خصائص القلب

يشكّل القلب بنظر القرآن آلة للمعرفة أيضاً، حيث إنّ الجزء الأكبر من حديث القرآن يخاطب قلب الإنسان، حديث لايستطيع سماعه سوى اُذن القلب، ولايمكن لاُذن اُخرى سماعه. وعلى هذا الأساس يؤكّد القرآن كثيراً على حفظ وحراسة وتكامل هذه الآلة، ونرى في القرآن آيات كثيرة تتحدّث عن تزكية النفس ونور القلب وصفائه: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَ﴾(1)، ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‎ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(2).

وحول نور القلب يقول القرآن: ﴿إنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾(3)، أو أنّه يقول في آية اُخرى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينََّهُمْ سُبُلَنَا﴾(4).

ويتحدّث القرآن كثيراً عن هذه الأعمال اللامرغوبة التي يقوم بها الإنسان والتي تُمرّض روحه وتأخذ منها الجذب والميول الطاهرة، فهو يقول على لسان المؤمنين: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا)(5)، أو أنّه يقول: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(6)، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾(7)، ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾(8)، ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِم أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ﴾(9)، ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾(10)، ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثيِرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(11).

وجميع هذه التأكيدات تبيّن أنّ القرآن يقيم جوّاً روحيّاً ومعنويّاً رفيعاً للإنسان، ويرى من الضروري أنْ يحافظ الإنسان على هذا الجو النزيه والسليم، وبالرغم من أنّ محاولات الإنسان في الأجواء الاجتماعيّة غير النزيهة تبقى فاشلة دون جدوى، إلاّ أنّ القرآن يؤكّد على أنّ الإنسان يجب أنْ يسعى لتطهير وتزكية محيطه الاجتماعي. و يؤكّد القرآن كذلك أنّ الحبّ والإيمان والأفكار والميول المتعالية و تأثيرات القرآن ونصائحه و? كلّ هذه الأشياء تتوقّف على أنَّ يبقى الإنسان والمجتمع الإنساني بعيدين عن الرذالة والدناءة وحبّ الأهواء والشهوات.

ويوضّح التاريخ أنّه كلّما أرادت السلطات الحاكمة السيطرة على مجتمع ما واستثماره، فإنّها تحاول افساد روح ذلك المجتمع، ولكي تحقّق هدفها هذا توفّر للناس التسهيلات اللازمة من أجل تحقيق شهواتهم وتشجّعهم على الشهوة، ومن جملة هذه الأساليب القذرة التي أصبحت درساً الكارثة التي وقعت في اسبانيا المسلمة التي كانت تعتبر من المصادر الهامّة للنهضة ومن أفضل الحضارات الاُوربيّة، لقد أفسد المسيحيون روحيّة وأخلاق الشباب المسلم بغية انتزاع اسبانيا من قبضة المسلمين، حيث وضعوا إلى الحدّ الذي قدروا عليه، وسائل اللعب واللهو والشهوة تحت اختيار المسلمين، وتقدّموا في هذا الأمر إلى حدّ خدعوا الحكّام والمسؤولين، ولوثوهم فيه؛ ولهذا تمكّنوا من القضاء على عزيمة المسلمين وإرادتهم وشجاعتهم وإيمانهم وطهارة روحهم وتبديلهم إلى اُناس ضعفاء ومنحطين، يفكرون في الشهوة مدمنين على الكحول.


1- سورة الشمس / الآية 9.

2- سورة المطففين / الآية 14

3- سورة الأنفال / الآية 29.

4- سورة العنكبوت / الآية 69.

5- سورة آل عمران / الآية 8.

6- سورة المطففين / الآية 14.

7- سورة الصف / الآية 5.

8- سورة البقرة / الآية 7.

9- سورة الأنعام / الآية 25.

10- سورة الأعراف / الآية 101.

11- سورة الحديد / الآية 16.