الدرس العاشر: الغضب

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

1-﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.(الشورى:37)

2-﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.(فصّلت:34)

3-﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾.(الأعراف:200 و 201)

تمهيد:

إنّ الغضب حالة نفسانيّة أودعها الله سبحانه في الإنسان للاستفادة منها في حفظ نفسه والدفاع عنها وعمّا يتعلّق به، ممّا يؤدّي إلى بقاء النوع الإنساني، ولكن هذه الحالة النفسانيّة قد تخرج عن حدّ الاعتدال عندما يُسيء الإنسان الاستفادة منها، فتُصبح صفة مذمومة تؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه.

وقد عرّف الغضب علماء الأخلاق بأنّه: " ثوران القوّة (والنفور) على الغير لقصد الانتقام والتشفّي"(1).

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إعلم أنّ غريزة الغضب من النعم الإلهيّة الّتي يُمكن بها عمارة الدنيا والآخرة، وبها يتمُّ الحفاظ على بقاء الفرد والجنس البشري والنظام العائلي، ولها تأثير كبير في إيجاد المدينة الفاضلة ونظام المجتمع. فلولا وجود هذه الغريزة الشريفة في الحيوان لما قام بالدفاع عن نفسه ضدّ هجمات الطبيعة، ولآل أمره إلى الفناء والاضمحلال. ولولا وجودها في الإنسان، لما استطاع أن يصل إلى كثير من مراتب تطوّره وكمالاته...

إنّ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود والتعزيرات وسائر التعاليم السياسيّة الدينيّة والعقليّة، لا يكون إلّا في ظلّ القوّة الغضبيّة الشريفة وعلى ذلك فإنّ الّذين يظنّون أنّ قتل غريزة الغضب بالكامل وإخماد أنفاسها يُعدّ من الكمالات والمعارج النفسيّة إنّما يرتكبون خطيئة عظيمة، ويغفلون عن حدِّ الكمال ومقام الاعتدال..."(2).

وحديثنا عن الغضب في طرفه الإفراطي أي استعمال الغضب في غير محلِّه، وهو مفتاح الشرور ورأس الآثام، وداعية الأزمات والأخطار.

ومن هنا تضافرت الروايات في ذمّ هذا النوع من الغضب.

عن رسول الله (ص): "الغضب يُفسِد الإيمان كما يُفسِد الخلُّ العسل"(3).

وعن أبي عبد الله (ع): "مكتوب في التوارة فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى (ع): يا موسى أمسِك غضبك عمّن ملّكتك عليه أكُفّ عنك غضبي"(4).

وقال لقمان لابنه: "يا بُنيّ، املك نفسك عند الغضب حتّى لا تكون لجهنّم حطباً"(5).

وعنه أيضاً: "يا بُنيّ، إيّاك وشدّة الغضب، فإنّ شدّة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم"(6).

كظم الغيظ:

إلى كثير من الروايات الّتي تذمّ الغضب الإفراطي.

وفي المقابل هناك آيات وروايات كثيرة تمدح الحلم وكظم الغيظ نأتي على ذكر بعضها:

يقول سبحانه:﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(7).

﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾(8).

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾(9).

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾(10).

وعن رسول الله (ص): "ألا أُخبركم بأشبهكم بي أخلاقاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله فقال: أحسنكم أخلاقاً وأعظمكم حلماً وأبرّكم بقرابته وأشدّكم إنصافاً من نفسه في الغضب والرضى"(11).

وعنه (ص): "إنّ المؤمن ليُدرك بالحلم واللّين درجة العابد المتهجِّد"(12).

أسباب ودوافع الغضب

إنّ للغضب عوامل وأسباب مختلفة، ومعرفة هذه العوامل ضروريّة في عمليّة الوقاية والعلاج من أخطار هذه الحالة السلبيّة، ومن هذه العوامل:

1- التسرُّع:

يسمع الإنسان في حياته الفرديّة والاجتماعيّة بعض الأخبار غير المسرّة وقد يحكم عليها مباشرة من موقع حالة الغضب.

يقول أمير المؤمنين (ع): "من طبائع الجهّال التسرُّع إلى الغضب في كلِّ حال"(13).

2-ضيق الأفق:

إنّ الأشخاص الّذين يعيشون سعة الصدر وكبر الروح وقوّة الشخصيّة وسعة الفكر يتحمّلون الحوادث الصعبة وإساءات الآخرين بحكمة وهدوء، بخلاف ضيّقي الأفق والتفكير الّذين يغضبون لأتفه الأسباب. والحديث السابق يُشير إلى أنّ سرعة الغضب من أخلاق الجهّال.

3-التكبّر والغرور:

إنّ الأشخاص الّذين يعيشون روح التكبّر والغرور، ويرغبون دائماً في أن يحفظ لهم الآخرون كبرياءهم وغرورهم، يغضبون إذا ما توهّموا أنّ الآخرين لا يحترمونهم.

عن السيّد المسيح (ع): إنّ الحواريين قالوا له: "يا معلِّم الخير، علّمنا أيّ الأشياء أشدّ؟ فقال (ع): أشدّ الأشياء غضب الله عزّ وجلّ، قالوا: فيم يُتّقى غضب الله؟ قال: بأن لا تغضبوا. قالوا: وما بِدأ الغضب؟ قال (ع): الكِبر والتجبُّر ومحقرة النّاس وشدّة الحرص على فضول المال والجاه..."(14).

4-الحسد والحقد:

قد يتفجّر الحقد في الإنسان غضباً عارماً على الآخرين، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (ع): "الحقد مثار الغضب"(15).

5-الحرص وحبّ الدنيا:

إنّ الّذين يهيمون بحبّ الدنيا ويملأ وجودهم الحرص على تحصيل زخارفها وزبارجها، لا يتحمّلون أيّة مزاحمة وخسارة محتملة لدنياهم، ولذلك يثورون لأتفه الأسباب فيما لو تعرّضوا لخسارة ولو قليلة. وقد ورد في ذيل الحديث المذكور آنفاً عن السيّد المسيح (ع) ما يشير إلى هذا العامل: "وشدّة الحرص على فضول المال والجاه".

الآثار السلبيّة للغضب:

للغضب آثار سلبيّة عديدة منها:

1-فقدان الصواب والحكم الصحيح:

يفقد الإنسان حين الغضب عقله ويتحوّل إلى كائن غير متّزن التصرُّفات والحركات، بحيث يتعجّب منه من حوله من النّاس، وهو نفسه بعد هدوء غضبه يتعجّب من تصرّفاته.

وقد يهجم الشخص في تلك الحال على أقرب المقرّبين إليه من دون أن يعيَ ماذا يفعل، وقد يتسبّب في تلوّث يده بدماء الأبرياء، فيقتل ويجرح ويُحطِّم ويسرق ويُخرِّب وكأنّه سبع ضارٍ.

ولذلك ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): "الغضب يُفسد الألباب ويُبعد من الصواب"(16).

وعنه (ع): "لا يُعرف الرأي عند الغضب"(17).

2-الغضب خطر على الإيمان:

إنّ الغضب يؤدّي إلى اضمحلال إيمان الشخص وتلاشيه، لأنّ الشخص الغاضب يرتكب الذنوب وهي ترين على القلب ومع الرين يُخشى من زوال الإيمان.

فعن رسول الله (ص): "الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسِد الصبر العسل"(18).

3-فقدان الكلام الموزون:

يُفسد الغضب منطق الإنسان وكلامه، ويقوده إلى التلفّظ بالباطل والكلمات غير المسؤولة، عن أمير المؤمنين (ع): "شدّة الغضب تُغيّر المنطق وتقطع مادّة الحجّة، وتُفرِّق الفهم"(19).

4- ظهور العيوب:

ويُظهر الغضب العيوب الخفيّة، كما عن أمير المؤمنين (ع): "بئس القرين الغضب يُبدي المعايب ويُدني الشرّ ويُباعد الخير"(20).

5-تسلّط الشيطان:

إنّ الغضب يفتح الطريق للشيطان ليسيطر على الإنسان ويوقعه في شراكه ومصائده، ممّا يؤدي به إلى ارتكاب الذنوب والفواحش.

في الحديث: أنّ النبيّ نوح (ع): "لمّا دعى ربّه عزّ وجلّ على قومه أتاه إبليس لعنه الله فقال: يا نوح إنّ لك عندي يداً أُريد أن أُكافيك عليه، فقال له نوح (ع): إنّه ليبغض إليّ أن يكون لك عندي يدٌ فما هي؟ قال: بلى دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحد أغويه فأنا مستريح حتّى ينسق قرنٌ آخر وأغويهم فقال نوح (ع): ما الّذي تُريد أن تُكافيني به؟ قال: اذكرني في ثلاث مواطن فإنّي أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في أحدهن: اذكرني إذا غضبت، اذكرني إذا حكمت بين اثنين، اذكرني إذا كنت مع امرأة خالياً ليس معكما أحد"(21).

علاج الغضب

1- القضاء على الأسباب:

كما ذكرنا سابقاً هناك جذور وأسباب للغضب، منها: الحسد والحقد، وحبّ الدنيا والجاه، والجهل والتسرُّع في الحكم، والتكبُّر والغرور إلى غير ذلك من الأسباب، فبالقضاء على هذه الأسباب يُمكن معالجة الغضب.

2-تذكّر سلبيّات الغضب:

تذكُّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثاره، وأنّها تحيق بالغاضب، وتضرّ به أكثر من المغضوب عليه.

وفي المقابل أن يتذكّر حسن الحلم وعواقبه الحميدة، ويرجع إلى سيرة نبيّنا محمّد (ص) وآله الطاهرين عليهم السلام، كيف كانوا يواجهون أخطاء الآخرين وإساءاتهم بحلم ورويّة، فيهتدي بهديهم، ويتأسّى بهم فهم الهداة إلى الكمال.

3-ذكر الله تعالى:

ومن الطرق المهمّة لعلاج الغضب ذكر الله تعالى، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، والسجود لله تعالى.

فقد ورد أنّ من ثارت فيه الحدّة عليه بقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"(22).

وورد في رواية أن يقول: "لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم"(23).

وورد في رواية: "أن يضع خدّه على الأرض أو يسجد لله تعالى"(24).

4-تغيير حالة الإنسان:

ففي الرواية: "كان النبيُّ إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غيظه"(25).

5-التبرّد بالماء:

فعن رسول الله (ص): "إذا غضب أحدكم فليتوضّأ وليغتسل، فإنّ الغضب من النار"(26).

قال الشاعر:

إيّاك والغضب الذميم فإنّه نارٌ تُدمِّر أنفساً وقصوراً

وعليك بالحلم الجميل فإنّه يبني الحياة محبّة وسروراً


1- شرح أصول الكافي، ج4، ص227.

2- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، دار التعارف 1411 ه-، 1991 م، ص 132.

3- أصول الكافي، ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ص302، ح1.

4- م . ن، ص303، ح7.

5- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 86.

6- م . ن، ص 87.

7- سورة آل عمران، الآية: 134.

8- سورة الشورى، الآية: 37.

9- سورة هود، الآية: 75.

10- سورة الأعراف، الآية: 199.

11- بحار الأنوار، ج 74، ص 152.

12- مستدرك الوسائل، ج 11، كتاب الجهاد، ص 288.

13- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 3، ص 3264، نقلاً عن غرر الحكم، ح6325.

14- الخصال، الصدوق، ص6، ح17، وسفينة النجاة، مادّة الغضب.

15- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج1، ص648.

16- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج12، ص11.

17- بحار الأنوار، ج 75، ص 113.

18- م.ن، ج7، ص265.

19- بحار الأنوار، ج 68، ص 428.

20- جامع أحاديث الشيعة، كتاب الجهاد، ج 13، ص 428.

21- بحار الأنوار، ج 11، ص 318.

22- سفينة البحار، مادة الغضب، والمحجّة البيضاء، ج 5، ص 307.

23- جامع الأحاديث، ج 13، ص 427.

24- انظر المحجّة البيضاء، ج 5، ص 308.

25- م . ن، ج 5، ص 308، بحار الأنوار، ج 70، ص 272.

26- بحار الأنوار، ج 70، ص 272.