للمطالعة (في نتائج الصبر)

...فيا أيّها العزيز إنّ الموضوع خطير، والطريق محفوف بالمخاطر، فابذل من كلّ وجودك الجهد واجعل الصبر والثبات من طبيعتك، أمام حوادث الأيّام، وانهض أمام النكبات والرزايا، ولقّن النفس بأنّ الجزع والفزع مضافاً إلى أنّهما عيبان فادحان، لا جدوى من ورائهما للقضاء على المصائب والبليّات، ولا فائدة من الشكوى على القضاء الإلهيّ وعلى إرادة الحقّ عزّ وجلّ أمام المخلوق الضعيف الّذي لا حول له ولا قوّة. كما أُشير إلى ذلك في الحديث الشريف المنقول في الكافي: "مُحَمَّد بْنُ يَعْقُوبَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمَاعَةَ بْن مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ (ع) قالَ: قَالَ لِي: مَا حَبَسَكَ عَنِ الحَجِّ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَقَعَ عَلَيَّ دَيْنٌ كَثِيرٌ وَذَهَبَ مَالِي، وَدَيْنِي الَّذي قَدّ لَزمَنِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ مَالِي، فَلَوْلاَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا أَخْرَجَنِي مَا قَدَرْتُ أَنْ أَخْرُجَ، فَقَالَ لِي: إِنْ تَصْبِرْ تُغْتَبَط وإلّا تَصْبِرْ يُنْفِذِ اللهُ مَقَادِيرَهُ رَاضِياً كُنْتَ أَمْ كَارِهاً"(1).

فاعلم بأنّ الجزع والفزع لا يُجديان، بل لهما أضرار مخيفة ومهالك تنسف الإيمان. وأمّا الصبر والجلادة فلهما الثواب الجزيل والأجر الجميل والصورة البهيّة البرزخيّة الشريفة كما ورد في ذيل الحديث الشريف الّذي نحن بصدد شرحه حيث يقول: "وَكَذلِكَ الصَّبْرُ يُعقبُ خَيْراً فَاصْبِرُوا وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُؤجَرُوا"(2). فعاقبة الصبر إلى الخير في هذه الدنيا كما يُستفاد من التمثيل بالنبيّ يوسف (ع) -في الحديث المذكور- يبعث على الأجر والثواب في يوم الآخرة.

وفي الحديث الشريف المنقول في الكافي بسنده إلى أبي حمزة الثمالي رحمه الله قال: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِبَلاءٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ أَلْفِ شَهيدٍ"(3). ووردت أحاديث كثيرة في هذا المضمار.. وأمّا أنّ للصبر صورة بهيّة برزخيّة، فمضافاً إلى أنّها تتطابق مع بعض الأدلّة نجد الأحاديث الشريفة أيضاً تتحدّث عنها. كما في الكافي الشريف عن الإمام الصادق (ع) قال: "إِذَا دَخَلَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ كَانَتِ الصَّلاَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ والبِرُّ مُطلٌّ عَلَيْهِ وَيَتَنَحَّى الصَّبْرُ نَاحِيةً، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ المَلَكَانَ اللَّذَانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالبِرِّ: دُونَكُمْ صَاحِبَكُمْ فَإِنْ عَجَزْتُمْ مِنْهُ فَأَنَا دُونَهُ"(4).

الأربعون حديثاً،الإمام الخميني، دار التعارف،1411 ه- - 1991م، ص250- 251.


1- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ص690، ح 10.

2- م.ن. ص89،ح 6.

3- م.ن. ص 92، ح 17.

4- أصول الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ص 90، ح8.