- إشكال في إعراب آية 15 من سورة يوسف

إشكال في إعراب

آية 15 من سورة يوسف

المسألة:

اشكال آخر للسيدة المسيحية حاصله:

انَّه ورد في القرآن في سورة يوسف ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾.

السؤال: أين جواب قوله ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ أليس من الخطأ أن يؤتى بأداة الشرط وفعل الشرط دون جواب الشرط، ولو قلت إنَّ قوله ﴿وَأَجْمَعُواْ﴾ هو الجواب لقلنا إنَّ ذلك لا يصح لأنه لا يستقيم المعنى فالجواب لا يكون مسبوقاً بالواو.

وثانياً: السؤال عن قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم﴾ فإنَّ فيها اضطراب في مرجع الضمائر وانتقالها من ضمير الغيبة الى ضمير المخاطب.

الجواب:

الوجه في حذف جواب الشرط:

من المعروف عند علماء اللغة أنَّ جواب الجملة الشرطية يجوز حذفه إذا أُمن من اللبس في المعنى وكان من الميسور معرفته من لحن الخطاب بل يُعدُّ ذلك عندهم من فنون البلاغة بل إنَّ ذكر الجواب في بعض الموارد يكون مُستهجَناً، وذلك لأنَّه من الإطالة في الكلام بلا موجبٍ يقتضيه.

والجواب في الآية المذكورة هو من الوضوح بحيث كان مستغنياً عن الذكر والبيان.

فهم قد ذهبوا به واتفقت كلمتهم على أن يجعلوه في غيابت الجب وكان عزمهم على ذلك ثابتاً كما هو مقتضى مدلول ﴿أَجْمَعُواْ﴾ فماذا ستكون النتيجة غير جعله في غيابت الجب.

فحذف الجواب إذن كان ناشئاً عن اشتمال الكلام على ما يدل عليه.

فيكون معنى الآية هكذا (فلما ذهبوا بيوسف واجتمعت كلمتهم على جعله في غيابت الجب جعلوه في غيابت الجب).

أفلا تجد أن ذكر الجواب بعد ذكر التوطئة وهي قوله ﴿وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾(1) ألا تجد أن ذكر الجواب بعد ذكر هذه التوطئة مُستهجَن.

وجه آخر انَّ الواو مقحمة:

وثمة وجه آخر ذكره بعض المفسِّرين(2)، نذكره لمزيدٍ من الفائدة، وحاصله أن الكوفيين في مقابل البصريين يذهبون إلى أنّ الواو في مثل هذه الموارد مُقحَمة فيكون جواب ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ هو قوله تعالى: (أجمعوا..).

واستدلوا على ذلك بقول الشاعر العربي:

حتى إذا قَمِلت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبُّوا

وقلبتمُ ظهـر المِجـنِّ لنـا إنَّ اللئيم العاجز الخبُّ

فجواب قوله: حتى إذا قَمِلت بطونكم هو قوله: قلبتمُ ظهر المجنِّ لنا، والواو مقحمة.

وكذلك استدلوا بقول امرؤ القيس:

فلمَّا أجزنا ساحةَ الحي وانْتحى بنا بطن خبَّت ذي حقاقٍ عقنْقل(3)

فجواب (فلمَّا أجزنا) هو (انتحى) والواو مقحمة.

وأما البصريون فيحملون ذلك على حذف الجواب(4).

مرجع الضمائر في الآية:

وأما قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾(5)

فالضمير في ﴿إِلَيْهِ﴾ يرجع إلى يوسف (ع) وضمير المخاطَب"التاء" في قوله ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُم﴾ يرجع إلى يوسف أيضاً.

وأما ضمير الجمع الغائب في قوله تعالى: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُم﴾ و﴿بِأَمْرِهِمْ﴾ و﴿هُمْ﴾ فيرجع إلى أخوة يوسف (ع).

فالآية بدأت بالإخبار عن أنَّ الله تعالى أوحى إلى يوسف، وهذا يناسب ان يكون الضمير العائد إلى يوسف هو ضمير الغَيبة لذلك قال تعالى ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ﴾ ثم شرعت الآية في بيان ما كان قد أُوحي إلى يوسف، فقوله تعالى: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ هو المضمون الذي كان قد أوحاه إليه حين وضعوه في الجب، ولما كان هذا المضمون موجَّهاً إلى يوسف (ع) لذلك ناسب أن يكون ضميراً مخاطباً.

فمساق الآية المباركة مساق قولنا حين نُخبر عن حدثٍ وقع بيننا وبين زيدٍ الغائب: (قلنا له لماذا لا تصاحبنا في سفرنا) فبدأنا بالإخبار، فلذلك ناسب أن يكون الضمير العائد لزيد ضمير غَيبة ثم شرعنا في بيان مقول القول الموجَّه لزيد فناسب الانتقال من ضمير الغَيبة إلى ضمير المخاطب.

ولعمري فإنَّ هذا واضح لمن كان له أدنى معرفة بتصاريف الكلام العربي، فإيراد هذه الاحتمالات للضمائر في الآية المباركة إما أن يكون منشأه التلبيس على مَن لا فهم له باللغة العربية، وإما أن يكون منشأه عدم الفهم لكلام العرب.

يرجى مراجعة ما ذكرناه تحت عنوان (خطأ نحوي في القرآن).


1- سورة يوسف آية رقم 15.

2- التبيان- الشيخ الطوسي- ج3 ص19، تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص370، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج8 ص157.

3- التبيان- الشيخ الطوسي- ج6 ص109، نيل الأوطار- الشوكاني- للشوكاني ج1 ص399، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج5 ص201.

4- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص371.

5- سورة يوسف آية رقم 15.