المقدمة

1- التفسير معناه اللغوي

التفسير في اللغة: البيان والكشف(1). وجاءت الكلمة في القرآن الكريم بهذا المعنى قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾(2). فتفسير الكلام - أي كلام - معناه الكشف عن مدلوله وبيان المعنى الذي يشير إليه اللفظ.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل أن بيان المعنى الظاهر من اللفظ الذي يتبادر منه يعتبر تفسيراً بحيث يصدق عليه لفظ التفسير بمعناه اللغوي أولاً؟ فهناك اتجاه يقول: إن الكشف والبيان الذي أخذناه في معنى التفسير يستبطن افتراض وجود درجة من الخفاء والغموض في المعنى ليكشف ويزال الغموض عنه بعملية التفسير فلا يصدق التفسير حينئذ إلا في حالة الغموض والخفاء. فمن يسمع كلاماً له معنى ظاهر يتبادر من ذلك الكلام فيعلن عن ذلك المعنى لا يكون مفسراً للكلام. لأنه لم يكشف عن شيء خفي. وإنما يصدق التفسير على الجهد الذي يبذله الشخص في سبيل اكتشاف معنى الكلام المكتنف بشيء من الغموض والخفاء. وبتعبير آخر أن من أظهر معنى اللفظ يكون قد فسره وأما حيث يكون المعنى ظاهراً ومتبادراً بطبيعته فلا إظهار ولا تفسير.

وسيراً من هذا الاتجاه لا يكون من التفسير إلا إظهار أحد محتملات اللفظ واثبات أنه هو المعنى المراد أو إظهار المعنى الخفي غير المتبادر وإثبات أنه هو المعنى المراد بدلاً عن المعنى الظاهر المتبادر. وأما ذكر المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ فلا يكون تفسيراً.

وهذا الاتجاه يمثل الرأي السائد لدى الأصوليين. ولكن الصحيح هو أن ذكر المعنى الظاهر قد يكون في بعض الحالات تفسيراً أيضاً وإظهاراً لأمر خفي كما أنه في بعض الحالات الأخرى قد لا يكون تفسيراً لأنه يفقد عنصر الخفاء والغموض فلا يكون إظهاراً لأمر خفي أو إزالة لغموض.

ومن أجل التعرف على موارد الظهور التي ينطبق عليها (التفسير) والموارد التي ينطبق عليها معنى (التفسير) نقسم الظهور إلى قسمين:

أحدهما - الظهور البسيط: وهو الظهور الواحد المستقل المنفصل عن سائر الظواهر الأخرى.

والآخر - الظهور المعقد: وهو الظهور المتكون نتيجة لمجموعة من الظواهر المتفاعلة.

ولأجل توضيح هذا التقسيم نضر ب مثالاً لذلك بأن يقول شخص لولده: إذهب إلى البحر في كل يوم. و يقول له: اذهب إلى البحر في كل يوم واستمع إلى كلامه. فالنسبة إلى القول الأول نعتبر الظهور ظهوراً بسيطاً إذ لا يوجد في الكلام إلا صورة واحة تتبادر إلى الذهن وهي: صورة بحر من الماء يطلب الأب من ولده أن يذهب إليه في كل يوم. وأما بالنسبة إلى القول الثاني فالظهور معقد لأنه مزدوج فهناك نفس الظهور السابق، إذ يتبادر إلى الذهن من كلمة البحر: البحر من الماء يذهب إليه الولد في كل يوم. ويقابله ظهور آخر وهو ظهور الاستماع إلى كلام البحر. إذ يتبادر إلى الذهن من ذلك: أن البحر ليس بحراً من ماء بل هو بحر من العلم، لأن بحر الماء لا يستمع إلى كلامه لأنه ليس له كلام وإنما يستمع إلى صوت أمواجه.

وهكذا نواجه في هذه الحالة ظهورين بسيطين متعارضين. وحين نلاحظ أن ندرس نتيجة التفاعل بين ذينك الظهورين وما ينجم عنهما من ظهور بعد تصفية التناقضات الداخلية بينهما. وهذا الظهور الناجم عن ذلك نسميه: بالظهور المعقد أو المركب.

وإذا ميزنا بين الظهور البسيط والظهور المعقد أمكننا أن نعرف أن إبراز الظهور المعقد وتحديد معنى الكلام على أساسه يعتبر تفسيراً. لأن تعقيده وتركيبه يجعل فيه درجة من الخفاء والغموض جديدة بالكشف والإبانة فيصدق عليه اسم: (التفسير) وأما الظهور البسيط ففي الغالب لا يعتبر إبراز معنى الكلام على أساسه تفسيراً لأن المعنى ظاهر لطبيعته فلا يحتاج إلى إظهار.

والنتيجة أن في صدر التفسير على بيان المعنى في موارد الظهور اتجاهين:

أحدهما: القائل: بعدم صدقه مطلقاً سواء كان الظهور بسيطاً أم معقداً.

والآخر: وهو الاتجاه الصحيح - القائل: بأن التفسير ليصدق على بيان المعنى في موارد الظهور المعقد دون بعض موارد الظهور البسيط.

2 - التفسير معنى إضافي أو موضوعي؟

وعلى ضوء الاتجاه الصحيح نعرف: أن التفسير معنى (اضافي) لأن التفسير بيان المعنى وإيضاحه في مورد ظهور اللفظ. والمعنى الواحد قد يكون بحاجة إلى البيان والكشف لإضافته إلى شخص دون شخص آخر فيكون بيانه بالإضافة إلى من يحتاج البيان تفسيراً دون الشخص الآخر.

و أما إذا أخذنا بالاتجاه الآخر الذي يرى: أن التفسير لا يشمل موارد حمل اللفظ على معناه الظاهر مهما كان الظهور معقداً، وأن التقسيم مختص بحمل اللفظ على ما لا يكون ظاهراً من اللفظ فبالإمكان أن نتصور للتفسير معنى (موضوعياً) لا يختلف باختلاف الأفراد لأننا نلاحظ عندئذ اللغة نفسها فإن كان المعنى الذي يذكر للفظ هو المعنى الذي يقتضيه الاستعمال اللغوي بطبيعته فلا يكون ذلك تفسيراً حتى إذا كان محاطاً بشيء من الخفاء والغموض بالنسبة إلى بعض الأشخاص. وإن كان المعنى معنى آخر لا يقتضيه الاستعمال اللغوي بطبيعته وإنما عيناه بدليل خارجي فهو (التفسير).

3 - تفسير اللفظ وتفسير المعنى

والتفسير على قسمين باعتبار الشيء المفسر تفسير اللفظ وتفسير المعنى. وتفسير اللفظ عبارة عن «بيان معناه لغة». وأما تفسير المعنى فهو تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنى.

فحين نسمع شخصاً يقول: إن دولاً تملك أسلحة ضخمة. تارة نتساءل: ما هو معنى الأسلحة ونجيب عن هذا السؤال: إن الأسلحة هي الأشياء التي يستعين بها صاحبها في قهر عدوه. وأخرى نتساءل: ما هي نوعية السلاح الذي تملكه تلك الدول؟ ونجيب: أن سلاحها القنابل الذرية.

ففي المرة الأولى فسرنا اللفظ إذ ذكرنا معناه لغة. وفي المرة الثانية فسرنا المعنى إذ حددنا المصداق الذي ينطبق عليه معنى الجملة ويشير إليه فنسمي المرحلة الأولى بمرحلة (تفسير اللفظ) أو التفسير اللغوي، وهي مرحلة تحديد المفاهيم. وتسمى المرحلة الثانية: مرحلة (تفسير المعنى) وهي مرحلة تجسيد تلك المفاهيم في صور معينة محددة.

وأمثلة ذلك من القرآن الكريم كثيرة فنحن نلاحظ في القران أن اللّه سبحانه يوصف بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات بحثين:

أحدهما: البحث عن مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية.

والآخر: البحث عن تعيين مصداق تلك المفاهيم بالنسبة إلى اللّه تعالى، فكيف يسمع سبحانه؟ وهل يسمع بجارحة أو لا وكيف يعلم؟ وهل يعلم بصورة زائدة.

والأول: يمثل التفسير اللفظي للآية أو تفسير اللفظ والثاني يمثل التفسير المعنوي أو تفسير المعنى.

ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ (3) وقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (4) فنحن نجد هذه الآيات تتحدث عن أشياء قد أنزلت من قبيل: الحديد والماء، وتفسير اللفظ يعني بصدد هذه الآيات أن نشرح معنى (النزول) لغة ونحدد مفهوم كلمة انزلنا الواردة في الآيات الثلاث ونعرف أنها تستبطن معنى الهبوط من جهة عالية مرتفعة وتفسير المعنى هو أن ندرس حقيقة هذا الانزال ونوع تلك (الجهة العالية) التي هبط منها الحديد والماء، وهل هي جهة مادية أو معنوية.


1- لسان العرب: مادة (فسر).

2- سورة الفرقان، آية 33.

3- سورة الحديد، آية: 27.

4- سورة المؤمنون، آية: 18.