الرد على الرسالة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.إننا سنذكر فقرات من الرسالة، ثم نناقشها بصورة متتابعة.. فنقول: أهل اللغة ماذا يقولون:

إن أول ما نسجله على الرسالة الأولى التي تبدأ بعبارة (سماحة علامتنا العلم) هو قوله حول ما ورد تحت عنوان:

أهل اللغة ماذا يقولون:

(والخلل يكمن في أن ما قدمه السيد في هذه الفقرة ليس هو حقيقة ما يقوله أهل اللغة).ونقول: ألف: إن ما ذكرناه تحت ذلك العنوان يتلخص في أن كلمة: (أهل) تطلق على الزوجة بالمجاز والعناية، ثم ذكرنا: أن هناك روايتين عن أحمد بن حنبل: إحداهما تقول: إن الزوجات لسن من (أهل البيت).وقلنا أيضاً: إن زيد بن أرقم ينكر أن تكون كلمة (أهل البيت) تشمل الزوجة، ويستدل على ذلك بدليل يرتبط بالمعنى المتداول في محيطه، وبما هو من أهل اللسان.. ثم أوردنا بعد ذلك استدلالات وقرائن كثيرة تدل على أن المراد بكلمة (أهل البيت) هو أهل بيت النبوة، لا بيت السكنى.. وأنهم هم خصوص الخمسة أصحاب الكساء..ب: ثم إنه عاد وقال مباشرة: (وإن تعجب فعجب قوله ص149: قد عرفنا وجود نقاش كبير في صحة إطلاق عبارة (أهل البيت) على الزوجات، فقد صرح بعدم صحة ذلك بعض أئمة أهل اللغة).ونقل عبارة أخرى أيضاً عن ص131 وفيها أن إطلاق عبارة (أهل البيت) على الزوجات لم يعلم صحته إلا بضرب من التجوز والمسامحة..ونقول:

أولاً: إن نظرنا إنما هو إلى ما ذكره ابن منظور حول دخول الزوجات في الصلاة على آل محمد.. فإن قوله ذلك يكفي في التشكيك في صحة إطلاق ذلك من الناحية اللغوية.

ثانياً: إن قول زيد بن أرقم، وهو حجة على أهل اللغة، ورواية أحمد بن حنبل، يكفيان للتشكيك في صحة إطلاق كلمة (أهل البيت) على الزوجة من الناحية اللغوية.. وعلى هذا الأساس نقول: إن مؤلفي كتب اللغة هم من المتأخرين، الذين يجمعون استعمالات العرب، للكلمة في المعاني المختلفة، وربما يتمكنون من تحديد المعنى الحقيقي، ويميزونه عن المعاني المجازية، لأجل بعض القرائن وربما يعجزون عن ذلك، أو يخطئون فيه..فإذا جاء النص والتفريق من قبل أهل اللسان أنفسهم، كان هو المتبع وهو الحجة على المؤلفين في اللغة، وذلك ظاهر لا يخفى..ثالثاً: إننا سوف نشير (عن قريب) إلى أن أهل اللغة قد أخذوا ذلك من المتشرعة بما هم متشرعة.. والمتتبع لكلمات أهل اللغة يجد أنهم في تفسيرهم للمفردات المرتبطة بمطلب اعتقادي، أو شرعي، يأخذون من علماء مذاهبهم، ما يفسرون به المفردات، فيفسرون كلمة... بأقوال فقهائهم فيه، ويفسرون كلمة (أهل البيت) في آية التطهير بما يذهب إليه علماؤهم في تفسيرها، وقد نقل نفس هذا المتسائل في رسالته تلك عن ابن منظور: أن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله): أزواجه، وبناته وصهره. وقيل: نساء النبي (صلى الله عليه وآله).ونقل هو نفسه عن تاج العروس، نحو ذلك أيضاً. وهذه هي نفس أقوال علماء أهل السنة في تفسير الآية. ولعل هذا هو السبب في التجاء الرازي إلى إنكار كون كلمة (إنما) للحصر في آية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ..) فإنه أخذ ذلك من المذهب الإعتقادي لأهل السنة..

على ماذا اعتمدنا:

قوله: (والسيد جعفر مرتضى يعتمد في الفقرة المذكورة على ما قاله العلماء في معنى كلمة (الأهل) في نفي كون الزوجات من (أهل البيت). ولكنه فيما بعد يقرّ بأن الزوجات من أهل رسول الله، بيد أنه يقول: إنهن لسن من (أهل بيت رسول الله). ويعتمد على إحدى روايات حديث الكساء في ذلك إلخ..)ونقول:

أولاً: إننا لم نعتمد على قول العلماء في كلمة (الأهل)، بل على ما قالوه في (أهل البيت)، وأنها لا تشملهن. فإقرارنا بأنهن من أهل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا يعني أننا نقرّ بأنهن من أهل بيته.ثانياً: إننا لم نعتمد في ذلك على إحدى روايات حديث الكساء فقط. بل هي روايات عديدة، وهي العمدة، في روايات حديث الكساء. كما أننا لم نعتمد عليها وحدها، بل اعتمدنا عليها وعلى كلام ابن منظور في شمول الصلاة على النبي للزوجات وعدمه، وهو من أشهر المؤلفين في اللغة.. واعتمدنا أيضاً على حديث أنس. وعلى رواية أحمد. وعلى سياق الكلام. وعلى غير ذلك من شواهد ودلائل لا تخفى على من راجع فصول الكتاب..

كلام ابن منظور لا يدل:

أما استشهاد هذا المستشكل بكلام ابن منظور فهو غير صحيح، لأنه لا يدل على مطلوبه.

أولاً: لأن ابن منظور حين تكلم عن أهل بيت النبي قد أدخل فيهم البنات وصهره، أعني علياً. فإن كان إدخاله لعلي (عليه السلام)، بسبب أنه صهره فلا ندري لماذا لم يدخل عثمان أيضاً؟! مع أنه كان أيضاً صهراً للنبي (صلى الله عليه وآله) ـ بزعمهم ـ وإن كنا قد أثبتنا عدم صحة ذلك في كتابنا: (بنات النبي أم ربائبه).فإن إدخال خصوص علي (عليه السلام) من الأصهار يدل على أن ابن منظور يعتمد على النص الخاص في هذا الشأن. ثم ذكر القيل الآخر، وهو أن المقصود هم زوجاته (صلى الله عليه وآله)، والرجال الذين هم آله، فأين البنات؟!.

ثانياً: إن كان إدخال علي (عليه السلام)، فيهم لأجل كونه ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن عمه العباس أقرب إليه من ابن العم. على أن أبناء العم لا ينحصرون في علي (عليه السلام)، فهناك عبد الله بن العباس وغيره..

وثالثاً: إننا لا ننكر ما ذكره من استعمال كلمة (أهل البيت) في سكانه، ولكنه يبقى مجرد استعمال، والاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز..كما أنه لا بد من إثبات أن هذا المعنى هو المراد بالآية الشريفة، دون سواه. وكيف وأنّى لهم إثبات ذلك.

ورابعاً: إننا لا ننكر ما ذكره من استعمال كلمة (أهل الرجل) في الزوجة، بل نحن نثبته.. ولكن ذلك لا يفيده في إثبات شيء مما يريد إثباته، لأن الكلام إنما هو في المراد من عبارة: (أهل البيت)، لا في كلمة (أهل) المطلقة. فقوله: (وهذا الكلام لا ينسجم مع ما قاله السيد جعفر وأورده في فقرة (أهل اللغة ماذا يقولون)، والتي حاول فيها أن يخرج الزوجات من (الأهل) ومن (أهل البيت)).هذا القول غير صحيح، لأننا لم نخرج الزوجات عن (الأهل)، بل أدخلناهن فيها، ولكن على سبيل المجاز، وأخرجناهن أو ـ على الأقل ـ شككنا في دخولهن في خصوص عبارة (أهل البيت).

كلمات أهل اللغة:

وحول ما أورده من كلمات مؤلفي كتب اللغة، نقول: ألف: إن هذا المستشكل قد ذكر كلام العلامة المقري الفيومي في المصباح المنير، مستشهداً به. ونقول له: إنه أيضاً لا يختلف عن سابقه، ولا ربط له بشمول عبارة (أهل البيت) للزوجات أو عدم شمولها. لأنه إنما يتحدث عن كلمة (الأهل) فقط. ب: إن كلام ابن فارس والجوهري أيضاً لا يختلف عن كلام المقري.ج: إنه ذكر كلام الفيروزآبادي الذي يقول: إن المراد بأهل النبي (صلى الله عليه وآله)، أزواجه وبناته.ونقول:

أولاً: إننا لا ننكر أن تكون كلمة (أهل) معناها الأزواج والبنات، ولكننا نقول: إن كلمة (أهل البيت) هي التي يشك في شمولها للأزواج.

وثانياً: إن تفسيره لأهل النبي (صلى الله عليه وآله) بأزواجه، وبناته، وعلي. ثم ما ذكره من أقوال أخرى لأهل اللغة في ذلك، إنما هو مأخوذ من أقوال علماء أهل السنة في تفسير الآيات. لا من كلام العرب.وأما بالنسبة لكلام الراغب في معنى كلمة (أهل البيت) فنقول:

أولاً: إن كلامه يدل على ما ذكرناه من عدم شمول كلمة (أهل البيت) للزوجات.

ثانياً: إنه إنما فسر أولاً كلمة: (أهل الرجل). ثم ذكر ما يدل على أنه قد تعورف على أن أسرة النبي هم أهل بيته. فهو لا يتحدث عن وضع لغوي، ولا عن استعمال لأهل اللغة..

حديث الكساء عند العلماء الكبار!!:

بعد أن ذكر كلمات أهل اللغة التي أشرنا إليها فيما سبق، قال: (وواضح: أن هؤلاء العلماء الكبار لا يقيمون وزناً لبعض روايات حديث الكساء).ونقول:

أولاً: إن أهل اللغة إنما يجمعون استعمالات العرب للألفاظ في معانيها، ويعرضونها ولا قيمة لأي اجتهاد منهم فيها، بل هو مردود عليهم.

ثانياً: إنهم إذا قصروا في ذلك، أو تصرفوا فيه لأهداف مذهبية أو غيرها، فمعنى ذلك: أنهم غير أمينين على العلم، وليسوا أهلاً للاعتماد. فإذا كان حديث الكساء قد استعمل كلمةً في معنى، ولم يطلعوا عليها، ذلك أن ذلك الاستعمال كان خطأ. بل إنهم حتى لو اعتقدوا بالخطأ ـ أو بغيره، فقد كان عليهم أن يذكروا ذلك المعنى لنا، كما ذكروا سواه. مما يؤيد مذهبهم ومشربهم..إلا أن يكونوا لم يطلعوا عليه، فإنهم والحالة هذه يعذرون، لكن لا يعذر من يحتج بعدم ذكرهم للحديث على بطلان ذلك الحديث.

ثالثاً: كيف لم يلتفت العلماء الكبار!! (حسب زعمه) إلى حديث الكساء، ألم يفسروا كلمة (أهل البيت) بمن ذكر ابن منظور وغيره أسماءهم؟! وهل أخذوا ذلك إلا من حديث الكساء؟!

رابعاً: ما قيمة كلام أهل اللغة، في مقابل حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! وحديث أهل بيته (عليهم السلام)؟!

عودة إلى أهل اللغة:

إنه قد ذكر أيضاً قول ابن فارس في مقاييس اللغة، وهو لا يختلف عن قول الجوهري، والمقري وغيرهما. وهو لا يفيد المستدل شيئاً، لأنه إنما يتحدث عن كلمة (أهل) لا عن كلمة (أهل البيت). وكون المراد بـ(أهل البيت) سكانه، لا يدل على شموله للزوجة. وذلك للعديد من الأسباب التي ذكرناها مراراً وتكراراً.. منها: أن المراد بالبيت في الآية بيت النبوة لا بيت السكنى..ومنها: أن الآية ذكرت بيتاً واحداً، وقد كان للنبي (صلى الله عليه وآله) بيوت عديدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ)(1). فإن كانت الزوجة الساكنة في ذلك البيت داخلة، فيكف يمكنهم إدخال سائر الزوجات اللواتي كن ساكنات في بيوت أخرى..بل إن نفس النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخرج زوجته الساكنة في ذلك البيت الذي نزلت فيه الآية. فإن كانت مشمولة لغة فإنه قد أخرجها من دائرة الإرادة الجدية في مجال إثبات الله التطهير لها..ومنها: أن آية التطهير نفسها غير قابلة لشمول الزوجات بسبب ما فيها من قرائن أوضحناها في الكتاب وقد بيّنا كيف أن كلمة (أهل البيت) في آية التطهير ناظرة إلى أناس بخصوصهم، لا إلى السكان.

تفسير ابن فارس:

قال: (فيقول ابن فارس: الأهل: أهل البيت).ونقول:

أولاً: إن الكلام إنما هو في (أهل الرجل) و (أهلي)، وأنهاتختلف أو لا تختلف عن كلمة (أهل البيت). إذ لا يعلم شمول الأخيرة للزوجة، بخلاف الأوليين. وليس الكلام في كلمة: (الأهل) بلام العهد.

ثانياً: إن كلمة (أهل البيت) في القرآن اصطلاح خاص. بدليل أنها لا تشمل من الأصهار سوى علي (عليه السلام)، ولا تشمل البنات عند كثيرين سوى فاطمة(عليها السلام). ولا تشمل من العشيرة حتى عم النبي(صلى الله عليه وآله)، كالعباس، وأبنائه. مع أنها تشمل علياً (عليه السلام) ابن عمه (صلى الله عليه وآله).

الأهل، هم أهل البيت:

قال: (إذن يظهر لنا من كل ما تقدم: أن كلمة (الأهل) وكلمة (أهل البيت) لهما نفس المعنى، ولا فرق بينهما. ويظهر لنا أن جهابذة اللغة العربية يفهمون من كلمتي (الأهل) و (أهل البيت) معنى الأزواج. ولا يجدون أي حرج في إطلاق اسم (أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)) على زوجاته. بل ويقدمون زوجاته (صلى الله عليه وآله) على غيرهم).ونقول: إن ما قدمه هذا المستدل: لا يدل على وحدة المعنى للكلمتين، ولا على عدم الفرق بينهما. ولم يثبت أن كلمة (الأهل) في اللغة تطلق على الزوجة إلا على سبيل المجاز، بخلاف كلمة (أهل البيت) إذا أريد به بيت السكنى..ولو سلمنا فهم جهابذة اللغة لمعنى الأزواج فإنما هو من كلمة (الأهل) فقط. وأما كلمة (أهل البيت) فقد أخذوا معناها ـ فيما يظهر ـ من منقولات المفسرين. ومن العلماء الذي يرغبون مذهبياً في شمول الآية للأزواج ـ وليس نقلاً عن أهل اللسان، ولا أقل من أننا نحتمل ذلك. فتسقط أقوالهم عن صلاحية الاحتجاج بها.والحاصل: أنهم إنما ينقلون لنا مصطلح المتشرعة وفق ما ظهر لهم من ناحية دينية، لا من ناحية لغوية. ولا حجية في قولهم هذا.ونحن قد ذكرنا شواهد من الآية، بالإضافة إلى نصوص من حديث الكساء، وما نقل عن أحمد، وحديث أنس، وما يفهم من كلام ابن منظور، تدل على وجود شك كبير في صحة إطلاق كلمة (أهل البيت) على الزوجات في خصوص آية التطهير، بل بعضها يدل على عدم صحة إرادتهن فيها أصلاً...وأما إطلاقها مجازاً عليهن، بمساعدة القرائن، فلا مانع منه، لكن القرائن في الآية الكريمة ليس فقط مفقودة، وإنما هناك قرائن على خلافها، حسبما أوضحناه في الكتاب..

الأهل في القرآن:

وقد ذكر هذا المتسائل: أن كلمة (الأهل) في القرآن الكريم(تطلق بكثرة على الزوجات).ونقول: إن هذا ينافي قوله بعد هذا مباشرة: إن القرآن ينفي هذا التفريق المصطنع بين كلمتي (الأهل) و (أهل البيت). وقال: ولن تجد في القرآن الكريم أي أثر لهذا التفريق. فالنفي المطلق هناك ينافي ادعاء الكثرة هنا..

التفريق المصطنع:

قوله: (وأما إذا أردنا أن ندرس هذا التفريق المصطنع.. إلى أن قال: (القرآن الكريم ينفيه، ولن نجد في القرآن الكريم أي أثر لهذا التفريق).نقول فيه: ليس التفريق مصطنعاً، وإنما هو مأخوذ من مصادره، ومستند إلى أدلته التي لم يستطع النيل منها، رغم ما بذله من جهد..وعلى كل حال فإن كلامنا كله إنما هو في إثبات وجود هذا المصطلح القرآني الخاص، في خصوص آية التطهير، وهو موضع الأخذ والرد، ولا ينفيه القرآن، ولا تستطيع اللغة أن تنفيه من حيث إنه مصطلح خاص..

التفريق القرآني بين الأهل، وأهل البيت:

وقال عن التفريق بين (أهل) و (أهل البيت): (فستجد أن القرآن ينفيه، ولن تجد في القرآن الكريم أي أثر لهذا التفريق..).ففي حين تطلق تسمية (أهل البيت) على زوجة إبراهيم (عليه السلام)، لأنها زوجته وتسكن في بيته، لا لأنها ابنة عمه ـ كما حاول البعض أن يوهمنا ـ وإلا لكان عقيل وجعفر والعباس (رضي الله عنهم) من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله). فتخاطبها الملائكة في سورة هود آية73 (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وتطلق تسمية (أهل البيت) على والدة موسى (عليه السلام) ولا نعلم أنها كانت من العصبة، فتقول أخت موسى (عليها السلام): (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) الآيات.. نجد أن كلمة (أهل) تطلق على الابن كما في قول نوح (عليه السلام): (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ..).. وتطلق كلمة الأهل على الأخ كما في قول موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي).وتطلق على الأب والأم كما في قول موسى لإخوته: (.. وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ..) إلى أن قال: هذا كله بالإضافة إلى أنها تطلق على الزوجات..).ونقول: قد تقدم الجواب عن أكثر ما ذكره في هذه الفقرة، وبقية الأجوبة مذكورة في الكتاب نفسه. غير أننا نعود فنذكّره بما يلي:

1 ـ إن كلمة (أهل البيت) في آية التطهير اصطلاح خاص يقصد به جماعة بأعيانهم.

2 ـ ليس المقصود بـ (أهل البيت) من يسكنون في بيت واحد، كما زعمه المستدل ـ إذ لو كان سبب دخول علي (عليه السلام)، هو السكنى في البيت، فنقول له: إن علياً وفاطمة (عليهما السلام) كان لهما بيت خاص بهما. فهو كالعباس، وعقيل. وعبد الله بن عباس وغيرهم. فلماذا يكون علي (عليه السلام) من (أهل البيت) دونهم؟!. والدليل على أن لعلي (عليه السلام) بيتاً مستقلاً حديث سد الأبواب إلا باب بيت علي (عليه السلام)..وإن كان سبب إدخال علي (عليه السلام)، في (أهل البيت)، هو مصاهرته للنبي (صلى الله عليه وآله)، فإن ذلك يبطل دعوى المستدل أن المقصود هو أهل بيت السكنى، وليس للنسب مدخلية.كما أن ذلك يفسح المجال أمام الإشكال بأن عثمان بن عفان، وأبا العاص بن الربيع كانا أيضاً ـ حسبما يزعمون ـ أصهاراً له (صلى الله عليه وآله)، فلماذا لم يكن لهما في هذا الأمر نصيب؟!.. وإذا كان لأبي العاص ذنب، وهو شركه آنئذٍ، فإن عثمان لم يكن حينئذٍ كذلك..فإن قيل: إنه قد كانت لعلي (عليه السلام) خصوصية.. قلنا: إن هذا يبطل كلام المستدل..

3 ـ أما بالنسبة لقول الملائكة لزوجة إبراهيم: (رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ..). فقد قلنا: إنه إما مسوق على سبيل المجاز والتغليب، والقرينة على ذلك هو نفس خطاب الملائكة لها، ثم جعلها في ضمن (أهل البيت) بعد ذلك. وإما لأن القرينة قد دلت على أن المراد بالبيت في نصوص الآية.. هو بيت السكن.أما في آية التطهير، فالمراد هو بيت النبوة.. والقرينة واضحة الدلالة على ذلك.. ومجرد دخول الزوجات في المراد في بعض الموارد بسبب وجود قرينة دلت على التوسع في كلمة (أهل البيت)، لا يعني: أن اللفظ موضوع له، أو أنه يراد منه نفس هذا المعنى في كل الموارد التي استعمل فيها..هذا بالإضافة إلى احتمال دخول سارة في أهل بيت إبراهيم (عليه السلام) من حيث النسب لكونها ابنة عم إبراهيم، لا من حيث الزوجية. وقد ذكراللغويون في كتب اللغة صحة إطلاق كهذا.. حسبما نقله نفس المستدل..وإذا كان ثمة احتمالات معتد بها، لها شاهد كلها، فلا يبقى مجال للاستدلال، ولا للإصرار على إرادة معنى بخصوصه، إلا إذا منع من إرادة غيره مانع. أو كان الشك راجعاً إلى أصل الصحة والجواز..4ـ وأما آية: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) فلا دلالة لها على مقصود المستدل، إذ أن الكفالة إنما هي من رب الأسرة، وهو الذي يعطي الطفل لمن يرضعه، ويهتم بشأنه، سواء كان زوجة أو سُرّية له. أو أماً، أو أختاً، أو بنتاً مرضعة أو غير ذلك.. فليس في الآية دلالة على دخول الزوجة في المراد من كلمة (أهل البيت).. بل إن الآية لم تتحدث عن الإرضاع، وإنما تحدثت عن الكفالة، والتعاهد. ويكون ذلك رهناً باحتياجات المكفول. فترضعه إن كان ثمة حاجة إلى الإرضاع، وإن لم تكن ثمة حاجة إليه، إما لاستغناء الطفل عنه، أو للاستغناء عن الإرضاع بالطعام البديل عنه، أو بالإستفادة من لبن الماشية أو غيره، وفرت له ذلك..أضف إلى ذلك: أن المقصود في آية كفالة موسى (عليه السلام)، هو الأم في قولها لهم: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ..)، ولم يكن المقصود الزوجة..وقد يقال: إنه لم يعلم: أنها قد قصدت بقولها ذاك خصوص (أهلبيت) موسى (عليه السلام)، بل قد يقال أيضاً: إن آية (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ) شديدة الإبهام، موغلة في الإجمال بسبب تنكير كلمة (بيت) فلا مجال للجزم بالمقصود بها، هل هو الأم أو الأخت، أو غير ذلك..

5 ـ وأما الآية التي يقول فيها نوح (عليه السلام): (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)، فالآية لم تتعرض للزوجات، ولا أرادت بالبيت، بيت السكن، كما أنه لم يقل: من أهل بيتي، بل قال: من أهلي.. بل هي تحدثت عن ابن نوح، ولم يظهر منها حكم غيره من زوجة، أو غيرها..

6 ـ والأمر في قصة هارون وقول موسى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) لا يختلف عن الحديث عن ابن نوح..

7 ـ وكذلك الحال في قول يوسف (عليه السلام): (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)، فإنه ليس فيها أي حديث عن الزوجة ولا حديث فيها أيضاً عن (أهل البيت) فلا معنى للسؤال عما هو المقصود بالبيت، هل هو بيت السكنى أو سواه، إذ لا إشارة فيها للبيت أصلاً..وأما بالنسبة لاستعمال كلمة (الأهل) في الزوجة. فهذا هو الذي قررناه، ولا نزال نصر عليه. رغم أن أهل اللغة قد ذكروا أن ذلك من المجاز، الذي يحتاج إلى قرينة، كما أننا لا ننكر أن تستعمل أيضاً كلمة (الأهل) في الابن. وفي الأب، والأم وغير ذلك.. ولكن الاستعمال في الأب، والابن، والأخ، لا يلازم أن يكون استعمالها في الزوجة على نحو الحقيقة..

تضارب الروايات:

وقال: (إن السيد وقع ضحية تلك الروايات التي زعمت: أن الرسول (صلى الله عليه وآله). قال لأم سلمة (رضي الله عنها): عندما قالت: أنا من (أهل البيت)؟ أنه (صلى الله عليه وآله) قال لها: إنك من أهلي، وهؤلاء أهل بيتي.. ولكن السيد لم ينتبه إلى روايات أخرى مضادة ومتضاربة مع هذه الروايات، مع أنه أوردها في كتابه ـ وقصة تضارب وتضاد روايات حديث الكساء قصة طويلة ـ فمثلاً في بعض الروايات تقول عائشة لزوجها النبي (صلى الله عليه وآله): أنا من أهلك..).ثم قال: (وكما اتضح معنا، فإن المعنى اللغوي ـ وهو المطابق للمعنى القرآني لكلمتي (أهل) و (أهل البيت) في وادٍ، وهذه الروايات في وادٍ ثان).ونقول:

أولاً: إن الوقوع ضحية الروايات التي هي أحد مصادر المعرفة الصحيحة أفضل من الوقوع ضحية التعصبات، والاستحسانات، والأهواء بلا دليل ولا برهان..والروايات التي ذكرها نفس المستدل دليل على عدم إطلاق كلمة (أهل البيت) على الزوجات على نحو الحقيقة ما عدا الرواية الأخيرة. وهي الوحيدة التي يجب رفضها لأنها تضمنت أنه قال لها: بلى. وأنه أدخلهاالكساء، وهو ما أجمعت الروايات الأخرى على بطلانه. وهي تعد بالعشرات، ولا شك في تواترها. فراجع: هذه المصادر في كتابنا (أهل البيت في آية التطهير). وراجع النصوص في كتاب: آية التطهير في حديث الفريقين، للأبطحي..واللافت للنظر هنا: أنه اعتبرها متضادة ومتضاربة مع الروايات التي زعمت (وليلاحظ هذا التعبير الذي يرمي إلى تضعيف الرواية بصورة إيحائية) أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لأم سلمة عندما قالت: أنا من (أهل البيت)؟! إنك من أهلي وهؤلاء أهل بيتي..فإنها كلها سوى الأخيرة منها لا تتضارب مع هذه الرواية.

ثانياً: في قوله: (وقصة تضارب وتضاد روايات حديث الكساء قصة طويلة)، طعن مبطن في حديث الكساء المتواتر. وقد قلنا: إنه لا تضاد ولا تضارب بين روايات هذا الحديث، وذلك لما يلي:

ألف: لأن قسماً من الاختلاف في الحديث يرجع إلى أن النقل قد كان بالمعنى، أي أن الراوي إنما ينقل مضمون الحديث ومعناه دون أن يتقيد بعين لفظه. وهذا أمر معروف ومقبول في نقل الحديث..

ب: إن جمعه (صلى الله عليه وآله)، لأهل بيته تحت الكساء لم يحصل ـ فيما يظهر ـ مرة واحدة، بل تكرر منه (صلى الله عليه وآله)، هذا الأمر أكثر من مرة تأييداً وتأكيداً.وقد ظهر اهتمامه (صلى الله عليه وآله)، بهذا التأييد والتأكيد من مجيئه خلال أشهر بلسنوات، في كل يوم إلى باب بيت علي (عليه السلام)، ومخاطبته لهم بالآية الشريفة.

ج: لو كانت أمثال هذه الاختلافات تضر، لم يمكن تواتر أي حديث على الإطلاق. وذلك لعدم وجود حديث تواتر بلفظه ـ إلا فيما شذ ـ وقد يتعلق غرض الناقل أحياناً بنقل بعض الحديث دون بعض، أو بالتركيز على خصوصية بعينها منه.

وثالثاً: قوله إن السيد وقع ضحية تلك الروايات إلخ.. نقول فيه: إننا لا نأبى عن الوقوع في موافقة الروايات الصحيحة الصادرة عنه (صلى الله عليه وآله)، بل ذلك هو غاية ما نتمناه ونسعى إليه، ونحن نعتز ونفتخر ونباهي به.

ورابعاً: قوله: إن المعنى اللغوي، المطابق للمعنى القرآني في وادٍ، وهذه الروايات في وادٍ ثان.. غير مقبول: بل المعنى اللغوي والقرآني مطابق للروايات المذكورة، ومنسجم معها. بل هي إحدى وسائل التعرف على المعنى اللغوي. المطابق للمعنى القرآني، وهي أولى بالاعتبار من تنصيص أهل اللغة، حتى لو كان مستنداً إلى العلم بالوضع، فيكف إذا كان مستنداً إلى الاجتهادات التي لها خلفيات مذهبية، وعصبيات غير مسؤولة.

إرتباط آية التطهير بما قبلها:

قوله: (وقد ظهر جلياً أن الآية ـ أو بالأصح ـ العبارة عبارة التطهير مرتبطة ارتباطاً عضوياً بما قبلها من الآيات.. وظهر أن الأوامر الإلهيةللنساء هي لتطهير النساء أنفسهن، ورفع مكانتهن، فلا معنى لأن تكون كلمة أهل شاملة للنساء).يرد عليه:

أولاً: أننا نؤيد ارتباط عبارة التطهير بما قبلها ارتباطاً عضوياً. ولكن المهم هو طبيعة هذا الارتباط وكيفيته، وقد ذكرنا في الكتاب ما يؤكد على هذا الارتباط بطريقة تنسجم مع السياق، وتتلاءم مع مضمون الآيات، وتؤيدها اللغة، والحديث والتاريخ.

وثانياً: إن الأوامر الإلهية متوجهة إلى النساء أيضاً، ويراد لهن النزاهة والطهارة، ولكن الذي دعا إلى توجيه هذه الأوامر لهن، ومضاعفة العذاب لهن ضعفين هو أن أي سوء يصدر منهن سوف ينعكس سلباً على (أهل البيت)، ويصبح مثاراً للشائعات، التي لا بد أن ينزه عنها هذا البيت الطاهر. لكونه بيت النبوة. فيكنّ قد ارتكبن جريمتين:

إحداهما: نفس الفاحشة، بما لها من مفاسد وسلبيات،

والثانية: الإساءة إلى أناس أبرياء بما لهم من قداسة، تكون الإساءة إليهم إساءة للإسلام نفسه..فالمقصود هو تأكيد الاهتمام بطهارة هذا البيت وأهله، وتطهير النساء مقدمة لتطهير ذلك البيت. لا على مستوى ذوات أهله كما أوضحناه في الكتاب.وما ذكره في الرسالة من أنه لا يتعقل كيف يرتبط تكليف أناس بتطهير أناس آخرين، إنما يتم لو كان المقصود من ذلك تطهير الآخرين ذاتياً، وأما لو كان المقصود تطهيرهم عرضياً وعلى مستوى المحيط، فالارتباط لا يخفى على ذي مسكة، وعلى كل حال، فإن (أهل البيت) مصطلح خاص بأهله. ولا يشمل النساء، وإنما يراد تطهيرهن من باب المقدمة كما ذكرنا..

بيوت النساء:

قال: (كل زوجة من زوجات الرسول لها بيت خاص بها. وعلي وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) لهم بيت خاص بهم. ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يقضي يوماً وليلة في بيت كل زوجة من زوجاته، ولم يكن له بيت خاص به وحده. وكل من يسكن في هذه البيوت يسمون جميعاً أهل رسول الله، أو أهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام).وليس من الضروري أن يكونوا ساكنين في بيت واحد. ومن المعروف أن بيوت زوجات النبي هي بيوت النبي، وهو أسكن زوجاته فيها. فهي ليست بيوت النساء حقيقة والنبي يعيش فيها معهن).ونقول:

أولاً: قوله: (كل من يسكن في هذه البيوت يسمون جميعاً أهل رسول الله أو أهل بيته). غير مقبول.. وهو موضع النقاش. فلا معنى للاستدلال به.وقد ذكرنا دلالات عديدة توجب ليس فقط الترديد، بل هي توجب الجزم بعدم كون الزوجات من أهل بيته (صلى الله عليه وآله). وإن كنّ من أهله، فلا معنى لإطلاق الكلام بصورة عفوية وادعائية لا يكون دليلاً علمياً، بل هو ادعاء مقابل الدليل.

ثانياً: لعل هذا المستدل لم يلتفت إلى مرادنا، فإننا نقصد: أن عبارة (أهل البيت) هنا، والتي وردت فيها كلمة البيت محلاة بالألف واللام. يقصد بها هنا أشخاص بأعيانهم. وهي اصطلاح قرآني نبوي خاص. ولا يقصد بالبيت فيها بيوت السكنى المنسوبة في هذه الآيات للأزواج ليقال: كل من يسكن في هذه البيوت فهو من (أهل البيت)..

وثالثاً: لماذا اختصت هذه البيوت المتفرقة بهذا الأمر، مع العلم بأن علياًً والحسنين وفاطمة (عليهم السلام)، لهم بيت خاص بهم، فلماذا شملتهم الآية، ولم تشمل عثمان وزوجته، ولا العباس، ولا غيرهما؟! فإنهم أيضاً لهم بيوت يمكن إضافتها إلى بيوت الزوجات وبيت علي (عليه السلام)، إن كان المعيار هو البيوت، لاسيما إذا لم يكن من الضروري أن يكونوا ساكنين في بيت واحد، كما ذكره المستدل؟!..وكلهم أيضاً لهم قرابة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، على حد قرابة علي وفاطمة (عليهما السلام)، أو أقرب ـ كما يدعون ـ إن كان المعيار هو القرابة..

ورابعاً: بالنسبة لقوله الأخير: بيوت زوجات النبي هي بيوت النبي، وهو أسكن زوجاته فيها.. نقول: هذا صحيح، لكن ذلك، أعني إسكان النبي (صلى الله عليه وآله)، لهن وسكناه معهن، لا يجدي في جعل الزوجات من (أهل البيت)، حسبما أشرنا إليه. ولا يجعلهن داخلات في هذا العنوان، إذا كان عنواناً خاصاً بجماعة بأعيانهم وأشخاصهم، لاختصاصهم بحيثية وخصوصية أوجبت اختصاص العنوان بهم.فقوله: (إن قوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) دليل على ذلك).. لا يصلح دليلاً. كما هو واضح..

تشريف الله للنساء:

قوله: (إن الله تعالى شرف النساء وبيوتهن في نفس الآية بآيات الله والحكمة..).أقول:

1 ـ في هذه الآية تشريف لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولمن يشترك مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في كونه من أهل بيت النبوة، بما هو بيت نبوة يكون له قداسة خاصة لا يصل إليها سواهم..أما بيوت السكنى، فلا تشريف لمن يسكنها لمجرد سكناه، بل شرفه بالتزامه بأوامر الله سبحانه ونواهيه.. والنساء الذين هن في بيوت السكنى إن التزمن بما يطلب منهن فإنالله أعد للمحسنات منهن أجراً عظيماً، وإن كان الأمر على خلاف ذلك، فلسوف يضاعف لهن العذاب ضعفين.. فهذا من قبيل الحث لهن على الالتزام بالأوامر والزواجر الإلهية، فالمخالف بعد قيام الحجة عليه وسماعه آيات الله والحكمة، ولاسيما إذا كانت تتلى في البيت الذي هو فيه ويسمعها، ثم يصد عنها فإنه يكون من أشقى الأشقياء، ولا تكون تلاوة تلك الآيات في بيته ـ والحالة هذه ـ تشريفاً ولا تكريماً له، فلتقرأ الآيات التي قبل الآية المذكورة، فإن الأمر أوضح من أن يخفى..

2 ـ ثم ما هو الميزان والضابطة في الذكر التشريفي، والتكريمي، والذكر الموجب للمهانة والتحقير، فإن من الواضح: أن آيات الأمر والزجر، والتحذير والترغيب، لا توجب تكريماً ولا تشريفاً للمذكور فيها، بل قد توجب مهانة له إذا كانت سبباً في توجه الأنظار إلى سلبيات ونقائص في شخصيته أو في سلوكه..

نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، من أهل البيت:

قوله: (أولاً: ولقد اتضح لنا من كل ما سبق: إن نساء النبي جزء من أهل البيت).أقول: إن ذلك لم يتضح بل اتضح خلافه..على ما قد بيناه من فساد ما ذهب إليه في التأسيس لما سبق، وأماما ذكره من (اتضاح) فهو مبني على ما ادعاه، وقد ذكرنا أنها دعوى فاسدة..

بيت الرسول، هو بيت نسائه:

قوله: (ثانياً: وأما قوله بأن الله لم يرض حتى بنسبة البيت الذي هن ساكنات فيه إلى رسوله، فهو فاسد من وجهين:

1 ـ إن الرسول (صلى الله عليه وآله)، يسكن في ذلك البيت الذي تحدث عنه السيد، فهو بيت الرسول شئنا أم أبينا.

2 ـ القرآن الكريم يبطل هذا الكلام، وليت السيد يقرأ بقية سورة الأحزاب، فالله تعالى، وبعد عدد من الآيات يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(2).وهذه الآية الكريمة تمنح بيوت النساء الشرف بنسبتها إلى رسولالله (صلى الله عليه وآله).. وتبين أنها بيوته (صلى الله عليه وآله)، واقعاً.. وتسلط الضوء على حرمة هذه البيوت، وأسلوب التعامل معها، وتوضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة..وكلمة (بعده) لا تعني بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)، بالضرورة كما قال السيد جعفر ـ والله العالم ـ بل قد تعني حتى في حال طلاقه لهن).أقول:

أولاً: إننا لم نستدل بهذه الاحتمالات، ولم نجعلها ملاك الرفض، والقبول، بل ذكرنا ذلك بعنوان (إحتمالات لها ما يبررها).

وثانياً: إن هذا الرجل لم يلتفت إلى ما نهدف إليه في كلامنا: فإننا نريد أن نقول: إنه تعالى هنا، حينما كان يتحدث عن الزوجات، ويأمرهن وينهاهن، مشدداً عليهن في ذلك، ومتوعداً التي تخالف منهن بالعذاب ضعفين، ومبشراً من تطيع منهن بالثواب الجزيل والعظيم، فإنه لم يشرفهن بنسبة البيوت الساكنات فيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم أنه بيته، وهو الذي أسكنهن فيه. مع أنه قد كان من الممكن أن يقول لهن: واذكرن ما يتلى في بيوت النبي. لأن المقام مقام التشدد والتشديد عليهن كما قلنا..ولعل سبب نسبة البيوت إليهن ـ كما ذكره بعض الأخوة ـ هو أن ذلك أقوى في الزجر والتحذير، فإن من تنزل الآيات في بيته، لا بد أن يتأثر بها، بخلاف ما لو كان الحديث عن بيوت غيره، لعدم وجود إشارةواضحة إلى أن هذا البيت بيته.وأما الآية التي تنهى الناس عن دخول بيوت النبي (صلى الله عليه وآله)، إلا أن يؤذن لهم، فهي في مقام التشدد على المؤمنين الذين يؤذون رسول الله في أهله.. فنسبة البيوت إليه (صلى الله عليه وآله)، تكون أدعى في الزجر، وأوقع في النفوس مما لو نسبت لغيره (صلى الله عليه وآله).

وثالثاً: إن نسبة البيوت له (صلى الله عليه وآله)، في تلك الآية تفيد تعظيم هذه البيوت به (صلى الله عليه وآله)، فيكون الإقدام على المساس بها إقداماً على المساس برسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه.. بواسطة زوجته، ولا يرضى أحد بأن يتطفل أحد على زوجته حتى لو كانت شر زوجة، لأنها عرضه وناموسه وشرفه و.. و..

ورابعاً: إن هذه البيوت هي بيوت النبي، وقد أسكن بها أزواجه، ثم نسبها إليهن في هذه الآيات، ولم ينسبها للنبي (صلى الله عليه وآله)، والسؤال هو: لماذا لم ينسبها إليه (صلى الله عليه وآله) كما نسبها في آية نهي المؤمنين عن دخول بيوت النبي إلا بإذنه؟..فإن لم يكن هو خصوص ما تقدم من أن ذلك أقوى في تحريضهن على تذكر ما ينزله الله تعالى فيها، وأدعى للإنزجار بزواجرها، والإئتمار بأوامرها، فلا بد أن يضاف إلى ذلك: أن المقصود هو إبعاد شخص النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيت قد تصدر من ساكنيه بعض الهفوات، فلا يريد الله سبحانه أن يلحق نبيه حتى ولو في مستوى التوهم أي حزازة، تنشأ عن الإلماح إلى أنه (صلى الله عليه وآله) في جملة ساكني تلك البيوت، الذين يحتمل في حقهمذلك الاحتمال الذي يبغضه الله تعالى..

وخامساً: قوله: (إن آية: أمر المؤمنين بعدم الدخول إلا بعد الإذن توضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة..).يدعونا للسؤال: كيف؟.. وبماذا؟ ولماذا؟ خصوصاً، بعد أن عرفنا أن دلالتها على ضد ذلك أوضح، وهي فيه أصرح.

وسادساً: قد ورد في نفس آية النهي عن دخول بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) إلا بإذنه، ما يشير إلى أن الحديث مع النساء قد يؤثر في طهارة قلوبهن، وذلك لا يتلاءم مع ذلك التشريف والتكريم لهن، بل ذلك يمثل وضع علامة استفهام على مدى التزامهن بالأحكام الشرعية..

وسابعاً: بالنسبة لكلمة (من بعده) التي ليس لها دور في موضوع البحث.نقول:

1 ـ إنهم يقولون: إنها رد على طلحة حينما قال: لئن مات رسول الله لنجلسن بين خلاخيلهن الخ.. فجاءت الآية رداً عليه..

2 ـ لو صح ما قاله هذا المستدل للزم أن يمنع (صلى الله عليه وآله)، من تزويج النساء اللواتي طلقهن في حال حياته، ولكنه لم يحرك ساكناً في هذا المجال..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..


1- سورة الأحزاب الآية 53.

2- سورة الأحزاب الآية53.