- معاوية لم يكن من كتَّاب الوحي

معاوية لم يكن من كتَّاب الوحي

المسألة:

من هم كتَّاب الوحي؟ وهل كان معاوية من كتَّاب الوحي كما يذكر البعض؟

الجواب:

عدد كتاب الوحي:

كتَّاب الوحي كثيرون، وقد أنهاهم البعض إلى ما ينيف على الأربعين(1) إلا أنّ أبرزهم هو الإمام علي (ع) حيث أنه حظي بكتابة الوحي من أول نزوله في مكة إلى أن أكمل اللهُ وحيه إلى نبيِّه (ص) قبيل رحيله إلى ربِّه.

قال (ع): "فما نزلتْ على رسول الله (ص) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها فكتبتُها بخطي، وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَّها وعامَّها"(2).

وقال (ع): "يا طلحة إنَّ كلَّ آية أنزلها الله على محمد (ص) عندي بإملاء رسول الله (ص) وخطي بيدي وتأويل كل آية"(3).

دعوى مكذوبة

وأما دعوى البعض أنّ معاوية كان من كتّاب الوحي فلم يثبُت ذلك بل الظاهر أنها دعوى مكذوبة اختلقها الجهاز الأموي ليُضفي على معاوية فضيلة حيث كان معرَّى من كلِّ فضيلة، فقد كان معاوية مقيماً على الكفر منذ بُعِثَ النبي (ص) إلى قبيل وفاته، فهو لم يُسلم إلا بعد الفتح(4) أي في السنة الثامنة من الهجرة، وقد ذكر بعض المؤرخين(5) أنَّه كان حين فتْحِ مكة في اليمن مقيماً على الكفر هارباً من رسول الله (ص) حيث أنّه كان قد أهدر دمه، وقد بعث إلى أبيه أبي سفيان حين سمع أنَّه أسلم بعد الفتح بعث إليه يحرِّضه على الشرك ويعيِّره بإظهار الإسلام فقال فيما قال:

يا صخر لا تُسلمنْ طوعاً فتفضحنا بعـد الـذيـن بـبـدر أصبـحـوا مِزقا

خـالي وعـمـي وعــمُّ الأم ثالثـهـم وحنظلُ الخير قد أهـدى لنـا الأرقا

لا تـركـنــنَّ إلـى أمــرٍ يـُكـلِّـفـنـا والـراقصـات به فـي مكـة الخرقـا

فالموت أهون من قول العداة لقـد حاد ابن حربٍ عن العـزَّا إذا فرقـا

وقد بقي مقيماً على شركه هذا إلى قبيل وفاة النبي (ص) بخمسة أشهر أو ستة أشهر حيث لجأ إلى العباس بن عبد المطلب ليشفع له عند رسول الله (ص) فعفا عنه الرسول (ص) فهو من الطلقاء.

وقد ذكر هذه الأبيات ابن أبي الحديد في شرح النهج(6)، ووردت في كتاب جمهرة خطب العرب(7)، وأورد ابن الجوزي في تذكرة الخواص البيت الأول والثالث(8).

وإذا ثبت هذا فإنه لا يكون من كتّاب الوحي، وذلك لأنه قد تمّ نزول القرآن قبل إسلامه.

علماء السنة ينكرون الدعوى:

هذا وقد أنكر الكثير من علماء السنَّة أنّ معاوية من كتّاب الوحي:

قال ابن حجر المكي في تطهير الجنان واللسان(9) بهامش الصواعق في فضائل معاوية أنه أحد الكتّاب للرسول (ص) كما في صحيح مسلم: "وهذا الحديث لو صحَّ لا يُثبت كونه كاتباً للوحي، ولكنه حديث باطل موضوع كما صرّح به كبار الأئمة".

أقول الرواية التي يشير إليها ابن حجر هي ما أخرجه مسلم قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان...

قال ومعاوية تجعله بين يديك كاتباً، قال النبي (ص): نعم(10).

وعلّق النووي على هذه الرواية في شرحه على صحيح مسلم وقال: "واعْلم إنَّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال"(11).

وقال حزم كما في الديباج: "هذا الحديث وهمٌ من بعض الرواة"(12).

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: "قد ساق له أصلاً منكراً عن سماك الحنفي"(13).

قال المقريزي: قالت طائفة من أهل الحديث: هذا الحديث كذب لا أصل له، وقال أبو محمد بن حزم: " كذَّبه عكرمه بن عمار"(14).

هذا وقد ورد في كتاب دفع التشبيه لابن الجوزي في ردّه على ابن كثير حيث وصف معاوية بأنّه كاتب وحي رب العالمين، قال: "وأما قولك (وكاتب وحي رب العالمين) فليس بصحيح، وذلك لأنَّ معاوية أسلم عام الفتح وهو وأبوه من الطلقاء، وقد أسلم في أوقات قد فرغ فيها نزول الوحي ووصل عند قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾(15) فماذا سيكتب معاوية بعد هذا"(16).

وقد ذكر الحافظ الذهبي عن أبي الحسن الكوفي، قال: "كان زيد بن ثابت كاتب الوحي وكان معاوية كاتباً فيما بين رسول الله (ص) وبين العرب"(17) وكذا قال ابن حجر في ترجمته في الإصابة(18).

وقال ابن الجوزي: وليكن معلوماً أنه أيضاً ما كتب للنبي (ص) إلا ثلاث رسائل(19).

لو سلّمنا -جدلا- بصدق الدعوى:

ثم إنَّه لو سلّمنا جدلاً أن معاوية كان كاتباً للوحي فإن ذلك لا يعبِّر عن عدالة الرجل واستقامته فإنَّه لا يُخشى على القرآن من عبث العابثين بعد أن كان محفوظاً من قبل الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(20)، وكان الرسول (ص) يُملي القرآن على الكثير من الصحابة، وكان يقرأه في الصلاة ويردِّده في المحافل والمجالس ويأمر الصحابة بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

فلو كانت الكتابة للقرآن تُعبِّر عن الاستئمان لكانت مقتضية للقول بأمانة عبد الله بن سعيد بن أبي سرح الذي كان يكتب للرسول (ص) الوحي في مكة ثم ارتدّ وخرج من الإسلام وأهدر رسول الله (ص) دمه بعد الفتح فأختبأ عند عثمان بن عفان أخوه من جهة الأم ثم انَّ عثمان تشفع له عند رسول الله (ص) كما أكَّد ذلك كلُّ الحفاظ والمحدثين من أبناء السنة كالذهبي في سير أعلام النبلاء وابن حجر في الإصابة(21).

وقد ثبت انَّه المعنيُّ بقوله تعالى:﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ﴾(22) نزلت فيه هذه الآية بعد ارتداده وخيانته في كتابة الوحي(23).


1- السيد مير محمدي نقلاً عن ابي عبد الزنجاني، لاحظ بحوث في تاريخ القرآن- ص137.

2- الكافي- الشيخ الكليني- ج1 ص64، الاعتقادات في دين الإمامية- الشيخ الصدوق- ص121، الخصال- الشيخ الصدوق- ص257، المسترشد- محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص235، المعيار والموازنة- أبو جعفر الإسكافي- ص300.

3- الاحتجاج- الشيخ الطبرسي- ج1 ص223، كتاب سليم بن قيس- تحقيق محمد باقر الأنصاري- ص211.

4- فتوح البلدان- البلاذري- ج3 ص582، البداية والنهاية- ابن كثير- ج 5 ص 376.

5- التعجب- أبو الفتح الكراجكي- ص105، منهاج الكرامة- العلامة الحلي- ص78.

6- شرح نهج البلاغة لخطب الإمام علي (ع)- لابن ابي الحديد المعتزلي وقد رواها كما أفاد عن الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات ج6 ص289، كتاب الفتوح لابن اعثم الكوفي ج2 ص563.

7- جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة- احمد زكي صفوت- ج2 ص22 رقم 18.

8- حكى ذلك العسكري في كتابه أحاديث ام المؤمنين عائشة وأفاد ان ذلك ورد في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص115، وجمهرة خطب العرب ج2 ص12.

9- تطهير الجنان واللسان- ابن حجر المكي- بهامش الصواعق المحرقة ص19.

10- صحيح مسلم- مسلم النيسابوري- ج7 ص171.

11- شرح مسلم- النووي- ج16 ص62.

12- الديباج على مسلم- جلال الدين السيوطي- ج5 ص466، وحكى ذلك عنه النووي في كتابه شرح مسلم ج16 ص63.

13- ميزان الاعتدال- الذهبي- ج3 ص93.

14- إمتاع الأسماع- المقريزي- ج6 ص68.

15- سورة المائدة آية رقم 3.

16- دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه- أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي- ص243.

17- سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج3 ص123.

18- الإصابة- ابن حجر- ج6 ص120.

19- دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه- أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي- ص243.

20- سورة الحجر آية رقم 9.

21- الإصابة- ابن حجر- ج4 ص94، سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج3 ص33، أسد الغابة- ابن الأثير- ج1 ص50، ج2 ص317، الثقات- ابن حبان- ج2 ص52، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج10 ص66، أحكام القرآن- الجصاص-ج3 ص520، تفسير السمرقندي- أبو الليث السمرقندي- ج2 ص44 وغيرهم كثير.

22- سورة الأنعام آية رقم 93.

23- جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج7 ص354، تفسير ابن أبي حاتم- ابن أبي حاتم الرازي- ج4 ص1346، ج5 ص1737، معاني القرآن- النحاس- ج2 ص458، تفسير السمرقندي- أبو الليث السمرقندي- ج1 ص487، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج4 ص169، أسباب نزول الآيات- الواحدي النيسابوري- ص148، تفسير السمعاني- السمعاني- ج2 ص126، تفسير البغوي- البغوي- ج2 ص116، تفسير النسفي- النسفي- ج1 ص335، زاد المسير- ابن الجوزي- ج3 ص59، المستدرك- الحاكم النيسابوري- ج3 ص46، الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج3 ص30 وغيرهم كثير.