للمطالعة (القرآن والإخبار بالغيب)

أخبر القرآن الكريم في عدّة من آياته عن أمور مهمّة، تتعلّق بما يأتي من الأنباء والحوادث. وقد كان في جميع ما أخبر به صادقاً، لم يُخالف الواقع في شيء منها. ولا شكّ في أنّ هذا من الإخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوّة.

فمن الآيات الّتي أنبأت عن الغيب قوله تعالى:

﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾(1)

وهذه الآية نزلت في وقعة بدر. وقد وعد الله فيها المؤمنين بالنصر على عدوّهم وبقطع دابر الكافرين. والمؤمنون على ما هم عليه من قلّة العدد والعدّة، حتّى أنّ الفارس فيهم كان هو المقداد، أو هو والزبير بن العوّام والكافرون هم الكثيرون الشديدون في القوّة. وقد وصفتهم الآية بأنّهم ذوو شوكة، وأنّ المؤمنين أشفقوا من قتالهم، ولكنّ الله يُريد أن يُحقّ الحقّ بكلماته. وقد وفى للمؤمنين بوعده، ونصرهم على أعدائهم، وقطع دابر الكافرين.

ومنها قوله تعالى:

﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إ ِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ﴾(2).

فإنّ هذه الآيات الكريمة نزلت بمكّة في بدء الدعوة الإسلاميّة. وقد أخرج البزّار والطبرانيّ في سبب نزولها عن أنس بن مالك: إنّها نزلت عند مرور النبيّ (ص) على أناس بمكّة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: "هذا الذي يزعم أنّه نبيٌّ ومعه جبرئيل"(3) فأخبرت الآية عن ظهور دعوة النبيّ (ص) ونصرة الله له، وخذلانه للمشركين الّذين ناوأوه واستهزأوا بنبوّته، واستخفّوا بأمره. وكان هذا الإخبار في زمان لم يخطر فيه على بال أحد من الناس انحطاط قوّة قريش، وانكسار شوكة سلطانهم، وظهور النبيّ (ص) عليهم.

ونظير هذه الآيات قوله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾(4).

ومن هذه الأنباء قوله تعالى:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾(5).

وقد وقع ما أخبر به القرآن الكريم قبل أقلّ من عشر سنين، فغلب ملك الروم، ودخل جيشه مملكة الفرس.

ومنها قوله تعالى:

﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر﴾ (6)

فأخبر عن انهزام جمع الكفّار وتفرّقهم وقمع شوكتهم. وقد وقع هذا في يوم بدر أيضاً حين ضرب أبو جهل فرسه، وتقدّم نحو الصفّ الأوّل قائلاً: "نحن ننتصر اليوم من محمّد وأصحابه" فأباده الله وجمعه، وأنار الحقّ ورفع مناره، وأعلى كلمته، فانهزم الكافرون، وظفر المسلمون عليهم حينما لم يكن يتوهّم أحد بأنّ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - ليس لهم عدّة، ولا يصحبون غير فرس أو فرسين وسبعين بعيراً يتعاقبون عليها - يظفرون بجمع كبير تامّ العدّة وافر العدد. وكيف يستفحل أمر أولئك النفر القليل على هذا العدد الكثير، حتّى تذهب شوكته كرماد اشتدّت به الريح، لولا أمر الله وإحكام النبوّة وصدق النيّات؟!.

ومنها قوله تعالى:

﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾(7)

وقد تضمّنت هذه السورة نبأ دخول أبي لهب، ودخول زوجته، النار. ومعنى ذلك هو الإخبار عن عدم تشرّفهما بقبول الإسلام إلى آخر حياتهما، وقد وقع ذلك.


1- سورة الأنفال، الآية: 7.

2- سورة الحجر، الآيات: 94-96.

3- لباب النقول، جلال الدين السيوطيّ، ص133.

4- سورة التوبة، الآية: 33.

5- سورة الروم، الآيتان: 2- 3.

6- سورة القمر،الآيتان:44- 45.

7- سورة المسد، الآيات: 1 - 3 - 4.