نماذج قرآنية للفساد في الأرض

الجنسية المثلية

يذكر القرآن الكريم مصداقاً للفساد في الأرض ضمن دعوات قوم لوط وقوم شعيب، فالقرآن يعتبر أن عمل قوم لوط من مصاديق الإفساد في الأرض، وهذا العمل الشائن يؤدي بالاضافة إلى الأمراض المختلفة، إلى تهديد النسل واستمرار الوجود البشري بما لا يحتاج إلى بيان.

والموضوع يطرح في عنوانه الكبير تحت عنوان (المشكلة الجنسية)، التي أصبحت في حضارة اليوم معلماً بارزاً وسيئاً وخطيراً، ولا سيما في الحضارة الغربية التي تحكم العالم اليوم، والجنسية المثلية التي يريد الغرب أن يقننها كظاهرة انسانية مقبولة، يعتبرها القرآن من مصاديق ونماذج (الإفساد في الأرض)، وآثار هذه الظاهرة وخرابها الآن يعم كل الأرض بما أفرزته من أمراض عجيبة، ولعلّ هذه المشكلة وشيوعها وتعقدّها تعتبر معلماً مهماً في حساب درجة الإفساد في الأرض، وما تعيشه حضارة الغرب التي تريد أن تلقي بظلالها السيئة على كل العالم، نموذج جلي لانهيار المجتمع وفساده وتفككه. والإحصائيات العديدة لآثار هذه الظاهرة السيئة تملء الصحف.

الغش وغياب الأمانة السوقية

من المصاديق التي يتعرض لها القرآن الكريم نموذج غياب الأمانة في الأسواق، كظاهرة الغش في الانتاج (سوء الانتاج)، والسرقة في البيع وعدم الصدق في العقود. إن المعاملة الاقتصادية من بيع وشراء وإيجار ومضاربة وماشابه من ألوان التعامل السوقي، التي هي عقود بين طرفين أو أكثر، إذا حكمها الصدق في التعامل، وعدم التجاوز على حقوق الآخرين، والتزام كل طرف بما يقضيه العقد، فإن التعامل الاقتصادي والتجاري سوف يكون ناشطاً وفاعلاً وبعيداً عن الخداع والاعتداء والغبن والتدليس، وما شابه من ألوان التعامل غير الأمين، مما يعود على السوق بمزيد من الأموال والقدرة المالية وزيادة الانتاج، والتداول في نوعية الانتاج الجيّد والتنافس في هذا الأداء، وينعكس ذلك على شيوع قيم الثقة والصدق في المجتمع، مقابل قيم الجشع والظلم والاعتداء وعدم الثقة بين أفراد المجتمع، وهي من المسائل المهمة في حفظ المجتمع واستقراره، في مقابل قيم الظلم والغش التي تؤدي إلى زعزعة الروابط الاجتماعية وتماسك المجتمع، ويهدد استقراره، وهو أوضح صور الفساد في الأرض.

لها أثر في استمرار المجتمع وبقائه، فتبدو وكأنها تهدد وحدة الكيان السائد فعلاً، ولذا يحاول الفراعنة على طول التاريخ أن يموهوا على الأمة ويخلطوا بين العامل الأول (الحاجات الأساسية وتلبيتها)، والعامل الثاني (نوعية المثل الأعلى)، من أجل كسب عامة الناس وبسطائهم لدعم مواقع الفراعنة وأصحاب المصالح والملأ المرتبطين بهذا النظام ومؤسساته، كي تستمر الحالة السائدة.

ويصفون عملية الهداية بأنها تهديد للمجتمع، ومس بحاجاته المختلفة ووحدته وروابطه، ويرون أن الأنبياء والأولياء وأتباعهم يفرّقون بين الأب وابنه، وأنهم إرهابيون يثيرون الفتن والمشاكل.

وإذا لاحظنا اتهامات فرعون لموسى، وهي اتهامات كل الفراعنة - بغض النظر عن الزمان والمكان - للرسل وأصحابهم وأتباعهم نجد أنها كانت تمثل في جوهرها عملية خلط وتمويه بين العامل الأول والعامل الثاني، إذ حاول أن يدرج العامل الثاني ضمن الأول الذي هو تهديد وحدة المجتمع واستقراره (الفساد في الأرض): ﴿وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدعُ ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾. ﴿وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك﴾.

نوع الأنظمة السياسية والفساد في الأرض

القرآن الكريم يشير إلى مسألة النظام السياسي بالخصوص، وأثره في تمزيق المجتمع وتفتيت وحدته وتهديد كيانه، التي هي بمجموعها عملية إفساد للمجتمع وإفساد في الأرض.

والقرآن الكريم تارة يطرح مسألة الحاكم، وتارة طبيعة الحكم، ويشير بالخصوص إلى ظاهرة الطغيان، والاسراف، والتعالي، والتكبّر واحتقار الآخرين، التي تبدو عادة من الحكام ضمن الأنظمة السياسية المستبدة، التي تكون فيها أجهزة الحكم والسلطة وقدرتها في خدمة شخص الحاكم لا الأمة، وتسحق فيها مصالح الأمة وكرامتها لتحقيق مصالح شخص الحاكم وكرامته، وتعتبر نزوات الحاكم قرارات، وشهواته مصالح أمة، بل تصبح الأمة بكل جهودها وقيمها أسيرة ما يضفيه الحاكم عليها من وجود وقيم.

القرآن يطرح قضية فرعون وهامان نموذجاً للأنظمة المستبدة التي أفسدت في الأرض:

﴿لا أراكم إلاّ ما أرى﴾. ﴿إنّ فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين﴾. ﴿إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين﴾.

هذه الآية تشير إلى أثر الأنظمة المستبدة والفردية في تمزيق المجتمع (جعل أهلها شيعاً)، وعدم تماسكه وشيوع الاختلافات الواسعة فيه، وإلى منهج هذه الأنظمة الظالمة والمفسدة في الاعتماد على طائفة في ضرب الطائفة الأخرى; كي يبقى الحاكم فوق الجميع، فهناك في مجتمع الفراعنة الملأ، أعوان الظلمة المتحكمون، والطائفة الأوسع التي يقع عليها الحيف والظلم والتجاوز والإرهاب والطغيان، ولعلّ هذا من أوضح عمليات الإفساد والتخريب التي تقوم بها الأنظمة والحكام المفسدون والفاسقون.