للمطالعة (سبب الغضب الإلهي)

إنّ الغضب الإلهيّ الّذي نزل على الأمم السابقة كان السبب الأساس فيه تركها فريضة النهي عن المنكر, وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): " فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرون الماضية بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي, والحلماء لترك التناهي"(1).

فعندما تركوا النهي عن المنكر نزل العذاب على الأمّة كلّها بما فيها من سفهاء وحلماء فاسقين ومتدينين -بحسب الظاهر- فاستحقّ أهل المعصية العذاب بسبب ما ارتكبت أيديهم, واستحقّ الآخرون أيضاً العذاب لأنّهم رؤوا المنكرات ولم يُحرّكوا ساكناً للإصلاح!.

يقول تعالى في كتابه الكريم ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾(2).

فالعذاب سيأخذ الجميع ولن يُستثنى منه إلا فئة واحدة, فمن هي هذه الفئة؟ هل هم المتديّنون الّذين يؤدّون الصلاة والصيام ويعيشون ضمن دائرة " ما يعنيهم" دون أن يُحرّكوا ساكناً للقيام بدورهم الإيجابيّ المصلح في المجتمع؟

كلّا, الآية الكريمة تُأكّد أنّ الّذين ينجون هم فقط المتديّنون ﴿الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾. فالّذي التزم بفريضة النهي عن المنكر هو الّذي سينجو, وكلّ الآخرين سيشملهم العذاب سواء كانوا ممّن تلوّثت أيديهم بالمعاصي أم من الّذين لم تتلّوث أيديهم ولكنّهم رأوا المعاصي فسكنوا إليها ورضوا بها. لأنّ إصلاح الآخرين هو أيضاً تكليف, وتركه معصية. وإلى ذلك أشار الإمام الخميني قدس سره في كلماته حيث يقول:

"كما أنّ كلّ فرد مطالب بإصلاح نفسه, فإنّه مطالب أيضاً بإصلاح الآخرين"(3).

وهذه الأمّة ليست مستثناة من ذلك فلو ترك المسلمون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحقّوا العذاب الإلهيّ, فقد ورد عن النبيّ الأكرم ": "لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ, فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعضهم, ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"(4).

إصلاح المجتمع في فكر الإمام الخميني، مركز الإمام الخميني، ط2 1424ه- - 2003م، ص9-11.


1- نهج البلاغة، ج2، ص 156.

2- سورة الأعراف، الآية: 165.

3- لكلمات القصار . ص245.

4- بحار الأنوار، ج97، ص94، ح 95.