- لماذا أذن الله تعالى بتدنيس البيت الحرام بالأصنام؟

لماذا أذن الله تعالى بتدنيس البيت الحرام بالأصنام؟

المسألة:

نعرف بأنَّ الكعبة قبل مجيء النَّبي (ص) كانت محطَّ أصنام المشركين، وكان المشركون يطوفون حولها عراة ويُمارسون الجنس في بعض الأحيان!! كل هذا يجعلنا نتسائل كيف يسمح تعالى بمسِّ قداسة البيت الحرام بهذه الصورة؟

الجواب:

لم يثبت أنَّ المُشركين كانوا يمارسون الزّنا في البيت الحرام بل المُستوحى من النّصوص التّأريخيّة أنَّهم كانوا يستبشعون ذلك ويستقبحونه(1)، واتّفاق وقوع ذلك وإن كان ممكنًا إلاَّ أنّ من المقطوع به أنَّه لم يكن بمستوى الظّاهرة بل ولم يُؤْثَر أنّ ذلك وقع كثيرًا هذا لو كان قد وقع فعلاً.

نعم كان الكثير من العرب المشركين يطوفون حول البيت الحرام عراة(2)، فكان رجالهم يطوفون بالنهار وتطوف النساء بالليل، وذكر بعض المؤرخين أنَّ النساء يتخذن نسائج من سيور يسترن به عوراتهنّ حين الطواف(3).

وكان منشأ طوافهم حول البيت عراة هو توهّمهم -كما زعموا- أنه لا يصحُّ الطَّواف حول البيت بثيابٍ ارتكبوا فيها المعصية والذنوب فإن ذلك لا يليق بشأن البيت الحرام وطهارته وقداسته.

وأمَّا لماذا أَذِنَ الله تعالى بتدنيس قداسة البيت الحرام بالأصنام وطواف المشركين حوله عراة؟

فالجواب أنَّه تعالى لم يأذن بذلك ولكن جرت سنته على أن يُصحِّحَ معتقدات الناس وسلوكهم بواسطة بعث الأنبياء والرسل وتجنيد أوليائه لبثِّ الهدى والرشاد فإن ثابوا إلى الصواب وإلا فإنه تعالى ينتصر لدينه ولو بعد حين. وهذا ما كان قد وقع مع عرب الجاهلية.


1- يمكن استيحاء ذلك من منشأ طوافهم حول البيت الحرام عراة، فقد كانوا يُعلِّلون ذلك بقولهم: (لا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب) لاحظ بحار الأنوار-العلامة المجلسي-ج9 ص94، تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج4 ص239، السيرة الحلبية- الحلبي- ج3 ص233، عمدة القاري- العيني- ج9 ص266، الفتح السماوي- المناوي- ج2 ص633، تفسير مقاتل بن سليمان- مقاتل بن سليمان- ج1 ص387، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج8 ص212، كما يمكن استيحاء ذلك مما عُرف عنهم من تقديس واجلال للبيت الحرام والاصنام التي كانت منصوبةً فيه.

2- في عمدة القاري للعيني قال: (ذكر الازرقي من حديث ابن عباس قال: كانت قبائل العرب من بني عامر وغيرهم يطوفون بالبيت عراة الرجال بالنهار والنساء بالليل...) ج9 ص265، وأفاد فخر الدين الطريحي في كتابه تفسير غريب القرآن- فخر الدين الطريحي- (إن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بالبيت عراة إلا قريش ومن دان بدينهم كانوا يطوفون في ثيابهم..): 542، وذكر مقاتل في تفسيره انَّ القبائل التي كانت تطوف حول البيت دون ثياب هي قبيلة ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج وعامر والحارث ج1 ص تفسير غريب القرآن- فخر الدين الطريحي- 287.

3- عمدة القاري- العيني- ج9 ص265، تفسير غريب القرآن- فخر الدين الطريحي-542، تفسير السمرقندي- أبو الليث السمرقندي- ج1 ص526، اسباب النزول للواحدي النيسابوري: 151، زاد المسير- ابن الجوزي- ج3 ص127، التبيان- الشيخ الطوسي- ج4 ص382.