المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لوليه والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد نبيه وعلى الاثني عشر المعصومين أوصياء نبيه (وبعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل ثقة الاسلام السيد طيب الجزائري حفظه الله تعالى وزاد في توفيقاته بعض الملازم من كتاب (تفسير القمي) الذي قصد نشره ثالثا وطلب منى تقريظه والادلاء برأيي في الاعتماد إليه، ولقد سررت بنشره واعتذرت إليه من اطراء الكتاب وابداء رأيي لعجزي والضعف المستولي علي ورعشة اليد التي صارت العائق عن كثير الاعمال، إلا أنه رعاه الله لم يقنع بذلك وألح في الطلب فعز علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال بأكثر منه فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يرجع كتابنا (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه وخلاصة ما عرفناه عن هذا الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامية الهمامين أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام من طريق أبي الجارود وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من طريق علي بن إبراهيم القمي رضوان الله عليهم وأرجو للسيد حفظ الله تعالى ولأمثاله من أهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام واحياء مآثر السلف الصالح، كتبه بأنامله المرتعشة في مكتبته العامة في النجف الأشرف في السبت غرة ربيع المولود (1387) الفاني آقا بزرك الطهراني عفي عنه المقدمة من حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري دام ظله بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا رب على ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الأذهان، وفتحت مغالقها بمفاتح القرآن الذي هو أكبر آياته وتبيان، وأحسن دليل وبرهان، ونصلي ونسلم على من أنزله عليه فجاء به أحسن الأديان، الذي ازدهر على الارجاء والأركان، واشتهر في الآفاق والأزمان، وعلى آله الذين جعل قولهم وفعلهم مفسر القرآن، فلولا هم لم يكن الفرقان بين ما شان وما زان، ولا بين الطاعة والعدوان، بهم عبد الرحمن ومنهم يئس الشيطان.

(اما بعد) فاني منذ اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، كنت معجبا بتفسير القمي ومشتاقا إليه لأجل الاسرار المودعة فيه واحتياج التفاسير الكثيرة إليه، وتقدم مؤلفه زمانا وشرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا إلى أن صادفت الكتاب في النجف فابتهجت لحسن الحظ والشرف، ولكن ما تم سروري به إذ أخذ مكانه اسف، لأني وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، وبالأغلاط والسقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، وكانت مع هذه الحالة أغلى من الذهب، فأشرت بعض من أثق به من الأحباب ان يدخر له الاجر بطبع هذا الكتاب ولما كان الرأي قريبا إلى الصواب قبله ولباني، ورحب بي على هذا وحياني، وكلفني بتصحيحه وان اكتب شيئا مقدمة للكتاب ليكون تبصرة لأولي الألباب فقبلت مسؤله متوكلا على الله ومستمدا به وهو حسبي واليه أنيب.

صاحب التفسير: هو الثقة الجليل أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، قال النجاشي (على ما حكاه صاحب التنقيح) " ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب سمع فأكثر " ومثله في الخلاصة وعده في القسم الأول منها، وعنونه ابن داود في الباب الأول ووثقه في الوجيزة والبلغة، وعن إعلام الورى انه من اجل رواة أصحابنا، كان في عصر الإمام العسكري عليه السلام وعاش إلى سنة 307 - وقد أكثر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله الرواية عنه في الكافي - ومما يدل على جلالته ان الأدعية والاعمال الشائعة في مسجد السهلة المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير وغيره مما ينتهي سندها إليه لا غير رضوان الله عليه - اما مؤلفاته غير هذا التفسير فهي-:

(1) كتاب الناسخ والمنسوخ.

(2) كتاب قرب الإسناد.

(3) كتاب الشرائع.

(4) كتاب الحيض.

(5) كتاب التوحيد والشرك.

(6) كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

(7) كتاب المغازي.

(8) كتاب الأنبياء.

(9) كتاب المشذر.

(10) كتاب المناقب.

(11) كتاب اختيار القرآن (1).

وأكثر ما يرويه علي بن إبراهيم فعن أبيه إبراهيم بن هاشم كما هو دأبه في هذا التفسير وغيره من كتبه فيجدر بنا الإشارة إلى ترجمته مختصرا.

ترجمة إبراهيم بن هاشم القمي: لا يخفى على أرباب النهى ما ورد من الثناء على القميين وما هي مرتبتهم باعتبار خدمتهم للدين المبين - فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (ره) ان الإمام الصادق الناطق بالحق يقول - قم بلدنا وبلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا أهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء، اما انهم أنصار قائمنا ورعاة حقنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اعصمهم من كل فتنة ونجهم من هلكة (2).

ففضل أهل قم لا ينكر لأنه أبهر من الشمس واشهر من القمر وكيف لا يكون كذلك وقد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية وعباقرة البحور الباقرية كأبي جرير وزكريا بن إدريس وزكريا بن آدم وعيسى بن عبد الله إلا أن منهم من نال حظه أزيد وأكثر كإبراهيم بي على هذا فإنه شيخ القميين ووجههم، فضله على القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ والنجاشي وغيرهما من الأصحاب انه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم - قال السيد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إياه بأنه أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (وكل الصيد في جنب القرا) وقال أيضا الصحيح والصريح عندي ان الطريق من جهته صحيح فأمره اجل وحاله أعظم من أن يتعدل ويتوثق بمعدل وموثق غيره بل غيره يتعدل ويتوثق بتعديله وتوثيقه إياه، كيف وأعاظم أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين والصدوق والمفيد وشيخ الطائفة ونظرائهم ومن في طبقتهم ودرجتهم ورتبتهم من الأقدمين والأحدثين شأنهم اجل وخطبهم أكبر من أن يظن بأحد منهم قد احتاج إلى تنصيص ناص وتوثيق موثق وهو شيخ الشيوخ وقطب الأشياخ ووتد الأوتاد وسند الاسناد فهو أحق وأجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى).

وقال في الفهرست " إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمي أصله من الكوفة وانتقل إلى قم وأصحابنا يقولون إنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم وذكروا انه لقي الرضا عليه السلام.

والذي اعرف من كتبه كتاب النوادر وكتاب القضاء لأمير المؤمنين عليه السلام ".

وقال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الإجازة فقيه، محدث من أعيان الطائفة وكبرائهم وأعاظمهم وانه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات الأصحاب وأجلاؤهم وقد اعتنوا بحديثه وأكثر والنقل عنه كما لا يخفى على من راجع الكتب الأربعة للمشائخ الثلاثة رضي الله عنهم فإنها مشحونة بالنقل عنه أصولا وفروعا (انتهى).

ولاجل كونه راويا في أكثر رواياته عن محمد بن أبي عمير لا بأس في تحرير نبذة من ترجمته.

محمد بن أبي عمير: قال في التنقيح محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي أبو أحمد الذي اجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام.

وقال النجاشي انه من موالي المهلب بن أبي صفرة وقيل مولى بني أمية والأول أصح، بغدادي الأصل والمقام لقي أبا الحسن موسى وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال يا أبا محمد وروى عن الرضا عليه السلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانية والقحطانية وقال في البيان والتبيين حدثني إبراهيم بن داحية عن ابن أبي عمير وكان وجها من وجوه الرافضة وكان حبس في أيام الرشيد فقيل ليلي القضاء وقيل إنه ولى بعد ذلك وقيل ليدل مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليه السلام، وروي انه ضرب أسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الألم فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول اتق الله يا محمد بن أبي عمير ففرج الله عنه، وروي انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).

وعن الفهرست - محمد بن أبي عمير يكنى أبا محمد من مولى الأزد واسم أبى عمير زياد رحمه الله، وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكا وأعبدهم وأورعهم وقد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان على عدنان بهذه الصفة التي وصفناه وذكر انه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها أدرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ولم يرو عنه، وروى عن أبي الحسن الرضا والجواد عليهما السلام، وروى عنه أحمد بن محمد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله الصادق عليه السلام وله مصنفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا (انتهى) وعن الكشي في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه السلام منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن المحبوب وأحمد بن محمد أبى نصر.

وكان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محصنة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوري إياه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامة فكيف لم تسمع منهم؟

فقال قد سمعت منهم غير انى رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة وحديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك وأقبلت على هذا (3).

عبادته:

(قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه ويقول له أنت رجل عليك عيال وتحتاج ان تكسب عليهم وما آمن من أن تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد الصلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا عند الزوال (وسمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي وذهب بي إلى ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة وحوله مشائخ له يعظمونه ويبجلونه فقلت لأبي من هذا؟

فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل الصالح العابد؟

قال: نعم (4).

سخاؤه: اما سخاؤه فقد بلغ إلى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم واقتبس من جذوتهم فإنه يذكر في جوده وكرمه وايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم وينسى دونه جود حاتم.

روى الشيخ والصدوق رضوان الله عليهما ان محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بشعرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال ما هذا؟

قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟

قال لا، قال وهب لك؟

قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟

فقال بعت داري التي اسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها وانى والله لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم ولا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد (5).

جهاده: اما جهاده في سبيل الحق واحتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشي أنه قال وجدت بخط أبى عبد الله الشاذاني سمعت أبا محمد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمد بن أبي عمير (واسم أبي عمير زياد) إلى السلطان انه يعرف أسامي الشيعة بالعراق فأمره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد وعلق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط أبلغ الضرب الألم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس يقول يا محمد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى فتقويت بقوله وصبرت ولم اخبر والحمد لله (6).

وروي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة وواحدا وعشرين ألف درهم حتى خلى عنه وكان رب خمسمائة ألف درهم (7).

ويظهر من سير التاريخ والحديث انه رحمه الله قاسى من الجهد والبلاء في عصري الهارون والمأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين وكان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السلام واختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل إن أخته دفنتها حال استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الأمجد السيد الجزائري رحمه الله في شرحه على التهذيب (8) وقيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما أطلق من حبسه حدثهم من حفظه وكان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الأصحاب سكنوا إليها وعاملوها معاملة الصحاح ثقة به.

مؤلفاته: انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة وتسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة والافعال والرد على أهل القدر والجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المتعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر والايمان، كتاب البداء، كتاب الاحتجاج في الإمامة، كتاب الحج، كتاب فضائل الحج، كتاب الملاحم، كتاب يوم وليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحج، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.

توفي رحمه الله سنة 217 (9).

الثناء على التفسير: لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا من أقدم التفاسير التي وصلت الينا ولولا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن ولما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره ولم تره إلا منورا بأنواره كالصافي والمجمع والبرهان، إلا أن هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لأنه لم يطبع منه في الأخير إلا نسختان، طبعتا في إيران إحديهما طبعت سنة 1313 وثانيتهما التي عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكري على هامشه وكلتا النسختين مع كثرة الخطأ والاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتى لم نجدهما في أكثر مكتبات النجف الأشرف حتى مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام التي أسسها العلامة المجاهد الأميني مد ظله مع اتساعها وطول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج إلى طباعته لئلا يندرس هذا الأثر الأثري والتأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلفة المألوفة ليرى محياها كل من أحبها وحياها فإنها تحفة عصرية ونخبة أثرية لأنها مشتملة على خصائص شتى قلما تجدها في غيرها فمنها:

(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.

(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والاسناد ولهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.

(3) مؤلفه كان في زمن الإمام العسكري عليه السلام.

(4) أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للإمام الرضا عليه السلام.

(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.

(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما إلا بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.

بقي شئ: وهو ان الراوي الأول الذي املا عليه علي بن إبراهيم القمي هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس ابن محمد بن قاسم بن حمزه بن موسى بن جعفر عليه السلام، تلميذ علي بن إبراهيم، وهذا الشخص وان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلا أن ما يدل على علو شأنه وسمو مكانه كونه من أولاد الإمام موسى ابن جعفر عليه السلام ومنتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، وقد ذكره غير واحد من كتب الأنساب كبحر الأنساب والمجدي وعمدة الطالب، ومما يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الأصحاب إلى هذا الكتاب وعملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا إليه، ولذا قال الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، وهو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.

" ولم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة وان كانت اشهر مما سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلفات الثقات الاجلاء، وكلها متواترة النسبة إلى مؤلفيها، لا يختلف العلماء، ولا يشك الفضلاء فيها " (الوسائل 1 / 5) وقد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير والمجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهراني (صاحب الذريعة) دام ظله فأبدى سروره على طبعه ودعا لي على هذا المجهود وكتب التقريظ عليه مع ضعف حاله وارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب? " الأثر النفيس والسفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام ".

ولا ريب في أنه عريف هذا الفن وغطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.

وبالجملة انه تفسير رباني، وتنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المباني عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلا من العالم عليه السلام ولا يعقله إلا العالمون، ولم آل جهدا في تصحيحه وتنظيفه من الأغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على اربع نسخ منه:

(الأولى) نسخة مطبوعة 1315 ه? ج? على هامشها تفسير الإمام العسكري عليه السلام، وهي التي كانت عندي.

(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 ه? ج? وجعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).

(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية الله الحكيم مد ظله وجعلت رمزها (م).

(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طاب ثراه، وجعلت رمزها (ك) واسأل الله ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائي، وان بقي شئ منها فاني معتذر إلى مولاي فإنه ذو الصفح الجسيم والمن القديم وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم.

تنبيه يتعلق بهذا التفسير لابد لقارئ هذا التفسير من الالتفات إلى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود والمستضعف باب اللجاج والعناد، فيورد على هذا التفسير وما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ وقريب إلى التأويلات التي يستنكف العقل منها - مثلا - اي ربط للآيات النازلة في أقوام بائدة كقوم عاد وثمود بأعداء أهل البيت عليهم السلام حيث فسرت بأنها نزلت فيهم ونحو ذلك.

وجوابه يتوقف على بيان أمور:

(الأول) انه قد ظهر من الأدلة الباهرة والاخبار المتضافرة من الفريقين ان ذوات محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هي علة ايجاد هذا الكون كما يظهر من الحديث المعروف " لولاك لما خلقت الأفلاك " المشهور بين الفريقين وحديث " أول ما خلق الله نوري " المؤيد بقوله تعالى " قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين؟؟

" فهذه الآية تدل على أن محمدا صلى الله عليه وآله أول الكل وجودا وإن كان خاتم الرسل زمانا وعلي بن أبي طالب اما نفسه كما تدل على آية المباهلة أو قسيم نوره كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله " انا وعلي من نور واحد " وأولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله وكماله صلى الله عليه وآله كما قال صلى الله عليه وآله: فيهم " أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد " وتدل على هذا المقصد روايات كثيرة من السنة من شاء فليراجع معارج النبوة ومدارج النبوة وينابيع المودة ونحو ذلك.

وكذا وردت روايات كثيرة معتبرة أيضا كحديث الكساء المتسالم عليه بين العلماء الأعلام والمعمول به بين الخواص والعوام وفيه: " وعزتي وجلالي اني ما خلقت سماءا مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئا..

إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ".

وفي اكمال الدين والعيون والعلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني، فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟

فقال يا علي ان الله فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل من بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي!

الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي!

لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتقديسه لان أول ما خلق الله خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وبتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا.

استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.

(الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدسة هي أول الخلق وغرض الحق فبدليل العقل يجب على الله تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه ويعرض محبتهم على جميع عباده وإلا ليلزم الانفكاك بين الغاية والمغيى فهم غرض الخلق وغرض خلقهم ذات الحق وان شئت فقل ان الله لم يخلق الخلق، إلا للعبادة ولا يعبد إلا بعد المعرفة وهي إنما تحصل بقبول الايمان بالله كما هو، وهو موقوف على الاقرار بالرسول المخبر عن الله، وهو موقوف على الاقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى الله ان يرشد إليه ويدل عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم ولهم.

(الثالث) ان الله تعالى كان عالما باعمال أمة نبيه صلى الله عليه وآله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بأنهم يلعبون بالدين ويهتكون بنواميس حماته في كل حين، كما ظهر من شنائع بني أمية وبني العباس وقد نبأ به النبي الصادق كما في صحيحي البخاري ومسلم فقال صلى الله عليه وآله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟

قال فمن؟ (10) وكما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى " لتركبن طبقا عن طبق " اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، وفي هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان لا يبقوا أسامي الأئمة أو فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلا يبينها الله تعالى بالكناية والاستعارة كما هو دأب القرآن وأسلوبه في أكثر آياته فان له ظاهرا يتعلق بشئ وباطنا بشئ آخر، روى العياشي وغيره عن جابر قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألت ثانيا فأجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم!

فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا، يا جابر وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون أولها في شئ وآخرها في شئ وهو كلا متصل ينصرف على وجوه ".

وعن الغزالي في احياء العلوم والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن والمراد من بطن القرآن تأويله كما قال: ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.

ومثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة - إلى قوله - مالها من قرار (11) فالمراد من " الشجرة الطيبة " شجرة محمد وآله صلوات الله عليهم والمراد من " الشجرة الخبيثة " و " الشجرة الملعونة " في سورة بني إسرائيل هم بنو أمية (12) فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم وهم أهل البيت سلام الله عليهم الملقبون في القرآن ب? " الراسخون في العلم " مرة وب? " الذين أوتوا العلم " مرة أخرى، فإنهم العرفاء بوجوه القرآن ومعانيه والعلماء بناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه، عامه وخاصه، مطلقه ومقيده، مجمله ومبينه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا (13).

فانقدح من ذلك كله انه إذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام التأويل والتعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره أو استغرابه وإن كان خلافا للظاهر وهل هبط الروح الأمين بالقرآن إلا في بيتهم، وهل استنارت آياته إلا من زيتهم، فهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ومنبت التفسير والتأويل كما قال أبو عبد الله الحسين عليه السلام قدام جمهور من الناس حين خروجه من المدينة " نحن أهل البيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة " (14) فالقرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق وان ظاهره وإن كان مخصوصا بفرد خاص أو زمان خاص لكن باطنه ينطبق على كل من كان اهلا له إلى يوم القيامة ومن هنا قال أبو جعفر عليه السلام: ان القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا وفي أحبائنا وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا وثلث سنة ومثل، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ، ولكن القرآن يجرى على آخره ما دامت السماوات والأرض (15).

ومن هنا علم سر ذكر الأمم السابقة كآل فرعون ونمرود، وأمة موسى وهود، وقصص النصارى واليهود، وتكرير اعمالهم القبيحة وأطوارهم الشنيعة مع أن الله تعالى ستار العيوب وغفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم وذكر شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب وتمت فيهم مواعيد العذاب، فليس المقصود منه إلا اعتبار المعتبرين وتنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم بسوء اعمالهم ولهذا عبر عن بعضهم في لسان النبي صلى الله عليه وآله بيهود هذه الأمة ومجوسها.

فانكشف مما ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية وصراحة فهو راجع إلى محمد وآله الطاهرين، وكل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لأعدائهم أجمعين السابقين منهم واللاحقين ويحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل وإن كان خلافا للظاهر لان أسلوب البيان وحفظه عن النقصان يقتضي الكناية وهي أبلغ من التصريح والطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقل والنقل، ولا ينكره إلا من كان دأبه على المكابرة والدجل، والله ولي التوفيق يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

تحريف القرآن:

بقي شئ يهمنا ذكره وهو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة يشتمل على روايات مفادها ان المصحف الذي بين أيدينا لم يسلم من التحريف والتغيير تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 1 - ص مقدمة المصحح 22 - 2وجوابه انه لم ينفرد المصنف (رح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة اما العامة فقد صنفوا فيه كتبا كالسجستاني حيث صنف " كتاب المصاحف " والشعراني حيث قال: ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان (16).

والآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدل على التحريف قائلا: والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى (17).

وقال فخر الدين الرازي في تفسيره: نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن (18).

ونقل السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب الله، إنما امر النبي صلى الله عليه وآله ان يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما (19).

وقال الصبحي الصالحي: " اما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها نحو أوصى ووصى، وتجري تحتها ومن تحتها، وسيقولون الله ولله، وما عملت أيديهم وما عملته فكتابته على نحو قراءته وكل ذلك وجد في مصحف الامام (20) " وهذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراءات كلها لم تنزل من الله تعالى لان الأفصح والأبلغ في المقام واحدة منها، وكلام الخالق لا يكون إلا بالأفصح والأبلغ، فإذا وجد كل ذلك في مصحف الامام فيحصل لنا العلم ولو اجمالا بزيادة ما ليس من الله في القرآن.

وكذلك ذهب كثير منهم إلى عدم كون البسملة من القرآن، ومن هنا لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيد الخوئي دام ظله في البيان: " فالبسملة مثلا مما تسالم المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية إلى كراهة الاتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة " (21).

اما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الاجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الامامية إلى عدمها أيضا وأنكروها غاية الانكار كالصدوق والسيد مرتضى وأبي علي الطبرسي في " مجمع البيان " والشيخ الطوسي في " التبيان " ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي، والعياشي والنعماني، وفرات بن إبراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج والمجلسي، والسيد الجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، والسيد البحراني وقد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الاغماض عنها.

والذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للاحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.

وتفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور المسلمين أو أهل الكتاب كالنصارى واليهود وكلاهما لا يقدران على ذلك اما جمهور المسلمين فلكون كتبهم مملوءة من الأخبار الدالة على التحريف الذي هو أزيد بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الامامية، إذ هو عند أولئك بمعنى النقيصة والزيادة وفي سائر مواضيع القرآن حتى قد روي عن عمر أنه قال:

(1) لا يقولن أحدكم قد اخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟

قد ذهبت منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر (22).

(2) وعنه أيضا كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب الله (23).

(3) وأيضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده (24).

(4) وعن أبي موسى الأشعري: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بالبراءة فأنسيتها، غير انى قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن آدم الا تراب (25) ومثله كثير مما يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الاحكام والسور كسورتي الخلع والحفد (26) وأين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.

وهذا هو السر في أن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين أمروا بالتشبث بالقرآن الكريم وأمروا بارجاع الأحاديث المشكوكة على القرآن والاخذ بما وافقه ورد ما خالفه وإنما هو نص واضح على أن التحريف والتغيير لم يقع فيها وما وقع منه يسيرا فإنما هو بالنسبة إلى الآيات الراجعة إلى آل بيت النبي صلوات الله عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب إليه الكاشاني رح اما أهل الكتاب فإنهم أيضا لا يقدرون على الايراد المذكور لوروده على أنفسهم حقيقة لذهاب التوراة والإنجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين الكتابين، وقد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الأناجيل الأربعة بعد وفاة عيسى حتى سموها NEW TESTAMENT أعني " العهد الجديد ".

وهذا الأناجيل عبارة عن:

1 - إنجيل متى.

2 - إنجيل مرقس.

3 - إنجيل لوقا.

4 - إنجيل يوحنا، وليس واحد منها من كلام عيسى ولا حواريه بل انها نسبت إلى متى ولوقا لتحصيل الاشتهار وجلب رغبة الناس إليها، وقد جرت هذه الأناجيل في الناس دهرا طويلا يقرأ مسودة فحدثت فيها التغييرات والإضافات حينا بعد حين وأضيفت فيها الأساطير التي كان بناء أكثرها على المبالغة وانها كانت على السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتى حسبت بعد مدة حقائق تاريخية وحوادث واقعية.

قد صرح بذلك كله علماؤهم المعروفون في كتبهم (27).

وقال القسيس المعروف ارنست وليام Earnest William ان مرقس أقدم الأناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في الارجاء، وكانت الفترة بين صلب عيسى وكتابته أربعين سنة أو أزيد (28).

وهذا بخلاف القرآن الحكيم فان مكتوبا مدونا في زمان الرسول صلى الله عليه وآله عند أمير المؤمنين عليه السلام على قول أو كان مكتوبا متفرقا على ألواح وعسب والفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على أن ما بين الدفتين كله من الله تعالى فهو باق على اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته ومجازه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، متحد على اعلانه القويم القديم (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) طيب الموسوي الجزائري النجف الأشرف 8 رجب المرجب سنة 1386 تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي رحمه الله (من اعلام قرني 3 - 4 هـ ) صححه وعلق عليه وقدم له حجة الاسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري الجزء الأول بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شئ خلق (29) ما كون بل بقدرته، بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه فليست له صفة تنال ولا حد يضرب فيه الأمثال كل دون صفاته تحبير (30) اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات وحار في اداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبة المكنون حجب من الغيوب وتاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس لنعته حد محدود ولا وقت ممدود، ولا اجل معدود، فسبحان الذي ليس له أول متبدأ ولا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها بعلمه عند حلقه وأبانها إبانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها فيقال هو فيها كاين ولم يناء عنها فيقال هو منها باين، ولم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء ولا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى وعلى كل شئ منها حافظ ورقيب وبكل شئ منها محيط هو الله الواحد الأحد رب العالمين والحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة وجعل لكل شئ قدرا ولكل قدر اجلا ولكل اجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب والحمد لله الذي جعل الحمد شكرا والشكر طاعة والتكبير جلالة وتعظيما فلا اله الا هو اخلاصا نشهد به فإنه قال عز وجل " ستكتب شهادتهم ويسألون " وقال " الا من شهد بالحق وهم يعلمون " تشهد به بلجة (31) صدورنا وعارفة قلوبنا قد شيط به (32) لحومنا ودماؤنا وأشعارنا وأبشارنا وأسماعنا وأبصارنا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه ارسله بكتاب قد فصله وأحكمه وأعزه وحفظه بعلمه وواضحه بنوره وأيده بسلطانه وأحكمه من أن يميل سهوا ويأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تفنى عجائبه من قال به صدق ومن عمل به احيز ومن خاصم به فلج ومن قال به نصر ومن قام به هدى إلى صراط مستقيم ومن تركه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره أضله الله وهو حبل الله المتين فيه بيان ما كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم أنزله الله بعلمه واشهد الملائكة بتصديقه فقال " لكن الله يشهد بما انزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " فجعله نورا يهدى التي هي أقوم فقال " اتبعوه ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما يتذكرون " ففي اتباع ما جاء من الله عز وجل الفوز العظيم وفي تركه الخطا المبين فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والآخرة، والقرآن آمر وزاجر حد فيه الحدود وسن فيه السنن وضرب فيه الأمثال وشرع فيه الدين وغدا من سببه حجة على خلقه اخذ عليهم ميثاقهم وارتهن لهم أنفسهم لينبئ لهم ما يأتون وما يبتغون ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينة وان الله سميع عليم وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله " أيها الناس ان الله عز وجل بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى وانزل عليه الكتاب بالحق وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله وعن الرسول ومن ارسله، ارسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة (33) من الأمم وانبساط من الجهل واعترض من الفتنة وانتقاص من البرم وعمى عن الحق وانتشار من الخوف واعتساف من الجور وامتحاق من الدين وتلظى من الحروب وعلى حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ويبوس من أغصانها وانتشار من ورقها ويأس من ثمرها واغورار من مائها، فقد درست اعلام الهدى وظهرت اعلام الردى والدنيا متهجمة (34) في وجوه أهلها متكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف قد مزقهم كل ممزق فقد أعمت عيون أهلها واظلمت عليهم أيامها قد قطعوا أرحامهم وسفكوا دمائهم ودفنوا في التراب الموؤودة بينهم من أولادهم يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهته، خوط (35) لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون الله عقابا حيهم أعمى نجس ميتهم في النار مبلس فجاءهم النبي صلى الله عليه وآله بنسخة ما في الصحف الأولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال وبيان الحرام وذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم، أخبركم عنه ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه مختلفون فلو سألتموني عنه لأخبرتكم عنه لأني أعلمكم ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع في مسجد الخيف " انى فرطكم (36) وانكم واردون على الحوض، حوض عرضه ما بين بصرة وصنعاء، فيه قد حان من فضة عدد النجوم الأواني سائلكم عن الثقلين قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟

قال كتاب الله الثقل الأكبر طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن تزلوا والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه " فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين ذكره من تمسك به هدى ومن تولى عنه ضل وزل فأفضل ما عمل به القرآن لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وقال " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " ففرض الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله ان يبين الناس ما في القرآن من الاحكام والقوانين والفرايض والسنن وفرض على الناس التفقه والتعليم والعمل بما فيه حتى لا يسع أحدا جهله ولا يعذر في تركه ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى وفرض سؤالهم والاخذ منهم فقال " فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " فعلمهم عن رسول الله وهم الذين قال في كتابه وخاطبهم في قوله تعالى " يا أيها الناس آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا (القرآن) ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا - أنتم يا معشر الأئمة - شهداء على الناس " فرسول الله صلى الله عليه وآله شهيد عليهم وهم شهداء على الناس فالعلم عندهم والقرآن معهم ودين الله عز وجل الذي ارتضاه لأنبيائه وملائكته ورسله منهم يقتبس وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام " الا ان العلم الذي هبط به آدم عليه السلام من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين عندي وعند عترة خاتم النبيين فأين يتاه بكم بل أين تذهبون وقال أيضا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته " ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أنه قال إني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم هم اعلم الناس كبارا واحلم الناس صغارا فاتبعوا الحق وأهله حيث كان ففي الذي ذكرنا من عظيم خطر القرآن وعلم الأئمة عليهم السلام كفاية لمن شرح الله صدره ونور قلبه وهداه لايمانه ومن عليه بدينه وبالله نستعين وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل " (قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي ط) فالقرآن منه ناسخ، ومنه منسوخ، ومنه محكم، ومنه متشابه، ومنه عام، ومنه خاص، ومنه تقديم، ومنه تأخير، ومنه منقطع، ومنه معطوف، ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما انزل الله (37)، ومنه ما لفظه عام ومعناه خاص، ومنه ما لفظه خاص ومعناه عام، ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى ومنه ما تأويله في تنزيله ومنه ما تأويله مع تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه تأويله بعد تنزيله، ومنه رخصة اطلاق بعد الحظر، ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار ان شاء فعل وان شاء ترك، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها، ومنها ما على لفظ الخبر ومعناه حكاية عن قوم، ومنه آيات نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها، ومنه مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين، ومنه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى أمته، ومنه ما لفظه مفرد ومعناه جمع، ومنه ما لا يعرف تحريمه الا بتحليله، ومنه رد على الملحدين، ومنه رد على الزنادقة، ومنه رد على الثنوية ومنه رد على الجهمية، ومنه رد على الدهرية، ومنه رد على عبدة النيران، ومنه رد على عبدة الأوثان، ومنه رد على المعتزلة، ومنه رد على القدرية، ومنه رد على المجبرة، ومنه رد على من انكر من المسلمين الثواب والعقاب بعد الموت يوم القيامة، ومنه رد على من انكر المعراج والاسراء، ومنه رد على من انكر الميثاق في الذر، ومنه رد على من انكر خلق الجنة والنار، ومنه رد على من انكر المتعة والرجعة، ومنه رد على من وصف الله عز وجل، ومنه مخاطبة الله عز وجل لأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام وما ذكره الله من فضايلهم وفيه خروج القائم واخبار الرجعة وما وعد الله تبارك وتعالى الأئمة عليهم السلام من النصرة والانتقام من أعدائهم، وفيه شرايع الاسلام واخبار الأنبياء عليهم السلام ومولدهم ومبعثهم وشريعتهم وهلاك أمتهم، وفيه ما نزل بمغازي النبي صلى الله عليه وآله، وفيه ترهيب وفيه ترغيب، وفيه أمثال، وفيه اخبار وقصص، ونحن ذاكرون جميع ما ذكرنا إن شاء الله في أول الكتاب مع خبرها ليستدل بها على غيرها وعلم ما في الكتاب وبالله التوفيق والاستعانة وعليه نتوكل وبه نستعين ونستجير والصلاة على محمد وآله الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

فاما الناسخ والمنسوخ فان عدة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على عاداتهم وانزل الله تعالى بذلك قرآنا فقال " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج " (38) فكانت العدة حولا فلما قوى الاسلام انزل الله " الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشر (39) فنسخت قوله " متاعا إلى الحول غير اخراج " ومثله ان المرأة كانت في الجاهلية إذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يوذي فأنزل الله في ذلك " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (40) " وفى الرجل " واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا رحيما (41) " فلما قوى الاسلام انزل الله " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منها ماءة جلدة (42) " فمسخت تلك ومثله كثير نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى واما المحكم فمثل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين (43) " ومثله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (44) " ومنه قوله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم (45) " الآية إلى آخرها فهذه كله محكم قد استغنى بتنزيله عن تأويله ومثله كثير.

واما المتشابه فما ذكرنا مما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله " يوم هم على النار يفتنون (46) " اي يعذبون وقوله " الفتنة أكبر من القتل (47) " وهي الكفر ومنه الحب وهو قوله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة (48) " يعني بها الحب ومنها اختبار وهو قوله " ألم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون (49) " اي لا يختبرون ومثله كثير نذكره في مواضعه ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ومنه الضلال وهو على وجوه كثيرة فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف.

واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين (50) " فلفظه عام ومعناه خاص لأنه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها وقوله " وأوتيت من كل شئ (51) " يعني بلقيس فلفظه عام ومعناه خاص لأنها لم توت أشياء كثيرة منها الذكر واللحية وقوله " ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بأمر ربها (52) " لفظه عام ومعناه خاص لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها.

واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله " من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا (53) " فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم.

واما التقديم والتأخير فان آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة لان في التأليف قد قدمت آية " عدة النساء أربعة اشهر وعشرا (54) " على آية " عدة سنة كاملة (55) " وكان يجب أولا ان تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ثم الناسخة التي نزلت بعده وقوله " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة (56) " فقال الصادق عليه السلام إنما نزل " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه اماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى " وقوله " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى (57) " وإنما هو يحيى ويميت لان الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت وإنما قالوا " نحيا ونموت " فقدموا حرفا على حرف وقوله " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي (58) " أيضا هو " اركعي واسجدي " وقوله " فلعلك باخع (59) نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا " وإنما هو " فلعلك باخع نفسك على آثارهم أسفا ان لم يؤمنوا بهذا الحديث " ومثله كثير.

واما المنقطع المعطوف فهي آيات نزلت في خبر ثم انقطعت قبل تمامها وجائت آيات غيرها ثم عطف بعد ذلك على الخبر الأول مثل قوله عز وجل " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " ثم انقطع خبر إبراهيم فقال مخاطبة لامة محمد " وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول الا البلاغ المبين أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير " إلى قوله " أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب اليم " ثم عطف بعد هذه الآيات على قصة إبراهيم فقال " وما كان جواب قومه الا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار (60) " ومثله في قصة لقمان قوله " وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم " ثم انقطعت وصية لقمان لابنه فقال " ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن " إلى قوله " فأنبئكم بما كنتم تعملون " ثم عطف على خبر لقمان فقال " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها.. الخ (61) " ومثله كثير.

واما ما هو حرف مكان حرف فقوله " لئلا يكون للناس على الله حجة الا الذين ظلموا منهم (62) " يعني ولا للذين ظلموا منهم وقوله " يا موسى لا تخف انى لا يخاف لدي المرسلون الا من ظلم (63) " يعني ولا من ظلم وقوله " ما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ (64) " يعني ولا خطأ وقوله " ولا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم (65) " يعني حتى تنقطع قلوبهم ومثله كثير.

واما ما هو كان على خلاف ما انزل الله فهو قوله " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (66) " فقال أبو عبد الله عليه السلام لقاري هذه الآية " خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليه السلام؟

فقيل له وكيف نزلت يا بن رسول الله؟

فقال إنما نزلت " كنتم خير أئمة أخرجت للناس " الا ترى مدح الله لهم في آخر الآية " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ومثله آية قرئت على أبى عبد الله عليه السلام " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما (67) " فقال أبو عبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين اماما فقيل له يا بن رسول الله كيف نزلت؟

فقال إنما نزلت " الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين اماما " وقوله " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله (68) " فقال أبو عبد الله كيف يحفظ الشئ من امر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا بن رسول الله؟

فقال إنما نزلت " له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ومثله كثير.

واما ما هو محرف منه فهو قوله " لكن الله يشهد بما انزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون (69) " وقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته (70) " وقوله " ان الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم (71) " وقوله " وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم اي منقلب ينقلبون (72) " وقوله " ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت (73) " ومثله كثير نذكره في مواضعه.

واما ما لفظه جمع ومعناه واحد وهو جار في الناس فقوله " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم (74) " نزلت في أبي لبابة بن عبد الله بن المنذر خاصة وقوله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء (75) " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وقوله " الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا إليكم (76) " نزلت في نعيم ابن مسعود الأشجعي وقوله " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن (77) " نزلت في عبد الله بن نفيل خاصة ومثله كثير نذكره في مواضعه.

واما ما لفظه واحد ومعناه جمع فقوله " وجاء ربك والملك صفا صفا (78) " فاسم الملك واحد ومعناه جمع وقوله " ألم تر ان الله يسجد له من في السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر (79) " فلفظ الشجر واحد ومعناه جمع.

واما ما لفظه ماض وهو مستقبل فقوله " ونفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله وكل اتوه داخرين (80) " وقوله " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض الا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو اعلم بما يفعلون (81) " إلى آخر الآية فهذا كله ما لم يكن بعد وفي لفظ الآية انه قد كان ومثله كثير.

واما الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى فقوله في سورة البقرة في قصة بني إسرائيل حين عبر بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون وأصحابه وانزل موسى ببني إسرائيل فأنزل الله عليهم المن والسلوى فقالوا لموسى " لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها فقال لهم موسى " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصر فان لكم ما سألتم (82) فقالوا له يا موسى " ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون (83) " فنصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة وقوله " اكتتبها فهي تملئ عليه بكرة وأصيلا (84) " فرد الله عليهم " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (85) " فنصف الآية في سورة الفرقان ونصفها في سورة القصص والعنكبوت ومثله كثير نذكره في مواضعه.

واما الآية التي نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها فقوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن (86) " وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فأنزل الله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " فنهى الله ان ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ثم نسخ قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " بقوله في سورة المائدة " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن (87) " فنسخت هذه الآية قوله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " وترك قوله " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " لم ينسخ لأنه لا يحل للمسلم ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى، وقوله " وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص (88) " ثم نسخت هذه الآية بقوله " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى (89) " فنسخت قوله " النفس بالنفس إلى قوله السن بالسن " ولم ينسخ قوله " الجروح قصاص " فنصف الآية منسوخة ونصفها متروكة.

واما ما تأويله في تنزيله فكل آية نزلت في حلال أو حرام مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم (90) " وقوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير (91) " ومثله كثير مما تأويله في تنزيله وهو من المحكم الذي ذكرناه.

واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (92) " فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم الرسول من أولوا الامر وقوله " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (93) " فلم تستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي صلى الله عليه وآله من الصادقون وقوله " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " فلم يستغن الناس حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله كم يصومون وقوله " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلم تستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي كم يصلون وكم يصومون وكم يزكون.

واما ما تأويله قبل تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله مما لم يكن عند النبي فيها حكم مثل الظهار فان العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل من امرأته حرمت عليه إلى الأبد فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته يقال له أوس بن الصامت فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك فانتظر النبي صلى الله عليه وآله الحكم من الله فأنزل الله تبارك وتعالى " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم الا اللائي ولدنهم (94) " ومثله ما نزل في اللعان وغيره مما لم يكن عند النبي صلى الله عليه وآله فيه حكم حتى نزل عليه القرآن به من عند الله عز وجل فكان التأويل قد تقدم التنزيل.

واما ما تأويله بعد تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وآله وبعده من غصب آل محمد حقهم وما وعدهم الله به من النصر على أعدائهم وما اخبر الله به من اخبار القائم وخروجه واخبار الرجعة والساعة في قوله " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون (95) " وقوله " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (96) " نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وقوله " نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض (97) " ومثله كثير مما تأويله بعد تنزيله.

واما ما هو متفق اللفظ ومختلف المعنى فقوله " واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها (98) " يعني أهل القرية وأهل العير وقوله " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا " يعني أهل القرى، ومثله كثير نذكره.

واما الرخصة التي هي بعد العزيمة فان الله تبارك وتعالى فرض الوضوء والغسل بالماء فقال " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا " ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال " وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه (99) " ومثله " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (100) " ثم رخص فقال " وان خفتم فرجالا أو ركبانا " وقوله " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " فقال العالم عليه السلام الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماء فهذه رخصة بعد العزيمة.

واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان الله عز وجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فاجره على الله (101) " فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفى واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها فان الله تبارك وتعالى نهى ان يتخذ المؤمن الكافر وليا فقال " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ (102) " ثم رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره وان يدين الله في باطنه بخلاف ذلك فقال " الا ان تتقوا منهم تقاة (103) " فهذا تفسير الرخص ومعنى قول الصادق عليه السلام ان الله تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب ان يؤخذ بعزايمه.

واما ما لفظه خبر ومعناه حكاية فقوله " ولبثوا في كهفهم ثلاث ماءة سنين وازدادوا تسعا (104) " وهذا حكاية عنهم والدليل على أنه حكاية ما رد الله عليهم بقوله " قل الله اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض " وقوله يحكي قول قريش " ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى (105) " فهو على لفظ الخبر ومعناه حكاية ومثله كثير نذكره في مواضعه.

واما ما هو مخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته فقوله " يا أيها النبي إذا طلقتم؟

؟

النساء فطلقوهن لعدتهن (106) " والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وقوله " لا تدع مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم مذموما مدحورا (107) " ومثله كثير مما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وآله والمعنى لامته وهو قول الصادق عليه السلام ان الله بعث نبيه صلى الله عليه وآله بإياك أعني واسمعي يا جارة.

واما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين فقوله " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن (أنتم يا معشر أمة محمد) في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا (108) " فالمخاطبة لبني إسرائيل والمعنى لامة محمد صلى الله عليه وآله.

واما الرد على الزنادقة فقوله " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون (109) " وذلك أن الزنادقة زعمت أن الانسان إنما يتولد بدوران الفلك فإذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الاشكال والغذاء ومر عليه الليل والنهار ويكبر لذلك فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم " ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون " يعني من يكبر ويعمر يرجع إلى حد الطفولية ويأخذ في النقصان والنكس فلو كان هذا كما زعموا لوجب ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار يدوران عليه فلما بطل هذا وكان من تدبير الله عز وجل اخذ في النقصان عند منتهى عمره.

واما الرد على الثنوية فقوله " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق (110) " قال لو كان إلهان لطلب كل واحد منهما العلو وإذا شاء واحد ان يخلق انسانا شاء الآخر ان يخالفه فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما على مشيتهما واختلف ارادتهما بخلق انسان وبهيمة في حالة واحدة وهذا من أعظم المحال غير موجود وإذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان وكان واحدا فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض بالأهوا والإرادات والمشيات تدل على صانع واحد وهو قوله عز وعلا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض وقوله " ولو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا (111) ".

واما الرد على عبدة الأوثان فقوله " ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (112) " وقوله يحكى قول إبراهيم عليه السلام " أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (113) " وقوله " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (114) " وقوله " أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (115) " ومثله كثير مما هو رد على الزنادقة وعبدة الأوثان واما ما هو رد على الدهرية زعموا ان الدهر لم يزل ولا يزال ابدا وليس له مدبر ولا صانع وأنكروا البعث..

والنشور فحكى الله عز وجل قولهم فقال " وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وإنما قالوا نحيى ونموت وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم أن هم الا يظنون؟

(116).

فرد الله عليهم فقال عز وجل " يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا (117) " ثم ضرب للبعث والنشور مثلا فقال: " وترى الأرض هامدة - اي يابسة - مبتة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج يهيج - اي حسن - ذلك بان الله هو الحق وانه يحيى الموتى وانه على كل شئ قدير وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور (118) " وقوله " الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها ان ذلك لمحي الموتى (119) " وقوله " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألفينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج إلى قوله وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج (120) " وقوله " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (121) " ومثله كثير مما هو رد على الدهرية.

واما الرد على من انكر الثواب والعقاب (122) فقوله " يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض (123) " واما قوله ما دامت السماوات والأرض إنما هو في الدنيا فإذا قامت القيامة تبدل السماوات والأرض وقوله النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (124) " فالغدو والعشي إنما يكون في الدنيا في دار المشركين واما في القيامة فلا يكون غدوا ولا عشيا قوله " لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (125) " يعني في جنان الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين فاما في جنات الخلد فلا يكون غدوا ولا عشيا وقوله من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (126) " فقال الصادق عليه السلام البرزخ القبر وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة والدليل على ذلك أيضا قول العالم عليه السلام والله ما نخاف عليكم الا البرزخ وقوله عز وجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (127) قال الصادق عليه السلام يستبشرون والله في الجنة بمن لم يلحقوا بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ومثله كثير مما هو رد على من انكر عذاب القبر.

واما الرد على من انكر المعراج والاسراء فقوله " وهو بالأفق الاعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى (128) " وقوله " وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا (129) " وقوله " فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك (130) " يعني الأنبياء عليه السلام وإنما رآهم في السماء لما أسري به.

واما الرد على من انكر الرؤية فقوله " ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى (131) " قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم حدثني أبي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال قال يا احمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد فقلت جعلت فداك قلنا نحن بالصورة للحديث الذي روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربه في صورة شاب وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم فقال يا احمد ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب مثل سم لإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله ان يرى وأردتم أنتم التشبيه دع هذا يا احمد لا ينفتح عليك هذا امر عظيم واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله " عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى " والسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى عندها قال علي بن إبراهيم حدثني أبي عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء يرى داخلها من خارجها وخارجها من داخلها من ضيائها وفيها بيتان من در وزبرجد فقلت يا جبرئيل لمن هذا القصر فقال هذا لمن أطاب الكلام وادام الصيام واطعم الطعام وتهجد بالليل والناس نيام فقال أمير المؤمنين يا رسول الله وفي أمتك من يطيق هذا فقال ادن مني يا علي فدنا منه فقال أتدري ما إطابة الكلام قال الله ورسوله اعلم قال من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أتدري ما إدامة الصيام قال الله ورسوله اعلم قال من صام رمضان ولم يفطر منه يوما وتدري ما اطعام الطعام قال الله ورسوله اعلم قال من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس وتدري ما التهجد بالليل والناس نيام قال الله ورسوله اعلم قال من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة ويعنى بالناس نيام اليهود والنصارى فإنهم ينامون ما بينها وبهذا الاسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان (132) تفق ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم فقالوا حتى تجيئنا النفقة فقلت وما نفقتكم فقالوا قول المؤمن في الدنيا سبحان الله والحمد لله ولا آله الا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا امسك أمسكنا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسرى بي إلى سبع سماواته اخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فأجلسني على درنوت (133) من درانيك الجنة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين فخرجت من بينهما حوراء فقامت بين يدي فقالت السلام عليك يا محمد السلام عليك يا احمد السلام عليك يا رسول الله فقلت وعليك السلام من أنت فقالت انا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة أنواع سفلى من المسك ووسطى من العنبر واعلاي من الكافور وعجنت بماء الحيوان ثم قال جل ذكره لي كوني فكنت (134) لأخيك ووصيك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال وقال أبو عبد الله عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فغضبت من ذلك عايشة صلى الله عليه وآله وقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله انك تكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عايشة انه لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرائيل عليه السلام من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته فلما هبطت إلى الأرض حول الله ذلك ماء في ظهري فواقعت بخديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها إلا وجدت رايحة شجرة طوبى منها ومثل ذلك كثير مما هو رد على من انكر المعراج وخلق الجنة والنار.

واما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبرون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وإنما الافعال هي منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز وجل لم يعرفوا معناها مثل قوله " وما تشاؤن الا ان يشاء الله " وقوله " ومن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها وفيما قالوه ابطال للثواب والعقاب وإذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب والعقاب نسبوا الله إلى الجور وانه يعذب العبد على غير اكتساب وفعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ان يعاقب أحدا على غير فعله وبغير حجة واضحة عليه والقرآن كله رد عليهم قال الله تبارك وتعالى " لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (135) " فقوله عز وجل لها وعليها هو على الحقيقة لفعلها وقوله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (136) " وقوله " كل نفس بما كسبت رهينة (137) " وقوله ذلك بما قدمت أيديكم (138) " وقوله " واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى (139) " وقوله " انا هديناه السبيل " يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر " اما شاكرا واما كفورا " قوله " وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه - لم يقل لفعلنا - فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به وبداره الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (140) " ومثله كثير نذكره ونذكر ما احتجت به المجبرة من القرآن الذي لم يعرفوا معناه وتفسيره في مواضعه إن شاء الله.

واما الرد على المعتزلة فان الرد من القرآن عليهم كثير وذلك أن المعتزلة قالوا نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا إرادة ويكون ما شاء إبليس ولا يكون ما شاء الله واحتجوا انهم خالقون لقول الله عز وجل تبارك الله أحسن الخالقين فقالوا في الخلق خالقون غير الله فلم يعرفوا معنى الخلق وعلى كم وجه هو فسئل الصادق عليه السلام أفوض الله إلى العباد امرا؟

فقال الله اجل وأعظم من ذلك فقيل فأجبرهم على ذلك؟

فقال الله اعدل من أن يجيرهم على فعل ثم يعذبهم عليه فقيل له فهل بين هاتين المنزلتين منزلة قال نعم فقيل ما هي فقال سر من اسرار ما بين السماء والأرض وفي حديث آخر قال سئل هل بين الجبر والقدر منزلة قال نعم قيل فما هي قال سر من اسرار الله قال هكذا خرج الينا قال وحدثني محمد بن عيسى ابن عبيد عن يونس قال قال الرضا عليه السلام يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فان أهل الجنة قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ولم يقولوا بقول أهل النار فان أهل النار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وقال إبليس رب بما أغويتني فقلت يا سيدي والله ما أقول بقولهم ولكني أقول لا يكون الا ما شاء الله وقضى وقدر فقال ليس هكذا يا يونس ولكن لا يكون الا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى أتدري ما المشية يا يونس قلت لا قال هو الذكر الأول أتدري ما الإرادة قلت لا قال العزيمة على ما شاء الله وتدري ما التقدير قلت لا قال هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء وتدري ما القضاء قلت لا قال هو إقامة العين ولا يكون الا ما شاء الله عني الذكر الأول.

واما الرد على من انكر الرجعة فقوله " ويوم نحشر من كل أمة فوجا (141) " قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله عليه السفي هذه الآية ويوم نحشر من كل أمة فوجا قلت يقولون انها في القيامة قال ليس كما يقولون إن ذلك في الرجعة أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين إنما آية القيامة قوله " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " وقوله " وحرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون (142) " فقال الصادق عليه السلام كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب ومحضوا (143) الكفر محضا لا يرجعون في الرجعة واما في القيامة فيرجعون اما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب (ومحضو الايمان محصنا اوط) ومحضوا الكفر محضا يرجعون قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه (144) قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم إلى عيسى عليه السلام الا ان يرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين (ع) وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله ولتنصرنه يعني أمير المؤمنين ومثله كثير وما وعد الله تبارك وتعالى الأئمة عليهم السلام من الرجعة والنصرة فقال " وعد الله الذين آمنوا منكم (يا معشر الأئمة) وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " فهذا مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا وقوله " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " فهذا كله مما يكون في الرجعة قال وحدثني أبي عن أحمد بن النضر عن عمر بن شمر قال ذكر عند أبي جعفر (ع) جابر فقال رحم الله جابرا لقد بلغ من علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية " ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " يعني الرجعة ومثله كثير نذكره في مواضعه.

واما الرد على من وصف الله عز وجل فقوله " وان إلى ربك المنتهى (145) " قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال إذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق (العرش، فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت) فتاهت عقولهم حتى أن الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه وقوله (ع) انه من تعاطى ماثمة هلك فلا يوصف الله عز وجل الا بما وصف به نفسه عز وجل ومن قول أمير المؤمنين (ع) في خطبته وكلامه في نفي الصفة (146) واما الترغيب فمثل قوله " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا " وقوله تعالى " هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار " ومثل قوله تعالى " من جاء بالحسنة فله خير منها وقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " وقوله " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ".

واما الترهيب فمثل قوله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم " وقوله " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " ومثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.

واما القصص فهو ما اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله من اخبار الأنبياء وقصصهم في قوله: نحن نقص عليك نبأهم بالحق وقوله نحن نقص عليك أحسن القصص وقوله لقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، ومثله كثير ونحن نذكر ذلك كله في مواضعه إن شاء الله تعالى وإنما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب آية واحدة ليستدل بها على غيرها ويعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم وفي ذلك الذي ذكرناه كفاية لمن شرح الله صدره وقبله للاسلام ومن عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله وبالله نستعين وعليه نتوكل ونسأله العصمة والتوفيق والعون على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه واستفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله ولجأ إلى سلطانه وعمل بطاعته وانتهى عن معصيته ولزم دين أوليائه وخلفائه نجى بحوله وقوته واسأله عز وجل ان يصلي على خيرته من خلقه محمد وآله الأخيار والأبرار.

أقول تفسير بسم الله الرحمن الرحيم حدثني (147) أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام قال حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم قال حدثني أبي رحمه الله عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريث عن أبي عبد الله (ع) قال حدثني أبي عن حماد وعبد الرحمان بن أبي نجران وابن فضال عن علي بن عقبة قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد وأحمد بن محمد بن أبي نصير (148) عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي وهشام ابن سالم وعن كلثوم بن العدم (149) عن عبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان وعن صفوان وسيف بن عميرة وأبى حمزة الثمالي وعن عبد الله بن جندب والحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال وحدثني أبي عن حنان وعبد الله بن ميمون القداح وابان بن عثمان عن عبد الله بن شريك العامري عن مفضل بن عمر وأبى بصير عن أبي جعفر وأبى عبد الله (ع) تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) قال وحدثني أبي عن عمرو بن إبراهيم الراشدي وصالح بن سعيد ويحيى بن أبي عمير بن عمران الحلبي وإسماعيل بن فرار وأبي طالب عبد الله بن الصلت عن علي ابن يحيى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن تفسير بسم الله الرحمن الرحيم فقال الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم ملك الله والله اله كل شئ والرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة وعن ابن أذينة قال قال أبو عبد الله عليه السلام " بسم الله الرحمن الرحيم " أحق ما اجهر به وهي الآية التي قال الله عز وجل وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا.

الجزء (1)


1- تنقيح المقال 260 / 2.

2- الكنى والألقاب 76 / 3.

3- التنقيح 62 / 2.

4- التنقيح 62 باب محمد.

5- التنقيح 421 / 1.

6- 62 باب محمد.

7- التنقيح 63 باب محمد.

8- النسخة موجودة عندي بخطي.

9- التنقيح 62 باب محمد.

10- صحيح البخاري 4 / 176.

11- إبراهيم 24.

12- الطبري 3 / 4.

13- تاريخ الخلفاء ص 142.

14- ناسخ التواريخ 6 / 119.

15- تفسير فرات.

16- الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص 143.

17- روح المعاني 1 / 24.

18- مفاتيح الغيب 1 / 169.

19- الدر المنثور 6 / 416.

20- مباحث في علوم القرآن ص 98.

21- البيان ص 138.

22- الاتقان 2 / 40.

23- الدر المنثور 1 / 106.

24- سنن ابن ماجة ص 141.

25- صحيح المسلم 3 / 100.

26- روح المعاني 1 / 24.

27- وهذه أساميهم مع أسامي كتبهم: . The Rise Of Christanity By Earnest William.

28- (84. The Rise Of Christanity p. Hitti. K. History Of Syria By Philip The Life Of Juses By Earnest).

29- اي لم يخلق الكون من شئ إنما خلقه بقدرته بدون شئ فلفظ " قدرته " مجرور من بواسطة العطف على " شئ ". ج - ز.

30- حبر الكلام اي حسنه وزينه. ج - ز.

31- بلج صدره أي انشرح.

32- شيط اي نضج.

33- الهجعة النوم.

34- الهجمة أول ما يهجم من ظلام الليل والمراد هنا مطلق الظلمة وكذا مكفهرة، وفى ط متجهمة أي عابسة ج. ز.

35- الخوط الغصن الناعم أو كل قضيب يعني انهم كانوا غير ذوي حنك وتدبير.

36- الفرط المتقدم والمعنى انى أتقدمكم إلى الحوض. ج. ز.

37- مراده رحمه الله منه الآيات التي حذفت منها ألفاظ على الظاهر كالآيات التي نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام مثل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك (في علي عليه السلام) وسيأتي تفصيل القول في ذلك عند محله. - ز.

38- البقرة 240.

39- البقرة 234.

40- النساء 14.

41- النساء 15.

42- النور 2.

43- المائدة 7.

44- المائدة 173.

45- النساء 22.

46- الذاريات 13.

47- البقرة 191.

48- الأنفال 28.

49- العنكبوت 2.

50- البقرة 122.

51- النمل 23.

52- الأحقاف 25.

53- المائدة 35.

54- الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا - البقرة 234.

55- والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج البقرة 240.

56- الهود 17.

57- الجاثية 23.

58- آل عمران 43.

59- بخع نفسه كاد ان يهلكها من غضب أو غم.

60- العنكبوت 24.

61- لقمان 16.

62- البقرة 150.

63- النمل 10.

64- النساء 91.

65- التوبة 111.

66- آل عمران 110.

67- الفرقان 74.

68- الرعد 10.

69- النساء 166.

70- المائدة 70.

71- النساء 167.

72- الشعراء 227.

73- الآية الموجودة في المصحف هكذا " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " الانعام 93.

74- الأنفال 27.

75- الممتحنة 1.

76- آل عمران 173.

77- التوبة 62.

78- الفجر 22.

79- الحج 18.

80- النمل 87.

81- الزمر 68.

82- البقرة 61.

83- المائدة 24.

84- الفرقان 5.

85- العنكبوت 48.

86- البقرة 221.

87- البقرة 5.

88- المائدة 48.

89- البقرة 178.

90- النساء 22.

91- المائدة 173.

92- النساء 58.

93- التوبة 120.

94- المجادلة 2.

95- الأنبياء 105.

96- النور 55.

97- القصص 5.

98- يوسف 82.

99- المائدة 6.

100- البقرة 238.

101- الشورى 40.

102- آل عمران 28.

103- آل عمران 28.

104- الكهف 25.

105- الزمر 3.

106- الطلاق 1.

107- اسرى 18.

108- اسرى 4.

109- يس 68.

110- المؤمنون 92.

111- الأنبياء 22.

112- الأعراف 194.

113- الأنبياء 67.

114- الاسراء 56.

115- النحل 17.

116- الجاثية 23.

117- الحج 5.

118- الحج 7.

119- الروم 50.

120- ق 11.

121- يس 79.

122- المراد من الثواب والعقاب ما هو في دار الدنيا المسمى بالبرزخ كما هو ظاهر من تقريب الاستدلال بالآيات الآتية.

123- هو 107.

124- المؤمن 46.

125- مريم 62.

126- المؤمنون 101.

127- آل عمران 170.

128- النجم 9.

129- الزخرف 45.

130- يونس 94.

131- النجم 15.

132- القيعان جمع قاعة وهي ارض سهلة لا عوج فيها و " تفق " أي تعادل والمقصود العرصات المتساوية المتعادلة وفى ط " يقق " ككتف أي شديد البياض ج - ز.

133- بضم الدال وكسرها نوع من البسط له خمل.

134- هكذا موجود في العبارة لكن الاحتمال ان الساقط منها هو قول النبي صلى الله عليه وآله " لمن أنت؟

قالت ". ج - ز.

135- البقرة 286.

136- الزلزال 8.

137- المدثر 38.

138- آل عمران 182 والانفعال 52.

139- حم السجدة 17.

140- العنكبوت 40.

141- النمل 83.

142- الأنبياء 95.

143- محض فلان الود: اي أخلصه.

144- آل عمران 81.

145- النجم 42.

146- كمال الاخلاص نفي الصفات عنه فمن وصفه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده (نهج البلاغة). ج - ز.

147- حدثنا ط.

148- نصرط.

149- الهرم ج - ز.