الدرس الرابع: الآداب الظاهرية لتلاوة القرآن

أهداف الدرس

1-أن يتعرف الطالب إلى أجر القارئ للقرآن الكريم.

2-أن يعدد الآداب الظاهرية لتلاوة القرآن.

تمهيد

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ َ﴾(1).

لا غنى للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته، حيث يعيش الإنسان فيه مع الله تعالى ويقتبس من نوره. والتلاوة عبادة يُثاب عليها المؤمن ويؤجر على كلّ حرف يقرأه. ولكن كيف نقرأ القرآن، وكيف نستفيد من آياته؟ هل نقرؤه لمجرّد التلاوة؟ أم نقرأه لنجعله نوراً لنا في ظلمات الجهل والدنيا يسدّد وجهتنا ويحسّن مسلكنا؟ ألم يقرع أسماعنا قول رسول الله (ص): "كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه لأنّه أقام حروفه وضيّع حدوده؟"(2).

والأجر يتفاوت على قدر ما في التلاوة من تدبّر، وعلى قدر ما يؤدّي التدبّر إلى الغاية المطلوبة والهدف المراد الّذي يشير إليه تعالى في قوله:﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء﴾(3).

فالمطلوب أن تتحوّل تلاوة القرآن والاستماع لآياته إلى تأثّر وخشوع وخضوع لحضرة الباري سبحانه وتعالى يتجلّى في مقام العمل هدياً وسلوكاً والتزاماً بأوامر الله عزَّ وجلَّ ونواهيه.

وقد تعرّفنا في الدرس السابق‏ إلى فضل القرآن وفضل تلاوته، فيا ترى كيف تكون هذه التلاوة؟ وما هي شروطها؟ وكيف نحصّل الغاية القصوى من منافعها؟

القرآن نور

ورد في الخبر عن رسول الله (ص): "نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن"(4) .

وفي المواظبة على التلاوة ورد عن الإمام الباقر (ع)، قال: "قال رسول الله (ص): من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة أية كُتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار من تبر..."(5).

ولا شكّ أنّ هذا الأجر المذكور ليس لمن يقرأ القرآن ويمرّ عليه مروراً دون أن يتأثّر به قلباً وقالباً، فإذا عرض عليه عارض من الدنيا نسي القرآن وصاحب القرآن، نعوذ بالله من ذلك، بل الأجر لمن قرأ وتدبّر بتأدّب وتأمّل وعلم أنّ الّذي يخاطبه هو الله سبحانه الّذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. من هنا كان حقيقاً علينا أن نلتفت ونهتمّ ببعض الآداب الّتي ينبغي أن تقترن بتلاوتنا للقرآن، ونرجو من خلالها أن يكون تعبّدنا هذا موضعاً للقبول من حضرة الباري سبحانه وتعالى. وقد ذُكرت آداب متعدّدة لتلاوة القرآن بعضها يُعدّ ظاهريّاً وبعضها باطنيّاً، وفي هذا الدرس ستتعرّف للآداب الظاهريّة، وهي كثيرة، على رأسها:

1- الطهارة:

والمقصود بالطهارة الخلوّ من الحدث الأكبر والأصغر بالوضوء أو الغسل أو التيمّم بدلاً عنهما. وقد جعل المولى ثواب قراءة القرآن ثواباً مضاعفاً، ففي الحديث: "من استمع القرآن كتب له بكلّ حرف حسنة ومن قرأ على وضوء كان له بكلّ حرف خمس وعشرون حسنة"(6) .

وقد صرّح الفقهاء بكراهة قراءة ما زاد على سبع آيات للجنب، مضافاً إلى حرمة قراءته آيات السجدة من سور العزائم الأربع: "العلق" و"النجم" و"فصّلت" و"السجدة".

2- تنظيف الفم:

عن أبي عبد الله (ع) قال: "إنّي لأحبّ للرجل إذا قام بالليل أن يستاك وأن يشمّ الطيب فإنّ الملك يأتي الرجل إذا قام بالليل حتّى يضع فاه على فيه، فما خرج من القرآن من شي‏ء دخل جوف ذلك الملك"(7).

فالفم هو طريق القرآن، ولا يليق بطريق القرآن إلّا أن يكون طيّباً نظيفاً, قال رسول الله (ص): "نظّفوا طريق القرآن" قيل: يا رسول الله (ص) وما طريق القرآن؟ قال: "أفواهكم" قيل: بماذا؟ قال: "بالسواك"(8).

وفي حديث آخر: "طيّبوا أفواهكم بالسواك فإنّها طرق القرآن"(9).

3-استقبال القبلة والإقبال التامّ على التلاوة:

ينبغي لقارى‏ء القرآن أن يستقبل القبلة، ويجلس بتأدّب وخشوع، ويقبل على التلاوة متفرّغاً لها، وقد جاء عن الإمام الصادق (ع):

"قارى‏ء القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خالٍ. فإذا خشع لله قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم"(10).

4-البدء بالاستعاذة:

قال تعالى: ﴿َإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾(11).

من كمال الأدب أن يشرع القارئ في القراءة بالاستعاذة، ويقصد بها تطهير القلب من تلوّثات الوسوسة الصارفة عن ذكر الله تعالى.

وختم القراءة بقوله: صدق الله العليّ العظيم. ويدعو بالمأثور في بدء التلاوة وبعد الفراغ منها كما كان يفعل الأئمّةعليهم السلام.

5-قراءة القرآن في المصحف:

وفي بعض الروايات ما يفيد أفضليّة قراءة القرآن مطالعة على قراءته حفظاً. وتظهر هذه الأفضليّة في الآثار المترتّبة، وقد ذكرنا في الدرس السابق بعضاً منها ونضيف ما ورد عن الرسول الأعظم (ص): "أفضل عبادة أمّتي تلاوة القرآن نظراً"(12).

6-الترتيل بصوت حسن: ‏

قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (13).

والترتيل هو بيان الحروف وإظهارها وحفظ الوقوف.

والمراد بحفظ الوقوف أن لا يقف القارئ كيفما كان، بل يقف حيث يكون الوقف حسناً. والمراد ببيان الحروف أن يُخرج الحروف كما ينبغي من جهر وهمس وإطباق واستعلاء على ما ذكره علماء التجويد.

والترتيل كما في بيان الإمام الصادق (ع) هو: "أن تتمكّث فيه وتحسّن به صوتك"(14) .

فتقرأ بإمعان من غير استعجال بحيث لو أراد السامع أن يعدّ الحروف لأوشك أن يعدّها. وتحسّن به الصوت في خشوع وخشية.

وقال (ع) أيضاً: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"(15) .

والمقصود من حسن الصوت ما قاله رسول الله (ص): "إنّ من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الّذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله"(16) .

ويستفاد من الروايات أنّ الصوت الحسن يترك أثراً في قلب القارئ والمستمع على حدّ سواء، الأمر الّذي يساهم في تليين القلوب القاسية، فإنّ كلام الله شفاء من كل مرض قلبيّ.

خلاصة الدرس

لا غنى للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته، حيث يعيش الإنسان فيه مع الله تعالى ويقتبس من نوره. والتلاوة عبادة يثاب عليها المؤمن ويؤجر على كلّ حرف يقرأه. فللقراءة القرآنيّة آداب لا بدّ أن نلتزم بها حتّى نحصّل أقصى درجات الأجر من الباري سبحانه وتعالى. وقد ذُكرت آداب متعدّدة لتلاوة القرآن بعضها يُعدّ ظاهريّاً وبعضها باطنيّاً.

والآداب الظاهريّة كثيرة، على رأسها:

1- الطهارة.

2- تنظيف الفم.

3- استقبال القبلة والإقبال التام على التلاوة.

4- البدء بالاستعاذة.

5- قراءة القرآن في المصحف.

6- الترتيل بصوت حسن. ‏


1- سورة فاطر، الآية: 29.

2- البحار، ج89، ص184.

3- سورة الزمر، الآية: 23.

4- الكافي، الكليني، ج‏2، ص‏610.

5- م.ن، ج2، ص612.

6- الفصول المهمّة، الحر العاملي، ج3، ص320.

7- المحاسن، ص559، والبحار، ج77، ص343.

8- م.ن. ص558.

9- ميزان الحكمة، ج2، ص1397.

10- مستدرك الوسائل، ج4، ص241.

11- سورة النحل، الآية: 98.

12- المحجة البيضاء، ج2، ص231.

13- سورة المزمل: الأية 4.

14- بحار الأنوار، ج89، ص191.

15- ميزان الحكمة، ج3، ص2525.

16- م.ن. ج3، ص2525.