للمطالعة (التوحيد)

قال الإمام الصادق (ع) للمفضّل بن عمر الجعفيّ: (1)

"يا مفضّل أوّل العبر والدلالة على الباري جلّ قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وخبرته بعقلك وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم مضيئة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكلّ شي‏ء فيها لشأنه معدّ، والإنسان كالمالك ذلك البيت والمخوّل جميع ما فيه، وضروب النبات مهيَّأة لمأربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة وأنّ الخالق له واحد وهو الّذي ألّفه ونظمه بعضاً إلى بعض جلَّ قدسه وتعالى جدّه وكرم وجهه ولا إله غيره تعالى عمّا يقول الجاحدون وجلَّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون".

"خلق الإنسان وتدبير الجنين في الرحم".

"نبدأ يا مفضّل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به، فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرّة فإنّه يجري من دم الحيض، ما يغذوه الماء والنبات، فلا يزال ذلك غذاؤه".

"كيفيّة ولادة الجنين وغذائه وطلوع أسنانه وبلوغه".

"حتّى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه وبصره على ملاقاة الضياء،

هاج الطلق بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه حتّى يولد، فإذا ولد صرف ذلك الدم الّذي كان يغذوه من دم أمّه إلى ثديها وانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمّظ (2) وحرّك شفتيه طلباً للرضاع"...


1- توحيد المفضل، ص16.

2- تلمّظ: أخرج لسانه ومسح به شفتيه.