- فيمن نزلت سورة عبس

فيمن نزلت سورة عبس

المسألة:

فيمن نزلت هذه الآية: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾(1

الجواب:

سبب النزول من طرق أهل البيت (ﻉ):

أفاد القمي في تفسيره أنها نزلت في عثمان بن عفان حين كان هو وجماعة في محضر رسول الله (ص)، جاء رجل أعمى يُسمى ابن أمَّ مكتوم وكان مُؤذّنًا للرسول (ص) فعبس عثمان في وجهه وتولّى عنه فأنزل الله تعالى قوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ أي عبس عثمان وتولّى أن جاءه الأعمى(2).

وروى الطبرسي في مجمع البيان عن الإمام الصادق (ع) أن عبس وتولى نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (ص) فجاءه ابن مكتوم فلما رآه تقذَّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه(3).

سبب النزول من طرق العامة:

هذا وقد وردت روايات من طرق السُّنَّة أنَّ المعنيَّ بقوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ هو الرَّسول الكريم (ص).

منها: ما روي عن السيدة عائشة قالت: "أُنزلت عَبَسَ وتولى في ابن أمَّ مكتوم"، قالت: "أتى رسول الله (ص) فجعل يقول أرشدني"، قالت: "وعند رسول الله (ص) من عظماء المشركين"، قالت: "فجعل رسول الله (ص) يُعرض عنه ويُقبل على الآخرين..."(4).

ومنها: ما رُوِيَ عن ابن عبَّاس، قوله ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى﴾(5)، قال: "بينما رسول الله يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرء النبي (ص) آيةً من القرآن، وقال يا رسول الله علّمني مما علّمك الله، فأعرض عنه رسول الله (ص) وعبس في وجهه وتولّى وكره كلامه وأقبل على الآخرين..."(6).

منافاة ذلك للقرآن:

إلا أن مثل هذه الروايات لا يمكن قبولها، وذلك لمنافاتها مع صريح القرآن الكريم الذي وصف الرسول (ص) بأنه على خلقٍ عظيم(7)، ولا رَيب أنَّ الإقبال على الأغنياء لكونهم أغنياء(8) والإعراض في ذات الوقت عن الفقراء والتَّلهِّي عنهم رغم أنهم جاءوا خاشعين مؤمنين لا ريب أن ذلك منافٍ لأدنى مراتب الخلق، فكيف يمكن قبوله في حق من وصفه القرآن بأنه على خلق عظيم والذي هو وصف لم يحظَ به أحد من الأنبياء اللذين سبقوه.

والجدير بالذكر أن هذا الوصف قد جاء في سورة (ن) وقد ذكروا(9) أنَّها نزلت بعد سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(10)، أي أنَّها نزلت قبل سورة (عبس) فكيف يصفه القرآن بذلك ثم يصدر النبي (ص) ما ينافي هذا الوصف منافاةً يستحقُّ بها توبيخ الله جلَّ وعلا وذمِّه إياه بأنَّه عبس وتولَّى عمن جاءه وهو يخشى وأنَّه يتصدى ويُقبل على مَن استغنى.

ثم أن هذه الآية منافية لقوله تعالى: ﴿...وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(11)، وهي من أوائل الآيات التي نزلت على الرسول الكريم (ص) حيث أنها وردت في ذيل قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(12).

أترى يسوغ لمؤمنٍ أنْ يرتاب في التزام رسول الله (ص) بتوصيات ربِّه جلَّ وعلا؟!!


1- سورة عبس آية رقم 1.

2- تفسير القمي- علي بن إبراهيم القمي- ج2 ص404.

3- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج10 ص266.

4- سنن الترمذي- الترمذي- ج5 ص104، مسند أبي يعلى- أبو يعلى المو صلي- ج8 ص161، صحيح ابن حبان- ابن حبان- ج2 ص294.

5- سورة عبس آية رقم 1-2.

6- جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج30 ص65، الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج6 ص315.

7- ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

8- ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصدَّى﴾ وظاهر الآية ان منشأ التصدي والاقبال عليه هو اتصافه بالغنى.

9- شواهد التنزيل- الحاكم الحسكاني- ج2 ص411، فتح الباري- ابن حجر- ج9 ص38، عمدة القاري- العيني- ج1 ص62، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج3 ص320، الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج6 ص368.

10- سورة العلق آية رقم 1.

11- سورة الحجر آية رقم 88.

12- سورة الشعراء آية رقم 214-215.