماع على الرجل والمرأة وقوله (وعلى الوارث مثل ذلك) لا تضار المرأة التي لها ولد وقد توفى زوجها فلا يحل للوارث ان يضار أم الولد في النفقة فيضيق عليها وقوله (فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) يعني إذا اصطلحت الام والوارث فيقول خذي الولد واذهبي به حيث شئت.

وقوله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا) فهي ناسخة لقوله " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج (37) " فقد قدمت الناسخة على المنسوخة في التأليف وقوله (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) فهو ان يقول الرجل للمرأة في العدة إذا توفى عنها زوجها لا تحدثي حدثا، ولا يصرح لها النكاح والتزويج، فنهى الله عز وجل عن ذلك والسر في النكاح وقال (ولا تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) وقال من السر أيضا ان يقول الرجل في عدة المرأة للمرأة موعدك بيت فلان وقال الأعشى في ذلك.

فلا تنكحن جارة ان سرها * عليك حرام فانكحن أو تأبدا (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) اي تعتد وتبلغ الذي في الكتاب اجله أربعة اشهر وعشرا واما قوله (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فهو ان يطلق الرجل المرأة التي قد تزوجها ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، فعليه إذا طلقها ان يمتعها على قدر حاله كما قال الله عز وجل (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فالموسع يمتع بالأمة والدراهم والثوب على قدر سعته والمقتر يمتع باخمار وما يقدر عليه، وان تزوج بها وقد سمى لها الصداق ولم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله (الا ان يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهو الولي والأب ولا يعفوان الا بأمرها وهو قوله (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وتتزوج من ساعتها ولا عدة عليها والعدة على اثنين وعشرين وجها فالمطلقة تعتد ثلاثة اقرأ، والقرء هو اجتماع الدم في الرحم، والعدة الثانية إذا لم تحض فثلاثة اشهر بيض وإذا كانت تحيض في الشهر الأقل أو الأكثر وطلقت ثم حاضت قبل ان يأتي لها ثلاثة اشهر حيضة واحدة فلا تبين من زوجها الا بالحيض، وان مضي ثلاثة اشهر لها ولم تحض فإنها تبين بالأشهر البيض، فان حاضت قبل ان يمضي لها ثلاثة اشهر فإنها تبين بالدم، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة فلا تبين حتى تطهر من الدم الثالث، والمطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها فان طلقها اليوم ووضعت في الغد فقد بانت، والمتوفى عنها زوجها وهي الحامل تعتد بأبعد الأجلين فان وضعت قبل ان يمضي لها أربعة اشهر وعشرا فلتتم أربعة اشهر وعشرا فان مضى لها أربعة اشهر وعشرا فلم تضع فعدتها ان تضع، والمطلقة وزوجها غائب عنها تعتد من يوم طلقها إذا شهد عندها شاهدان عدلان انه طلقها في يوم معروف تعتد من ذلك اليوم فإن لم يشهد عندها أحد ولم تعلم اي يوم طلقها تعتد من يوم يبلغها، والمتوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها، والتي لم يدخل بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها، فان مات عنها ولم يدخل لها تعتد أربعة اشهر وعشرا.

والعدة على الرجال أيضا إن كان له أربعة نسوة وطلق إحديهن لم يحل له ان يتزوج حتى تعتد التي طلقها، فإذا أراد ان يتزوج أخت امرأته لم تحل له حتى يطلق امرأته وتعتد ثم يتزوج أختها، والمتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، والمطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة تعتد حيث شاءت ولا تبيت عن بيتها، والتي للزوج عليها رجعة لا تعتد الا في بيت زوجها وتراه ويراها ما دامت في العدة، وعدة الأمة إذا كانت تحت الحر شهران وخمسة أيام.

وعدة المتعة خمسة وأربعون يوما، وعدة السبي استبراء الرحم، فهذه وجوه العدة.

واما المرأة التي لا تحل لزوجها ابدا فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها الأول الذي كان طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة (على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ط) فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول الذي قد طلقها ست تطليقات على طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الأول ثم يطلقها هذا زوجها الأول ثلاث تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها الأول ابدا لأنه قد طلقها تسع تطليقات وتزوج بها تسع مرات، وتزوجت ثلاثة أزواج فلا تحل للزوج الأول ابدا، ومن طلق امرأته من غير أن تحيض أو كانت في دم الحيض أو نفساء من قبل ان تطهر فطلاقه باطل.

وقوله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان أبي عبد الله عليه السلام انه قرأ " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " فقوله " قوموا لله قانتين " قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شئ وقوله (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) فهي رخصة بعد العزيمة للخائف ان يصلي راكبا وراجلا، وصلاة الخوف على ثلاثة وجوه قال الله تبارك وتعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فيصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم " فهذا وجه.

والوجه الثاني من صلاة الخوف فهو الذي يخاف اللصوص والسباع في السفر فإنه يتوجه إلى القبلة ويفتتح الصلاة ويمر على وجه الأرض الذي هو فيه فإذا فرغ من القراءة وأراد ان يركع ويسجد ولي وجهه إلى القبلة ان قدر عليه وان لم يقدر عليه ركع وسجد حيث ما توجه وإن كان راكبا أومأ برأسه.

وصلاة المجادلة (المجاهدة ط) وهي المضاربة في الحرب إذا لم يقدر ان ينزل، يصلي ويكبر ولكل ركعة تكبيرة ويصلى وهو راكب فان أمير المؤمنين عليه السلام صلي وأصحابه خمس صلوات بصفين على ظهور الدواب لكل ركعة تكبيرة وصلى وهو راكب حيث ما توجهوا.

ومنها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه، فوجه منها هو ان الرجل يكون في مفازة ولا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب، والوجه الثاني، من فاتته الصلاة ولم يعرف اي صلاة هي فإنه يجب ان يصلي ثلاث ركعات وأربع ركعات وركعتين فان كانت المغرب فقد قضاها، وان فاتته العتمة فقد (38) قضاها وان كانت الفجر فقد قضاها وان كانت الظهر والعصر فقد قامت الأربعة مقامها، ومن كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو قذر أو جنابة ولم يدر أي الثوبين أصاب القذر، فإنه يصلي في هذا وفي هذا فإذا وجد الماء غسلهما جميعا.

واما قوله (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) فإنه كان وقع الطاعون بالشام في بعض الكور (39) فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن الطريق ثم أحياهم الله وردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا ودفنوا.

وقوله (ألم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله - إلى قوله - والله عليم بالظالمين) قال حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام إن بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام عملوا المعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك " قالوا ابعث لنا ملكا..

الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك (وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين أخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وكان أعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال (لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) وكان التابوت الذي انزل الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم " فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان، حدثني أبي عن الحسن بن خالد عن الرضا عليه السلام أنه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل أو يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.

فأوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فالبسه درع موسى عليه السلام، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك أحدا؟

قال نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث إليه ابنه فجاء به فلما دعي اقبل ومعه مقلاع (40) قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا، فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل (ان الله مبتليكم بنهر) في هذه المفازة (41) فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فإنه من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر أطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة بيده (فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يشربوا (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) فجاء داود (ع) حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فاخذ داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى الأرض ميتا فهو قوله (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) واما قوله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال أبو عبد الله (ع) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو اجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض..

الخ " الجزء (3) واما قوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس الآية) فإنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فقال يا علي على ما تقاتل أصحاب رسول الله ومن شهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله؟

فقال على آية في كتاب الله أباحت لي قتالهم، فقال وما هي؟

قال قوله تعالى " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فقال الرجل كفر والله القوم وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) اي صداقة.

واما آية الكرسي فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد انه قره أبو الحسن الرضا عليه السلام: (42) ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) قال " ما بين أيديهم " فأمور الأنبياء وما كان " وما خلفهم " اي ما لم يكن بعد، قوله " الا بما شاء " اي بما يوحى إليهم (ولا يؤده حفظهما) اي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الأرض وقوله (لا إكراه في الدين) اي لا يكره أحد على دينه الا بعد ان قد تبين له الرشد من الغي (فمن يكفر بالطاغوت) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية (لا انفصام لها) اي حبل لا انقطاع له يعني أمير المؤمنين والأئمة بعده عليهم السلام (الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمد عليهم السلام (يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد والذين اتبعوا من غصبهم (يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت، حدثني أبي عن النضر بن سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (وسع كرسيه السماوات والأرض) سألته أيما أوسع الكرسي أو السماوات والأرض؟

قال لا بل الكرسي وسع السماوات والأرض وكل شئ خلق الله في الكرسي.

حدثني أبي عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الأصبغ بن نباتة ان عليا عليه السلام سئل عن قول الله عز وجل " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال السماوات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله أربعة املاك يحملونه بإذن الله (فاما الملك الأول) ففي صورة الآدميين وهي أكرم الصور على الله وهو يدعو الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم (والملك الثاني) في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع البهائم (والملك الثالث) في صورة النسر وهو سيد الطير وهو يطلب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير (والملك الرابع) في صورة الأسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع، ولم يكن في هذه الصور أحسن من الثور ولا أشد انتصابا منه حتى اتخذ الملا من بني إسرائيل العجل إلها، فلما عكفوا عليه وعبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياءا من الله ان عبد من دون الله شئ يشبهه وتخوف ان ينزل به العذاب، ثم قال عليه السلام ان الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن وجل أن يكون له ولد، فكادت السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (43)، فعند ذلك اقشعر الشجر وصار له شوك حذار ان ينزل به العذاب، فما بال قوم غيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعدلوا عن وصيته في حق علي والأئمة عليهم السلام ولا يخافون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " ثم قال نحن والله نعمة الله التي أنعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز وقوله (لم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال انا أحيى وأميت قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب) فإنه لما القى نمرود إبراهيم (ع) في النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود يا إبراهيم من ربك؟

قال ربي الذي يحيى ويميت، قال نمرود انا أحيي وأميت فقال له إبراهيم كيف تحيي وتميت؟

قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد وقتل واحدا فأكون قد أحييت وأمت، فقال إبراهيم ان كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فان ربي يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عز وجل " فبهت الذي كفر " اي انقطع وذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه.

واما قوله (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إني يحيي هذه الله بعد موتها) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (ع) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن امر ربهم فأراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله تعالى إلى إرميا يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر فاخلف فأنبت خرنوبا؟

(44) فأخبر إرميا اخيار علماء بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟

فصام إرميا سبعا، فأوحى الله إليه يا ارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين أسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فأخبر ارميا أحبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح إليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح إليه شئ ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك في قفاك، قال ثم أوحى الله تعالى إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا قال إيت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام أشدهم زمانا وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسما وشرهم غذاءا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فإذا هو غلام في خان زمن (45) ملقى على مزبلة وسط الخان وإذا له أم تزني بالكسر وتفت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا إن كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟

فقال بخت نصر، فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟

قال لا أنت رجل صالح، قال انا ارميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه.

فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل بخت نصر نحو بيت المقدس واجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه، فصير الأمان على قصبة ورفعها، فقال من أنت؟

فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل وهذا أمانك لي، قال اما أنت فقد امنتك واما أهل بيتك فانى ازمى من ههنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي وان لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا أمان لهم عندي، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا؟

دم نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي وكلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لأقتلن بني إسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (ع) وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله أيها الملك، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر " أيها الملك اقتل هذا " فأمر ان يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (ع) في طشت وكان الرأس يكلمه ويقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في طشت حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلى ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مأة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن حتى أفناهم، فقال أبقي أحد في هذه البلاد؟

قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي، ثم اتى بابل فبنى بها مدينة واقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة (46) فجعلت اللبوة تأكل من طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فأوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام، قال وأين دانيال يا رب؟

قال في بئر ببابل في موضع كذا وكذا قال فاتاه فاطلع في البئر فقال يا دانيال، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام وقد بعث إليك بالطعام والشراب فأدلاه إليه فقال دانيال " الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد له الذي يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمد لله الذي يكشف حزننا (ضرنا ط) عند كربتنا الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا ".

قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟

قالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت؟

فقال وانا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده، إن كان عند أحد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام؟

قال رأيت كان رأسك من حديد ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال هكذا رأيت فما ذاك؟

قال قد ذهب ملكك وأنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الامر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون أحدا من الخلق الا قتلتموه كائنا من كان وكان دانيال جالسا عنده، وقال لا تفارقني هذه الثلاثة أيام فان مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الفم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس وهو لا يعلم أنه من أهل فارس، فدفع إليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى أحدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتني انا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال إني يحيي هذه الله بعد موتها وقد أكلهم السباع، فأماته الله مكانه وهو قول الله تبارك وتعالى " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إني يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه " اي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني إسرائيل إلى الدنيا، وكان عزيز لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتا مأة سنة ثم أحياه الله تعالى فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ (47) البيض فنظر فأوحى الله تعالى إليه (كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال (أو بعض يوم) فقال الله تعالى (بل لبثت مأة فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه - اي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع إليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال (اعلم إن الله على كل شئ قدير).

واما قوله (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصر من إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ان إبراهيم عليه السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكله سباع البر وسباع البحر ثم تحمل السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب إبراهيم (ع) " فقال رب أرني كيف تحيي الموتى..

الخ " فأخذ إبراهيم عليه السلام الطاؤس والديك والحمام والغراب فقال الله عز وجل " فصرهن إليك، اي قطعهن ثم اخلط لحمهن وفرقهن على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن وادعهن يأتينك سعيا، ففعل إبراهيم ذلك وفرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال أجيبنني بإذن الله تعالى، فكانت تجمع ويتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه وطارت إلى إبراهيم، فعند ذلك قال إبراهيم ان الله عزيز حكيم.

وقوله (والذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى الآية) فإنه قال الصادق (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أسدي إلى مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) وقال من أكثر منه واذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان، والصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة فيجئ المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن والأذى " وقال الصادق (ع) ما شئ أحب إلي من رجل سلف مني إليه يد اتبعته أختها وأحسنت بها له لأني رأيت منع الأواخر فقطع لسان شكر الأوائل، ثم ضرب مثل المؤمنين (مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) قال " مثلهم كمثل جنة " اي بستان في موضع مرتفع " أصابها وابل " اي مطر " فآتت اكلها ضعفين " اي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف اجر من انفق ماله " ابتغاء مرضات الله " والطل ما يقع بالليل على الشجر والنبات، وقال أبو عبد الله عليه السلام (والله يضاعف لمن يشاء) لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله، قال فمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كما قال الله (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها اعصار فيه نار فاحترقت) قال الاعصار الرياح، فمن امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له أولاد صغار ضعفاء فتجئ ريح أو نار فتحرق ماله كله، واما قوله (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه) فإنه كان سبب نزولها ان قوما كانوا إذا صرموا النخل عمدوا إلى أرذل تمورهم فيتصدقون بها، فنهاهم الله عن ذلك، فقال " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه " اي أنتم لو دفع ذلك إليكم لم تأخذوه واما قوله (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) فان الشيطان يقول لا تنفق فإنك تفتقر (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) اي يغفر لكم ان أنفقتم لله " وفضلا " قال يخلف عليكم، وقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) قال الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، وقوله (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) قال الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية وبعد ذلك غير الزكاة ان دفعته سرا فهو أفضل وقوله (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) فهم الذين لا يسئلون الناس الحافا من الراضين والمتجملين في الدين الذين لا يسئلون الناس الحافا ولا يقدرون ان يضربوا في الأرض فيحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف عن السؤال.

وقوله (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر ان يقوم من عظم بطنه، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟

قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وقوله (يمحق الربا ويربى الصدقات) قال قيل للصادق عليه السلام قد نرى الرجل يربى وماله يكثر فقال يمحق الله دينه وإن كان ماله يكثر وقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين) فإنه كان سبب نزولها انه لم انزل الله تعالى " الذين يأكلون الربا الخ " فقام خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ربا أبي في ثقيف وقد أوصاني عند موته باخذه فأنزل الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله) قال من اخذ الربا وجب عليه القتل وكل من أربى وجب عليه القتل، واخبرني أبي عن ابن أبي عمير بن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال درهم من ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، قال إن للربا سبعين جزءا أيسره ان ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام.

واما قوله (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فإنه حدثني أبي عن السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب عن عايشة انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين، قال عليه السلام ومن كان له على رجل مال اخذه ولم ينفقه في اسراف أو في معصية فعسر عليه ان يقضيه فعلى من له المال ان ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وإن كان الإمام العادل قائما فعليه ان يقتضي عنه دينه لقول رسول الله صلى الله عليه وآله من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى الامام ما ضمنه الرسول، وإن كان صاحب المال موسرا تصدق بماله عليه أو تركه فهو خير له لقوله (وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) واما قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه) فقد روي في الخبر ان في سورة البقرة خمس مأة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما وهو قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ثلاثة أحكام " فليكتب " أربعة أحكام " وليملل الذي عليه الحق " خمسة أحكام وهو اقراره إذا املا " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ولا يخونه " ستة أحكام " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع ان يمل هو " اي لا يحسن ان يمل " فليملل وليه بالعدل " يعني ولي المال سبعة أحكام " استشهدوا شهيدين من رجالكم " ثمانية أحكام " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل إحديهما فتذكر إحديهما الأخرى " يعني ان تنسى إحديهما فتذكر أخرى تسعة أحكام " ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا " عشرة أحكام " ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله " اي لا تضجروا ان تكتبوه صغير السن أو كبيرا أحد عشر حكما " ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ان لا ترتابوا " اي لا تشكوا " الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " اثنا عشر حكما " واشهدوا إذا تبايعتم " ثلاثة عشر حكما " ولا يضار كاتب ولا شهيد " أربعة عشر حكما " وان تفعلوا فإنه فسوق بكم " خمسة عشر حكما " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " وقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا) اي يأخذ منه رهنا فان امنه ولم يأخذ منه رهنا " فليتق الله ربه " الذي اخذ المال وقوله " ولا تكتموا الشهادة " معطوف على قوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ".

واما قوله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام ان هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ليلة أسرى به إلى السماء، قال النبي صلى الله عليه وآله انتهيت إلى محل سدرة المنتهى وإذا بورقة منها تظل أمة من الأمم فكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى الله عز وجل فناداني ربي تبارك وتعالى " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " فقلت انا مجيب عني وعن أمتي (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) فقال الله (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقلت (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال الله لا أؤاخذك، فقلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فقال الله لا أحملك، فقلت (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين) فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك ولامتك، فقال الصادق (ع) ما وفد إلى الله تعالى أحد أكرم من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث سأل لامته هذه الخصال.


1- النساء 70.

2- يونس 64.

3- البقرة 177.

4- المجادلة 22.

5- اغتره اي طلب غفلته ج - ز.

6- البقرة 146.

7- الفتح 29.

8- أي بلا سرج.

9- يعني انه كان يحب الملائكة.

10- اي كشف.

11- لا يقال إن هذا الخبر مؤيد للمجبرة الذين يقولون بعدم اختيار العباد، لأنه يقال إنه الله تعالى عالم بسريرة العباد قبل خلقهم وخبير بمصيرهم إلى الحسن أو القبح بدون أن يكون لهذا العلم دخل في أفعالهم لان العلم بالشئ لا يكون مؤثرا فيه، بل المؤثر في الافعال إرادة الفاعل، فلما علم الله سبحانه وتعالى ان فريقا من العباد يفعلون الخير والحسنات، وآخرين يرتكبون الفواحش والمنكرات جعل في طينة الأولين الماء العذب، انعاما عليهم واكراما لهم ليكون أوفق لهم في مقام الطاعة وأسهل في الانقياد، وليس هذا على حد الالجاء ولا سببا لما صدر عنهم من الاعمال الحسنة بل إنه من الموفقات - وكذلك جعل في طينة الأشرار الماء المالح الأجاج تخفيضا وتحقيرا لهم وليس فيه الزام والجاء على فعل القبيح بل هو تابع لإرادتهم كما ذكر ويؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام " وشرطه في ذلك البداء " فاندفع من هذا ما يرد على الأخبار الواردة من هذا القبيل كاخبار الطينة، واخبار السعادة والشقاوة في بطون الأمهات -.

12- قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في زهر الربيع في معنى البداء انه " تكثرت الأحاديث من الفريقين في البداء " مثل " ما عظم الله بمثل البداء " وقوله " ما بعث الله نبيا حتى يقر له بالبداء " اي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، وكان الاقرار عليهم بذلك للرد على اليهود حيث زعموا انه تعالى فرغ من الامر، يقولون إنه تعالى عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدر كل شئ على مقتضى علمه. وقال شيخنا الطوسي رحمه الله في العدة: واما البداء فحقيقته في اللغة الظهور، كما يقال " بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بالشئ بعد ان لم يكن حاصلا، فإذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز اطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز، فالأول هو ما أفاد النسخ بعينه ويكون اطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادق عليه السلام من الاخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد ان لم يكن، ويكون وجه اطلاق ذلك عليه تعالى التشبيه هو انه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا ويحصل لهم العلم به بعد ان لم يكن حاصلا وأطلق على ذلك لفظ " البداء ". قال وذكر سيدنا المرتضى وجها آخر في ذلك وهو: أنه قال يمكن حمل ذلك على حقيقته بان يقال بد الله بمعنى انه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل، فاما كونه آمرا وناهيا فلا يصح ان يعلمه الا إذا وجد الأمر والنهي وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم " بان نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لان قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا وإنما يعلم كذلك بعد حصوله فكذلك القول في البداء (انتهى). ويظهر مما افاده الشيخ رحمه الله عدم الفرق بين البداء والنسخ ولكن يمكن ان يقال في مقام الفرق بينهما ان الأول يطلق على ما يتعلق بالأصول المنوطة - بالاعتقاد التي لا دخل له في العمل، والثاني مخصوص بالفروع والشرائع المتعلقة باعمال المكلفين، وهذا الفرق غير خفي على كل حفي وأحسن ما يمكن التمثيل به في معنى البداء قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم أتممناها بعشر (الأعراف 142) فواعد الله موسى لاعطاء التوراة ثلاثين ليلة، ثم غير الوعد المذكور على الظاهر بإضافة عشر ليال، ولم يكن هذا التغيير لأجل سنوح مصلحة جديدة كانت خفية عنه سابقا بل المعنى ان الميعاد المقرر عند الله لم يكن إلا أربعين ليلة، لكنه بين أولا بأنه ثلاثون لحكمة امتحان ايمان تابعي موسى، فمنهم من ثبت عند هذا الامتحان، ومنهم من خرج عن ربقة الايمان، وتعبد بالعجل والأوثان، وبعد ما انتهى هذا الابتلاء أتم الميعاد بإضافة عشر ليال، والدليل على أن الميعاد المقرر عند الله كان أربعين ليلة لا غير قوله تعالى " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون. البقرة 51 " قال البلاغي " أربعين ليلة باعتبار مجموع العددين، الوعد الأول - وهو ثلاثون ليلة - والثاني، وهو اتمامها بعشر كما في سورة الأعراف ". فعلى هذا لا يرد على البداء من أنه موجب لجهله تعالى عن عواقب الأمور أو موجب للتغير في علمه، أو نقصانه، لان التغير في المعلوم دون العالم، وان سلم فهو اعتباري غير قادح في وجوبه كما أشار إليه بقوله " كل يوم هو في شأن. الرحمن 29 ". ومن هذا يظهر أيضا دفع الاشكال الوارد على الحديث المشهور عن الصادق عليه السلام في ولده إسماعيل عند وفاته، وهو قوله عليه السلام: " ما بدا لله في كل شئ كما بدا له في إسماعيل " وقد بين له معان لا يسعني ذكرها فنقتصر على ما خطر في خاطري وهو انه: لما كان الغرض المهم من خلقه الكون خلقة الانسان، والمهم في خلقهم بعث الأنبياء، والمهم في بعثهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، والمهم في بقاء شريعته صلى الله عليه وآله امامة اثنى عشرة أئمة، فكانت النتيجة ان هذه الإمامة مدار الكون، فكان الابتلاء فيها من أهم الابتلاءات، فكان ظهور البداء فيها من أعظم البدوات التي امتحن الله بها قلوب العباد - والله العالم - ج - ز.

13- اي هذبوها وطيبوها.

14- انز الشئ تصلب وتشدد.

15- وروى " فابدؤها وانشاؤها ثم ابرؤها وتجزوها " وما ذكرناه أوفق. ج - ز.

16- الأكنان جمع كن وهو ماكن من الحر والبرد.

17- وتفسير هذه الكلمة كما في تفسير الإمام العسكري (ع) انه قيل لهم بالانقياد لولاية الله ولولاية محمد صلى الله عليه وآله وعلي (ع) وآلهما الطيبين وانهم لما لم ينقادوا وظلموا حق الله وحق محمد صلى الله عليه وآله وآله انزل الرجز عليهم من السماء. ج - ز.

18- أنعم له أي قال له " نعم " ج - ز.

19- إن قضية عثمان وأبي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438، انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 168 صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد عبده) 2 / 17، كتاب أبو ذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144.

20- لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية. ج - ز.

21- اي تشاوروا وتكلموا فيما بينهم. ج - ز.

22- لا يخفى ان هذه الرواية وإن كان ظاهرها مما ينكره العقل والنقل لكونه قادحا في قداسة الملائكة الذين لا يعصون الله طرفة عين لأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول، وانه قد ورد في الباب اخبار رادة لها كالخبر المروي في تفسير الإمام العسكري عليه السلام، الا ان التأمل الدقيق يعطي عدم منافاتها للعقل - لان عصيان الملائكة مستحيل مع كونهم كذلك - اما بعد ان أعطاهما الله تعالى ما للبشر من القوى الشهوية والاحساسات النفسانية - كما يظهر من الرواية - فظاهره صيرورتهما بشرا أو مثل البشر في فقدان العصمة وامكان المعصية، واشكال الفلاسفة بعدم امكان انقلاب الماهيات مدفوع، بعموم قدرة الله تعالى، والمعاجز الصادرة عن المعصومين عليهم السلام شاهدة على ذلك - لكنه قد ورد في تفسير الإمام العسكري عليه السلام ما يرد هذا الخبر فحينئذ يؤخذ بالأوضح متنا والأوثق سندا ويعمل بالمرجحات كما هو المناط في باب اختلاف الروايتين ولما لم يكن ثمة ثمرة عملية لم نطل الكلام في تنقيح المقام ج - ز.

23- خلط في الكلام اي هذى.

24- وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام مرويا عن الصادق عليه السلام ان المراد من تلك الكلمات، الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتاب عليه وهي أنه قال " يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي " - قيل له يا بن رسول الله فما يعني بقوله " فأتمهن "؟

قال " يعني فأتمهن إلى القائم عليه السلام (الرواية) ج - ز.

25- لم تكن العبارة بين القوسين في نسخة تفسير القمي الموجودة عندي إنما نقلتها على ما حكاها عنه البحراني في البرهان ج - ز.

26- انتابهم انتيابا أي اتاهم مرة بعد أخرى قاموس.

27- وقد فصلنا القول في مثل هذه الكلمات في مقدمتنا، فعلى القارئ الكريم مراجعتها ج - ز.

28- النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص (المائدة 45) ولعل المراد من النسخ في المقام ان الآية " النفس بالنفس " تدل على حتمية القصاص والآية " الحر بالحر " تدل على رخصته بقوله: فمن عفي له من أخيه... الخ " ج - ز.

29- اي تعجل في الذهاب إلى وطنه - عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته الا كتب له بها حسنة ومحي عنه سيئة، ورفع له بها درجة فإذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجع كما ولدته أمه فقال له استأنف العمل يقول الله " فمن تعجل في يومين فلا أتم عليه " (الآية) البرهان.

30- عطف على قوله " مؤمن غفر الله له ". ج ز.

31- والحال انها قبل " يسألونك عن الشهر الحرام.. الخ ".

32- إنما ترك المؤلف تفسير آية: يسئلونك عن الخمر والميسر، لأنه سيأتي في ذيل قوله تعالى: إنما الخمر والميسر الخ في سورة المائدة ص 180 فراجع - ج - ز.

33- بان يؤخذ نصف السوط باليد ويضرب به ج ز.

34- اي في التطليقة الثالثة تسرح باحسان ج - ز.

35- عضل المرأة عن الزواج اي منعها.

36- حز على كرم فلان اي زاد. ج - ز.

37- البقرة 140.

38- العتمة محركة صلاة العشاء - مجمع.

39- الكور كصرد جمع كورة بضم الكاف وهي بقعة تجتمع فيها المساكن ج - ز.

40- مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الأحجار إلى الصيد ونحوه.

41- المفازة كمغارة الفلاة لا ماء فيها، قيل إن ذلك مأخوذ من فوز اي مات لان المفازة مظنة للموت، وقيل سميت مفازة لان من خرج منها وقطعها فاز. ج - ز.

42- ليس في ط ألم - ج - ز.

43- هد البناء أي ضعضعه وهدمه.

44- الخرنوب بالضم والفتح شجرة برية ذات شوك وحمل كالتفاح لكنه بشع ق.

45- اي مخروبة.

46- بخت نصر بضم الباء وتشديد الصاد أصله بوخت ومعناه ابن ونصر اسم صنم لأنه كان وجد ملقى عنده فنسب إليه لأنه لم يعرف له أب ق ومجمع ج. ز.

47- اللبوة أنثى الأسد، ج - ز.