قسم الطبري القرآن إلى ثلاثة أقسام

قسم الطبري القرآن إلى ثلاثة أقسام:

الأول - (ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول (ص)، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره - واجبه وندبه وإرشاده -، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه ومقادير اللازم... وما أشبه ذلك من أحكام آيه التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول اللّه (ص) بتأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله).

الثاني - (ما لا يعلم تأويله إلا اللّه الواحد القهار، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة وأوقات آتية كوقت قيام الساعة والنفخ في الصور ونزول عيسى بن مريم وما أشبه ذلك).

الثالث - (ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن، وذلك إقامة إعرابه ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها والموصوفات بصفاتها الخاصة دون سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم) (1).

وهذا التقسيم هو الأساس الذي أقام الطبري تفسيره عليه وهو مقتبس من المنهج المروي عن ابن عباس.

وأهم هذه الأقسام الثلاثة هو القسم الأول: تفسير النقل والرواية، وهو يعتمد لدى الطبري على بيان رسول اللّه (ص) وأصحابه وهذا البيان لن يصل إلى الطبري إلا بواسطة الرواة. ولقد سبق منا التعرض لرواة التفسير الأوائل وأشرنا إلى الشكوك والطعون الموجهة إلى أكثرهم كابن أبي طلحة الهاشمي وجويبر والضحاك وابن جريج والعوفي والكلبي وأبي صالح وبشر بن عمار وأسباط بن نصر والسدي وعكرمة ومقاتل واضرابهم.

والنقل لديه مقدم على كل شيء بل يخشى رد كل نقل وإن ظهر لديه بطلانه، ويقول في هذه الحالة: (أخشى أن يكون غلطاً من المحدث) (2) وفي مقام آخر يناقش مضمون الخبر على ضوء ما لديه من استنتاجات ثم يقول: (لكن الواجب على قياس ما جاء به الخبر) (3). أو يقول: (وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي (ص))، ثم يرد أي تفسير لا يلائم النقل - سواءاً كان النقل قوي الإسناد أو ضعيفه - ويقول مثلاً: (وقد زعم بعض من ضعفت بتأويل أهل التأويل وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير... الخ) (4).

أما القصص القرآني فالطبري نقلي فيه أيضاً، ويروي القصص الإسرائيلية كما وردت، ويعتمد وهب بن منبه مصدراً لبيان هذه القصص، بل (يترجح قصص وهب على قصص غيره في بعض الأحيان) (5) ولكنه إذا تضارب النقل واختلف اختلافاً كبيراً فظنه يقف من ذلك موقف الحياد فلا يرجح بعضاً على بعض ويقول: (وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم، ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك. وإذا كان كذلك فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر) (6)، ويعني بقوله: (ولا خبر عند أهل الإسلام) إنه لم يجمع المسلمون على روايته أو لم ينسبوا ما رووه إلى النبي (ص) بالذات.

ثم كان القسم الثاني من أقسام القرآن في تفسير الطبري ما هو موكول إلى علم اللّه تعالى.

أما الثالث فهو العلم المعتمد على اللغة والنحو، وقد عني بهذا الجانب في كل مناسبة تقتضيه عناية كبيرة، وتحدث كثيراً عن القراءات واختلافها وعن المعاني اللغوية والاشتقاقية وأقوال النحويين في ذلك ونص في النحو على ذكر أقوال الكوفيين (7) والبصريين (8) وذهب في التفسير اللغوي إلى ضرورة أخد المعنى الذي كانت تعرفه العرب يوم نزول القرآن ويقول: (وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب اللّه الذي أنزله على محمد (ص) من الكلام إلى ما كان موجوداً مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجوداً في كلامها) (9).

ومع ذلك كله فإذا اصطدام التفسير اللغوي بالنقل كان النقل مقدماً لديه، ويقول في مناسبة من هذا القبيل: (وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها. لذلك لم يستنجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها) (10).


1- تفسير الطبري - 1 / 33.

2- نفس المصدر - 1 / 53.

3- نفس المصدر - 1 / 54.

4- نفس المصدر - 1 / 58.

5- نفس المصدر - 2 / 610.

6- نفس المصدر - 2 / 615.

7- تفسير الطبري - 1 / 420.

8- نفس المصدر - 1 / 366 و 396.

9- نفس المصدر - 2 / 14.

10- نفس المصدر - 1 / 365.