- معنى قوله تعالى ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾

معنى قوله تعالى

﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾

المسألة:

المعروف عندنا أنه يحرم الجماع في فترة الحيض، ولكن لا يحرم الاستمتاع بالزوجة ومداعبتها... وسؤالي هو: ما هو معنى قوله تعالى ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾(1)، هل معنى الاعتزال هنا يأخذ بعدًا آخر غير مسألة المعاشرة الجنسية، كالأبعاد النفسية والعاطفية مثلا، باعتبار انَّ المرأة تكون في فترة الحيض متعكِّرة المزاج؟ وهل ورد عن المعصومين (ﻉ) ما يدل على كراهة المداعبة في فترة محيض المرأة؟

الجواب:

معنى الآية الشريفة:

المراد من قوله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾ هو إيجاب اجتناب وطأ المرأة الحائض في موضع نزول الحيض.

فالمأمور به في الآية المباركة ليس هو اجتناب معاشرة المرأة الحائض مطلقاً وإنَّما هو اجتناب وطئها في المحل الذي ينزل منه دم الحيض وهو الفرج.

وقد أفاد جمع من الأعلام انَّ ثقافات الأمم فيما يرتبط بعلاقة الرجل بالمرأة الحائض قبل الإسلام متباينة.

فاليهود أو فئة كبيرة منهم كانوا يرون لزوم اعتزال الرجل للمرأة الحائض مطلقاً، فمضافاً إلى لزوم عدم وطئها كذلك لا يصح له انْ يبيت معها في محلٍّ واحد بل لا يصحُّ له الجلوس معها في موضعٍ واحد كما لا يجوز له مؤاكلتها، ذلك لأنها تُعتبر في ظرف الحيض بنظرهم من الأرجاس، ويدَّعون ان ذلك هو مفاد ما جاء في التوراة(2).

وأما النصارى فيذهبون إلى عدم اختلاف الحال بين كون المرأة حائضاً أو لم تكن كذلك، فكما يصحُّ وطؤها وسائر الاستماع بها عندما لا تكون حائضاً فكذلك لا مانع من وطئها أثناء الحيض فضلاً عن مضاجعتها ومجالستها ومؤاكلتها(3).

وأما المشركون من العرب القاطنون في يثرب فقد تسربَّت إليهم ثقافة اليهود حيث كانت قبائل من اليهود تقطن في أطراف يثرب، وهو ما أدَّى إلى تسرُّب الكثير من ثقافاتهم إلى المشركين، فكان منها ما يرتبط بطبيعة العلاقة بالمرأة الحائض، فقد كانوا يعتزلون النساء أثناء الحيض، فلا يجالسونهنَّ ولا يؤاكلونهنَّ بل تجاوز بعضُهم الحدَّ فكان يُخرج المرأة من بيته ومنزله أثناء ابتلائها بحدث الحيض(4).

وعلى نقيض ذلك كانت بعض القبائل في الجزيرة العربية، فقد كانوا يحرصون على وطأ المرأة في الحيض بتوهُّم انها لو عَلِقت من ذلك الوطأ فإنَّها ستُنجب ولداً شديد البأس مولَعاً بسفك الدم(5).

فالآية المباركة نزلت كما أفاد بعضُ المفسرين على خلفيِّة هذه الثقافات المتباينة، وقد اتخذت طريقاً وسطاً في تحديد طبيعة العلاقة بالمرأة الحائض مراعيةً في ذلك الظرف النفسي والصحي للمرأة الحائض، فهو أذىً وقذارة إلا انَّه لا يُوجب صيرورة الحائض من الأرجاس، فالمرأة في ظرف الحيض طاهرة يجوز الأكل من يدها والجلوس معها وفي مجلسها كما يجوز لمسها ومصافحتها ومضاجعتها ومطلق الاستمتاع بها فيما دون الفرج.

فغايةُ ما يقتضيه حدثُ الحيض هو صيرورة المرأة محدِثة بالحدث الأكبر، وهو لا يقتضي نجاسة المحدِث، فكما انَّ المجنب محدِثٌ وليس نجساً فكذلك الحائض، وكما انَّ النائم بعد انَّ يستيقظ محدِث بالاصغر وليس نجساً فكذلك الحائض.

فأقصى ما يمنع منه الحدث الاكبر هو الصلاة والدخول إلى المساجد والطواف حول البيت الحرام ومسُّ كتابة القرآن وإلا فالمحدِث طاهر وثيابه طاهرة والمحلُّ الذي يجلس عليه طاهر وتصح مؤاكلته ومصافحته ومطلق المساورة له.

الاعتزال خاص بموضع نزول الحيض:

نعم ليس للزوج وطأ زوجته في موضع نزول الحيض، ذلك لأنَّ الحيض أذىً وهو ما اقتضى بنظر الشارع المقدَّس اعتزال موضعه، إما لأنَّه أصبح موضعاً للقذارة في ظرف الحيض وقد أرادت الشريعة التنزُّه عن مساورة القذارة أو لأنَّ المرأة في ظرف الحيض ليست في كامل وضعها الصحي، وذلك هو ما اقتضى رعاية الأذى المبتلاة به أثناء الحيض أو انَّ كلا الامرين نشأ عنهما المنع عن وطئها حينذاك.

وأما وجه استفادة اختصاص الأمر بالاعتزال في الآية المباركة بموضع نزول الدم وهو الفرج فمضافاً إلى الكثير من الروايات الواردة(6) عن أهل البيت (ﻉ) والتي تصدَّت إلى بيان معنى الآية وأفادت ان المأمور به في الآية هو اجتناب الوطأ في القُبُل وليس مطلق المعاشرة.

فمضافاً إلى ذلك فإنّ الآية ظاهرة بنفسها في اختصاص الأمر بترك الوطأ وليس مطلق المعاشرة، وذلك بقرينة ذيل الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ﴾(7) إذ انَّ المراد من الأمر بالإتيان من حيثُ أمر الله هو الجماع في الفرج.

فالمقابلة بين الأمر بالاعتزال في ظرف الحيض والأمر بالإتيان في ظرف النقاء والطهارة يقتضي استظهار انَّ الأمر بالاعتزال كان أمراً باجتناب الجماع وقت الحيض وليس أمراً باعتزال المرأة الحائض مطلقاً.

وعليه فالأمر باعتزال النساء والنهي عن الاقتراب منهنَّ حين المحيض إنما هو كناية عن الوطأ والجماع، إذ انَّ الكناية في مثل هذه المواضع أليق من التصريح وأكثر تناسباً مع الحياء والتأدب.

وبناءً على ما ذكرناه نكون في غنىً عن الإصرار على استظهار اسم المكان من لفظ المحيض كما أفاد الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى(8).

فما أفاده من انَّ لفظ المحيض ظاهر في موضع نزول الحيض كما انَّ لفظ المبيت ظاهر في محل البيتوتة ومسيل الماء ظاهر في الموضع الذي يسيل منه او فيه الماء.

ما أفاده وإنْ كان يقتضي استظهار اختصاص الأمر بالاعتزال باجتناب موضع نزول الحيض إلا انه لو لم نقبل بذلك وقلنا انَّ المراد من المحيض هو المصدر وهو الحيض -كما ذهب لذلك الكثير من المفسرين(9)- فإنَّ ذلك لا يؤثر في ظهور الآية في اختصاص الأمر بالاعتزال باجتناب خصوص الجماع، وذلك بقرينة المقابلة، إذ انَّ الأمر بالإتيان بعد النقاء والطهارة لمَّا كان بمعنى الجماع كان الأمر بالاعتزال حين الحيض هو اعتزال الجماع.

فسواءً قلنا انَّ المراد من لفظ المحيض هو الحيض أو انَّ المراد منه موضع نزول الحيض فالآية ظاهرة في النهي عن خصوص الجماع.

جواز المداعبة:

وأما السؤال عن ورود روايات عن أهل البيت (ﻉ) في كراهة المداعبة فلم يرد ذلك بل ورد عنهم (ع) جواز المداعبة ومطلق الاستمتاع فيما دون الفرج، نعم وردت روايات يظهر منها كراهة الاستمتاع منها فيما بين السرة والركبة وهذا هو معنى أمرها بالاتِّزار الوارد في بعض الروايات(10).


1- سورة البقرة آية رقم 222.

2- معاني القرآن- النحاس- ج1 ص182، أحكام القرآن- الجصاص- ج1 ص407، أسباب نزول الآيات- الواحدي النيسابوري- ص46، تفسير الميزان- العلامة السيد الطباطبائي- ج2 ص206.

3- تفسير الميزان- العلامة السيد الطباطبائي- ج2 ص206، تفسير البيضاوي- البيضاوي- ج1 ص509.

4- التبيان- الشيخ الطوسي- ج2 ص220، تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج2 ص85، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج2 ص517، معاني القرآن- النحاس- ج1 ص182، تفسير الميزان- العلامة السيد الطباطبائي- ج2 ص206.

5- تفسير الميزان- العلامة السيد الطباطبائي- ج2 ص208.

6- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج20 ص326 باب تحريم وطأ الزوجة قبلاً في الحيض والنفاس ومن ذلك رواية عبدالملك بن عمرو وقال: (سألت أبا عبدالله (ع): ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال (ع): كلُّ شيء ما عدا القبل بعينه) ح1.

7- سورة البقرة آية رقم 222.

8- الخلاف- الشيخ الطوسي- ج1 ص227.

9- تفسير جوامع الجامع- الشيخ الطبرسي- ج1 ص210، فقه القرآن- القطب الراوندي- ج1 ص51، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج2 ص517، أحكام القرآن- الجصاص- ج1 ص407، تفسير السمرقندي- أبو الليث السمرقندي- ج1 ص173.

10- الاستبصار - الشيخ الطوسي - ج 1 ص 129، وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 2 ص 324.