الدرس السابع: إقامة الصلاة

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

1-﴿إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾(النساء:103)

2-﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾(البقرة:238)

3-﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون﴾(المؤمنون:1 و 2)

4-﴿َأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾(العنكبوت:45)

الصلاة مطلب الشرائع:

إنّ الصلاة تُمثِّل العبوديّة بأبهى صورها وتُجسِّد الطاعة والانقياد لله تعالى أكمل تجسيد، فلذا... كانت عمود الدِّين، إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدّت رُدّ ما سواها, وهي الموصلة إلى اطمئنان النفس، حيث تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي المؤدّية إلى دخول جنّة الله سبحانه.

وعلى هذا ننظر إلى فريضة الصلاة فنراها تشريعاً مشتركاً في جميع الشرائع، ممّا يكشف لنا عن أنّها من الاحتياجات البشريّة في كلّ الظروف والأجيال؛ لأنّها تنبع من طبيعة ثابتة في الوجدان البشري.

ففي سورة مريم يستعرض الله عزّ وجلّ عدداً من الأنبياء عليهم السلام والأمم المؤمنة في أوّليات التاريخ ثُمّ انحراف ذريّاتهم من بعدهم وتضييعهم للصّلاة فيقول سبحانه: ﴿... أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾(1).

وإبراهيم (ع) كان يؤدّي الصّلاة ويُحرِّض عليها ويدعو ربّه لإقامتها: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾(2).

وإسماعيل (ع): ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ﴾(3).

وموسى وهارون (ع) ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ﴾(4).

وعيسى (ع) حينما كلّم الناس في المهد قال لهم ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾(5).

والنبيّ محمّد (ص) وأهل البيت عليهم السلام لطالما أوصوا بالصلاة، وكُتب الأحاديث عامرة بأوامرهم في ذلك.

معنى الأمر بإقامة الصلاة:

أمر سبحانه وتعالى بإقامة الصّلاة في كلِّ الآيات الّتي أمر فيها بالصلاة تقريباً، ومعنى الأمر بإقامة الصّلاة: تكليف الناس أنْ يُقيموا لهذه الفريضة وجوداً اجتماعيّاً بحيث يكون أداؤها والاهتمام بشؤونها ظاهرة واضحة من ظواهر مجتمعهم.

إنّ فارقاً كبيراً بين أنْ تقول: اعدل وصلِّ وتديّن بالإسلام، وبين أنْ تقول: أقم العدالة، وأقم الصلاة، وأقم الدِّين، فالتعبير الأوّل يتناول، ما يتعلّق بشخصك من أمر العدالة والصّلاة والدِّين، وأمّا التعبير الثاني فهو يلفتك إلى دورك الاجتماعي في تحقيق وجود ثابت سائد للعدالة وللدِّين وللصلاة.

أقم الصّلاة توجيه إلى مسؤوليّتك في الأمر بالصلاة وتعليمها للناس وتنبيه الساهين عنها وإرشاد المضيّعين لها.

هل الإيمان يُغني عن الصلاة:

تُصادف أُناساً تقول لهم: صلّوا، زكّوا، صوموا، حجّوا، جاهدوا، اعملوا صالحاً...

فيقولون لك بكلِّ بساطة: الإيمان بالقلب!! لكن نُلاحظ أنّ الله تعالى في القرآن الكريم قرن الإيمان بالعمل الصالح في كثير من الآيات، وما ذلك إلّا لضرورة وبديهيّة أنْ يكون الإيمان مقترناً بالعمل المنسجم مع الإيمان.

فالإيمان هو الاعتقاد بوجود الله تعالى والتصديق بما بلّغه الأنبياء عليهم السلام، ومن الطبيعيّ والبديهيّ لهذا الاعتقاد والتصديق أن يستقطب الإنسان ويهزّ ضميره ويستجيش مشاعره ويدفعه إلى العمل بمقتضاه.

يقول تعالى:﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾(6).

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾(7).

ومن الواضح أنّ أفضل الأعمال الصالحة هي الصلاة، فلذلك لا يصحّ الاعتماد على الإيمان القلبيّ من دون ترجمة عمليّة له في الخارج، ولذلك نجد الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته عليهم السلام لم يتركوا ولم يؤخّروا الصلاة حتّى في أشدّ الظروف وأصعبها.

المحافظة على الصلاة:

يقول تعالى: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلهِ قَانِتِينَ﴾(8) والصلاة الوسطى التي أكدت الآية على المحافظة عليها هي صلاة الظهر على المشهور بين علمائنا الكرام.

فلماذا لا نؤدّي الصلاة في وقتها الّذي حدّده الله تعالى؟

فعن رسول الله (ص) أنّه دخل المسجد وفيه أناس من أصحابه فقال: "تدرون ما قال ربّكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: إنّ ربّكم يقول: إنّ هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلّاهنّ لوقتهنّ وحافظ عليهنّ، لقيني يوم القيامة وله عهد عندي أدخله به"(9).

ويقول لقمان لابنه: "يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرِّها لشيء... فإنّها دَين"(10).

وينبغي التنبيه على ضرورة إقامة صلاة الفجر وعدم الكسل عن إقامتها، فإنّ فيها بركات زائدة ليست في غيرها من الصّلوات يقول تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾(11).

عن إسحاق بن عمّار، قلت لأبي عبد الله (ع):" أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر؟ فقال: مع طلوع الفجر إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلّى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار"(12).

ومن الضروريّ عدم السهر الكثير بحيث يُؤثِّر ذلك على أداء صلاة الصبح.

فصلاتك نجاتك وسعادتك وحياتك الروحانيّة والأخرويّة.

حضور القلب في الصلاة

والاستفادة من الصلاة لا تكون إلّا بالخشوع، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾(13).

وعن النبيّ (ص) أنّه قال لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ ركعتان مقصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ"(14).

وفي الحديث عن أبي جعفر (الباقر) (ع) قال: "إنّ العبد ليُرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يُرفع له إلّا ما أقبل عليه بقلبه وإنّما أمرنا بالنوافل ليتمّ لهم بها ما نقصوا من الفريضة"(15).

تضييع الصلاة:

تضييع الصّلاة مسألة مُتّصلة بالكسل، فما صلاة الكسالى إلّا لوناً من ألوان إضاعة الصّلاة.

وإذا لاحظنا نصوص القرآن الكريم والسنّة الشريفة في إضاعة الصلاة نجد أنّها تقصد بالإضاعة معنيين: ترك الصلاة كليّة، والاستخفاف بالصلاة.

أمّا ترك الصلاة كلّيّاً، فقد حذّرت من خطورته نصوص كثيرة، وأهمّ حقيقتين في هذه النصوص أنّ ترك الصلاة يُعتبر قطع آخر رابطة تربط الإنسان بالله تعالى. وأنّ تركها يؤدّي بالإنسان إلى الانغماس في الشّهوات الرخيصة.

يقول تعالى: ﴿...فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلاَ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾(16).

ويقول الله تعالى للمجرمين: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾(17) أعاذنا الله أن نكون كذلك، ولكن ما هي سقر؟ يقول سبحانه وتعالى:﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر﴾(18).

وعن النبيّ (ص): "لا يزال الشيطان ذعِراً من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصّلوات الخمس، فإذا ضيّعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم"(19)

وعن الإمام الصادق (ع) قال: جاء رجل إلى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله أوصني، فقال (ص): "لا تدع الصلاة متعمّداً، فإنَّ من تركها متعمِّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام"(20).

وأمّا الاستخفاف بها فهو يشمل: عدم تفّهم الصلاة في أحكامها وشروطها الشرعيّة، وتأخيرها عن وقتها، وتركها جزئيّاً، وعدم التأنّي في أدائها، وعدم الخشوع والتوجّه بالقلب والتأثُّر بها حال أدائها، وإليك بعض النصوص الّتي تخصّ هذه الألوان من التضييع:

عن النبيّ (ص): "ليس منّي من استخفّ بصلاته، لا يرد الحوض عليَّ لا والله"(21).

وعنه (ص): "لكلّ شيء وجه ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننَّ أحدكم وجه دينه"(22).

وعن الإمام الصادق (ع) قال لجماعة: "والله إنّه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة، فأيّ شيء أشدّ من هذا؟ والله إنّكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يُصلّي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إنّ الله لا يقبل إلّا الحسن، فكيف يقبل ما يستخفّ به"(23).

وعن الإمام الباقر (ع) قال: "بينما رسول الله (ص) جالس في المسجد فدخل رجل فقام يُصلّي فلم يتمَّ ركوعه ولا سجوده، فقال (ص): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا الرجل و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني"(24).


1- سورة مريم، الآيتان: 58 و 59.

2- سورة إبراهيم، الآية: 40.

3- سورة مريم، الآية: 55.

4- سورة يونس، الآية: 87.

5- سورة مريم، الآيتان: 30 و 31.

6- سورة البقرة، الآية: 25.

7- سورة العصر، الآية: 3.

8- سورة البقرة, الآية: 238.

9- الوسائل، ج4، ص 110.

10- نصائح لقمان لابنه، العلّامة المجلسي، دار المحجّة البيضاء، ص 34.

11- سورة الإسراء، الآية: 78.

12- الكافي، ج 3، ص 282.

13- سورة المؤمنون، الآيات: 1 و 2 و 9.

14- الوسائل، ج 4، ص 74.

15- الكافي، ج3،ص363، الحديث 2.

16- سورة مريم، الآيتان: 59 و 60.

17- سورة المدّثّر الآيتان: 43 ،42.

18- سورة المدّثّر الآيات: 27،28،29،30.

19- الوسائل، ج 4، ص 112.

20- الوسائل، ج 4، ص 42.

21- م. ن، ج 4، ص25.

22- م. ن، ج 4، ص24.

23- م. ن، ج 4، ص24.

24- م. ن، ج 4، ص 32.