- قوله في آية المباهلة ﴿نسائنا﴾ دون بناتنا

قوله في آية المباهلة ﴿نسائنا﴾ دون بناتنا

المسألة:

في آيه المباهلة لماذا ذكر النّساء ولم يقل بناتنا لأنّ الزهراء بنت النبي (ص)؟

الجواب:

إنَّ معنى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(1).

إنَّ معنى الآية المباركة هو أنَّ نصارى نجران ونظرًا لعدم قبولهم بالبراهين التي قدَّمها رسولُ الله (ص) لهم على فساد دعواهم أنَّ عيسى المسيح ابن الله تعالى، نظرًا لذلك أمره الله تعالى أنْ يدعوهم للمباهلة، فمن وقعت عليه اللعنة والعذاب الفوري فهو الكاذب والمبطِل، وأمره الله تعالى بأن يدعوهم للحضور للمباهلة بأنفسهم وبخاصَّتهم من الأولاد والنساء، وأن يحضر هو بنفسه وخاصَّته من النساء والأولاد، وذلك لأنَّ الإنسان لا يعرِّض نفسه وخاصته للهلاك، فالحضور للمباهلة بالنفس وبأخصِّ أهله من النساء والأولاد تعبير عن الاطمئنان بصوابيَّة ما هو عليه من معتقَد وبأنَّه وخاصَّته لن يُصابوا بمكروه.

فالآية لم تكن بصدد تحديد الهويّة الشخصيّة لمن يلزمه الحضور للمباهلة وإنَّما هي بصدد بيان أنَّ المباهلة إنَّما تكون بالنفس وبأخصِّ الأهل.

والنبي (ص) في مقام تطبيق الآية وامتثالها اختار عليًّا (ع) ليكون مصداقًا للنفس واختار فاطمة (ع‌) لتكون مصداقًا لخاصته من النساء، واختار الحسنين (ع) ليكونا مصداقًا لأبنائه. وذلك ثابت بالتواتر عن الفريقين(2).

وأما انَّ فاطمة (ع‌) بنتٌّ فذلك لا يقتضي انَّ عنوان النساء غير صادقٍ عليها، فهي بنت وهي من النساء، وأما لماذا لم يقل بناتنا بدلاً عن قوله:﴿نِسَاءنَا﴾ فلأنَّه أراد ان يكون العنوان شاملاً لمثل الاخوات والزوجات، فالغرض هو بيان امكانية دخول خاصة كلٍّ من الطرفين في المباهلة، فلو قال:(بناتنا) لكان ذلك مقتضيًا لتوهُّم المنع من دخول مثل الاخت والزوجة في المباهلة والحال انَّ الغرض من الآية هو بيان ان لكلٍّ من طرفي المباهلة اختيار مَن شاء من خاصَّته من النساء.

وعليه فالفضيلة التي تميَّزت بها فاطمة (ع‌) دون غيرها من خاصة النبي (ص) هي انَّ النبيَّ (ص) اختارها دون سواها من خاصته من النساء وذلك يعبِّر عن أنها أقرب خاصته اليه وأحظاهنَّ عنده، فهي أخصُّ خاصته من النساء وأَليَقهنَّ بهذا المقام وإلا لكان قد اختار غيرها، إذ أنَّ أفعال النبي (ص) لا تصدر جزافًا أو محاباة نظرًا لعصمته.

ولو كان في النساء من يفضل فاطمة (ع‌) أو يضاهيها في الفضل لاختارها دون فاطمة (ع‌) أو لكان قد اختارها مع فاطمة، فقد اختار مع الحسنِ (ع) والحسينَ (ع) فكان له انْ يختار مع فاطمة غيرها لو كان ثمة من يُدانيها في الفضل، فعدم اختيار غيرها معها دليل على تميُّزها عمَّن سواها.

ثم إنَّ النبي (ص) صرَّح حينذاك وفي موارد كثيرة انَّ فاطمة وعليًا والحسن والحسين (ﻉ) هم أهل بيته وخاصته دون سواهم(3).


1- سورة آل عمران آية رقم 61.

2- لاحظ صحيح مسلم- مسلم النيسابوري- ج7 ص120، صحيح ابن حبان- ابن حبان- ج15 ص411، المستدرك- الحاكم النيسابوري- ج3 ص150،147، سنن الترمذي- الترمذي- ج5 ص301، مسند احمد- احمد بن حنبل- ج1 ص185، السنن الكبرى- البيهقي- ج7 ص63، أسباب نزول الآيات- الواحدي النيسابوري- ص68، تفسير السمعاني- السمعاني- ج1 ص327، شواهد التنزيل- الحاكم الحسكاني- ج1ص182،164،163،161،160،158،156، زاد المسير- ابن الجوزي- ج1 ص339،338، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج3 ص410،409، تفسير ابن أبي حاتم- ابن أبي حاتم الرازي- ج2 ص663، تفسير السمرقندي- أبو الليث السمرقندي- ج1 ص245، تفسير ابن زمنين- أبي عبد الله محمد بن أبي زمنين- ج1 ص292 وغيرهم كثير.

3- سنن الترمذي- الترمذي- ج5 ص361 قال: هذا حديث حسن صحيح،مسند أبي يعلى- أبو يعلى الموصلي- ج12 ص451، المعجم الكبير- الطبراني- ج3 ص54،55، ج33 ص281، 335، شواهد التنزيل- الحاكم الحسكاني- ج2 ص130،128،127،126،106،100،97،63،50، سير أعلام النبلاء- الذهبي- ج3 ص283 قال: اسناده جيد روى من وجوه عن شهر ، ج10 ص347 قال: رواه الترمذي مختصراً وصححه من طريق الثوري ، أسد الغابة- ابن الأثير- ج4 ص29،تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج14 ص144،143،140،139، ج42 ص98، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج8 ص42 وغيرهم كثير.