- المجتمع المصري في عهد يوسف (ع) كانوا وثنيين

المجتمع المصري في عهد يوسف (ع) كانوا وثنيين

المسألة:

قال الله تعالى: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ...﴾(1)، كيف يقول النسوة ﴿حَاشَ لِلّهِ﴾ وهنَّ لا يُؤمنَّ، وكذلك زوجة العزيز قالت: ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾(2

الجواب:

معنى الوثنية بمقتضى الآيات:

لم يكن النسوة ولا المجتمع المصري آنذاك ممن ينكر وجود الله جلَّ وعلا أو ينكر انَّه الباري والصانع لهذا الكون وإنما كانوا وثنيين ومشركين يعبدون آلهة متعددة يعتقدون أنها تُقرِّبهم من الله تعالى زلفى كما كان ذلك ما يعتقده مشركو مكة المكرمة قبل المبعث النبوي، ولذلك أفاد القرآن عنهم في قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُـ نَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(3).

وفي قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُـ نَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾(4).

فهم ورغم اعتقادهم بأنَّ الله تعالى هو مَن خلق السماوات والأرض إلا انهم يعبدون آلهة متعددة كما هو مفاد قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾(5).

والوثنيون على مشاربَ مختلفة، فهم وإن كانوا جميعاً يعتقدون بأنَّ الله تعالى هو الخالق للكون إلا انَّ بعضهم يعبد الأصنام وبعضهم يعبد الأفلاك كالشمس والقمر وبعضهم يعتقد انَّ للسماء إلهاً يُعبد وللأرض إلهاً يُعبد.

القرينة على وثنية المجتمع المصري آنذاك:

والذي يؤكد على انَّ المجتمع المصري في عهد يوسف (ع) كانوا وثنيين ولم يكونوا ملحدين قوله تعالى على لسان يوسف مخاطباً السجينين اللَّذين كانا معه: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(6).

فنبيُّ الله يوسف (ع) كان يتحدث في هذه الآية المباركة عن التوحيد لله في العبودية، إذ لم يكن السجينان ينكران الوجود لله تعالى لذلك كان حديثه متمحِّضاً في الإنكار عليهم العبوديةَ لأسماءٍ هم من اخترعوها، وأفاد انَّ حق العبودية إنما تكون للواحد القهار الذي يؤمنان به ثم نفى ما كان يتوهَّمه الوثنيون من انَّ العبودية للأرباب إنما هو بأمرٍ من الله تعالى، وأفاد انَّه لا برهان على ذلك وأنه تعالى أمر ألا يُعبَد أحد سواه ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾(7) وانَّ ذلك هو الدين القيم، ونفى أيضاً ما كان يتوهَّمه الوثنيون مِن انَّ المنشأ لعبودية الأرباب المتعددة هو انَّ الله تعالى بعد انْ خلق الكون فوَّض لكل جزءٍ منه واحداً من خلقه وأعطاه صلاحية التدبير لشئونه واعتزل هو تعالى تدبير شئون الكون، لذلك كان ثمة إلهٌ للأرض وإلهٌ للسماء وإلهٌ للأفلاك وهكذا، إنَّ هذا الوهم نفاه نبيُّ الله يوسف (ع) بقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾(8).

فقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾ معناه إنَّ تدبير كلِّ شيء إنما هو بيد الله تعالى، فليس ثمة من مدبِّر لهذا الكون إلا الله جلَّ وعلا.

﴿لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ من كلام يوسف (ع):

وأما قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾(9) فالظاهر انه ليس من كلام امرأة العزيز وإنما هو من كلام يوسف (ع) والآية جاءت جملةً معترضة بين كلامي امرأة العزيز، فما قالته امرأة العزيز هو: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾(10) وكذلك ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(11).

وأما قوله: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ...﴾ فهو كلام ليوسف (ع) ومعناه إنَّ يوسف (ع) إنَّما أمر الرسول الذي جاءه من قِبل الملك انْ يطلب من الملك سؤال النسوة عن واقع الأمر الذي وقع ليكتشف العزيز انَّ يوسف (ع) لم يخنه في غيبته وإنما كانت مكيدة من امرأة العزيز والنسوة حيث اتهمنه بغير وجه حق وإنَّ الله تعالى لا يهدي كيد الخائنين.

فلأنَّ النسوة وامرأة العزيز قد برأنه بعد سؤال الملك لهنَّ لذلك ساغ ليوسف (ع) ان يُعبِّر عن انَّ مراده من أمر الرسول ان يطلب من الملك سؤال النسوة عن حقيقة ما كان قد وقع لهنَّ مع يوسف (ع) فطلبه كان لغرض انْ يتعرَّف العزيز على براءته وانه لم يخنه في زوجته.

وكون الآية في سياق كلام امرأة العزيز لا يضر بظهورها في انَّها من كلام يوسف (ع) فثمة آيات عديدة اتخذت هذا الإسلوب كقوله تعالى حكاية عن ملكة سبأ: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾(12)، فقوله: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ ليس من كلام ملكة سبأ وإنما هو جملة معترضة توسَّطت كلامها.

ويمكن التأكيد على انَّ الكلام ليوسف (ع) وليس لامرأة العزيز انه لو كان لامرأة العزيز لما كان له معنىً صحيح، لانَّ الضمير في قوله: ﴿لَمْ أَخُنْهُ﴾ لو كان راجعاً إلى يوسف (ع) لكان معناه انَّها لم تخن يوسف (ع) ولم تكن تكذب عليه في غيبته والحال انها كانت قد كذبت عليه واتهمته بغير وجه حق، وان كانت قد صدقت فيما بعد فبرأته إلا انَّ ذلك لا ينفي عنها الكذب عليه الذي أدّى إلى سجنه طويلاً، وان كان الضمير عائداً إلى زوجها العزيز فاعترافها بمراودة يوسف (ع) هو اعتراف بخيانة زوجها، فكيف تقول انَّها لم تخنه في غيبته، ولو كانت تقصد انَّ يوسف (ع) لم يخن العزيز لقالت: انه لم يخنه في الغيب ولم تقل ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾.

فالصحيح انَّ قوله: ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ هو من كلام يوسف (ع) جيء به كجملةٍ معترضة لغرض التذكير والالتفات إلى منشأ أمر يوسف (ع) الرسول انْ يبلِّغ الملك طلبه بأن يُحقق في شأن النسوة المقتضي لسؤال امرأة العزيز أيضاً عن حقيقة ما وقع لها مع يوسف (ع).

ولو سلَّمنا ان الكلام كان لامرأة العزيز فالجواب عن إشكالكم يتضح مما ذكرناه أولاً عن قول النسوة ﴿حَاشَ لِلّهِ﴾(13) حيث ان امرأة العزيز وكذلك المجتمع المصري في عهد يوسف (ع) كانوا يؤمنون بالله ولم يكونوا ملحدين وإنما كانوا وثنيين مشركين.


1- سورة يوسف آية رقم 51.

2- سورة يوسف آية رقم 52.

3- سورة العنكبوت آية رقم 61.

4- سورة الزمر آية رقم 39.

5- سورة الزمر آية رقم 38.

6- سورة يوسف آية رقم 39-40.

7- سورة يوسف آية رقم 40.

8- سورة يوسف آية رقم 40.

9- سورة يوسف آية رقم 52.

10- سورة يوسف آية رقم 51.

11- سورة يوسف آية رقم 53.

12- سورة النمل آية رقم 34-35.

13- سورة يوسف آية رقم 31.