للمطالعة (من أسرار القرآن)

من الأسرار الّتي أشار إليها القرآن الكريم كرويّة الأرض، قال تعالى:

﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا(1) ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾(2)﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُون﴾(3)

ففي هذه الآيات الكريمة دلالة على تعدّد مطالع الشمس ومغاربها، وفيها إشارة إلى كروّية الأرض، فإنّ طلوع الشمس على أيّ جزء من أجزاء الكرة الأرضيّة يُلازم غروبها عن جزء آخر، فيكون تعدّد المشارق والمغارب واضحاً لا تكلّف فيه ولا تعسّف. وقد حمل القرطبيّ وغيره المشارق والمغارب على مطالع الشمس ومغاربها باختلاف أيّام السنة، لكنّه تكلّف لا ينبغي أن يُصار إليه، لأنّ الشمس لم تكن لها مطالع معيّنة ليقع الحلف بها، بل تختلف تلك باختلاف الأراضي. فلا بدّ من أنْ يُراد بها المشارق والمغارب الّتي تتجدّد شيئاً فشيئاً باعتبار كروّية الأرض وحركتها.

وفي أخبار أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام وأدعيتهم وخطبهم ما يدلّ على كرويّة الأرض.

ومن ذلك ما روي عن الإمام الصادق (ع) قال:

"صحبني رجل كان يُمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أُصلّي المغرب إذا غربت الشمس، وأصلّي الفجر إذا استبان لي الفجر. فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا، وهي طالعة على قوم آخرين بعد. فقلت: إنّما علينا أن نُصلّي إذا وجبت الشمس عنّا وإذا طلع الفجر عندنا، وعلى أولئك أن يُصلّوا إذا غربت الشمس عنهم"(4)

يستدلّ الرجل على مراده باختلاف المشرق والمغرب الناشئ عن استدارة الأرض، ويُقرّه الإمام (ع) على ذلك ولكن يُنبّهه على وظيفته الدينيّة.

ومثله قول الإمام (ع) في خبر آخر: "إنّما عليك مشرقك ومغربك"(5).

ومن ذلك ما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه عند الصباح والمساء:

"وجعل لكلّ واحد منهما حدّاً محدوداً، وأمداً ممدوداً، يولج كلّ واحد منهما في صاحبه، ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد(6)"

1- سورة الأعراف، الآية: 137.

2- سورة الصافات، الآية: 5.

3- سورة المعارج، الآية: 40.

4- الوسائل، ج 1، ص 237، باب 116، أنّ أوّل وقت المغرب غروب الشمس.

5- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص221.

6- الصحيفة السجّادية الكاملة.