الدرس الحادي عشر: عالم البرزخ

معنى البرزخ:

البرزخ لغة: هو الحائل بين شيئين أو مرحلتين، ففي الآية الشريفة ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَان﴾(1).

البرزخ اصطلاحاً: المراد منه هنا هو العالم الذي يتوسط بين الدنيا وعالم الآخرة، أي أن الروح بعد انفصالها عن الجسم وقبل عودتها إليه يوم القيامة فإنها سوف تبقى في عالم يتوسط العالمين ويسمى عالم البرزخ.

البرزخ في القرآن الكريم:

وردت في القرآن الكريم عدَّة آيات تتحدث عن عالم البرزخ وتعرَّضت هذه الآيات إلى ذكر بعض الخصوصيات.

الآية الأولى يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ‏ِ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(2).

ففي هذه الآية المباركة يذكر اللّه تعالى حال الكفار والظلمة بعد الموت مباشرة وبداية دخولهم في عالم البرزخ وقد طلبوا العودة إلى دار الدنيا للعمل الصالح حيث أدركوا حجم الخسارة التي وقعوا بها، كما يشير إلى ذلك أمير المؤمنين‏ بقوله: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"(3). ولكن يأتي الجواب من اللّه تعالى بعدم العودة وبداية العالم الجديد الذي هو عالم البرزخ ويبقون فيه إلى يوم القيامة.

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق‏: "أتخوَّف عليكم في البرزخ".

فسأله الراوي: ما البرزخ؟

فقال (ع): "القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة"(4).

الآية الثانية: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾(5).

الآية الثالثة: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا اتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(6).

هاتان الآيتان تتحدثان عن الشهداء والذين يقتلون في سبيل اللّه تعالى وعن بعض التفاصيل في حياتهم من الفرح والاستبشار والحياة والرزق وعدم الخوف والحزن، وهما تدلان على عالم البرزخ بالبيان التالي.

إن الآيتين تتحدثان عن الحياة بعد الموت، فأين هي هذه الحياة؟ بالطبع ليست في الدنيا لأن الكلام بعد الموت، وليست في الآخرة أي يوم القيامة لأنها لم تأت بعد، فالنتيجة أنهم أحياء في عالم متوسط بين الدنيا والآخرة وهذه الحياة متناسبة مع تلك النشأة وأثارها، وهذا ما سماه القرآن وأهل البيت عليهم السلام بالبرزخ.

ونلاحظ في هاتين الآيتين أن اللّه تعالى يتكلم عن حياة الشهداء ولكن هذا لا ينفي حياة غيرهم بل لعلّ‏َ اللّه تعالى خصَّص ذكر الشهداء إما لمدخلية أسباب النزول حيث نزلتا بحق شهداء بدر وأحد، وإما لأن الآيتين تبينان فضل الشهداء وكيفية حياتهم البرزخية من النعيم والرزق الكريم.

الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب﴾(7).

هذه الآية المباركة إشارة واضحة إلى عالم البرزخ حيث تتحدث عن آل فرعون كيف يتعذبون في عالم البرزخ حيث يعرضون على النار صباحاً ومساءً، ويدل على ذلك ذيل الآية التي تحدثت عن دخولهم في النار عند قيام الساعة المعبَّر عنه بأشد العذاب، وصار يظهر الفرق بين العالمين والعذابين حيث إنهم في عالم البرزخ يعرضون عرضاً على النار أي لا يدخلونها، فيعذبون فيها عن بعد ومن وهجها كما لو مرَّ إنسان بجانب نار ودنا منها فإنه قد يحرق نفسه من وهجها، وبالمقابل لو مرَّ إنسان بجانب بستان ملي‏ء بالأشجار فإنه من نسيمه يشعر بالانتعاش حتى لو لم يدخله.

أما يوم القيامة فإنهم يدخلون إلى النار ويلقاهم أشد العذاب.

وقد روي عن النبي (ص) ما يؤيد هذا المعنى: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعد حين يبعثك اللّه يوم القيامة"(8).

وقال‏ (ع): "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران"(9).

الآية الخامسة: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾(10).

الآية المباركة تتحدث عن مؤمن آل يس الذي ساند ودعم رسل السيد المسيح (ع) الذين بعثوا إلى مدينة إنطاكية ودعا الناس ونصحهم بإتباع الرسل لكن هؤلاء القوم لم يكترثوا به وقتلوه، وبعد قتله قيل له ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون....

وهذه الآية تدل على عالم البرزخ بالبيان الآتي:

إن الجنة عرضت عليه مباشرة بعد قتله بدليل أن قومه ما زالوا أحياء وتمنى لهم أن يعلموا بما وصل إليه، وبالطبع أن هذه الجنة هي ليست جنة القيامة لأن القيامة لم يأت موعدها بعد، وليست هذه الجنة في الدنيا قطعاً لذهابه بموته عن هذه الدنيا، فلا بد وأن يكون هناك عالم آخر، فينحصر ذلك في عالم البرزخ. وهذه الآية تشير بشكل واضح إلى نعيم القبر والبرزخ بالنسبة للمؤمنين.

نكتفي بهذا المقدار من ذكر الآيات التي يمكن إثبات عالم البرزخ من خلالها ولكي يكتمل البحث نشير إلى بعض الروايات الواردة في هذا المجال.

البرزخ في الأحاديث الشريفة:

إن الروايات التي تتحدث عن عالم البرزخ كثيرة.

وفي الحديث المشهور عن النبي‏ (ص): أنه عندما ألقوا بأجساد قتلى مشركي مكة، الذين قتلوا في غزوة بدر في أحد الابار وقف النبي‏ا على البئر وقال: "يا أهل القليب(11) هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، قالوا: يا رسول اللّه هل يسمعون؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن اليوم لا يجيبون"(12).

وذكر أمير المؤمنين‏ في نهج البلاغة، أنه عندما كان عائداً من حرب صفين وقف على مقبرة تقع خلف باب الكوفة وتحدث إلى الأموات بهذه الكلمات: "أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق، أما الدور فقد سكنت وأما الأزواج فقد نكحت وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم"؟ فالتفت إلى أصحابه وقال: "أمَّا لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى"(13).

وروي عن الإمام الصادق‏ إنه عندما سُئل عن أرواح المؤمنين أجاب: "في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها، ويقولون ربنا أقم الساعة لنا وأنجز لنا ما وعدتنا"(14).

خصوصيات عالم البرزخ:

القرآن الكريم لم يتعرض إلا لبعض حالات عالم البرزخ كالحياة والفرح والاستبشار وعدم الخوف بالنسبة للمؤمنين مقابل العذاب الذي يعيشه الظالمون والعرض على النار في الصباح والمساء، أما الخصوصيات التفصيلية لعالم البرزخ فإن القرآن الكريم لم يتعرض لذكرها بل تعرَّضت لها الروايات عن النبي وأهل بيته عليهم السلام ونذكر بعضاً منها:

1-السؤال في القبر:

عندما يوضع الميت في القبر يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه وبنيّه وأئمته وكتابه وقبلته وكيف قضى عمره وأنفق ماله وغير ذلك. وروي عن الإمام علي ابن الحسين (ع)‏: أنه قال: "ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته..."(15).

2-ضغطة القبر:

ورد ذكر ضغطة القبر في الأحاديث كثيراً وهي تكون على البعض أشد منها على البعض الآخر، وتعتبر كفارة للذنوب. قال‏ا عندما دفن الصحابي سعد بن معاذ: "إنه ليس من مؤمن إلا وله ضُمّة" ويقول (ص): "ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم"(16).

وأن الذي لا يدفن في الأرض يضغطه الهواء كالمصلوب أو الماء كالغريق.

في رواية عن الإمام الصادق‏: "إن رب الأرض هو رب الهواء فيوحي اللّه عز وجل إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشد من ضغطة القبر"(17).

3-التزاور:

عن الإمام الصادق‏: "إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب"(18).

4-انتفاع الأرواح بأعمال الآخرين:

توجد روايات كثيرة تدل على أن عمل الخير عن أرواح الأموات تنفعهم في عالمهم البرزخي وتصل إليهم على شكل هدايا. وورد في الرواية أن المسيح‏ مرَّ على أحد القبور فوجد صاحبه في العذاب وعندما مرَّ في العام القابل وجده في النعيم فعندما سأل اللّه تعالى عن ذلك: "خوطب بأن السبب هو فعل خيرٍ أداه ابن مؤمن له..."(19).

خلاصة الدرس

البرزخ لغة هو الحائل بين شيئين أو مرحلتين ففي الآية الشريفة ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ﴾.

وردت في القرآن الكريم عدَّة آيات تتحدث عن عالم البرزخ وتعرضت إلى ذكر بعض الخصوصيات كحال المؤمنين وحال الكافرين وأحوال الشهداء.

عنه (ص): "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار".

يوجد أحاديث كثيرة تحدثت عن أحوال البرزخ وعقباته وجناته وحال المؤمنين وانتفاعهم بأعمال الآخرين والتزاور بينهم وكذلك حال الكافرين وسؤالهم وضغطة القبر وغير ذلك.

للحفظ

يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا اتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

أسئلة حول الدرس

1-ما معنى البرزخ؟

2-اذكر آيتين يستفاد منهما عالم البرزخ؟

3-كيف صوَّرت الآيات حال الشهداء في عالم البرزخ؟

4-وصفت الأحاديث عالم البرزخ وخصوصياته؟

5-كيف نستدل على عالم البرزخ من قصة مؤمن آل فرعون؟


1- الرحمن: 20.

2- المؤمنون: 99-100.

3- بحار الأنوار، ج‏،4 ص‏43.

4- تفسير البرهان، ح‏3، ص‏120.

5- البقرة: 154.

6- آل عمران: 169 170.

7- غافر: 46.

8- بحار الأنوار، ح‏6 ص‏276.

9- المصدر السابق نفسه.

10- يس: 26.

11- القليب: هو البئر والمراد منه بئر بدر.

12- بحار الأنوار، ح‏6، ص‏254.

13- نهج البلاغة الكلمات القصار، 130.

14- فروع الكافي، ح‏3، ص‏244.

15- بحار الأنوار، ج‏6، ص‏223.

16- بحار الأنوار، ج‏6، ص 271.

17- نفس المصدر السابق، ص‏266.

18- الكافي، ج‏3، ص230.

19- بحار الأنوار، ج‏،6 ص‏220.