للمطالعة (في مفاسد الكبر)
اعلم أنّ لهذه الصفة القبيحة بحدّ ذاتها مفاسد كثيرة، وهذه المفاسد تتمخّض عنها مفاسد أخرى كثيرة. إنّ هذه الرذيلة تحول دون وصول الإنسان إلى الكمالات الظاهريّة والباطنيّة والاستمتاع من الحظوظ الدنيويّة والأُخرويّة. إنّها تبعث في النفوس الحِقد والعداوة، وتحطّ من قدر الإنسان في أعين الخلق وتجعله تافهاً، وتحمل الناس على أن يُعاملوه بالمثل تحقيراً له واستهانة به.
جاء في "الكافي" عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "مما مِن عَبدٍ إلَّا وَفِي رَأْسِهِ حِكَمَة وَمَلِكٌ يُمْسِكهَا، فَإِذَا تَكَبَّرَ قَالَ لَهُ: اتّضعْ وَضَعَكَ اللهُ، فَلا يَزَالُ أَعْظَم النَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَصْغَر النَّاسِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ. وَإِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ. ثُمَّ قَالَ: انْتَعِشْ نعشك الله، فَلا يَزَالُ أَصْغَر النَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَرْفَع النَّاسِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ"(1) . فيا أيّها العزيز ما يحتوي عليه رأسك من الدماغ، تحتويه رؤوس الآخرين أيضاً، إذا كُنت متواضعاً، احترمك الناس قهراً واعتبروك كبيراً، وإذا تكبّرت على الناس لم تنل منهم شيئاً من الاحترام. بل إذا استطاعوا أن يذلّوك لأذلّوك ولم يكترثوا بك. وإن لم يستطيعوا إذلالك، لكُنت وضيعاً في قلوبهم، وذليلاً في أعينهم، ولا مقام لك عندهم. افتح قلوب الناس بالتواضع فإذا أقبلت عليك القلوب ظهرت آثارها عليك وإن أدبرت تكون آثارها على خلاف رغباتك.
فإذا فرضنا أنّك كُنت من المبتغين للاحترام والمقام الرفيع، لكان اللازم عليك أن تسلك الطريق الّذي يُفضي بك إلى الاحترام والسمو، وهو مجاراة الناس والتواضع لهم. إنّ التكبُّر يُنتج ما هو على خلاف طلبك وقصدك. إنّك لا تكسب من وراء التكبُّر، نتيجة دنيويّة مجديه، بل ستحصد من ورائه نتيجة معكوسة. ويُضاف إلى ذلك أنّ مثل هذا الخلق يوجب الذلّ في الآخرة والمسكنة في ذلك العالَم. فكما إنّك احتقرت الناس في هذا العالَم، وترفّعت على عباد الله وتظاهرت أمامهم بالعظمة والجلال والعزّة والاحتشام، كذلك تكون صورة هذا التكبُّر في الآخرة، الهوان كما ورد في الحديث الشريف من كتاب أصول الكافي: بإسناده، عن داود بن فرقد، عن أخيه، قال: "سَمِعْتُ أبا عَبْدِاللهِ (ع) يقول: إِنَّ المُتَكَبِّرينَ يُجْعَلُونَ في صُوَرِ الذَّرِّ يَتَوَطّأهُمُ النّاسُ حَتّى يَفْرَغَ اللهُ مِنَ الحِسابِ"(2).
الأربعون حديثا، الإمام الخميني، دار التعارف،1411ه- - 1991م،ص91-92.
1- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر، ص312، ح 16.
2- أصول الكافي ، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر، ص311، ح 11.