آية القطع

روى أبو النضر محمد بن مسعود العيّاشي باسناده إلى زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، قال: أتي بسارق إلى محضر المعتصم وقد أقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع الخليفة لذلك الفقهاء وقد اُحضر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) فسألهم عن موضع القطع.

فقال ابن أبي دؤاد: من الكُرسوع (طرف الزند) واستدلّ بآية التيممّ ووافقه قوم.

وقال آخرون: من المرفق، نظراً إلى آية الوضوء.

فالتفت الخليفة إلى الإمام الجواد مستفهماً رأيه في ذلك، فاستعفاه الإمام لكنه أصرّ على معرفة رأيه وأقسم عليه بالله أن يخبره برأيه.

فقال الإمام: أما إذا أقسمت علّي بالله، إني أقول: إنّهم أخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف.

قال الخليفة: وما الحجة في ذلك؟

قال الإمام: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة أعضاء، الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق، لم يبق له يدٌ يسجد عليها.. وقد قال الله تعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها. ﴿فلا تدعوا مع الله أحداً﴾. وما كان لله لا يقطع.

فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكّف(1).

انظر إلى هذه الإلتفاتة الرقيقة التي تّنبه لها الإمام ولم يلتفت إليها سائر الفقهاء، ذلك أن اليد في آية القطع وقعت مجملة قد اُبهم المراد فيها، فلا بدّ من تبيينها إما من السنّة أو الكتاب ذاته، وقد التفت الإمام (عليه السلام) لوجه التبيين إلى السنّة مدعمةً بنصّ الكتاب، فبيّن أنّ راحة الكف هي إحدى المواضع السبعة التي بجب على المصلي أن يسجد عليها. وذلك بنص الحديث الوارد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وهذا كبيان الصغرى. ثم أردفه ببيان الكبرى المستفادة من الآية الكريمة الشاملة بعمومها لكل مسجد، سواء الموضع الذي يسجد فيه، أو العضو الذي يسجد عليه كل ذلك لله. وما كان لله لا تشمله عقوبة الحدّ.. لأن العقوبة إنما ترجع إلى ماللعبد المذنب، ولا تعود على ما كان لله تعال.

وهو استنباط جدّ ظريف..!

وممّا يستغرب في المقام ما ذكره الجزيري تعليلا لوجوب القطع من مفصل الكف أي الزند، قال: لأن السرقة تقع بالكفّ مباشرة، والساعد والعضد يحملان الكفى، والعقاب إنّما يقع على العضو المباشر للجريمة، ولذلك تقطع اليمنى أولا، لأن التناول يكون بها في غالب الأحيان(2).

قلت: هذا التعليل يقتضي وجوب القطع من مفصل الأصابع، كما عليه فقهاء الإمامية وبه رواياتهم لأن الأصابع هي التي تنوش المتاع المسروق، والكف تحمل الأصابع.

وقد ذكر ابن حزم الأندلسي أن علياً (عليه السلام) كان يقطع الأصابع من اليد ونصف القدم من الرجل. وكان عمر يقطع كل ذلك من المفصل. وأمّا الخوارج فرأوا القطع من المرفق أو المنكب(3).


1- تفسير العياشي 1: 319- 320. وراجع الوسائل 18: 489- 491 والآية من سورة المائدة: 38.

2- الفقه على المذاهب الاربعة 5: 159.

3- المحلّى 11: 357، رقم 2284.