- من هم أنبياء أولي العزم

من هم أنبياء أولي العزم

السؤال:

﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(1) ما معنى العزم الوارد في الآية المباركة ومن هم اولو العزم من الرسل؟

الجواب:

معنى العزم:

يُطلق العزم في اللغة ويراد منه الارادة التامة للفعل والتي لا يشوبها تردد أو تلكأ أو توجس ويُطلق ويراد منه الاصرار والوثوق بالاقتدار على الشيء، ويُطلق أيضًا ويُراد منه الصبر والتحمُّل والثبات، كما يُطلق على الموفي بالعهد انَّه من أهل العزم، ويقال للفرائض والاوامر اللازمة والحقوق عزائم وتُوصف الشرائع الالهية بالعزائم لانها مفروضة على العباد ويلزمهم التديُّن بها.

والظاهر من مجموع الاستعمالات اللغوية انَّ معنى العزم هو عقد القلب على أمرٍ بنحوٍ أكيد ومستوثق، فهذا العقد القلبي يتمَظهَر في الصبر والثبات والوثوق بالاقتدار والجد في الوفاء بالعهود، كما انَّ هذا المعنى يُناسب اطلاق وصف العزائم على الشرائع الالهية، ذلك لانَّ الارادة الالهية التامَّة قد تعلَّقت بفرضها على العباد او لانَّ المطلوب من العباد عقد القلب الاكيد على الالتزام بها.

المقصود من أولي العزم:

أ- رأي العامة:

وكيف كان فقد اضطربت أقوال المفسرين من العامة فيمن هم المقصودون بوصف اولي العزم الوارد في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(2) فاقوالهم في ذلك كثيرة نذكر منها خمسة:

القول الأول: إنَّ اولي العزم هم جميع الرسل، ذلك لانَّ العزم يعني الصبر، ولم يبعث الله تعالى رسولاً إلا وكان واجدًا لملكة الصبر، وقد نُسب هذا القول الى ابن زيد والجبائي وآخرين(3).

القول الثاني: انَّ اولي العزم هم مَن اُمروا بالقتال من الرسل، وهم نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان، وقد نُسب بعضهم هذا القول لابن عباس(4).

القول الثالث: انَّ اولي العزم ثلاثة والنبيُّ محمد (ص) رابعهم، وهم ابراهيم وهود ونوح، وقد نُسب هذا القول لابي العالية(5).

القول الرابع: انَّهم تسعة وهم نوح صبر على أذى قومه، وابراهيم ابتُلي بالنار وذبح الولد فصبر، وأيوب ابتلاه الله بالمرض والفقد للأولاد فصبر واحتسب، واسحاق رضي بالذبح وصبر عليه، وذكر بعضهم اسماعيل بدلًا من اسحاق، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره فما بثَّ شكواه إلا الله تعالى، ويوسف صبر على السجن والجُّب فلم يجزع، وموسى قال له قومه ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾(6) وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنه على اخرى وقال: انَّ الدنيا معبرة فاعبروها ولا تعمروها(7).

القول الخامس: انَّ اولى العزم هم المذكورون في سورة الانعام في قوله تعالى:﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾(8).

فاولو العزم بناءً على هذا القول ثمانية عشر رسولاً وهم: ابراهيم واسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس واسماعيل واليسع ويونس ولوط(9).

ودليل من ادعى هذا القول هو انَّ الله تعالى بعد ان ذَكَرَ هؤلاء الانبياء في الآيات المذكورة خاطب النبي (ص) بقوله:﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾(10) وحيث انَّ قوله تعالى:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(11) أمرٌ للنبي (ص) بالاقتداء باولي العزم فإنَّ هذه الآيات تكون مفسِّرة لمن هم المقصودون باولي العزم.

إلا انَّ ما غفل عنه مدَّعي هذا القول انَّ مَن أمر الله تعالى بالاقتداء بهم في هذه الآية ليسوا هم الانبياء المذكورين باسمائهم وحسب، إذ انَّ الآيات بعد انْ ذكرت اسماء هؤلاء الانبياء قال تعالى:﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(12) ثم قال تعالى:﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾(13) ثم قال تعالى:﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..﴾(14).

فلو كانت هذه الآيات مفسِّرة لآية اولي العزم لكان مقتضى ذلك انَّ أنبياء اولي العزم أكثر من الثمانية عشر المذكورين باسمائهم في هذه الآيات فالانبياء من آباء وذريات واخوان المذكورين كلُّهم من أنبياء اولي العزم بناءً على هذه الدعوى لانَّهم جميعًا مِمَّن خوطب النبي (ص) بالاقتداء بهم.

ب- رأي الإمامية:

هذه هي أهم الأقوال التي ذكرتها تفاسير علماء العامة، وأمَّا القول الذي يَعتمده علماء الامامية فهو ما ثبت بطرقٍ متعددة بل ومستفيضة عن أهل البيت (ﻉ) انَّ المقصودين بوصف اولي العزم الوارد في الآية الشريفة هم خمسة من الانبياء، وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى (ﻉ) والخامس هو النبي الكريم محمَّد (ص) وهو أفضلهم.

فمِّما ورد في ذلك عن أهل البيت (ﻉ) هو ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن سماعة بن مهران قال:قلتُ لابي عبدالله (ع) قول الله:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ فقال (ع): نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص) وعليهم(15).

ومنه: ما رواه الكليني في الكافي بسندٍ عن ابن ابي يعفور قال: (سمعتُ أبا عبدالله (ع) يقول: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم اولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد (ص) وعلى جميع الأنبياء)(16).

ومنه: ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال: (اولو العزم من الرسل خمسة: نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد صلوات الله عليهم أجمعين)(17).

الأقوال في منشأ تسميتهم بأولي العزم:

القول الأول: لأنهم أصحاب شرائع

وأما منشأ توصيف خصوص هؤلاء الخمسة باولي العزم فيتضح مما ورد عن أهل البيت (ﻉ) فقد روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) بسنده الى الحسن بن فضال عن ابي الحسن الرضا (ع) قال: (انما سُمِّي اولو العزم اولي العزم لانَّهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع، وذلك انَّ كلَّ نبيٍّ كان بعد نوح (ع) كان على شريعته ومنهاجه وتابعًا لكتابه الى زمن ابراهيم الخليل، وكلُّ نبيٍّ كان في أيام ابراهيم وبعده كان على شريعة ابراهيم ومنهاجه وتابعًا لكتابه الى زمن موسى (ع) وكلُّ نبيٍّ في زمن موسى وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه وتابعًا لكتابه الى أيام عيسى (ع)، وكلُّ نبيٍّ كان في أيام عيسى وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته وتابعًا لكتابه الى زمن نبينا محمَّد (ص)، فهؤلاء الخمسة اولو العزم، وهم أفضل الانبياء والرسل (ﻉ)، وشريعة محمَّد (ص) لا تُنسخ الى يوم القيامة ولا نبيَّ بعده الى يوم القيامة، فمن ادعى بعده نبوة أو اتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكلِّ من سمع ذلك منه)(18).

وقريب من مفاد هذه الرواية ما رواه الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن سماعة بن مهران عن ابي عبدالله الصادق (ع)(19).

القول الثاني: لأنهم أولوا الصبر والثبات

هذا وقد ذكر بعضهم(20) انَّ العزم لمَّا كان بمعنى الصبر فاولوا العزم هم أولو الصبر، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾(21) وعليه فاولوا العزم هم جميع الرسل لانَّهم جميعًا من اولي الصبر والثبات، وبذلك تكون كلمة (من) في قوله تعالى:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(22) بيانيَّة وليست تبعيضيَّة بمعنى انَّ قوله تعالى:﴿مِنَ الرُّسُلِ﴾ بيان لِمَن وصفوا باولي العزم في الآية المباركة.

وعليه يكون مفاد الآية هو فاصبر كما صبر الرسل.

القول الثالث: لأنهم أصحاب الوفاء بالميثاق

وثمة قولٌ آخر هو انَّه لما كان العزم بمعنى الوفاء بالميثاق المأخوذ من الانبياء فاولوا العزم هم أهل الوفاء بالميثاق من الرسل، ولذلك فالمقصودون من وصف اولي العزم هم جميع الرسل(23).

خلاصة الجواب:

الا انَّه لا اعتداد بهذين القولين -الثاني والثالث- ولا بغيرهما بعد انْ نصَّت الروايات المستفيضة عن أهل البيت (ﻉ) انَّ اولي العزم من الرسل هم الخمسة المذكورون، فلا محيص عن الالتزام بما ثبت عنهم (ﻉ)، ذلك لأنَّ قولهم قولُ رسول الله (ص)، وعليه فالمتعيَّن هو إرادة التبعيض من كلمة (من) الواردة في الآية المباركة وهذا ما عليه أكثر المفسِّرين(24) من علماء العامة، فهم وانْ اختلفوا فيمَن هم المقصودون باولي العزم إلا انَّهم متوافقون على انَّ اولي العزم هم بعض الرسل وليس جميعهم.

وعليه يكون مفاد الآية بناءً على ما ورد عن الإمام الرضا (ع) هو فاصبر كما صبر أصحاب العزائم أي الشرائع من الرسل - أي القول الأول-، وأصحاب الشرائع هم الخمسة المذكورون في قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾(25).


1- سورة الأحقاف آية رقم 35.

2- سورة الأحقاف آية رقم 35.

3- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج9ص157، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج26ص49.

4- الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج6ص45، فتح القدير - الشوكاني- ( نسبه الى الشعبي والكلبي وقال انهم ذكرا ان هؤلاء الانبياء امروا بالقتال وأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفره): ج5ص27.

5- الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج6 ص45، تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج9ص26.

6- سورة الشعراء آية رقم 61-62.

7- تفسير الرازي- الرازي- ج28ص35، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل- الزمخشري- ج 3 ص 528.

8- سورة الانعام آية رقم 83-86.

9- لاحظ تفسير الميزان- العلامة السيد الطباطبائي-ج18 ص218.

10- سورة الانعام آية رقم 90.

11- سورة الأحقاف آية رقم 35.

12- سورة الانعام آية رقم 87.

13- سورة الانعام آية رقم 89.

14- سورة الانعام آية رقم 90.

15- الكافي- الشيخ الكليني- ج2ص17.

16- الكافي- الشيخ الكليني- ج1 ص175.

17- الخصال- الشيخ الصدوق- ص300.

18- عيون أخبار الرضا (ع)- الشيخ الصدوق- ج1 ص86، علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج1 ص122.

19- الكافي- الشيخ الكليني- ج2 ص17.

20- تفسير الرازي- الرازي- ج28ص35، جامع البيان- إبن جرير الطبري- ج26ص49.

21- سورة الشورى آية رقم 43.

22- سورة الأحقاف آية رقم 35.

23- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج9ص157.

24- .....................................................

25- سورة الشورى آية رقم 13.