رأي الزمخشري

يعتقد الزمخشري بأنّ الله تعالى يحقّر المتحاججين في كلا الموردين ويوبخهم، وهو يفسّر قوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ﴾ على هذا النحو: (ها أنتم هؤلاء الجهلاء قد حاججتم فيما لكم به علم، وتحدّث حوله كتابكم أيضاً، فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم، ولم يَرِدْ في التوراة والإنجيل كلامٌ حوله؟!).

تناسب ظاهر الآية مع بيان الزمخشري

بما أنّ الجملة تبدأ بحرفي تنبيه ﴿هَا أنْتُمْ هَؤُلاَءِ﴾ اللذين وضعا لتحذير الغافل فهي إذن أنسب للدلالة على التحقير، إضافة لذلك، هناك آية اُخرى في القرآن الكريم استعملت فيها (هاء) التنبيه للتحقير، كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَونَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾(1)، كالذي يعدّ نفسه للامتحان في كتابٍ لم يطالعه ولما ينجح في الكتاب الذي قرأه، فيقال له هنا: إنّك لم تفلح في الخروج مرفوع الرأس من امتحان الكتاب الذي طالعته، فأنّى لك أنْ تمتحن في كتابٍ لم تقرأه؟!

ولذا يقال لأهل الكتاب: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم، وتحدّث به كتابكم عن موسى وعيسى ورسول الله - عليهم صلوات الله - وفشلتم، فكيف تحاجّون في شريعةٍ لا اطّلاع لكم بها اطلاقاً، ولم يَرِدْ لها ذكرٌ في كتابكم.

﴿مَا كَانَ إبْرَاهِيْمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ حَنِيفاً مُسْلِماً ...﴾(2).

في هذا الجزء من الآية نلاحظ وجود عدّة جمل سلبيّة وجملة واحدة إثباتيّة، ففي الجزء السلبي منها تبيّن إبراهيم على أنّه منفصلٌ عن اليهوديّة والنصرانيّة، وتنفي ارتباطه - عليه السلام - بهاتيك المجموعتين:

لأنّه أوّلاً: مثل هذا الدين الممتزج بالتحريف ينفر منه حتّى موسى وعيسى عليه السلام.

وثانياً: مع أنّ الديانتين اليهوديّة والنصرانيّة الأصليتين حقّ، إلاّ أنّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - لم يعمل بتعاليم دينٍ نزل فيما بعد أمّا جملتها الإثباتيّة فهي: أنّ إبراهيم - عليه السلام - يعدّ مسلماً مستقيماً.


1- محمّد: 38.

2- آل عمران: 67.