للمطالعة

إنّ الإنسان يرغب أن يتفرّد في استيعاب معضلة علميّة وحلّها لدى محضر العلماء والرؤساء والفضلاء، ويبتهج أكثر، كلّما كان توضيحه للمسألة العلميّة أحسن، ولفت انتباه الحاضرين أكثر. لأنّه يُحبّ أن ينتصر على كلّ من يُناظره. إنّه يشعر بنوعٍ من الدلال العلميّ والتفوّق، وإذا اقترن ذلك بتصديق من إحدى الشخصيّات، لكان نور على نور. إنّ هذا المسكين غافل عن أنّه أحرز هنا موقعاً لدى الفضلاء والعلماء ولكنّه سقط من عين ربّهم ومالك ملوك العالَم، وأنّ عمله قد تُرك بأمر الحقّ المتعال في سجّين. ثمّ إنّ عمله هذا من الرياء ممزوج بعدّة معاصٍ أخرى، مثل فضحه وإذلاله وإيذائه أخاً له في الإيمان، وأحياناً التجرّؤ على مؤمن وهتكه، وكلّ واحد من هذه الأعمال هي من الموبقات وكافية وحدها لإدخال الإنسان في جهنّم. وإذا ألقت النفس مرّة أخرى شباك كيدها، لتقول لك: إنّ هدفي هو إعلان الحكم الشرعيّ وإظهار كلمة الحقّ وهو من أفضل الطاعات، وليس لإظهار العلم والتكبّر وحبّ الظهور، فاسأل نفسك في الباطن أنّه لو كان زميلي المساوي لي في الدرجة العلميّة هو الّذي قال ذلك الحكم الشرعيّ وهو الّذي حلَّ تلك المعضلة وكنتِ أنتِ مغلوبة في ذلك المحضر، أكان ذلك على حدٍّ سواء عندك؟ إذا كان كذلك فأنت صادق. وإذا لم تترك كيدها وقالت لك: إنّ إظهار الحقّ فضيلة، وله ثواب عند الله تعالى، وأنا أُريد أن أنال هذه الفضيلة، وأُعمّر دار الثواب، فقل لها: لنفرض أنّ الله تعالى أنعم عليكِ بتلك الفضيلة نفسها في حالة مغلوبيّتك وتصديقك بالحقّ، فهل تبقين طالبة للغلبة؟ فإذا رجعتم إلى باطنكم ورأيتم أنّكم ما زلتم تميلون إلى الغلبة، والاشتهار بين العلماء بالعلم والفضل، وأنّ بحثكم العلميّ كان لأجل الحصول على المكانة في قلوب أولئك، إذاً، فاعلموا أنّكم مراؤون في هذا البحث العلميّ الّذي هو من أفضل الطاعات والعبادات وأنّ عملكم هذا - بحسب الرواية الشريفة في كتاب

(الكافي) هو في "سجّين"، وأنّكم مشركون بالله. وإنّ هذا العمل هو لأجل حبّ الجاه والشرف وهما -بحسب الرواية- أشد ضرراً على الإيمان من ذئبين أُطلقا على قطيعٍ بلا راعٍ.

إذاً، فعليكم أنتم أهل العلم المتكفّلين بإصلاح الأمّة والإرشاد إلى الآخرة الأطبَّاء للأمراض النفسيّة، أن تُصلحوا أنفسكم أوّلاً وتجعلوا مزاجكم النفسيّ سالماً، كي لا تكونوا في زمرة "العالِم بلا عمل" وهو صنف معلوم الحال والعاقبة.

اللّهمّ طهّر قلوبنا من كدر الشرك والنفاق، وصفِّ مرآة قلوبنا من صدأ حبّ الدنيا وهي منشأ جميع هذه الأمور. اللّهمّ رافقنا، وخذ بأيدينا نحن المساكين المبتلين بهوى النفس وحبِّ الجاه والشرف في هذا السفر المملوء بالخطر وفي هذا الطريق المليء بالمنعطفات والصعاب والظلمات إنّك على كلّ شيء قدير.

الأربعون حديثاً،الإمام الخميني، دار التعارف،1411ه- - 1991م،ص56- 58.