- حكم حيوان البحر من غير السمك

حكم حيوان البحر من غير السمك

المسألة:

استدلَّ البعض على حلِّية كلِّ ذي روح في البحر بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾(1) فما رأي الفقهاء في ذلك؟

الجواب:

أدلة الفقهاء على الحرمة:

المشهور بين الفقهاء هو حرمة كلِّ حيوانات البحر ما عدا الأسماك من ذوات الفلس، وقد ادعى صاحب الجواهر عدم وجدان الخلاف بين الفقهاء في ذلك، ونقل عن الخلاف والغنية والسرائر والمعتبر والذكرى وفوائد الشرايع الإجماع على الحرمة، وأفاد أن هذا الإجماع مما يمكن تحصيله فلا عبرة بوسوسة بعض متأخري المتأخرين(2)، وقد استدلَّ رحمه الله على الحرمة بالإضافة إلى الإجماع بأمور منها:

الأمر الأوَّل: أصالة عدم التذكية، بمعنى أنَّ الشك في حليَّة حيوان البحر يساوق الشك في قابليته للتذكية والمفترض هو عدم الدليل على الحليَّة وما دلّ على أن ذكاة السمك يتم بإخراجه من الماء حيّاً لا يشمل مورد البحث، فمع الشك في التذكية يكون مقتضى الاستصحاب هو عدم وقوع التذكية، وإذا تنقَّح بواسطة الاستصحاب عدوم وقوع التذكية يكون هذا الحيوان في حكم الميتة من جهة الحرمة، فلا يصح بذلك التمسُّك بأصالة الإباحة والحل، وذلك لحاكمية أصالة عدم التذكية على أصالة الحل نظراً لنفيها موضوع أصالة الحل وهو الشك في الحليَّة بواسطة استصحاب عدم التذكية، أي أنَّ أصالة عدم التذكية تنفي الشك في الحرمة لانها تقتضي الإحراز التعبدي لعدم التذكية فلا مورد لأصالة الحليَّة والإباحة معهما.

هذا وقد ادعى البعض في مقام الجواب على صاحب الجواهر أنه يمكن القول بأنَّ أصالة الحل مقدَّمة في المقام على أصالة عدم التذكية، وذلك لأنَّ منشأ الشك في التذكية هو الشك في حليَّة حيوان البحر فإذا ما أجرينا أصالة الحل انتفى الشك في التذكية وبذلك يكون أصل الحل أصلاً سببيًا وتكون أصالة عدم التذكيَّة أصلاً مسبَّبيًا والأصل السببي ينفي جريان الأصل المسببَّي.

إلا أنَّ هذا الجواب لا يتم، وذلك لأنَّ أصالة الحل لا تُحرِز وقوع التذكية إلا بناء على القول بالأصل المثبِت، ومن الواضح أن الأصول ليست حجة في مثبتاتها، فلأنَّ أصالة الحل لا تقتضي أكثر من إثبات الحلية، وأما القابلية للتذكية فهو لازم الحلية، وهذا اللازم لا يثبت بواسطة أصالة الحل لعدم حجية لوازم الأصل خصوصاً إذا كان من الأصول غير المحرِزة، وعليه يبقى الشك في القابلية للتذكية على حاله وحينئذٍ لا محيص من استصحاب عدم التذكية المقتضي للحرمة من جهة عدم القابلية للتذكية.

فما أُجيب به على دليل صاحب الجواهر رحمه الله ليس وارداً، نعم لا يتم دليل صاحب الجواهر بناءً على القول بقابلية كلِّ حيوان للتذكية كما هو الصحيح وعليه يكون دليل صاحب الجواهر مبنائياً.

الأمر الثاني: هو عموم ما دلَّ على حرمة أكل الميتة بناءً على أنَّ كلَّ حيوانٍ فارقته الحياة فهو ميتة إلا أن يكون مذكَّى، فلأن عدم التذكية محرَز بالاستصحاب لذلك فهو ميتة.

لكن هذا الدليل غير تام أيضاً، إذ أنَّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت كون الحيوان ميتة إلا على القول بالأصل المثبت، فلأن عدم التذكية لم يتم إحرازه بواسطة الوجدان وإنما تمَّ إحرازه بواسطة الاستصحاب لذلك فهو غير قابل لإثبات عنوان الميتة، لأن عنوان الميتة لازم لعدم التذكية والاستصحاب ليس حجة في إثبات لوازم المُستصحَب.

وعليه لا يمكن التمسُّك بعموم دليل حرمة الميتة لإثبات حرمة حيوان البحر بعد إخراجه من الماء، وذلك لعدم إحراز كونه ميتة.

نعم يمكن التمسُّك بأصالة عدم التذكية لإثبات حرمة حيوان البحر ولكن ذلك رجوع للدليل الأول الذي ثبت سقوطه عن الدليليَّة.

الأمر الثالث: الاستدلال بموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الربيثا قال (ع): " لا تأكلها فإنا لانعرفها في السمك يا عمار"(3).

فقوله (ع): "فإنا لا نعرفها في السمك" ظاهر في تعليل النهي عن أكل الربيثا، ولما كان التعليل قد وقع بأمر كلي فهو يقتضي ترتُّب الحكم وهو النهي عن كلِّ مورد يصلح أن يكون منطَبقاً له، وبذلك يثبت انَّ كل حيوانٍ بحري لا نحرز كونه من السمك فهو مشمول للنهي عن أكله.

هذا وقد استُشكل على الاستدلال بموثقة عمار بأنها معارضة بروايات عديدة تدلُّ على حليَّةِ أكل الربيثا، وهي التي عليها عمل المشهور(4).

إلا أن الصحيح هو عدم تمامية هذا الإشكال إذ أنَّ التعارض بين موثقة عمار وروايات حلية الربيثا لا يوجب سقوط التعليل الوارد في الموثقة عن الحجيَّة، وذلك لعدم وقوعه طرفا للتعارض.

فحكم الربيثا هو مورد التعارض، وأما التعليل فهو ليس مورداً له، فلا موجب لسقوطه عن الحجيَّة خصوصاً وإنَّ بعض روايات الحليَّة علَّلت الحكم بجواز أكل الربيثا "بأنه من السمك"(5) وهو ما يؤكد أنَّ التعارض متمحِّض فيما هو حكم أكل الربيثا، حيث أنَّ مفاد الموثقة هو الحرمة ومفاد سائر الروايات هو الجواز، وأما تعليل الحرمة وتعليل الجواز فبينهما تمام الملائمة ذلك لأنَّ مفاد الموثقة أنَّ علَّة الحرمة هو انَّه ليس من السمك وعلة الجواز هو أنَّ الربيثا من السمك، فالتنافي إنما هو في مصداقية الربيثا للسمك وعدم مصداقيته، فلو كان مصداقاً للسمك واقعاً فهو حلال بمقتضى التعليل ولو لم يكن مصداقاً له واقعاً فهو محرم بمقتضى التعليل.

وبذلك يتضح عدم تمامية الإشكال على الاستدلال بالموثقة على عموم حرمة ما ليس بسمك من حيوان البحر بل يمكن تأييد ذلك بالروايات التي عللت جواز أكل الربيثا بأنَّه من السمك حيث أنها مشعرة بأنَّ ما ليس بسمك يكون حراماً.

ما استُدلَّ به على حلِّية مطلق حيوانات البحر:

هذا وقد استُّدل على حليَّة مطلق حيوانات البحر بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾(6).

فالآية الشريفة تدل بإطلاقها على حلية مطلق صيد البحر، وهو ما يشمل حيوانات البحر.

والإشكال الذي يمكن ايراده على الاستدلال بالآية الشريفة من جهتين:

الجهة الأولى: أنَّه لو تمَّت دعوى الإطلاق فإنَّ موثقة عمار تكون صالحة للتقييد.

وأما الجهة الثانية: فالآية ليست ظاهرة في الإطلاق لأنها في مقام بيان ما يحلُّ للمحرم وما لا يحل وليست في مقام بيان ما يحل من حيوانات البحر وما لا يحل حتى يكون عدم التقييد موجباً لاستظهار الإطلاق.

فلم يبق مما يمكن التمسك به لإثبات دعوى حلية مطلق حيوانات البحر سوى بعض الروايات(7) التي لم نجد عاملاً بها من الفقهاء مضافاً الى موافقتها لمذهب العامة(8).

فالمتحصَّل أنَّ الصحيح هو حرمة مطلق حيوان البحر من غير السمك وذلك للتسالم الذي نطمئن بتلقِّيه عن المعصوم (ع) فرغم أنَّ المسألة مما يعم بها الابتلاء، ورغم عدم وجود روايات صريحة في الحرمة مع ذلك نجد الفقهاء على اختلاف طبقاتهم يُفتون بعدم جواز أكل حيوان البحر من غير السمك وهو ما يُعبِّر عن تلقِّي الحكم عن المعصوم (ع).

هذا ما يتصل بالسمك في مقابل غيره من حيوان البحر وأما حرمة السمك من غير ذوات الفلس فالروايات في حرمته مستفيضة(9).


1- سورة المائدة آية رقم 96.

2- جواهر الكلام- الشيخ الجواهري- ج36 ص241.

3- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص140 باب 12 من كتاب الأطعمة والاشربة ح4.

4- لاحظ وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص139 باب 12 من كتاب الأطعمة والاشربة.

5- مثل رواية السياري عن ابي عبدالله (ع) قال (ع): (كل فإنَّه جنس من السمك) ثم قال: (أما تراها تقلل في قشرها) وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص141 باب 12 من كتاب الأطعمة والاشربة ح5.

6- سورة المائدة آية رقم 96.

7- مثل رواية ابن ابي يعفور قال سألت أبا عبدالله (ع) عن أكل لحم الخز؟ قال (ع): كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه) وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص91 ح3.

8- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص135 باب9 من أبواب الأطعمة المحرمة.

9- راجع وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج24 ص127 باب8 من أبواب الأطعمة المحرمة.