- مبدأ التناسل بين أبناء آدم

مبدأ التناسل بين أبناء آدم

المسألة:

قوله تعالى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...﴾(1) فإذا كان التزوج من الاخوات محرمًا فكيف تكاثر بنو آدم (ع)؟ هل كان ذلك بواسطة التّزاوج بين الأخوة والأخوات كما يقول البعض؟!

الجواب:

رأي علماء الإمامية والسنَّة:

المعروف بين الإمامية أنَّ مبدأ التناسل وقع حين زوَّج آدمُ بعض أبنائه من حوريَّات أنزلهنَّ الله تعالى لآدم فزوَّجهنَّ من أبنائه، وفي مقابل هذا القول ذهب الكثير من علماء السنَّة(2) إلى أنَّ مبدأ التناسل كان بالتزاوج بين أبناء وبنات آدم (ع) ثمَّ إنَّ الله عزَّ وجلّ حرَّم التزاوج بين المحارم، وقد ذهب بعض علماء الإمامية إلى هذا القول خلافًا لما عليه المشهور.

دليل المشهور من علماء الإمامية:

ومستند ما عليه مشهور علماء الإمامية هو ما ورد من روايات متظافرة عن أهل البيت (ﻉ) أفاد بعضها التشنيع على مَن قال بأنَّ التكاثر والتناسل بدأ بتزاوج الأخوة من الأخوات، وأفاد بعضها أنَّ تحريم التزاوج بين الأخوة والأخوات مما تقتضيه الفطرة وقد جاءت كلُّ الرسالات بتحريمه، نعم ورد في بعض الروايات ما يظهر منها القبول بالقول المتبنَّى من قبل أبناء العامَّة إلا أنَّ الفقهاء حملوا تلك الروايات وهي قليلة على التقيَّة(3) والمداراة لقول العامَّة.

ولا بأس في المقام من نقل بعض ما ورد عن أهل البيت (ﻉ):

1- ما ورد عن أبي جعفر الباقر (ع) (إنَّ الله أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوَّجها أحد ابنيه وزوَّج الآخر ابنة الجان)(4).

2- ما ورد عن أبي عبد الله (ع) (أنَّ آدم وُلِدَ له شيث -إلى أن قال- ثمَّ وُلِدَ له يافث فلما أراد الله أن يبدأ بالنسل ما ترون وأن يكون ما جرى به القلم من تحريم ما حرَّم الله من الأخوات أنزل بعد العصر في يوم خميس حوراء اسمها نزلة، فأمر الله آدم أن يُزوِّجها من شيث فزوَّجها منه ثمَّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء اسمها منزلة فأمر الله أنْ يزوِّجها يافث، فَوُلِدَ لِشيث غلام ولِيافث جارية، فأمر الله حين أدركا أن يزوّج ابنة يافث من ابن شيث ففعل...)(5).

3- ما ورد عن زرارة قال سُئِلَ أبو عبد الله (ع) كيف بدو النسل؟ فإنَّ عندنا أناسًا يقولون إنَّ الله أوحى إلى آدم أن يزوِّج بناته من بنيه وأنَّ أصل هذا الخلق من الأخوة والأخوات، قال أبو عبد الله (ع) (سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، يقولون من يقول هذا؟! إنَّ الله جعل أصل صفو خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسوله والمؤمنين والمؤمنات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيِّب..)(6).

وفي رواية أخرى أنَّه (ع) زاد (إنَّ كتب الله كلَّها فيما جرى فيه القلم في كلِّها تحريم الأخوات على الأخوة)(7).

4- ما روي عن أبي جعفر (ع) أنَّ رجلاً قال ذكرتُ -لأبي جعفر- المجوس وإنَّهم يقولون نكاحٌ كنكاح ولد آدم وإنَّهم يحاجُّونا بذلك، فقال (ع) (أمَّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمَّا أدرك هبةُ الله قال آدم يا ربّ زوّج هبة الله، فأهبط الله له حوراء فولدت له أربعة أغلمة ثمَّ رفعها الله، فلمَّا أدرك ولد هبة الله قال يا ربّ زوّج ولد هبة الله فأوحى الله إليه أن يخطب إلى رجلٍ من الجنّ وكان مسلمًا أربعَ بناتٍ له على ولد هبة الله فزوجهنَّ...)(8).

هذا بعض ما ورد عن أهل البيت (ﻉ) في مبدأ التكاثر والتناسل، وقد أفادت بعض هذه الروايات أنَّ من أولاد آدم من تمَّ تزويجه من الجنّ.

ولعلَّ ذلك يكون مستوحشًا عندنا نظرًا لاختلاف حقيقة الإنسان عن حقيقة الجنّ إلا أنَّ هذا الاستيحاش ينتفي بمجرَّد الالتفات إلى قدرة الله المطلقة وأنَّ من الممكن أن يُنشِّأ الله مَن اختارهنَّ من الجنّ لأولاد آدم ما يُؤهِّلهنَّ تكوينًا للتكاثر والتناسل الآدمي.

فما ذلك على الله بعزيز بعد أن اقتضت حكمته تعالى أن يجعل الفطرة مقتضيَّة لاستبشاع التناكح بين الأخوات والأخوة وأن يجعل نسلهم الطيِّب الطاهر كما أفاد الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه.


1- سورة النساء آية رقم 23.

2- تفسير الرازي- الرازي- ج 10 ص 26، عمدة القاري- العيني- ج 12 ص 31، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج 6 ص 267، الناسخ والمنسوخ- ابن حزم- ص 8، نواسخ القرآن- ابن الجوزي- ص 15.

3- لاحظ بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج11 ص226.

4- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق- ج3 ص382، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج20 ص364 باب 3 من أبواب نكاح المحرم ح1.

5- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق- ج3 ص381، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج2 ص364 باب 3 من أبواب نكاح المحرم ح1.

6- علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج1 ص17، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج20 ص365 باب 3 من أبواب نكاح المحرم ح4.

7- علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج1 ص19، وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج20 ص366 باب 3 من أبواب نكاح المحرم ح5.

8- الكافي- الشيخ الكليني- ج5 ص569 وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج20 ص366.