الدرس السادس: ذكر الله

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

1-﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾.(البقرة:152)

2- ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.(البقرة:32)

3-﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾.(آل عمران:41)

التفكُّر وذكر الله:

المقصود من ذكر الله

ليس ذكر الله تعالى باللسان فقط، بل اللسان ترجمان القلب، والهدف هو التوجُّه بكلِّ وجودك إلى ذات الباري تعالى والذوبان فيه والاستغراق بجلاله وكبريائه وعظمته والشعور بحضوره ورقابته وإحاطته بكلِّ كيانك، ممّا ينعكس على سلوكك وعملك وأخلاقك بحيث يصونك من الذنب ويدعوك إلى الطاعة.

ومن هنا ورد في أحاديث عديدة عن أئمّتنا المعصومين عليهم السلام أنّ ذكر الله ليس باللسان فحسب، فعن الإمام الصادق (ع) في تفسير معنى ذكر الله: "مِن أشدّ ما فرض الله مع خلقه ذكر الله كثيراً، ثمّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها"(1).

وعليه للذكر مراتب:

أ-الذكر اللساني.

ب-الذكر القلبي.

ج- الذكر العملي وهو ذكر الله عند الطاعة والمعصية، فإن كان طاعة عمل بها، وإن كان معصية تركها.

الذكر الكثير وعلى كلِّ حال:

وقد أمرنا الله سبحانه بالذكر الكثير وأن يكون على كلّ حال، يقول جلّ وعلا: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار﴾(2).

﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾(3).

﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(4).

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(5).

ويُروى عن لقمان الحكيم: "يا بُنيَّ، أقِلَّ الكلام واذكر الله عزَّ وجلّ في كلّ مكان، فإنّه أنذرك وحذّرك وبصّرك وعلّمك"(6).

وعنه: "يا بُنيَّ، أكثر ذكر الله عزّ وجلّ، فإنّ الله ذاكر من ذكره"(7).

فالمؤمن يذكر الله كثيراً، وعلى كلّ حال، في الشدّة والرخاء، في الغنى والفقر، وهذا بخلاف المنافق الّذي لا يذكر الله وإذا ذكره كان ذكره في الضيق والبلاء، يقول سبحانه:﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَ قَلِيلاً﴾(8).

ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً﴾(9).

ولا يكتفي المؤمن بما أوجب الله عليه من الصلاة باعتبارها تذكُّراً لله تعالى بل يستمرّ على ذكر الله كما أمره الله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾(10).

ويقول سبحانه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾(11).

من ثمرات ذكر الله

لذكر الله أهميّة كبرى في السير والسلوك إلى الله تعالى وإلى الكمال الإنساني، وقد جمع أحد العلماء ثمرات لذكر الله تعالى تعدّت المائة، نذكر منها ثمرة مهمّة جامعة وهي:

طمأنينة القلب

يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(12).

لاضطراب القلب وقلقه وخوفه عوامل:

أ-الجهل بالمستقبل:

فالإنسان يحتمل زوال النعمة، أو الأسر على يد الأعداء، أو الضعف والمرض، أو الفقر، فهذا الاحتمال يُقلق الإنسان، لكنّ ذكر الله والإيمان بأنّه القادر المتعال الرحمان الرحيم، يستطيع محو القلق من النفس.

ب-الخوف من الماضي:

فالإنسان العاصي يُفكِّر في ماضيه الأسود فيُمسي قلقاً بسبب الذنوب، ولكنّ ذكر الله والنظر إلى أنّ الله غفّار الذنوب وقابل التوبة يُزيل الاضطراب.

ج-الخوف من كثرة الأعداء وقوّتهم:

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(13).

فنُلاحظ في هذه الآية أنّ الله تعالى يأمر المجاهدين بذكر الله كثيراً ليثبتوا أمام الأعداء، ويطمئنّوا بنصر الله وتسديده.

د-الخوف من الموت:

وقد يضطرب بعض الناس أو أغلبهم من الموت لجهلم بحقيقته وبما سيؤول إليه مصيرهم.

وبما أنّ المؤمن يعتبر الموت قنطرة لحياة أخرى وليس فناءً، وأنّه سيُقدم على ربٍّ غفور رحيم، فإنّ الاضطراب والقلق سيزول أو يقلّ.

هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى تولّد الاضطراب والقلق في نفس الإنسان، إلّا أنّ المؤمن بالله حينما يعيش مع الله وذكره فإنّه ينفي القلق والاضطراب.

وفي المقابل يقول تعالى عمّن أعرض عن ذكره: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾(14).

المعيشة الضنكة هي معيشة الاضطراب والقلق والضيق.

ونُلاحظ أنّ المجتمع الغربي المادّيّ يعيش اليوم الاضطراب والأمراض النفسيّة وما ذلك إلّا لبعدهم عن ذكر الله والإيمان الحقيقي به. ودياناتهم وأنظمتهم لم تطفئ لهم حالة الاضطراب والخوف والقلق.

وهم رغم حياتهم المادّيّة وتطوّرهم العلميّ والصناعيّ إلّا أنّهم فارغون من حيث الروح والمعنويات والراحة النفسيّة، وتقارير الصحف والمجلّات تؤكّد هذا الكلام.

يقول لقمان الحكيم لابنه: "إنّ مثل أهل الذكر والغفلة كمثل النور والظلمة"(15).

مجالس الذكر أم مجالس النت:

كيف نختار مجالسنا حتّى تكون عامرة بذكر الله؟ هل يُمكن أن تكون مجالسة التلفزيون والانترنت مجالس ذكر أم هي مجالس لهو وفساد؟

يقول لقمان لابنه: "يا بُنيّ اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله عزّ وجلّ فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علّموك، ولعلّ الله أن يظلّهم برحمته فيعمُّك معهم"(16).

وكان يقول: "اللهمّ لا تجعل أصحابي الغافلين الّذين إذا ذكرتك لم يعينوني، وإذا نسيتك لم يُذكِّروني"(17).

فكم مِن المسلمين مَن يجلس مجالس الغرب عبر إعلامهم الغافل الفاسد المفسد؟!

وكم مِن المسلمين مَن يعيش الضنك والاضطراب لأنّه يُقلّدهم ويجلس مجالسهم!

لكن نستطيع أن نستفيد من كلّ هذه الوسائل وأن نحوّلها إلى مجالس ذكر ووعي.

فلا نستفيد إلّا من الفضائيّات الّتي تنشر وتبثّ الخير والدِّين، ولا نستعمل الانترنت إلّا بما يُفيدنا في الدنيا والآخرة.

موانع ذكر الله

هناك أمور تمنع عن ذكر الله منها:

أ-الخمر والميسر:

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾(18).

وصحيح أن الآية تعرّضت للخمر والميسر وهي بعيدة نوعاً ما عن مجتمعاتنا، ولكنّ الأثر الناتج عنهما نجده بعينه مترتّباً على أمور شائعة في مجتمعنا كاللعب بالورق وما شابهه من آلات اللهو، بحيث إنّه يحين وقت الصلاة ولا يقوم اللاعبون إليها لانشغالهم باللعب واللهو.

ب-الأموال والأولاد:

قد تكون الأموال والأولاد مانعاً عن ذكر الله، يقول سبحانه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾(19).

على الإنسان المؤمن أن لا يستغرق في جمع المال ولهو الأولاد، وليجعل للآخرة نصيباً من عمله.

"قل لعملك عندي صلاة، ولا تقل لصلاتك عندي عمل".

ج-الغناء والملاهي:

روي عن لقمان الحكيم قائلاً لابنه: "لا تسمع الملاهي، فإنّها تنسيك الآخرة"(20).

ونسيان الآخرة تعني نسيان الله، فهما مرتبطان.

د-النظرة الحرام:

عن الإمام عليّ (ع): "ليس في الجوارح أقلّ شكراً من العين، فلا تُعطوها سؤلها فتُشغلكم عن ذكر الله"(21).

ه-الانشغال بذكر الناس:

يقول أمير المؤمنين (ع): "من اشتغل بذكر الناس قطعه سبحانه عن ذكره"(22).

وليس معنى ذلك الانعزال السلبيّ عن الناس وعدم خدمة الناس، بل يعني أن لا يكون رضى الناس همّه بل رضى الله سبحانه لا بدّ أن يكون أكبر همّه.


1- أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 80، ح 4.

2- سورة آل عمران، الآية: 41.

3- سورة النساء، الآية: 103.

4- سورة الأنفال، الآية: 45.

5- سورة الأحزاب، الآيتان: 141و 142.

6- بحار الأنوار، ج 13، ص 427، ح 22.

7- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 68، نقلاً عن محبوب القلوب، ج 1، ص 202.

8- سورة النساء: الآية: 142.

9- سورة الإسراء، الآية: 67.

10- سورة النساء، الآية: 103.

11- سورة العنكبوت، الآية: 45.

12- سورة الرعد، الآية: 28.

13- سورة الأنفال، الآية: 45.

14- سورة طه، الآيتان: 124و 125.

15- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 68.

16- الكافي، ج1، ص39.

17- حكم لقمان، محمّد الري شهري، ص 69.

18- سورة المائدة، الآية: 91.

19- سورة المنافقون، الآية: 9.

20- حكم لقمان، الري شهري، ص 89- 90.

21- ميزان الحكمة، محمّد الري شهري، ج 2، ص 976.

22- م . ن، ص 976.