- معنى دحو الأرض

معنى دحو الأرض

المسألة:

ما معنى دحو الأرض؟ وفي أيِّ يومٍ وقع؟ وهل يستحب في ذلك اليوم الغسل و الصوم؟

الجواب:

تفسير دحو الأرض:

يوم دحو الأرض كما ورد في بعض الروايات هو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة(1).

والمراد من دحو الأرض هو تسويتها والذي هو تعبير آخر عن إنشائها وخلقها، وبناء على ذلك يكون معنى قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾(2) هو انَّه تعالى أنشأها وخلقها، فيكون خلقها بمقتضى ذلك بعد خلق السماء وذلك لقوله تعالى: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾(3) ثمَّ قال تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾(4).

تفسير آخر لمعنى الدحو:

وثمَّة تفسير آخر لدحو الأرض وهو مدُّها وبسطها وتهيئتها لكي يحيا عليها الإنسان وبقية المخلوقات، وهذا المعنى يتناسب مع المدلول اللغوي لكلمة الدحو، يقال: مدحى النعامة، أي موضع بيضها(5)، فهي تدحو الأرض برجلها أي تبسطها وتهيئها لتضع عليه بيضها، ولعلَّ الآيات التي تلت قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾(6) تؤكِّد هذا المعنى فقد أفادت أنَّ الله تعالى أخرج من الأرض الماء والمرعى وأرسى الجبال لتكون متاعًا ومعاشًا للإنسان والأنعام، فتلك هي التهيئة المناسبة لحياة الإنسان على الأرض، قال تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾(7)، فكأنَّ هذه الآيات بيانٌ للمراد من دحو الأرض.

تعين التفسير الثاني وانتفاء الإشكال:

وبناءً على هذا التفسير لا تكون الآية مقتضيةً للدلالة على تأخّر خلق الأرض عن خلق السماء، نعم هي مقتضية للدلالة على تأخُّر دحو الأرض عن خلق السماء، والدحو بحسب هذا التفسير غير الخلق والإنشاء، وبناءً على هذا التفسير يمكن تصوُّر ما أفادته الروايات من أنَّ يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة هو يوم بسط الأرض تحت الكعبة(8).

فإنَّ معنى ذلك بناءً على هذا التفسير هو أنَّ أول موضع تحدَّد في هذه الأرض هو موضع الكعبة الشريفة ثمَّ بسط الله تعالى الأرض من جوانب هذا الموضع فهو المركز الذي انبسطت الأرض من بين أفنيته وجوانبه وذلك هو معنى دحو الأرض من تحت الكعبة الشريفة.

وبناءً على هذا التفسير يندفع إشكالُ من انكر القول بأنَّ دحو الأرض وقع في يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة على أساس أنَّ عدد الشهور والأيام يتحقَّق بدوران الأرض حول الشمس ودوران الأرض حول نفسها.

فإنَّه بالتفسير الثاني لدحو الأرض يندفع هذا الإشكال، إذ أنَّ الدحو ليس بمعنى إنشاء الأرض وخلقها بل بمعنى بسطها وهو متأخر عن خلقها وتسويتها كروية.

ويؤكد ذلك أنَّ الآيات من سورة النازعات ظاهرة في تحقّق التعاقب بين الليل والنهار قبل دحو الأرض وهو ما يعبِّر عن أنَّ الدحو غير الخلق والإنشاء.

قال تعالى: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾(9) ثم قال: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾(10).

ويمكن تأكيد ذلك ببعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ)، فقد ورد عنهم أنًّ دحو الأرض كان بعد خلقها بألفي عام(11).

استحباب الصوم والغسل في يوم دحو الأرض:

وأما استحباب الصوم في يوم دحو الأرض فقد وردت فيه روايات عديدة عن أهل البيت (ﻉ).

فمن هذه الروايات ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن الحسن بن علي الوشاء قال: كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا (ع) ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال له: ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (ع) وولد فيها عيسى بن مريم (ع)، وفيها دُحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهراً(12).

وهذه الرواية معتبرة فإنَّ طريق الصدوق إلى الحسن بن الوشاء معتبر لذلك فاستحباب الصوم في يوم دحو الأرض ثابت.

وأما الغسل فلم نعثر فيه على رواية، نعم نسب الشهيد في الذكرى -كما أفاد النراقي(13)- القول بالاستحباب إلى الأصحاب، وأفاد الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة: أنَّ الشهيد الأول ذكر في كتبه الذكرى والبيان والدروس أنَّه مستحب وأفاد انَّ البهائي ذكر ذلك أيضًا في كتابيه الجامع والاثني عشرية وأفاد الشيخ الانصاري رحمه الله ان الشهيد الثاني نسب في كتابيه الفوائد والحديقة القول بالاستحباب الى المشهور(14).


1- لاحظ وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج10 ص449 باب16 من أبواب الصوم المندوب.

2- سورة النازعات آية رقم 30.

3- سورة النازعات آية رقم 27-29.

4- سورة النازعات آية رقم 30.

5- لاحظ الصحاح- الجوهري- ج6 ص2335، لسان العرب- ابن منظور- ج14 ص251.

6- سورة النازعات آية رقم 30.

7- سورة النازعات آية رقم 30-33.

8- لاحظ وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج10 ص449 باب 16 من أبواب الصوم المندوب.

9- سورة النازعات آية رقم 27-29.

10- سورة النازعات آية رقم 30.

11- الكافي- الشيخ الكليني- ج4 ص198.

12- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج10 ص449 باب 16 من أبواب الصوم المندوب ح1.

13- مستند الشيعة- المحقق النراقي- ج3 ص335.

14- كتاب الطهارة- الشيخ الأنصاري- ج2 ص328.