الدرس الحادي عشر: طرائق التفسير

أهداف الدرس

1-أن يعدد الطالب إلى أصول التفسير ومداركه.

2-أن يعدد طرائق التفسير.

3-أن يتبين أن القرآن مائدة لجميع النّاس.

لا بدّ للمفسّر في استكشاف مراد الله تعالى من اتّباع ظواهر الكتاب أو ما حكم به العقل الفطريّ الصحيح، أو ما ثبت عن المعصوم من النبيّ (ص) أو الإمام (ع). وهذه الأمور الثلاثة هي أصول التفسير ومداركه.

ظواهر الكتاب‏

والمراد من ظاهر القرآن ما يفهمه العرف العام العارف باللّغة العربيّة الفصيحة من اللّفظ، ولم يقم على خلافه قرينة عقليّة أو نقليّة معتبرة، فالقرآن نزل بلسان يسير واضح ومفهوم، وخاطب الناس بالطريقة المألوفة، ولذا عبّر أقواله وبيانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾(1).

وأمّا الإمام فلأنّه أحد الثقلين اللّذين أمرنا رسول الله (ص) بالتمسّك بهما، والأئمّة كما قال الصادق‏ (ع): "ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله"(2).

كما أنّ في القرآن قواعد كُليّة ومفاهيم عامّة لا نفهم جزئيّاتها وتفاصيلها وحدودها إلّا من خلال الرسول (ص) والعترة عليهم السلام وهذا ما يعبّر عنه بالتبيين.

قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾(3).

وذلك من قبيل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾.

فيأتي بيان النبيّ (ص): "صلّوا كما رأيتموني أصلّي".

العقل القطعي‏ّ

فالآيات القرآنيّة الّتي ينافي ظهورها الابتدائيّ أحكام العقل القطعيّة لا بدّ من حملها على معنى يتلاءم مع تلك الأحكام، فالعقل يقطع بوجود الإله بعد التفكّر والتدبّر وعدم جواز الجسميّة له، فقوله تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾(4)، وإن كان ظاهراً ابتداءً في كون الجائي هو الربّ نفسه، المستلزم للجسميّة الممتنعة في حقّه تعالى، إلّا أنّ حكم العقل القطعيّ باستحالة ذلك (لاستلزامه حاجة الخالق لجسم ما يجعله فقيراً محتاجاً كمخلوقاته) يوجب عدم انعقاد ظهور له في هذا المعنى وهو اتّصاف الربّ بالمجي‏ء المادّي، وعليه فلا بدّ من أن يكون المقصود بالمجي‏ء معنى آخر كحضور صفة من صفات الله تعالى.

والمفسّر عندما يريد كشف مراد الله تعالى يتسلّح بهذه الأمور الثلاثة ويعتمد عليها فلا يجوز الاعتماد على الظنون والاستحسان، ولا على شي‏ء لم يثبت أنّه حجّة من طريق العقل، أو من طريق الشرع، للنهي عن اتّباع الظنّ وحرمة إسناد شي‏ء إلى الله بغير إذنه.

قال تعالى: ﴿قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ﴾(5). ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾(6)

والروايات الناهية عن التفسير بالرأي مستفيضة من الطرفين(7).

طرائق التفسير

قد ظهرت طرائق متعدّدة في تفسير القرآن الكريم عند المسلمين عامّة نتيجة التحوّلات الفكريّة الّتي شهدتها الأجيال اللاحقة ابتداءاً من القرن الثاني الهجريّ فصاعداً، وذلك مع شيوع المباحث الكلاميّة وانتشار الفلسفة وعلم التصوّف وما سبق ذلك واكتنفه من ميول سلفيّة ظاهريّة؛ كالتفسير بالمأثور والتفسير الفلسفيّ والتفسير الصوفيّ والتفسير الكلاميّ والتفسير البيانيّ والتفسير اللغويّ والتفسير التاريخيّ والتفسير العلميّ. ونحن ذاكرون لكم بعضاً من هذه الطرائق:

1-تفسير القرآن بالقرآن:

وهو يتمّ من خلال مقابلة الآية بالآية، فما أُجمل منها في مكان يتمّ تفسيره في مكان آخر.

وكما ورد عن النبيّ (ص): "وإنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً ولكن نزل يصدّق بعضه بعضاً"(8).

والقرآن كما قال أمير المؤمنين (ع): "يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض"(9).

كما أنّ الأئمّة المعصومين (ع) كانوا يستعملون هذا الأسلوب في استدلالاتهم واحتجاجاتهم من قبيل ما ذكر في كتاب الكافي عن عليّ بن يقطين قال: سأل المهديّ(العباسيّ) أبا الحسن (ع) عن الخمر هل هي محرّمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون تحريمها؟ فقال له أبو الحسن (ع): "بل هي محرّمة".

فقال: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله عزَّ وجلَّ يا أبا الحسن؟

فقال (ع): قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾(10).

إلى أن قال (ع): فأمَّا الإثم فإنّها الخمر بعينها، وقد قال الله تعالى في موضع آخر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾(11).

فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما كما قال تعالى"(12).

2-التفسير الروائيّ:

وهو التفسير بالأحاديث الواردة عن النبيّ (ص) والأئمّة (ع). والأحاديث هذه تبلغ الآلاف من طريق الشيعة وفيها مقدار كبير من الأحاديث الّتي يمكن الاعتماد عليها. إلّا أنّ هناك آيات لم يرد فيها حديث أصلاً لا من طريق السنّة ولا من طريق الشيعة.

وينبغي الالتفات إلى أنّه ربّما تشير الروايات إلى المصداق الأكمل في تفسير الآية وهذا لا يمنع من تفسير الآية بطريقة أخرى توافق ظاهرها. وقد اشتهر بينهم أنّ المورد لا يخصّص الوارد(13) وذلك لأنّ القرآن يجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر، إلّا أن تقوم قرينة قطعيّة على أنّ آية معينة قد انحصرت في موردها كما في آية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ﴾(14).

ومن التفاسير الّتي اتّبعت هذه المنهجيّة كتاب (نور الثقلين).

3-التفسير اللغويّ:

وهو تفسير مفردات القرآن واشتقاقاتها وأصولها، كتفسير (مجمع البيان) للشيخ الطبرسيّ.

وقد تباينت توجّهات المفسّرين واختلفت الجهات الّتي احتجّوا بها، كالجهة البلاغيّة والفقهيّة والكلاميّة والفلسفيّة والأخلاقيّة.

القرآن مائدة لجميع الناس‏

القرآن الكريم كما تقدّم واضح وميسّر للفهم. وربما احتاج إلى تعليم بعض حدود الآية الّتي لم يذكرها الله في الكتاب فأوكلها إلى نبيّه (ص) وإلّا فإنّ القرآن في نفسه هو هدى ورحمة للعالمين، وكلّ من كان أصفى فطرةً وأكثر فكراً وتدبّراً فإنّه يحظى بفهم أكبر ويكون القرآن شفاءً ومصحّحاً للآراء والأفكار الّتي يحملها.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينََ﴾(15).

فالكلّ في معرض الاستفادة من القرآن الكريم، لذلك تعدّدت الخطابات لطوائف خاصّة كبني إسرائيل، أو المؤمنين، أو الكفّار، وفي بعض الآيات يخاطب عامّة الناس وبديهيّ أنّه لا يصحّ التكلّم بما لا يكون مفهوماً وواضحاً عندهم.

وأيضاً نجد حتّى المعارف العالية يبثّها القرآن بلغة يفهمها عامّة الناس ويلقيها بشكل محسوس أو ما يقرب منه.

وتبقى الحقائق المعنويّة وراء ستار الظواهر فتتجلّى حسب الأفهام ويدرك منها كلّ شخص بقدر عقله ومداركه. واحتواء القرآن على معانٍ دقيقة ومفاهيم رقيقة وذلك في مثل صفاته تعالى الجماليّة والجلاليّة، ومعرفة وجود الإنسان

وسرّ خِلقته، ومسائل من المبدأ والمعاد، كلّ ذلك جاء في القرآن في إشارات عابرة وفي ألفاظ وتعابير كنائيّة واستعارة ومجاز، فكان حلّها والكشف عن معانيها بحاجة إلى فقه ودراسة وتدبّر وإمعان نظر.

كما أنّ في القرآن إشارات إلى أحاديث غابرة وأمم خالية، إلى جنب عادات جاهليّة عارَضَها لم يبق منها سوى إشارات عابرة، ولولا الوقوف عليها لما أمكن فهم معاني تلكم الآيات.

هذا مضافاً إلى غرائب اللغة الّتي جاءت في القرآن على أفصحها وأبلغها، وإن كان فهمها صعباً على عامّة الناس لولا الشرح والبيان وغير ذلك من الأمور الّتي استوجبت تفسيراً، وكشفاً لما استتر ومزيداً من إمعان النظر.

إعداد النفس لحضور مائدة القرآن‏

تزكية النفس وتطهيرها من الأوساخ والأدران الخُلقيّة هو أهمّ شرط من شروط فهم القرآن، وأعظم هذه الأوساخ الأهواء النفسيّة، فما دام الإنسان أسيراً لأهوائه وغرائزه، فإنّه لا يستطيع أن يدرك القرآن الّذي هو نور، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:

"فالّذين يقفون خلف حجب عديدة لا يمكنهم أن يدركوا النور.. ما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جدّاً، وطالما أنّه مُبتلى بالأهواء النفسيّة، وطالما أنّه مُبتلى بالعجب، طالما أنّه مُبتلى بالأمور الّتي أوجدها في باطن نفسه، وتلك الظلمات الّتي (بعضها فوق بعض) فإنّه لا يكون مؤهّلاً لانعكاس هذا النور الإلهيّ في قلبه"(16).

نعم، قد يتمكّن مثل هذا الإنسان من فهم بعض ظواهر الألفاظ، ولكنّه لن يصل إلى فهم مقاصده الأصليّة ومراميه الكلّيّة.

خلاصة الدرس

المراد من ظاهر القرآن ما يفهمه العرف العام العارف باللّغة العربيّة الفُصحى من اللّفظ، وقول المعصوم نبيّاً كان أو إماماً حجّةٌ في مقام كشف مراد الله تعالى من آيات الكتاب العزيز.‏

والآيات القرآنيّة الّتي يُنافي ظهورها الابتدائيّ أحكام العقل القطعيّة لا بدّ من حملها على معنى يتلاءم مع تلك الأحكام.

من طرائق التفسير

-تفسير القرآن بالقرآن.

-التفسير الروائيّ: وهو التفسير بالأحاديث الواردة عن النبيّ (ص) والأئمّة (ع).

-التفسير اللغويّ: وهو تفسير مفردات القرآن واشتقاقاتها وأصولها.

ومع ذلك فالقرآن مائدة لجميع الناس‏، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾. ولكن لا بدّ للشخص المفسِّر من أن يطهّر نفسه من أدران الذنوب حتّى يكون مؤهّلاّ لنيل المعارف القرآنيّة ونزول النور الإلهيّ على قلبه.


1- سورة الحشر، الآية: 7.

2- الكافي، الكليني، ج1، ص192.

3- سورة النحل، الآية: 44.

4- سورة الفجر، الآية: 33.

5- سورة يونس، الآية: 59.

6- سورة الإسراء، الآية: 36.

7- البيان، ص397.

8- الدر المنثور، 8/2.

9- نهج البلاغة، الخطبة 131.

10- سورة الأعراف، الآية: 33.

11- سورة البقرة، الآية: 209.

12- الكافي، الكليني، ج6، ص406.

13- بمعنى أنه إذا كان نزول الآية في مورد ومناسبة محدّدة وخاصّة، فهذا لا يعني انحصار تفسير الآية وتطبيقها على هذا المورد الخاصّ، وأنّ الوارد وهو الآية لا تفسّر بغير هذه المناسبة بل يمكن توسعة الوارد (الآية) لتفسّر وتطبّق على مجالات أخرى.

14- سورة المائدة، الآية: 55.

15- سورة يونس، الآية: 57.

16- القرآن في كلام الإمام الخميني قدس سره، ط4 آذار 2009م -1430هـ، ص24.