كيف يعرّف القرآن نفسه

من الافضل عند تحليلنا لفحوى القرآن نبدأ من هذه المسألة وهي ان نعرف ما هو رأي القرآن حول نفسه وكيف يُعرّف نفسه؟

اول ما يقوله القرآن عن نفسه هو ان هذه الكلمات والعبارات هي كلام الله. ويؤكد القرآن ان النبي لم يكتب القرآن بل انه يبين ما نزل عليه باذن الله من الروح المقدسة او جبرئيل. اما التوضيح الآخر الذي يعطيه القرآن حول نفسه فيتمثل بتعريف رسالته التي هي عبارة عن هداية ابناء البشر وارشادهم للخروج من الظلمات إلى النور:

﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ﴾، (سورة ابراهيم - الآية 1).

ومما لا شك فيه ان الجهالة هي من احدى مصاديق هذه الظلمات والقرآن يخرج البشر من هذه الظلمات إلى النور. اما اذا كانت الظلمات تتمثل بالجهالة فقط لكان الفلاسفة قادرين على القيام بهذه المهمة غير ان هناك ظلمات أخرى اخطر من الجهالة حيث يعجزالعلم عن مكافحتها ومن جملتها الجشع والغرور وحب النفس و? الخ التي تعد من الظلمات الفردية والأخلاقية والظلمات الاجتماعية ايضاً كالظلم و التفرقة? الخ. ان كلمة الظلم التي تقابلها بالفارسية كلمة (ستم) مأخوذة من كلمة الظلمة التي تعني نوعاً من الظلم الاجتماعي والمعنوي. ومكافحة هذه الظلمات تكون على عاتق القرآن والكتب السماوية الأخرى، فالقرآن يخاطب موسى بن عمران قائلاً:

﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ﴾، (سورة ابراهيم - الآية 5).

وهذه الظلمات هي استبداد فرعون واعوانه بينما النور هو نور الحرية والعدالة.

والملاحظة التي أكد عليها المفسرون هي ان القرآن يذكر الظلمات بالجمع مع الألف واللام لتعبر عن الاستغراق وتشمل جميع الظلمات في حين يذكر كلمة النور بالمفرد باعتبار ان طريق الحق واحد لاغير بينما الانحراف والضلالة لهما طرق متعددة(1) وبذلك يحدد القرآن هدفه؛ تحطيم قيود الجهل والضلالة والظلم والفساد الاخلاقي والاجتماعي وبعبارة أخرى، ازالة الظلمات ومن ثم الارشاد نحو العدالة والخير والنور.


1- مثلاً نقرأ في آية الكرسي: الله ولي الذين آمنوا يُخرِجُهُمْ مِنَ الظُلُماتِ إلى النور والذين كفرُوا اولياؤهمْ الطاغوت يُخْرِجُونهم من النور إلى الظلماتِ.